رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في صباح يوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2013، تم اعتقال زعيم جماعة "أنصار الشريعة" في تونس سيف الله بن حسين، المعروف أيضا بـ"أبو عياض"، في مدينة صبراتة الليبية، من خلال مشاركة قوات أمريكية خاصة مدعومة بقوات ليبية ومجموعة من الأهالي، إلى جانب مشاركة من عناصر استخباراتية عربية، وتحديداً جزائرية، حيث قالت مصادر ليبية واسعة الاطلاع إنه كان مرصوداً منذ مدة في المنطقة، مشيرة إلى أن الطائرات دون طيار، التي يعتقد أنها أمريكية، كانت تضع المنطقة تحت المجهر قبل اعتقاله.
وتُعَّدُ عملية اعتقال "أبو عياض" الذي كان في حماية مفتاح الذوادي، أحد قادة الجماعة الليبية المقاتلة سابقاً، وهو أحد المعتقلين في سجن أبو سليم وينتمي إلى منطقة صبراته الليبية، ثاني عملية خطف تنفذها قوات خاصة أمريكية على الأراضي الليبية، حيث سبق أن اعتقلت قوات أمريكية نزيه الرقيعي، المكنى بـ"أبو أنس الليبي"، من أحد شوارع العاصمة الليبية طرابلس في شهر أكتوبر الماضي بدعوى تورطه في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا عام 1998، وأنه قيادي في تنظيم "القاعدة".
ويأتي إلقاء القبض على "أبوعياض" بعد ثبوت إدانته في العديد من الجرائم الإرهابية، لعل أبرزها:
1- مقتل القنصل الأمريكي بالسفارة الليبية "كريستوفر ستيفنز"سفير الولايات المتحدة الأمريكية في بنغازي يوم 11 سبتمبر 2012. وكان "أبوعياض" دفع بأنصاره للقيام بالهجوم على مقر السفارة الأمريكية في منطقة البحيرة بتونس العاصمة، وحرقها، كردّ فعل على نشر صور مسيئة للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، يوم 14 سبتمبر 2012، والذي نتج عنه اعتقال حكومة "النهضة" ناشطين سلفيين، وصل عددهم إلى 144، بتهمة مهاجمة السفارة الأميركية، وهو هجوم تسبب في مقتل أربعة تونسيين وجرح 49 آخرين، إضافة إلى إحراق 100 سيارة لموظفين في البعثة الدبلوماسية، وتدمير تجهيزات في المدرسة الأميركية القريبة من السفارة. وكان أبرز الموقوفين قيادي في تنظيم "أنصار الشريعة" يدعى أبو أيوب صدر حكم بسجنه سنة بتهمة التحريض على مهاجمة البعثة الدبلوماسية الأمريكية. والظاهر أن زعيم "أنصار الشريعة" سيف الله بن حسين المعروف بـ"أبو عياض التونسي" كان أيضاً من السلفيين المطلوب توقيفهم في قضية السفارة، لكنه نجا من الاعتقال آنذاك، إثر انتهاء الخطبة التي ألقاها يوم 17 سبتمبر 2012، حيث قامت قوات الأمن الداخلي بتطويق جامع الفتح بالعاصمة التونسية للقبض على زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" المطلوب للعدالة، وقامت بمحاصرة المسجد من كل الأماكن. فرفض أنصار "أبو عياض" تسليم زعيمهم لقوات الأمن الداخلي التي طوقت جامع الفتح وبعد نصف ساعة من محاولة إقناع الأمنيين لـ"أبو عياض "بضرورة تسليم نفسه فوجئ الأمنيون بقرار "فوقي" من وزارة الداخلية التي كان يقودها رئيس الحكومة الحالي السيد علي العريض، يطالبهم بالتراجع الفوري والسماح لـ"أبو عياض" بمغادرة المكان وهذا ما حصل فعلاً. وقد عللت وزارة الداخلية هذا القرار بأنه تفادياً لسقوط ضحايا من الجانبين.
2 ـ يوم 6 فبراير2013: خلية إرهابية تابعة لتنظيم" أنصار الشريعة "تغتال القائد اليساري، أمين عام حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، شكري بلعيد أمام منزله بفتوى وقرار من زعيمهم ابو عياض.
3 ـ سقوط قتيلين من تنظيم "أنصار الشريعة" بحي التضامن بعد منع قوات الأمن عقد مؤتمر التنظيم السنوي الثالث دون التقيد بالإجراءات القانونية في مايو 2013.
4 ـ اغتيال النائب القومي الناصري محمد البراهمي في 25 يوليو 2013 أمام منزله من قبل أبوبكر الحكيم ولطفي الزين بأمر من زعيم تنظيم "أنصار الشريعة أبو عياض".
5- يوم 29 يوليو 2013 ذبح 8 جنود في جبل "الشعانبي" التابع لولاية القصرين من قبل خلية إرهابية يقودها كمال القضقاضي المساعد الشخصي لأبو عياض.
6 ـ 4 أغسطس 2013: توفي جندي تونسي وجرح 7 آخرين بعد تفجر لغم بجبل الشعانبي وضعته خلية إرهابية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة.
7 ـ يوم 18 أكتوبر 2013 عمدت مجموعة من الإرهابيين المنتمين إلى تنظيم "أنصار الشريعة "إلى قتل ثلاثة عناصر من قوات الأمن بقبلاط التابعة لولاية باجة.
8 ـ يوم 23 أكتوبر 2013 اغتيال مجموعة من قوات الحرس الوطني من قبل مجموعة إرهابية تابعة لتنظيم أنصار الشريعة.
وقد أدّت العمليات لإرهابية المختلفة التي نفذتها العناصر المرتبطة بتنظيم "أنصار الشريعة" خلال عام 2013 بحسب الأرقام الرسمية التونسية إلى استشهاد 23 عنصراً أمنياً وعسكرياً، وكذلك إصابة عدد آخر هام من أعوان الأمن والعسكريين بسبب انفجارات الألغام وهي إصابات طالت أرجل الأمنيين وطالت المدرعات العسكرية. في المقابل تم إلقاء القبض بحسب المصادر عينها على حوالي 885 إرهابيّا وتصفية 11 عنصراً منهم.
وكان رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السيد علي العريّض أعلن في شهر أغسطس 2013 تصنيف تيار "أنصار الشريعة" المحظور كـ"تنظيم إرهابي"، على خلفية اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي، وأصدرت الحكومة التونسية مذكرة اعتقال دولية ضد "أبو عياض" (48 سنة) الذي فرّ إلى ليبيا، في حين اتهم وزير الداخلية السيد لطفي بن جدو تنظيم "أنصار الشريعة" بالضلوع في جريمتي اغتيال المعارضين السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وبقتل عناصر من قوات الجيش والأمن الوطنيين في أحداث إرهابية، وإدخال أسلحة مهربة من ليبيا إلى تونس وبالتخطيط "للانقضاض على الحكم بقوة السلاح" وإعلان طأول إمارة إسلامية في شمال إفريقيا".
إن تأملت حوادث التاريخ، ستجدها تتكرر بنفس السيناريوهات تقريباً، أو أحياناً بشكل تكاد تكون طبق الأصل من بعضها... اقرأ المزيد
330
| 02 أكتوبر 2025
اعذروني ولكني أبدو متخوفة جدا من خطة ترامب بشأن غزة حتى وإن مالت الدول العربية ودول العالم ككل... اقرأ المزيد
189
| 02 أكتوبر 2025
في قطر، كما في غيرها من مجتمعات الخليج، لم تكن الهوية يوماً مجرد رواية موروثة، بل كانت دومًا... اقرأ المزيد
165
| 02 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
يطلّ عليك فجأة، لا يستأذن ولا يعلن عن نفسه بوضوح. تمرّ في زقاق العمر فتجده واقفًا، يحمل على كتفه صندوقًا ثقيلًا ويعرض بضاعة لا تشبه أي سوق عرفته من قبل. لا يصرخ مثل الباعة العاديين ولا يمد يده نحوك، لكنه يعرف أنك لن تستطيع مقاومته. في طفولتك كان يأتيك خفيفًا، كأنه يوزّع الهدايا مجانًا. يمد يده فتتساقط منها ضحكات بريئة وخطوات صغيرة ودهشة أول مرة ترى المطر. لم تكن تسأله عن السعر، لأنك لم تكن تفهم معنى الثمن. وحين كبُرت، صار أكثر استعجالًا. يقف للحظة عابرة ويفتح صندوقه فتلمع أمامك بضاعة براقة: أحلام متوهجة وصداقات جديدة وطرق كثيرة لا تنتهي. يغمرك بالخيارات حتى تنشغل بجمعها، ولا تنتبه أنه اختفى قبل أن تسأله: كم ستدوم؟ بعد ذلك، يعود إليك بهدوء، كأنه شيخ حكيم يعرف سرّك. يعرض ما لم يخطر لك أن يُباع: خسارات ودروس وحنين. يضع أمامك مرآة صغيرة، تكتشف فيها وجهًا أنهكته الأيام. عندها تدرك أن كل ما أخذته منه في السابق لم يكن بلا مقابل، وأنك دفعت ثمنه من روحك دون أن تدري. والأدهى من ذلك، أنه لا يقبل الاسترجاع. لا تستطيع أن تعيد له طفولتك ولا أن تسترد شغفك الأول. كل ما تملكه منه يصبح ملكك إلى الأبد، حتى الندم. الغريب أنه لا يظلم أحدًا. يقف عند أبواب الجميع ويعرض بضاعته نفسها على كل العابرين. لكننا نحن من نتفاوت: واحد يشتري بتهور وآخر يضيّع اللحظة في التفكير وثالث يتجاهله فيفاجأ أن السوق قد انفض. وفي النهاية، يطوي بضاعته ويمضي كما جاء، بلا وداع وبلا عودة. يتركك تتفقد ما اشتريته منه طوال الطريق، ضحكة عبرت سريعًا وحبًا ترك ندبة وحنينًا يثقل صدرك وحكاية لم تكتمل. تمشي في أثره، تفتش بين الزوايا عن أثر قدميه، لكنك لا تجد سوى تقاويم تتساقط كالأوراق اليابسة، وساعات صامتة تذكرك بأن البائع الذي غادرك لا يعود أبدًا، تمسح العرق عن جبينك وتدرك متأخرًا أنك لم تكن تتعامل مع بائع عادي، بل مع الزمن نفسه وهو يتجول في حياتك ويبيعك أيامك قطعةً قطعة حتى لا يتبقى في صندوقه سوى النهاية.
6021
| 26 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
5595
| 25 سبتمبر 2025
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4470
| 29 سبتمبر 2025