رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ... "رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام" "رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر".
وبعد: فقد كانت الرحلة إلى هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية مليئة بالمواقف والعبر، فكم من محنة ضمت بين جناحيها منحة، رحلة لم أفكر في يوم من الأيام القيام بها، بل مجرد التفكير في السفر إلى تلك البلاد.
. . . كما قال الشاعر: دع الأمور تجري في أعنتها . . . ولكن تقادير القدر غالبة . . . فكانت رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية . . . إلى هيوستن في ولاية تكساس لمرافقة زوجي للعلاج، وبالرغم أنها فترة قصيرة لم تتجاوز الثلاثة أشهر ولم تتجاوز المسافة بين الغرفتين غرفة الفندق . . .( والذى فوجئت بعدم وجود أي من المشروبات الكحولية في ثلاجات الغرف، كما هو معروف في الفنادق العالمية، وخصوصا الخليجية وعندنا - دولنا - التي أصيبت بلوثة أو قل صدمة حضارية حين أباحتها وصمت أذنيها عن جميع الأوامر والنواهي الإلهية )، وغرفة المستشفى، إلا أن فيها من المواقف والعبر ما جعلني أحببت تسجيله وتسطيره في هذا المقال، لأقول للجميع شكرا جزيلا وجزاكم الله خيرا، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله، وقد علمنا ديننا أن من الفضل أن يرد الفضل لأهله، وربانا نبينا المربي والمعلم الأول محمد بن عبدالله (عليه أفضل الصلاة والتسليم) على قيمة أن "من أتاكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له" وأن الفطرة الإنسانية السوية ما زالت موجودة في عباد الله - وأول من يستحق الشكر والامتنان بلادنا الجميلة حماها الله من حسد الحاسدين ومكر الماكرين وشماتة الشامتين وكيد الكائدين وزيف الزائفين المارقين.
* دولة قطر . . . متمثلة بأميرها الشاب وهو (خير خلف لخير سلف) وحكومتها الرشيدة التي تحاول جاهدة تنفيذ الأوامر الأميرية لتحقيق مصالح الوطن والمواطن وتيسيرالأمور على المواطن القطري للعلاج في الخارج وتحمل كافة مصاريف علاجه في الخارج، ولولا رعاية الدولة الكبيرة لمرضاها في الخارج والاهتمام بهم ورعايتهم لما استطاع الكثير من أبناء الوطن السفر إلى الخارج للعلاج ولما وجدوا من يرافقهم في رحلة العلاج هذه، إلا من رحم ربي ولا عجب أن جاء التصنيف العالمي لدولة قطر في المركز الأول في الرعاية الصحية لمواطنيها ولمن يقيم على أرضها على مستوى العالم، لأنها تستحقه عن جدارة، سواء داخل الدولة أو خارجها.
*سفارة الولايات المتحدة الأمريكية، متمثلة في سفيرتها القديرة بموقفها النبيل التي قدرت معاناتنا الإنسانية وحاجتنا الضرورية للسفر العاجل وعمل أعضاء السفارة الكرام الدؤوب للإسراع في استخراج التأشيرة واستعجالها وتسليمها في وقت قياسى، مما ساعدنا في سرعة السفر إلى مريضنا الذي كان يصارع الموت والحياة في خلال 48 ساعة حسب رؤية الأطباء في هيوستن، فكتب الله عز وجل له الحياة من جديد وصدق الله عز وجل القائل في كتابه (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس)، وكأننا نقرأها للتو والحمد لله رب العالمين.
*مستشفى ثيودست، وهو من المستشفيات الكبيرة في هيوستن يحوي الكثير من التخصصات الطبية والأقسام العديدة وسأخص بالذكر وحدة العناية المركزة بزراعة الكبد ووحدة العناية العادية ووحدة العلاج الطبيعي ويطلق عليه (ريهاب)، لأنها بيت القصيد عندي، فقد كان الفريق الطبي الذي أجرى (عملية زراعة الكبد) بمشرط الدكتورالماهرالقدير د. جبرائيل، جزاه الله عنا خيرا ووجود الدكتور أسامة جابر وفريق الأطباء الكرام على قدر عال جدا من العلم والمعرفة والثقة والمهارة الطبية والكفاءة العملية والأخلاق العالية الرفيعة التي يتمتعون بها والتواضع الجم والصبر الجميل على الاستفسارات والتساؤلات التي لا تنتهي والمفعمة بالخوف والرجاء من أهل المريض، ما يعجز القلم عن وصفه، حتى تمت العملية بفضل من الله ورحمته على خير وكتب له سبحانه وتعالى حياة جديدة على يد هذا الفريق الطبي الكفؤ الذي يستحق منا كل تقدير واحترام وشكر تعجز عن تسطيره الأقلام، واستمرت رحلة العلاج الطويلة بداية بالرعاية الطبية المتميزة في العناية المركزة في الدور الثالث من المستشفى على أعلى مستوى من الاهتمام والإخلاص وحسن الخلق والصدق في العمل ورعاية المريض المستمرة خلال الأربع والعشرين ساعة يوميا رعاية فائقة من جميع الأطباء بشتى التخصصات وكادر التمريض من الممرضين والممرضات والمساعدين والمساعدات والعاملين والعاملات وموظفي وموظفات الاستقبال والطوارئ، هذا العطاء والاهتمام ليس خاصا بمريضنا، ولكن كان شاملا لجميع المرضى بهذا القسم بغض النظر عن جنسياتهم وألوانهم وأديانهم وانتماءاتهم، فهم بحق كادر طبى متميز والولايات المتحدة الأمريكية تستحق أن تكون الأولى في التصنيف العالمي للوجهة الطبية العلاجية، فهى تسبق العالم في هذا المجال بنصف قرن من الزمان إن لم يكن أكثر فجزاهم الله عنا وعن جميع المرضى خير الجزاء، وأثابهم خيرا على ما قدموه.
واللافت للنظر، وأحسبه ميزة من ميزات المستشفى العديدة أن أقارب المرضى يستطيعون الولوج إليه للاطمئنان على مريضهم والبقاء عنده في أى وقت من ليل أو نهار، ماعدا أربع ساعات خاصة بالقسم (6 -8) صباحا ومساء يستطيع الأقارب خلالها الانتظار في غرفة الانتظار الخاصة بالدور، وكذلك لمسنا نفس الرعاية والاهتمام في قسمى الرعاية العادية في الدور الرابع وقسم العلاج الطبيعي ( ريهاب) في الدور التاسع في مبنى تور سميث، وهو تابع للمستشفى، لكن في الجهة الأخرى من المبنى.
كما لفت نظرنا الترابط والتواصل الأسري بين المرضى وأقاربهم رجالا ونساء وشبابا وأطفالا على اختلاف ألوانهم وانتماءاتهم وعقائدهم وما يتميزون به من لطف المعاملة وحسن المعشر مع بعضهم البعض أو مع الوافدين عليهم أمثالنا، بعكس ما يثارعن تلك المجتمعات من التفكك الأسري وبعض العرب والمسلمين، فلم يكن لهيئاتنا وملابسنا وأشكالنا أي أثر على حسن المعاملة وتقبلنا بينهم بكل احترام وتقدير وإجلال، ومن الإنصاف القول بأن الكثير من العرب المسلمين ممن اقتضت الظروف التعامل معهم على قدر عال من الخلق الحسن والأدب الجم، سواء أصحاب العقارات للتأجير أو المواصلات أو المطاعمن فقد كانوا صورة مشرفة للعرب المسلمين وغير المسلمين المقيمين هناك.
ومن المهم ذكره، وجود المصلى – وهو مصلى جميل كبير نظيف/ وليست كمصلياتنا الكئيبة المهملة في المستشفيات والأسواق وبعض المساجد / مصلى مجهز بمكتبة جيدة مرتبة تضم كتب الدين الإسلامي من المصاحف وكتب التفسير والحديث والدعوة والثقافة الإسلامية باللغة العربية والأجنبية - يستطيع المسلمون إقامة الصلوات الخمس وصلاة الجمعة فيه بكل راحة وطمأنينة دون التعرض لأي نوع من المضايقات، وقد خصص جزء منه لصلاة النساء فيه قد ازدان بمشربيات تحمل زخارف إسلامية تفصل صفوف النساء عن الرجال حسب تعاليم نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم) في السنة النبوية الشريفة، ومن خلال هذه السطور أتوجه بدعوة المهتمين بشؤون الدعوة الإسلامية، سواء الجهات الرسمية وغير الرسمية بالاهتمام بدعوة غير المسلمين هناك إلى الإسلام وإرسال المصاحف و الكتب الإسلامية باللغات التي تنتشر في تلك البلدة، فهي أرض بكر للدعوة الصادقة ولما يتميز به شعبها من حسن الخلق وحسن المعاملة – فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام – إذا أحسنت دعوتهم - لإنقاذهم من النار – كما يطلب ذلك الكثير من المهتدين الجدد في كثير من اللقاءات العامة والخاصة - بدلا من إهدار الوقت والجهد والمال في طباعة المطويات التي لا تسمن ولا تغني من جوع في مجال الهداية والتبليغ، والمحاضرات التي شبع الناس منها في عقر دار الإسلام، إن الناس في هيوستن بحاجة إلى توصيل الدعوة بالقدوة الصالحة والعمل النافع والإقناع بأسلوب حضاري والمعرفة بفقه الدعوة والجهاد في سبيل الله بالكلمة الطيبة وحسن الخلق كما قال تعالى "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن" واتباع سبيل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في المرحلة المكية بتصحيح مسار الفكر نحو العقيدة الصحيحة عقيدة التوحيد التي فطر الله عز وجل الناس عليها.
كما يحتوي - المستشفى على كنيسة كبيرة نظيفة وأنيقة لها مدخل خاص بها، وهناك مرشدون روحانيون من الديانة المسيحية من الرجال والنساء متأنقون في هيئاتهم يزورون المرضى لشد أزرهم وتخفيف وطأة المرض عليهم معنويا وتقوية إيمانهم بربهم وطلب الشفاء منه، مما يدل على حاجتهم الروحية للدين الصحيح واللجوء إلى الله عز وجل بالطريقة الصحيحة - وتقام في المستشفى فعاليات ثقافية وترفيهية عديدة ومتنوعة أسبوعيا، غالبا ما تضفي على المستشفى جوا من البهجة والسرور، مما يساهم مساهمة فعالة في الأداء الوظيفي للمنتسبين للمستشفى، إلى جانب إقامة فعالية إفطار للصائمين خلال شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر المبارك وتهنئتهم بإقامة مأدبة غداء للمسلمين وغيرهم ممن يود الحضور.
وتبدأ الحياة اليومية عندهم منذ الصباح الباكر وتنتهي قبل الغروب وهى الحياة الطبيعية بالفطرة السليمة السوية ويتميزون بدماثة الخلق وحسن التعامل وإلقاء التحية والتبسم دائما فهم يطبقون سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) "ألقِ السلام على من عرفت ومن لم تعرف – وتبسمك في وجه أخيك صدقة – وغيرها من التوجيهات النبوية بحسن الخلق) التي هجرناها بغفلتنا وطبقها الآخرون بوعيهم، وقد تبادر إلى ذهني مقولة الإمام محمد عبده الشهيرة الصحيحة لا مبالغة فيها (وجدت هناك الإسلام ولم أجد المسلمين وعندنا المسلمين ولم نجد الإسلام). أما عندنا فعندما تلقي السلام أو تبتسم فيقابلك بنظرات شذر مدر وباستهجان تكاد عيناه ولسانه ينطقان بماذا تريد أو لم تبتسم أو تحيينى وأنت لا تعرفني، ونسي هذا الغافل أو الجاهل أن التحية سمة دينه والابتسام سنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فيا أسفي على ما آل إليه حالنا.
*ومسك الختام في الشكر والتقدير والتبجيل:
- لسعادة وزير الخارجية الكريم سعادة الدكتور خالد بن محمد العطية على اللفتة اللطيفة بالسؤال عن منتسبي الوزارة من المرضى القطريين والتمنيات القلبية لهم بالشفاء العاجل.
- وسعادة القنصل القطري الفاضل في هيوستن وحرمه الفاضلة على اهتمامهما بالمرضى القطريين والاهتمام بزيارتهم وتكرارها للاطمئنان على صحتهم والعمل على تيسير أمورهم.
- والشكر موصول للمكتب الطبي في قنصليتنا في هيوستن والسيدة الفاضلة من مكتب تنسيق علاقات المرضى بمستشفى ثيودست.
- والشكر الكبير والجزيل لأهل قطر والخليج رجالا ونساء شبابا وأطفالا على وقفتهم الأخوية ودعائهم الصادق، خصوصا وقد وافق ذلك شهر رمضان الكريم والأشهر الحرم، مما كان لدعائهم أبلغ الأثر في الشفاء والعافية وصدق رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام (لا يرد القضاء إلا الدعاء).
فلجميع الأحبة جزاكم الله خيرا ولا أراكم الله مكروها في عزيز لديكم وشفى الله مرضانا ومرضى المسلمين ومرضى المستشفيات جميعا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جمال الأذان المفقود
لماذا غاب جمال الصوت في رفع الأذان؟ أليس لاختيار المؤذن شروط وضوابط؟ كيف تراجعت هذه الشروط التي كانت... اقرأ المزيد
42
| 19 ديسمبر 2025
جسم الإنسان يقبل التدرج ويرفض المفاجأة
غالبا، حينما نود تغيير أو زيادة أو علاج عنصر في جسم الانسان، علينا البدء باعطائه جرعات خفيفة من... اقرأ المزيد
45
| 19 ديسمبر 2025
تدابير الله كلها خير
يقول الله تعالى: «وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شرٌّ لكم والله... اقرأ المزيد
45
| 19 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن ما فعلته منصة (إكس) مؤخرًا مجرّد تحديثٍ تقني أو خطوةٍ إدارية عابرة، بل كان دون مبالغة لحظةً كاشفة. فحين سمحت منصة (إكس) بقرارٍ مباشر من مالكها إيلون ماسك، بظهور بيانات الهوية الجغرافية للحسابات، لم تنكشف حسابات أفرادٍ فحسب، بل انكشفت منظوماتٌ كاملة، دولٌ وغرف عمليات، وشبكات منظمة وحسابات تتحدث بلسان العرب والمسلمين، بينما تُدار من خارجهم. تلك اللحظة أزاحت الستار عن مسرحٍ رقميٍّ ظلّ لسنوات يُدار في الخفاء، تُخاض فيه معارك وهمية، وتُشعل فيه نيران الفتنة بأيدٍ لا نراها، وبأصواتٍ لا تنتمي لما تدّعيه. وحين كُشفت هويات المستخدمين، وظهرت بلدان تشغيل الحسابات ومواقعها الفعلية، تبيّن بوضوحٍ لا يحتمل التأويل أن جزءًا كبيرًا من الهجوم المتبادل بين العرب والمسلمين لم يكن عفويًا ولا شعبيًا، بل كان مفتعلًا ومُدارًا ومموّلًا. حساباتٌ تتكلم بلهجة هذه الدولة، وتنتحل هوية تلك الطائفة، وتدّعي الغيرة على هذا الدين أو ذاك الوطن، بينما تُدار فعليًا من غرفٍ بعيدة، خارج الجغرافيا. والحقيقة أن المعركة لم تكن يومًا بين الشعوب، بل كانت ولا تزال حربًا على وعي الشعوب. لقد انكشفت حقيقة مؤلمة، لكنها ضرورية: أن كثيرًا مما نظنه خلافًا شعبيًا لم يكن إلا وقودًا رقميًا لسياسات خارجية، وأجندات ترى في وحدة المسلمين خطرًا، وفي تماسكهم تهديدًا، وفي اختلافهم فرصةً لا تُفوّت. فتُضخ التغريدات، وتُدار الهاشتاقات، ويُصنع الغضب، ويُعاد تدوير الكراهية، حتى تبدو وكأنها رأي عام، بينما هي في حقيقتها رأيٌ مُصنَّع. وما إن سقط القناع، حتى ظهر التناقض الصارخ بين الواقع الرقمي والواقع الإنساني الحقيقي. وهنا تتجلى حقيقة أعترف أنني لم أكن أؤمن بها من قبل، حقيقة غيّرت فكري ونظرتي للأحداث الرياضية، بعد ابتعادي عنها وعدم حماسي للمشاركة فيها، لكن ما حدث في قطر، خلال كأس العرب، غيّر رأيي كليًا. هنا رأيت الحقيقة كما هي: رأيت الشعوب العربية تتعانق لا تتصارع، وتهتف لبعضها لا ضد بعضها. رأيت الحب، والفرح، والاحترام، والاعتزاز المشترك، بلا هاشتاقات ولا رتويت، بلا حسابات وهمية، ولا جيوش إلكترونية. هناك في المدرجات، انهارت رواية الكراهية، وسقط وهم أن الشعوب تكره بعضها، وتأكد أن ما يُضخ في الفضاء الرقمي لا يمثل الشعوب، بل يمثل من يريد تفريق الأمة وتمزيق لُحمتها. فالدوحة لم تكن بطولة كرة قدم فحسب، بل كانت استفتاءً شعبيًا صامتًا، قال فيه الناس بوضوح: بلادُ العُرب أوطاني، وكلُّ العُربِ إخواني. وما حدث على منصة (إكس) لا يجب أن يمرّ مرور الكرام، لأنه يضع أمامنا سؤالًا مصيريًا: هل سنظل نُستدرج إلى معارك لا نعرف من أشعلها، ومن المستفيد منها؟ لقد ثبت أن الكلمة قد تكون سلاحًا، وأن الحساب الوهمي قد يكون أخطر من طائرةٍ مُسيّرة، وأن الفتنة حين تُدار باحتراف قد تُسقط ما لا تُسقطه الحروب. وإذا كانت بعض المنصات قد كشفت شيئًا من الحقيقة، فإن المسؤولية اليوم تقع علينا نحن، أن نُحسن الشك قبل أن نُسيء الظن، وأن نسأل: من المستفيد؟ قبل أن نكتب أو نشارك أو نرد، وأن نُدرك أن وحدة المسلمين ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع حياة، يحتاج وعيًا، وحماية، ودراسة. لقد انفضحت الأدوات، وبقي الامتحان. إما أن نكون وقود الفتنة أو حُرّاس الوعي ولا خيار ثالث لمن فهم الدرس والتاريخ.. لا يرحم الغافلين
801
| 16 ديسمبر 2025
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي تحاول القيام بأدوار إيجابية أو سلبية، وخصوصا في مراحل بناء الدول وتأسيسها. ومنطقيا ينبغي على مَن يُصَدّر نفسه للقيام بأدوار عامة أن يمتاز ببعض الصفات الشخصية والإنسانية والعملية والعلمية الفريدة لإقناع غالبية الناس بدوره المرتقب. ومن أخطر الشخصيات والكيانات تلك التي تتعاون مع الغرباء ضد أبناء جلدتهم، وهذا ما حدث في غزة خلال «طوفان الأقصى» على يَد «ياسر أبو شباب» وأتباعه!. و»أبو شباب» فلسطيني، مواليد 1990، من مدينة رفح بغزة، وَمَسيرته، وفقا لمصادر فلسطينية، لا تُؤهّله للقيام بدور قيادي ما!. ومَن يقرأ بعض صفحات تاريخ «أبو شباب»، الذي ينتمي لعائلة «الترابية» المستقرة في النقب وسيناء وجنوبي غزة، يجد أنه اعتُقِل في عام 2015، في غزة، حينما كان بعمر 25 سنة، بتهمة الاتّجار بالمخدّرات وترويجها، وحكم عليه بالسجن 25 سنة. وخلال مواجهات «الطوفان» القاسية والهجمات الصهيونية العشوائية على غزة هَرَب «أبو شباب» من سجنه بغزة، بعدما أمضى فيه أكثر من ثماني سنوات، وشكّل، لاحقا، «القوات الشعبية» بتنسيق مع الشاباك «الإسرائيلي»، ولم يلتفت إليها أحد بشكل ملحوظ بسبب ظروف الحرب والقتل والدمار والفوضى المنتشرة بالقطاع!. وبمرور الأيام بَرَزَ الدور التخريبي لهذه الجماعة، الذي لم يتوقف عند اعترافها بالتعاون مع أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بل بنشر التخريب الأمني، والفتن المجتمعية، وقطع الطرق واعتراض قوافل المساعدات الإنسانية ونهبها!. وأبو شباب أكد مرارًا أن جماعته تَتَلقّى الدعم «دعماً من الجيش الإسرائيلي»، وأنهم عازمون على «مواصلة قتال حماس حتى في فترات التهدئة»!. وهذا يعني أنهم مجموعة من الأدوات الصهيونية والجواسيس الذين صورتهم بعض وسائل الإعلام العبرية كأدوات بديلة لتخفيف «خسائر الجيش الإسرائيلي باستخدامهم في مهام حسّاسة بدل الاعتماد المباشر على القوات النظامية»!. ويوم 4 كانون الأول/ ديسمبر 2025 أُعلن عن مقتل «أبو شباب» على يد عائلة «أبو سنيمة»، التي أعلنت مسؤوليتها عن الحادث: وأنهم «واجهوا فئة خارجة عن قيم المجتمع الفلسطيني». وبحيادية، يمكن النظر لهذا الكيان السرطاني، الذي أسندت قيادته بعد مقتل «أبو شباب» إلى رفيقه «غسان الدهيني» من عِدّة زوايا، ومنها: - الخيانة نهايتها مأساوية لأصحابها، وماذا يَتوقّع أن تكون نهايته مَن يَتفاخر بعلاقته مع الاحتلال «الإسرائيلي»؟ - دور جماعة «أبو شباب» التخريبي على المستويين الأمني والإغاثي دفنهم وهم أحياء، مِمّا جعل مقتل «أبو شباب» مناسبة قُوْبِلت بالترحيب من أكثرية الفلسطينيين وغيرهم. - مقتل «أبو شباب» يؤكد فشل الخطة «الإسرائيلية» بجعل مجموعته المُتَحكِّم بمدينة «رفح» وجعلها منطقة «حكم ذاتي» خارج سيطرة المقاومة، وبهذا فهي ضربة أمنية كبيرة «لإسرائيل» التي كانت تُعوّل عليهم بعمليات التجسّس والتخريب. - قد تكون «إسرائيل» تَخلّصت منه، قبل إرغامها، بضغوط أمريكية، على المضي بالمرحلة الثانية من اتّفاق وقف إطلاق النار وذلك بتركه ليواجه مصيره كونه قُتِل بمنطقة سيطرة جيشها!. - الحادثة كانت مناسبة لدعم دور المقاومة على أرض غزة، ونقلت هيئة البثّ «الإسرائيلية»، الأحد الماضي، عن مصادر فلسطينية أن «مسلحين ينتمون لمليشيات عشائرية معارضة لحماس سَلّموا أنفسهم طواعية لأجهزة (حماس) الأمنية في غزة». منطقيًا، لو كانت جماعة «أبو شباب» جماعة فلسطينية خالصة ومنافسة بعملها، السياسي والعسكري، للآخرين بشفافية وصدق لأمكن قبول تشكيلها، والتعاطي معه على أنه جزء من المشاريع الهادفة لخدمة القطاع، ولكن حينما تَبرز خيوط مؤكدة، وباعترافات واضحة، بارتباط هذا الكيان وشخوصه بالاحتلال «الإسرائيلي» فهنا تكون المعضلة والقشّة التي تَقصم ظهر الكيان لأن التعاون مع المحتل جريمة لا يُمكن تبريرها بأيّ عذر من الأعذار. مقتل «أبو شباب» كان متوقعا، وهي النهاية الحتمية والسوداء للخونة والعملاء الذين لا يَجدون مَن يُرحب بهم من مواطنيهم، ولا مَن يَحْتَرِمهم من الأعداء، ولهذا هُم أموات بداية، وإن كانوا يمشون على الأرض، لأنهم فقدوا ارتباطهم بأهلهم وقضيتهم وإنسانيتهم.
657
| 12 ديسمبر 2025
السعادة، تلك اللمسة الغامضة التي يراها الكثيرون بعيدة المنال، ويظنون أن تحصيلها لا يكمن سوى في تحقيق طموحاتهم ومضامين خططهم، لكن السعادة ربما تأتيك على هيئة لا تنتظرها، قد تأتي فجأة وأنت في لحظة من الغفلة، فتكون قريبة منك أشد القرب، كما لو كانت تلتف حولك وتحيط بك من كل جانب. كثيرًا ما تختبئ السعادة في تلك التفاصيل التي لا تكترث بها، في تلك اللحظات التي تمر سريعة وكأنها حلم. ربما مر عليك تلك الليلة التي تلوت فيها القرآن، فتوقف قلبك عند آية بعينها، فانبعثت من أعماقك مشاعر جديدة، فسالت دموعك على وجنتيك، أو ربما كانت تلك الدمعة الثمينة قد سكبتها في إناء ركعة بجوف الليل، فسرت فيك طمأنينة وسكينة ورقة لم تعهدها، لا تعدل بها شيئًا من لذات الدنيا، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وربما مر عليك يوم، كنت تقلب منزلك رأسًا على عقب بحثًا عن شيء مفقود، وبينما أنت في حال من اليأس، تتذكر موضعه، أو يظهر لك في موضع لم تتوقعه كأنه يهدئ من روعك قائلًا: «هأنذا»، فتبتسم وتبتسم وتتسع ابتسامتك، ألم تكن هذه اللحظة الرائعة موعدًا لك مع السعادة؟ وذلك الفقير الذي يعاني من ضيق اليد، ربما قضى ليلته مهمومًا يفكر كيف يدبر قوتًا أو شيئًا من أمور المعاش لأهله، وبينما يخرج مجترًا همومه، يكتشف في جيب سترته القديمة ورقات نقدية قد نسيها منذ العام الماضي، فيتحول ذلك الفقر إلى لحظة من الفرح، ألم يكن هذا الرجل على موعد مع السعادة؟ حدثني أحدهم وكان حديث عهدٍ بالزواج أن صديقًا طرق بابه يطلب منه بعض المال، وهو لا يملك في جيبه غير مبلغ زهيد بالكاد يكفيه، لكنه يأبى أن يرد سائله، ويؤثره على نفسه رغم الخصاصة، ثم في نفس اليوم تزوره خالة له جاءت من سفر على غير موعد، لتبارك له وتهنئه، فأعطته مبلغًا من المال، فإذا به يراه نفس المبلغ الذي بذله إلى صديقه بالتمام والكمال لم ينقص منه قرش، فتجلى أمامه ذلك الوعد الإلهي بالعوض، ألم يكن ذلك الرجل على موعد مع السعادة؟ وذاك الذي كان على وشك أن يسقط في يد أعدائه وقد أشهروا أسلحتهم في وجهه، وبينما كان الخنجر يوشك أن يغرس في صدره، إذا به يستفيق فجأة من حلم مزعج، ويكتشف أنه كان مجرد كابوس، فيحمد الله على نجاته باليقظة من ذلك الهلع، ألم يكن وقت نجاته من ذلك الكابوس على موعد مع السعادة؟ وماذا عن تلك اللحظة التي أخذت فيها بيد عجوز هرم، تمشي بصعوبة وتبدو ملامحها تحمل سنوات من التجاعيد، لتسير بها إلى الجهة الأخرى من الطريق؟ ثم ترى تلك الدعوات التي تتدفق منها، والتي تظل تشعرك بالدفء والسعادة، وكأن دعاءها درعٌ لك، ألم يكن ذلك موعدًا لك مع السعادة؟ وكم هي السعادة حقيقية عندما يتمكن من الإصلاح بين زوجين كانا على شفير الفراق، فيكون سببًا في حماية ذلك البيت من الخراب؟ أو عندما يغمره الضحك على فكاهة بريئة تكاد تطيح به على ظهره من شدة السعادة؟ ألا يجد السعادة في تلك اللحظة الصغيرة عندما يقابل طفلة مبتسمة في الشارع، تملأ قلبه بالفرح بلا سبب آخر سوى ابتسامتها الطفولية؟ أليست كل هذه المشاهد مواعيد للمرء مع السعادة؟ السعادة تكمن في كل زاوية، في لمحة صغيرة، في حديث عابر، في ابتسامة، في دعوة، في لحظة طمأنينة، في إنجاز بسيط. نحن الذين نغفل عنها لأننا نبحث عنها في مكان بعيد، ولو أننا فهمنا أن السعادة ليست في ما نمتلكه من أشياء، بل في قدرتنا على الرضا، لتغيرت حياتنا. ليتنا ندرك أن السعادة ليست حلمًا بعيدًا أو حلمًا محجوزًا لمن يسعى للوصول إلى شيء معين، بل هي لحظات متجددة متغيرة متناوبة في كل يوم. السعادة موجودة في القلوب الراضية، وفي الأرواح الطاهرة، وفي الأبصار التي تلتقط جمال الحياة حتى في أصغر تفاصيلها، وما علينا سوى أن نرصد واقعنا بعين القناعة والتفاؤل، نتخلى قليلًا عن النظارة السوداء، فندرك أن مواعيد السعادة لا تنتهي.
642
| 14 ديسمبر 2025