رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لا شك أن كل أحد منا معرّض للفتن، وكل أحد- تبعاً لذلك- قابل للسقوط أو الصمود. لكن وقوع العلماء، من بين كل فئات المجتمع، وقت الفتن والمحن، أشد ضررا على الأمة، وخاصة أننا في زمن الاتصالات وسرعة انتشار الخبر والمعلومة، وبالتالي الخطأ الذي يقع من شخصيات يثق العامة بها، لاسيما علماء الدين، ضرره كبير، مهما تكن محاولات التصحيح والترقيع بعده.
إن كثرة الظهور الإعلامي وسيطرة شهوة نيل الشهرة والبقاء تحت الأضواء، أمر في غاية الخطورة لمن لا يحسن التعامل مع كل تلك الأمور بحكمة واعتدال، وأتحدث ها هنا عن كل النوعيات من البشر، سياسيين وفنانين ومفكرين ومعهم علماء دين أو دنيا كذلك. فإن تلك الأمور مثلما ترفع الشخص إلى مستويات ومراتب عليا، قادرة أن توقعه أسفل سافلين، فيفقد أكثر مما كسب وجمع.
لقد ساعدت التقنية في الاتصالات والمعلومات اليوم على كشف الكثيرين، وساعدت على رصد كل ما كان منهم وما هو كائن الآن، وصار بالإمكان تسجيل وحصر ما كان عليه أحدهم قبل وبعد. وحديثي هاهنا تحديداً عن علماء أو مشتغلين بالدين، لأن سقوطهم كما أسلفنا، ضرره كبير، ليس عليهم فحسب، بل على الآلاف المؤلفة من العامة الذين وثقوا بهم وعلمهم في سالف الأيام، واحتمالية أن يكون هؤلاء العلماء أو المشتغلون بالدين، عامل تشكيك عند البعض في الدين نفسه، وهو الضرر الأكبر.
ليس مطلوباً ولا واجباً ممن استهوتهم الشهرة الإعلامية، والظهور المستمر في المنصات الإعلامية المختلفة، التحدث في كل مجال، أو خوض بحار لا يجيدون السباحة فيها، وخصوصاً علماء الدين باعتبارهم ورثة الأنبياء، كما في حديث طويل «إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظ وافر».
وبالتالي يُفترض أنهم على منهج وسبيل الأنبياء يسيرون، أي الحرص كل الحرص على عدم فتح أي ثغرة يمكن أن يتسلل الشك منها إلى نفوس العامة بعدم خوض ما لا يجيدون فيه، وخاصة أننا نعيش عصر التخصص، بما في ذلك الدين. هذه نقطة أولى.
النقطة الثانية أن من يقبل الظهور الإعلامي من علماء الدين والبقاء في الأضواء، رغبة في نشر العلم الشرعي وتثقيف الناس وتوعيتهم بأساسيات وفروع دينهم، ألا ينزلق في متاهات ودروب مجالات أخرى تتطلب علماً وفهماً ودراية ووعياً ومتابعة، وألا يتم استدراجه إلى مناطق يتم استنطاقه بطريقة وأخرى لأجل منفعة فئة معينة، ولو على حساب سمعته وشهرته ومستقبله.
إن من يقبل الظهور الإعلامي المستمر من علماء دين أو غيرهم من الشخصيات العامة، عليه أن يكون حصيفاً ذكياً حكيماً، لا يخدعه مخادع من الإعلاميين أو المنصات الإعلامية التي تبحث عن الرواج والشهرة على حساب الآخرين.
لا شيء أن يظهر أحدنا في المنصات الإعلامية، إن كان يملك فهماً ودراية بالموضوعات التي سيتحدث عنها، بشرط ألا يكون الظهور رضوخاً لضغوطات سياسية أو طمعاً في مكاسب مالية أو رغبة للتوافق والسير وفق المزاج العام السائد في المجتمع، فالكثرة لا تعني الصواب دوماً.
الظهور الإعلامي له مكاسبه المتنوعة دون شك. فمن يكتسب شهرة إعلامية تجده ضيفاً دائماً على المنصات هنا وهناك، مع ما يصاحب ذلك من مكاسب مادية تزيد مع ازدياد الشهرة. لكن الخطورة هاهنا لمن لا يتنبه سريعاً لكثرة ظهوره، أن تلكم الكثرة تعني دفعه واقترابه نحو محرقة تنسف ماضيه وربما مستقبله، ما لم يقف ويهدأ حيناً من الدهر، وإلا ستبدأ شهرته فعلياً بالتآكل والضمور تدريجياً، وخاصة إن بدأت تصدر عنه آراء أو مواقف تتصادم مع المزاج العام أو تعمل على اختلاف وانشقاق الناس.
* نعم للظهور الإعلامي بشرط الثبات على الحق، ومع الحق في كل زمان ومكان، مهما بدا الباطل جذاباً أو مؤثراً، وهذا أمر أجده غاية في الصعوبة نظراً لاختلاف المواقف والتوجهات بين الحين والحين، ولأنه يحتاج قوة إيمان ووضوح رؤية وثباتا على المبادئ. وقلما تجد هذه النوعية من الثابتين في زمننا هذا، لأن أحدهم إما أن يكون من النوعية التي تخاف على نفسها وأهلها ومالها، وتظن أن قول الحق سيكلفها الكثير، فاختارت الصمت، باعتبار أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
وإما من النوعية التي تثبت ولا تتزحزح عن الحق قيد أنملة، مهما اختلفت الظروف والمواقف والتوجهات وكانت الضغوط، وبالتالي تجدها إما أن أفواهها قد كُممت أو أقلامها كُسرت بصورة وأخرى، أو تجدها في غياهب السجون! والأمثلة عبر تاريخنا أكثر مما يمكن حصره وذكره في هذه المساحة.
لكن الله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
د. عـبــدالله العـمـادي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2265
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
2166
| 25 سبتمبر 2025
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
1569
| 26 سبتمبر 2025