رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الإرهابيون المتطرفون يسجلون جرائمهم بالصوت والصورة ويتحدُّون العالم، وهؤلاء لا يستحيون من جرائمهم، ويعتبرونها قضية عادلة ونصرًا مؤزرًا، ومشروعًا مستحقًا، جرائمهم لا تخفى عن ذي عين وبصيرة، ولكن هل هم فقط الإرهابيون الحقيقيون؟ إن الأكثر جرمًا منهم في الحقيقة هم من يستفيدون بتخطيط وإدارة مباشرة أو غير مباشرة لهؤلاء الإرهابيين، ويصنعون للإرهاب أسبابه ويسهلون جرائمه ويكيلون بمعايير مختلفة لتصنيفه ولتحقيق أغراضهم الدنيئة ومصالحهم التي لا يمكن أن يحققوها بمعادلة المنافسة الشريفة أو الاتفاق الملتزم أو التعاون المتساوي، لذا هم يختبئون خلف الإرهاب والإرهابيين لتحقيق مكاسبهم ومصالحهم، ولإرهاب خصومهم، بما هدد ويهدد حياة البشر الذين بنوا حياتهم على الشرف والإخلاص والجد والاجتهاد، فلا يعبأون بحياة الناس ولا بقاء المدنية، ولا يهتمون باستقرار الأوطان، وإنما يؤججون الصراع، ويزرعون الفتنة، ويشعلون الحروب، وتمثل هذه الفئة دولًا ومؤسسات وشركات هي المستفيدة من تمدد الإرهاب وانتشاره، وتتكسب على نتائجه وصراعه واحترابه.
"بول كيندي"، مؤرخ أمريكي، يرى في كتابه "صعود وهبوط القوى العظمى"، أن بقاء وتمدد أي دولة عظمى إنما يكون بتوجيه طاقاتها نحو عدو مفترض، حتى لا تنشغل قوى المجتمع ببعضها، وهو يتوافق مع تنظيرات "هيجل"، الفيلسوف الألماني، التي تدعو إلى أهمية الحرب وبذل التضحيات حتى يصبح المجتمع قويًا من الداخل.
دراسات المفكر "هنتجتون" في "صدام الحضارات"، وكذلك "فوكوياما" الأمريكي في "نهاية التاريخ"، تستنتجان عدوًا سُمي بـ"العدو الأخضر" وهو الإسلام، وإن سيادة قيم الليبرالية الغربية هي نهاية الإبداع البشري، وهذا تبعه تحديد عدو هو «الإرهاب الإسلامي»، ولإيجاد مسار جديد من الصراع في المنطقة العربية والإسلامية، وتم خلق حالة الحرب على الإرهاب منذ هزيمة الروس في أفغانستان عام 1989م، والصراع بين "القاعدة" والولايات المتحدة، والتي انتهت إلى أحداث سبتمبر 2001م، حيث بدأ بعدها "بوش" الابن بالحرب على أفغانستان والعراق، لتتوالد ردود الفعل وتنامي الإرهاب وتوسع دائرته، خصوصا بعد إسقاط نموذج الثورات العربية التي بدأت عام 2011م لتسقط مفاهيم الاعتدال والوسطية والديمقراطية، وليبدأ عهد جماعات الإرهاب، واستمرار الصراع المتبادل، خصوصًا وأن قرار إسقاط النماذج السياسية للثورات العربية أتى بدعم غربي ودولي، واستبداله بانقلابات عسكرية أو مواجهات عسكرية، وحملات إعلامية دولية وإقليمية ومحلية "شيطنت" الاعتدال، وأبرزت الإرهاب. بل إنها شرعت لدول كالنظام السوري ولميليشيات مجرمة من القيام بجرائم حرب ضد سكان المنطقة كما في العراق وسوريا واليمن وليبيا تلك الميليشيات كالحوثيين وحزب الله وعشرات الميليشيات الطائفية في العراق وحفتر وميليشياته في ليبيا
وقد أكدت الإدارة الأمريكية أن هذا الإرهاب سيمتد لأكثر من 10 سنوات، وأسست تحالفًا دوليًا لمواجهة ما سمي بـ"داعش" الذي لا يتجاوز عدد أفراده بضعة آلاف من المقاتلين، ويمتلكون أدوات حربية تقليدية، في حين أن التحالف الدولي ضد الإرهاب يمتلك مئات الآلاف من المقاتلين برًا وبحرًا وجوًا، ويمتلك أحدث التقنيات والوسائل الحديثة، ومع هذا فإن "داعش" يمتلك مساحات من الأراضي تعادل دولًا مجتمعة، كما أن امتداده اتسع ليشمل دولًا مثل مصر وليبيا واليمن، ودولًا في إفريقيا، وعمليات في أوروبا آخرها عمليات بروكسل الأخيرة في مارس الماضي.
إن الحرب على الإرهاب تجسد جريمة «داعش» وأخواتها ونظيراتها، ولكنها بشكل أكبر وراءها مستفيدون كثيرون من تلك الحرب، منهم:
- اليمين المتطرف الأوروبي يستعيد مكانته انتخابيًا وسياسيًا.
- المحافظون الجدد في الولايات المتحدة متوثبون لإعادة مجدهم.
- مرشحون للرئاسة الأمريكية يقتاتون في حملاتهم الانتخابية على شعار "الحرب على الإرهاب"، بل إن مرشحًا مثل "ترامب"، مرشح الحزب الجمهوري، يتعهد بطرد المسلمين ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، ويريد من المملكة العربية السعودية أن تدفع ضريبة حماية! وهو ابتزاز سافل لمرشح متطرف.
- أما تجار الأسلحة السوداء فهم سعيدون بهذه الحرب، ويزودون كل الأطراف باحتياجات الصراع والاحتراب على حساب دماء الأبرياء.
- حتى المحطات الدولية العالمية والإقليمية وجدت فرحتها في إنتاج الأفلام والمسلسلات الخاصة بالإرهاب، والتي تدر ملايين الدولارات، وإبرام العقود التجارية والإعلانية بما يضخم ميزانيتها ومواردها.
- الشركات الأمنية العالمية من خلال الحرب على الإرهاب خلقت لها بيئة وحالة تنافسية لمبيعاتها وعروضها وعقودها الباهظة واخترقت سيادة الدول
- ومثال على ذلك شركة (بلاك وتوتر) ودورها المشبوه فقد نشرت قناة "ديمكراسي ناو" الأمريكية على "يوتيوب"، تقريرا حول التهم الموجهة إلى إريك برينس، مؤسس شركات "بلاك واتر" التي تولت مهمة حراسة مواقع أمريكية حساسة في العراق، وقالت إن إريك متهم هذه المرة بغسيل الأموال عبر استغلال الوضع في ليبيا.
وقالت القناة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن إريك برينس قام بأدوار مشبوهة في ليبيا، فقد استغل الوضع الأمني ليعقد صفقات مع اللواء خليفة حفتر، الذي تعامل سابقا مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، ومع الاتحاد الأوروبي من جهة أخرى، مستغلا وجود الجماعات المسلحة في ليبيا والهجرة غير الشرعية نحو أوروبا.
- وهناك الكثير من الدول، فرحة بتعزيز ثقة الدول الكبرى بها في محاربة الإرهاب، لدرجة أن جريدة بريطانية وهي "الإندبندنت" تعنون أحد مقالات الكاتب «روبرت فيسك» أن العالم أصيب بالتخمة من "الحرب على الإرهاب".
إن نتائج الحرب على الإرهاب ونتائج مستثمري الصراع على الإرهاب كارثية على المنطقة، إذ إنها تعيش أزمة صراع بين دولها، وتزعزع أمنها بالفوضى، وخسائر في اقتصادها القومي والمحلي، واستمرار فقدان الأمن الاجتماعي، وانهيار الثقة بين المكونات الاجتماعية والعرقية، مما تؤسس لحالات التقسيم الديمجرافي، خصوصا أن سيلًا من الهجرات الديمجرافية تمت وما زالت تتم لتغيير ديمجرافي خطير يؤسس لحالات حروب قادمة على أساس طائفي وعرقي.
فالحرب على الإرهاب لم تصبح بين عدوين ظاهرين متحاربين، وإنما اتسعت لتشمل حالة التغيير الجيوستراتيجي والديمجرافي والاقتصادي في اتجاه الانهيار والتمزق وعدم الاستقرار.
وعلى الجميع أن يسأل: من هو المستفيد من الإرهاب؟ ومن يقف خلفه؟
معجم الدوحة للغة العربية وسام على صدر قطر
جميع العرب يعرفون مدى اهتمام دولة قطر منذ عقود بكل ما يعزز ثقافتها العربية الإسلامية وهي الدولة الفتية... اقرأ المزيد
36
| 26 ديسمبر 2025
سنة جديدة بقلب قديم!
لسنا بحاجة إلى سنة جديدة بقدر حاجتنا إلى سنة «مستعملة»، سنة من ذاك الزمن الجميل، حين كانت القيم... اقرأ المزيد
27
| 26 ديسمبر 2025
قطرنا الغالية قلب وروح العرب
قطرنا الحبيبة الغالية بلد الأمن والأمان لؤلؤة العرب وكعبة المضيوم كل عام وقطرنا الحبيبة فى أمان ومن عز... اقرأ المزيد
27
| 26 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1620
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025