رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تميزت المالية العامة في السعودية في السنوات القليلة الماضية بتسجيل أرقام ضخمة وذلك بعد الكشف عن أن الأرقام النهائية أعلى بكثير من تلك التي يتم رصدها عند الإعلان عن الموازنات. وخير دليل على زعمنا هذا هو تسجيل فائض مالي يفوق 100 مليار دولار في السنة المالية 2012 والتي انتهت حديثا. لا شك يعود الأمر بشكل جوهري للتطورات في القطاع النفطي من قبيل قيام السعودية بتعويض أسواق النفط العالمية لمقاطعة النفط الإيراني.
جريا على العادة وتطبيقا للسياسية المالية المحافظة للمملكة فقد تم تقدير موازنة 2013 بنفقات وإيرادات قدرها 219 مليار دولار و221 مليار دولار على التوالي، وبالتالي توقع فائض محدود يقدر بملياري دولار. لكن يتوقع أن يكون الرقم الفعلي للإيرادات أعلى بكثير عن المعلن بسبب التطورات في القطاع النفطي. بل ليس من المستبعد أن يكون الفائض الفعلي ضخما بشكل نوعي كما كان عليه الحال في 2012 بسبب الدخل النفطي والذي بدوره يشكل ثلاثة أرباع كل من إيرادات الخزانة العامة من جهة والصادرات من جهة أخرى.
اللافت في هذا الصدد هو تكرار سيناريو تحاشي السلطات في السعودية نشر الرقم المفترض لبرميل النفط رغم الأهمية النسبية الكبيرة للقطاع النفطي للاقتصاد السعودي سواء بالنسبة لدخل الخزانة. لا شك يمثل متوسط السعر المفترض لبرميل النفط متغيرا مهما بالنظر لكون السعودية أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. في المقابل، تمارس السلطات السعودية الشفافية والالتزام فيما يخص نشر أرقام الموازنات الجديدة قبل دخولها حيز التنفيذ كما هو الحال مع الموازنة الجديدة.
وفي كل الأحوال، لا بأس من الوقوف على موازنتي 2012 و2011 لمعرفة التوجهات الفعلية لموازنة 2013 والتي بدأت مطلع السنة الجديدة. في التفاصيل، ارتفعت إيرادات العام 2012 بواقع 143 مليار دولار وصولا إلى 330 مليار دولار أي الأكبر على الإطلاق في تاريخ المملكة.
ويكشف هذا التطور مدى استفادة السعودية من تعويض أسواق النفط العالمية على خلفية قرار الاتحاد الأوروبي بوقف توريد النفط الإيراني. يعتقد عالميا بأن لدى السعودية قدرة على تعزيز مستوى إنتاجها النفطي بواقع مليوني برميل يوميا فوق حصتها المحددة لها في منظمة أوبك.
وبالنسبة للنفقات فقد ارتفعت قيمتها بواقع 43 مليار دولار وصولا إلى 227 مليار دولار. وعلى هذا الأساس، ارتفع الفائض المتوقع للعام 2012 وقدره 3 مليارات دولار إلى 103 مليارات دولار في نهاية المطاف ما يعد أمرا غير عادي بكل المقاييس العالمية.
من المؤكد، كان بمقدور السلطات تعزيز النفقات بشكل أكبر بسبب توافر الفرصة، لكن من الناحية العلمية ربما لم يكن الخيار متوفرا بالضرورة بالنظر لعدم الإعداد لذلك. من المؤكد ليس من الصواب الصرف على أي مشاريع فقط بسبب توافر الفرص المالية دونما الإعداد المتكامل بما في ذلك التداعيات المحتملة على أمور مثل التضخم.
وربما هذا يفسر محدودية التضخم بنسبة تقل عن 3 في المائة في 2012 قياسا بأرقام العام 2011. يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد كونه يضر الجميع لكن بدرجات متفاوتة للمقتدر وغير المقتدر.
ويشكل هذا الرقم قرابة 14 في المائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للعام 2012 والذي بلع 727 مليار دولار بالأرقام الجارية. وللتدليل على أهمية الفائض يلزم مشروع الاتحاد النقدي الخليجي والذي دخل حيز التنفيذ مطلع العام 2010 بتقييد مستوى عجز الميزانية عند 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. لكننا هنا نتحدث عن الفائض وليس النقص ما يعد أمرا مريحا وخلافا للمشهور.
وقد أسهم النمو الاقتصادي للعام 2012 وقدره 8.6 في المائة في رفع مستوى حجم الناتج المحلي الإجمالي إلى 727 مليار دولار إلى بقاء السعودية ضمن أكبر 20 اقتصادا في العالم. عموما المعروف بأن المملكة هي الدولة العربية الوحيدة العضو في مجموعة العشرين والتي تضم كبرى الاقتصادات العالمية بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا واليابان والصين والبرازيل والهند.
وفيما يخص موازنة السنة المالية 2011 فقد أسهم ثنائي زيادة الإنتاج النفطي من جهة وبقاء أسعار النفط مرتفعة من جهة أخرى خصوصا مقارنة مع الرقم المفترض عند إعداد الموازنة إلى ارتفاع حجم الإيرادات لأكثر من الضعف من 144 مليار دولار إلى حوالي 296 مليار دولار. بدورها، وفرت حالة زيادة دخل الخزانة الفرصة لرفع مستوى النفقات العامة من 155 مليار دولار إلى 214 مليار دولار في نهاية المطاف وبالتالي تسجيل فائض قدره 82 مليار دولار.
وقد سمحت ظاهرة تعزيز الإيرادات في السنوات القليلة الماضية بقيام السلطات السعودية في العام 2011 بإقرار مخصصات قدرها 130 مليار دولار للصرف على مختلف البرامج الاجتماعية إضافة إلى بناء مساكن جديدة فضلا عن منح علاوات وتسهيلات متنوعة للمواطنين بغية تحسين رفاهية الشعب السعودي. وقد بدأت عملية صرف المبلغ في 2011 ولعدة سنوات بما في ذلك العام الحالي.
ختاما، عودة لموازنة 2013، فقد أقر المسؤولون تخصيص حصة الأسد للتعليم والرعاية الصحية وهي من الصفات التي تكون محل اقتدار. بل من شأن تعزيز النفقات على التعليم والصحة والبنية التحتية المساهمة في تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية الحيوية فيما يخص تحسين ترتيب المملكة على مؤشر التنمية البشرية فضلا عن تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد السعودي. ويحدونا الأمل بأن تساهم زيادة النفقات إلى تحسين ترتيب السعودية على مؤشر التنمية البشرية، حيث جاء ترتيبها في المرتبة رقم 56 دوليا في تقرير 2011 وهي آخر سنة تتوافر حولها أرقام التقرير الدولي عند إعداد بحثنا، أي الرابعة خليجيا بعد الإمارات وقطر والبحرين.
بقي علينا انتظار النتائج النهائية للسنة المالية الجديدة.
في منتدى الدوحة 2025 وسط حضور كبير تجاوز ستة آلاف شخص وفي التنوع في الجلسات الحوارية التي ناقشت... اقرأ المزيد
156
| 17 ديسمبر 2025
تحسبونه هينا وهو عند الله عظيم
وصلت صباحا وكلي همة وتفكير من أين سوف أبدأ، فإذا بي أدخل المكتب وأجد مكتب زميلتي ليس على... اقرأ المزيد
177
| 17 ديسمبر 2025
قطر.. قصة وطن يتألّق في يومه الوطني
في الثامن عشر من ديسمبر من كل عام، تكون دولة قطر على موعدٍ مع ذاكرتها الوطنية، وتفتح صفحات... اقرأ المزيد
123
| 17 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2331
| 10 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
831
| 10 ديسمبر 2025
هناك ظاهرة متنامية في بعض بيئات العمل تجعل التطوير مجرد عنوان جميل يتكرر على الورق، لكنه لا يعيش على الأرض (غياب النضج المهني) لدى القيادات. وهذا الغياب لا يبقى وحيدًا؛ بل ينمو ويتحوّل تدريجيًا إلى ما يمكن وصفه بالتحوّذ المؤسسي، حالة تبتلع القرار، وتحدّ من المشاركة، وتقصي العقول التي يُفترض أن تقود التطوير. تبدأ القصة من نقطة صغيرة: مدير يطلب المقترحات، يجمع الآراء، يفتح الباب للنقاش… ثم يُغلقه فجأة. يُسلَّم له كل شيء، لكنه لا يعيد شيئًا، مقترحات لا يُرد عليها، أفكار لا تُناقش، وملاحظات تُسجَّل فقط لتكملة المشهد، لا لتطبيقها. هذا السلوك ليس مجرد إهمال، بل علامة واضحة على غياب النضج المهني في إدارة الحوار والمسؤولية. ومع الوقت، يصبح هذا النمط قاعدة: يُطلب من المختصين أن يقدموا رؤاهم، لكن دون أن يكونوا جزءًا من القرار. يُستدعون في مرحلة السماع، ويُستبعدون في مرحلة الفعل. ثم تتساءل القيادات لاحقًا: لماذا لا يتغير شيء؟ الجواب بسيط: التطوير لا يتحقق بقرارات تُصاغ في غرف مغلقة، بل بمنظومة تشاركية حقيقية. أحد أكثر المظاهر خطورة هو إصدار أنظمة تطوير بلا آلية تنفيذ، تظهر اللوائح كأحلام مشرقة، لكنها تُترك دون أدوات تطبيق، ودون تدريب، ودون خط سير واضح. تُلزم بها الجهات، لكن لا أحد يعرف “كيف”، ولا “من”، ولا “متى”. وهنا، يتحول النظام إلى حِمل إضافي بدل أن يكون حلاً تنظيميًا. في كثير من الحالات، تُنشر أنظمة جديدة، ثم يُترك فريق العمل ليخمن طريقة تطبيقها، وعندما يتعثر التطبيق، يُحمَّل المنفذون المسؤولية وتصاغ خطابات الإنذار. هذا المشهد لا يدل فقط على غياب النضج المهني، بل على عدم فهم عميق لطبيعة التطوير المؤسسي الحقيقي. ثم يأتي الوجه الأوضح للخلل: المركزية المفرطة، مركزية لا تُعلن، لكنها تُمارس بصمت. كل خطوة تحتاج موافقة عليا، كل فكرة يجب أن تُصفّى، وكل مقترح يمر عبر «فلترة» شخصية، لا منهجية. في هذا المناخ، يفقد الناس الرغبة في المبادرة، لأن المبادرة تصبح مخاطرة، لا قيمة. وهنا تتحول المركزية تدريجيًا إلى تحوّذ مؤسسي كامل. القرار محتكر. المبادرات محجوزة. المعرفة مقيّدة. والنظام الإداري يُدار بعقلية الاستحواذ، لا بعقلية التمكين. التحوّذ المؤسسي هو الفخ الذي تقع فيه الإدارات حين يغيب عنها النضج. يبدأ من عقلية مدير، ثم ينتقل إلى أسلوب إدارة، ثم يتحول إلى ثقافة صامتة في المؤسسة. والنتيجة؟ - تجميد للأفكار. - هروب للعقول. - فقدان للروح المهنية. - تطوير شكلي لا يترك أثرًا. أخطر ما في التحوّذ أنه يرتدي ثياب التنظيم والجودة واللوائح، بينما هو في جوهره خوف مؤسسي من المشاركة، ومن نجاح الآخرين، ومن توزيع الصلاحيات. القيادة غير الناضجة ترى الأفكار تهديدًا، وترى الكفاءات منافسة، وترى التغيير خطرًا، لذلك تفضّل أن تُبقي كل شيء في يدها حتى لو تعطلت المؤسسة بأكملها. القيادة الناضجة لا تعمل بهذه الطريقة. القيادة الناضجة تستنير بالعقول، لا تستبعدها. تسأل لتبني، لا لتجمّل المشهد. تُصدر القرار بعد فهم كامل لآلية تطبيقه. وتعرف أن التطوير المؤسسي الحقيقي لا يقوم على السيطرة، بل على الثقة، والتفويض، والوضوح، وبناء أنظمة تعيش بعد القائد لا معه فقط. ويبقى السؤال الذي يجب أن يُطرح بصراحة لا تخلو من الجرأة: هل ما نراه هو تطوير مؤسسي حقيقي… أم تحوّذ إداري مغطّى بشعارات التطوير؟ المؤسسات التي تريد أن ترتقي عليها أن تراجع النضج المهني لقياداتها قبل أن تراجع خططها، لأن الخطط يمكن تعديلها… لكن العقليات هي التي تُبقي المؤسسات في مكانها أو تنهض بها.
702
| 11 ديسمبر 2025