رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حالياً، تشير التوقعات إلى أن رفع العقوبات عن إيران لن يكون قبل يناير ٢٠١٦، وقد يتأخر إلى ما بعد شهر أغسطس ٢٠١٦، وذلك يعكس طول وتعقد المفاوضات، وهذا يعني تأخر عودة النفط الإيراني للسوق إلى الربع الأخير من عام ٢٠١٦، وهذا يعني أن التأثير على استقرار وأسعار السوق قد يتأخر وقد يكون محدودا.
ويتوقع البيت الاستشاري إنرجي سيكيورتي اناليسس، إذا ما تم رفع العقوبات فإن إنتاج إيران ممكن أن يرتفع بـ 800 ألف برميل يومياً مع نهاية عام 2016.
تقلصت الفروقات ما بين نفطي خام برنت ودبي في المتوسط عند 1.5 دولار للبرميل خلال عام 2015 وهو الأقل منذ عام 2009، ولكن تشير التوقعات إلى اتساع بالفروقات مع ارتفاع الفائض وتصريف نفوط من الأسواق الأخرى إلى الأسواق الآسيوية.
وقد أعلنت الشركات النفطية، ومن بينها شركة بي بي على لسان رئيسها التنفيذي، بأنها لن تقوم بالمشاركة في تطوير قطاع الإنتاج في إيران إلا بعد اكتمال رفع العقوبات بشكل كامل، والتثبت بشكل واضح، وماذا ينوي الإيرانيون تقديمه للشركات الأجنبية على أساس عقود قانونية تضمن مصالحهم مقابل تطوير إنتاج جديد هناك، وهذا يعني أن عودة إنتاج إيران إلى مستوى ما قبل فرض الحظر الدولي سيأخذ وقتا، ولكن رفع القدرات الإنتاجية إلى ٤ ملايين برميل يومياً، أو يزيد، وذلك بمساعدة الشركات العالمية والخدماتية، سيتأخر إلى فترة أطول يقدره بعض المراقبين إلى ما بعد عام ٢٠١٨ وربما عام ٢٠٢٠، وهذه بمجملها مؤشرات إيجابية في السوق، كما أن رفع العقوبات عن إيران على إثر توقيع الاتفاق النووي ما بين إيران ومجموعة الست الدول الكبرى (٥ + ١) لا يعني الإسراع في التعامل ودخول الاستثمارات الأجنبية إلى إيران في ضوء عقوبات مالية إضافية تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على الشركات والبنوك التي تتعامل مع إيران، وهذه أمور يقدرها بعض المراقبين أنها إضافة تحتاج لجهود أخرى لرفعها وهو أمر قد يؤخر دعم البنوك الأجنبية لتمويل استثمارات تطوير قطاع الإنتاج هناك.
وقد أعلنت إيران على لسان وزير نفطها أنها مهتمة بإشراك الشركات الأمريكية في تطوير قطاع إنتاج النفط والغاز في إيران خلال المرحلة القادمة.
وقد أعلن البيت الاستشاري وود مكنزي وفق مصادر السوق أنه قد تم تأجيل ٤٥ مشروعا استثماريا لتطوير إنتاج جديد باحتياطيات بقيمة ٢٠٠ مليار دولار خلال عام ٢٠١٥ في ضوء ضعف الأسعار خصوصا في أمريكا وغرب إفريقيا، وهذا سيؤثر على تنامي المعروض في المستقبل.
وهذه الأجواء جعلت المراقبين يتوقعون سرعة ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية في خلال سنتين ما بعد ٢٠١٨ إلى مستوى ٨٠ أو ٩٠ دولارا للبرميل في ظل توقعات تأثر المعروض خصوصاً إذا ارتفع معدل الطلب العالمي على النفط بشكل يفوق المعروض.
وعلى صعيد التوقعات على المدى القريب خلال ما تبقى من عام ٢٠١٥، فإن التوقعات الحالية تشير إلى هبوط في أسعار النفط خلال الشهرين القادمين وسط مخاوف من تأثر الطلب الصيني على النفط بالرغم من ارتفاع الطلب الصيني لبناء المخزون الإستراتيجي للنفط خلال شهر يونيو.
إن ضعف أسعار النفط هو نتاج انطباعات وقناعات لدى المضاربين في السوق بأنه لا توجد دواع تستلزم ارتفاع الأسعار كشرط لرفع الإمدادات من النفط الخام بشكل كبير خلال السنوات القادمة وبما يتناسب مع معدلات توقعات تنامي الطلب العالمي على النفط وذلك في ظل توقعات تباطؤ معدل تنامي الطلب الصيني على النفط وأداء الاقتصاد هناك ويعود ذلك بسبب نجاح الشركات النفطية على وجه العموم والأمريكية على وجه الخصوص في رفع إنتاجية الحفر وخفض تكاليف الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والقدرة على التعايش مع أسعار أقل وهو ما يضمن استمرار الإنتاج بما يتوافق مع توقعات الطلب العالمي على النفط.
ومن المتوقع ارتفاع مستوى المخزون الأمريكي من النفط خلال الأشهر القادمة مع دخول جزء من طاقة التكرير في أمريكا برامج الصيانة، كذلك فإن ارتفاع إنتاج النفط الأمريكي بالرغم من ضعف الأسعار.
ويعتقد المراقبون أنه بالرغم من توقعات بثبات الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الأشهر القادمة من شهر أغسطس على أساس شهري، إلا أنه ومن أجل توازن السوق النفطية، يجب أن ينخفض إنتاج النفط الأمريكي ولا يكفي ثبات مستوى الإنتاج لتحقيق التوازن، وأن ذلك أي انخفاض الإنتاج يستدعي هبوط أسعار نفط خام الإشارة الأمريكي غرب تكساس المتوسط إلى ما دون ٤٥ دولارا للبرميل.
وعليه فإن هبوط نفط خام برنت إلى ما دون ٥٠ دولارا للبرميل لفترة، لتؤثر وتخدم خفض إنتاج النفط الصخري الأمريكي على أساس شهري، وبالتالي يمكن أن يتحقق توازن السوق.
هذا وتتوقع مصادر السوق خفضا في إنتاج السعودية خلال الأشهر القادمة من عام ٢٠١٥ بعد انتهاء ذروة الاستهلاك واستخدامات توليد الكهرباء ولذلك يتوقع أن يهبط إنتاج السعودية إلى ١٠ ملايين برميل يوميا، وكذلك فإنه من المتوقع انخفاض إنتاج العراق من مستوى ٤ ملايين برميل يوميا خلال الأشهر القادمة لأسباب فنية وعودة عدم التوافق مع إقليم كردستان حاليا وهذا يعني انخفاض إنتاج منظمة الأوبك عن ٣١ مليون برميل يوميا خلال الأشهر القادمة وهو ما يساهم في استقرار الأسواق بشكل نسبي.
وقد هبط إنتاج ليبيا من النفط الخام إلى ٣٥٠ ألف برميل يوميا، وهو مؤشر يساعد في دعم الأسعار على العموم.
وتقدر مصادر السوق بأن الفائض والزيادة في المعروض في السوق النفطية مصدره السعودية والعراق والولايات المتحدة الأمريكية ويقدر البعض الزيادة من هذه الدول بـ ٢ مليون برميل يومياً منذ اجتماع أوبك في ٢٧ نوفمبر ٢٠١٤ وهو بلا شك يفوق الزيادة في الطلب.
وهذا كله يعني أنه خلال ما تبقى من عام ٢٠١٥ فإن أسعار نفط خام الإشارة برنت، ورغم الضغوط والهبوط لفترات قصيرة، تتحرك ضمن نطاق ٥٠ -٥٥ دولارا للبرميل في الغالب.
وقد أكد الأمين العام للأوبك أن الوضع الحالي في السوق يعتبر اختبارا لجميع المنتجين والمستثمرين، وستتعافى الأسعار بلا شك، لكن لا يزال من السابق لأوانه تحديد متى سيحدث ذلك، وأن هناك مؤشرات على سوق أكثر توازناً بحلول نهاية هذا العام، وبالتالي يمكن توقع أن يكون عام 2016 بداية لاستقرار سوق النفط في الأمد الطويل.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
هناك لحظات تفاجئ المرء في منتصف الطريق، لحظات لا تحتمل التأجيل ولا المجاملة، لحظات تبدو كأنها قادمة من عمق الذاكرة لتذكره بأن الحياة، مهما تزينت بضحكاتها، تحمل في جيبها دائمًا بذرة الفقد. كنتُ أظن أني تعلّمت لغة الغياب بما يكفي، وأنني امتلكت مناعة ما أمام رحيل الأصدقاء، لكن موتًا آخر جاء هذه المرة أكثر اقترابًا، أكثر إيغالًا في هشاشتي، حتى شعرتُ أن المرآة التي أطل منها على وجهي اليوم ليست إلا ظلًّا لامرأة كانت بالأمس بجانبي. قبل أيام قليلة رحلت صديقتي النبيلة لطيفة الثويني، بعد صراع طويل مع المرض، صراع لم يكن سوى امتحان صعب لجسدها الواهن وإرادتها الصلبة. كانت تقاتل الألم بابتسامة، كأنها تقول لنا جميعًا: لا تسمحوا للوجع أن يسرقكم من أنفسكم. لكن ماذا نفعل حين ينسحب أحدهم فجأة من حياتنا تاركًا وراءه فراغًا يشبه هوة بلا قاع؟ كيف يتهيأ القلب لاستيعاب فكرة أن الصوت الذي كان يجيب مكالماتنا لم يعد موجودًا؟ وأن الضحكة التي كانت تفكّك تعقيدات أيامنا قد صمتت إلى الأبد؟ الموت ليس حدثًا يُحكى، بل تجربة تنغرس في الروح مثل سكين بطيئة، تجبرنا على إعادة النظر في أبسط تفاصيل حياتنا. مع كل رحيل، يتقلص مدى الأمان من حولنا. نشعر أن الموت، ذلك الكائن المتربّص، لم يعد بعيدًا في تخوم الزمن، بل صار يتجوّل بالقرب منا، يختبر خطواتنا، ويتحرّى أعمارنا التي تتقارب مع أعمار الراحلين. وحين يكون الراحل صديقًا يشبهنا في العمر، ويشاركنا تفاصيل جيل واحد، تصبح المسافة بيننا وبين الفناء أقصر وأكثر قسوة. لم يعد الموت حكاية كبار السن، ولا خبرًا يخص آخرين، بل صار جارًا يتلصص علينا من نافذة الجسد والذاكرة. صديقتي الراحلة كانت تمتلك تلك القدرة النادرة على أن تراك من الداخل، وأن تمنحك شعورًا بأنك مفهوم بلا حاجة لتبرير أو تفسير. لهذا بدا غيابها ثقيلاً، ليس لأنها تركت مقعدًا فارغًا وحسب، بل لأنها حملت معها تلك المساحة الآمنة التي يصعب أن تجد بديلًا لها. أفكر الآن في كل ما تركته خلفها من أسئلة. لماذا نُفاجأ بالموت كل مرة وكأنها الأولى؟ أليس من المفترض أن نكون قد اعتدنا حضوره؟ ومع ذلك يظل الموت غريبًا في كل مرة، جديدًا في صدمته، جارحًا في اختباره، وكأنه يفتح جرحًا لم يلتئم أبدًا. هل نحن من نرفض التصالح معه، أم أنه هو الذي يتقن فنّ المداهمة حتى لو كان متوقعًا؟ ما يوجعني أكثر أن رحيلها كان درسًا لا يمكن تجاهله: أن العمر ليس سوى اتفاق مؤقت بين المرء وجسده، وأن الألفة مع الحياة قد تنكسر في لحظة. كل ابتسامة جمعتها بنا، وكل كلمة قالتها في محاولة لتهوين وجعها، تتحول الآن إلى شاهد على شجاعة نادرة. رحيلها يفضح ضعفنا أمام المرض، لكنه في الوقت ذاته يكشف جمال قدرتها على الصمود حتى اللحظة الأخيرة. إنها واحدة من تلك الأرواح التي تترك أثرًا أبعد من وجودها الجسدي. صارت بعد موتها أكثر حضورًا مما كانت عليه في حياتها. حضور من نوع مختلف، يحاورنا في صمت، ويذكّرنا بأن المحبة الحقيقية لا تموت، بل تعيد ترتيب نفسها في قلوبنا. وربما لهذا نشعر أن الغياب ليس غيابًا كاملًا، بل انتقالًا إلى شكل آخر من الوجود، وجود نراه في الذكريات، في نبرة الصوت التي لا تغيب، في اللمسة التي لا تزال عالقة في الذاكرة. أكتب عن لطيفة رحمها الله اليوم ليس لأحكي حكاية موتها، بل لأواجه موتي القادم. كلما فقدت صديقًا أدركت أن حياتي ليست طويلة كما كنت أتوهم، وأنني أسير في الطريق ذاته، بخطوات متفاوتة، لكن النهاية تظل مشتركة. وما بين بداية ونهاية، ليس أمامي إلا أن أعيش بشجاعة، أن أتمسك بالبوح كما كانت تفعل، وأن أبتسم رغم الألم كما كانت تبتسم. نعم.. الحياة ليست سوى فرصة قصيرة لتبادل المحبة، وأن أجمل ما يبقى بعدنا ليس عدد سنواتنا، بل نوع الأثر الذي نتركه في أرواح من أحببنا. هكذا فقط يمكن أن يتحول الموت من وحشة جارحة إلى معنى يفتح فينا شرفة أمل، حتى ونحن نغالب الفقد الثقيل. مثواك الجنة يا صديقتي.
4548
| 29 سبتمبر 2025
في ظهوره الأخير على منصة الأمم المتحدة، ملامحه، حركاته، وحتى ضحكاته المقتضبة لم تكن مجرد تفاصيل عابرة؛ بل كانت رسائل غير منطوقة تكشف عن قلق داخلي وتناقض صارخ بين ما يقوله وما يحاول إخفاءه. نظراته: قبل أن يبدأ حديثه، كانت عيونه تتجه نحو السلم، وكأنها تبحث عن شيء غير موجود. في لغة الجسد، النظرات المتكررة إلى الأرض أو الممرات تعكس قلقًا داخليًا وشعورًا بعدم الأمان. بدا وكأنه يراقب طريق الخروج أكثر مما يراقب الحضور، وكأن المنصة بالنسبة له فخّ، والسلم هو طوق النجاة. يداه: حين وقف أمام المنصة، شدّ يديه الاثنتين على جانبي البوديوم بشكل لافت إشارة إلى أن المتحدث يحتاج إلى شيء ملموس يستند إليه ليتجنب الارتباك، فالرجل الذي يقدّم نفسه دائمًا بصورة القوي الصلب، بدا كمن يتمسك بحاجز خشبي ليمنع ارتعاشة داخلية من الانكشاف. ضحكاته: استهل خطابه بإشارات إلى أحداث جانبية وبمحاولة لإضحاك الجمهور حيث بدا مفتعلًا ومشحونًا بالتوتر. كان الضحك أقرب إلى قناع يوضع على وجه مرتبك، قناع يحاول إخفاء ما لا يريد أن يظهر: الخوف من فقدان السيطرة، وربما الخوف من الأسئلة التي تطارده خارج القاعة أكثر مما يواجهه داخلها. عيناه ورأسه: خلال أجزاء من خطابه، حاول أن يُغلق عينيه لثوانٍ بينما يتحدث، ويميل رأسه قليلاً إلى الجانب ويعكس ذلك رغبة لا واعية في إبعاد ما يراه أو ما يقوله، وكأن المتحدث يحاول أن يتجنب مواجهة الحقيقة. أما مَيل الرأس، فكان إشارة إلى محاولة الاحتماء، أو البحث عن زاوية أكثر راحة نفسيًا وسط ارتباك داخلي. بدا وكأنه يتحدث إلى نفسه أكثر مما يخاطب العالم. مفرداته: استدعاؤه أمجاد الماضي، وتحدثه عن إخماد الحروب أعطى انطباعًا بأنه لا يتقن سوى لغة الحروب، سواء في إشعالها أو في إخمادها. رجل يحاول أن يتزين بإنجازات الحرب، في زمن يبحث فيه العالم عن من يصنع السلم. قناعه: لم يكن يتحدث بلسانه فقط؛ بل بجسده أيضًا حيث بدا وكأنه محاولة لإعادة ارتداء قناع «الرجل الواثق» لكن لغة جسده فضحته، كلها بدت وكأنها تقول: «الوضع ليس تحت السيطرة». القناع هنا لم يخفِ الحقيقة بل كشف هشاشته أكثر. مخاوفه: لعلها المخاوف من فقدان تأثيره الدولي، أو من محاكم الداخل التي تطارده، أو حتى من نظرات الحلفاء الذين اعتادوا سماع خطاباته النارية لكنهم اليوم يرون أمامهم رجلاً متردداً. لم نره أجبن من هذا الموقف، إذ بدا أنه في مواجهة نفسه أكثر من مواجهة الآخرين. في النهاية، ما قدّمه لم يكن خطابًا سياسيًا بقدر ما كان درسًا في لغة الجسد. الكلمات قد تخدع، لكن الجسد يفضح.
3387
| 29 سبتمبر 2025
بعض الجراح تُنسي غيرها، ليس بالضرورة أن تكون أعمق، لكن الوجدان لا يتحمل كل هذه الأوجاع. في الوقت الذي نقف في قلب الحسرة ونحن نطالع ذلك الجرح النازف في غزة دون أن نستطيع إيقاف نزفه، يتملكنا الشعور أحيانًا بأنها المأساة الوحيدة في أمتنا وذلك من فرط هولها وشدتها، ويسقط منا سهوًا الالتفات إلى مصائبها الأخرى، تأتي أزمة السودان في صدارة هذه المآسي. أوجاع السودان كثيرة ومتعددة، كلها بحاجة لأن تكون حاضرة دائما في الوجدان العربي الإسلامي، لكن أولاها في الوقت الراهن مأساة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، التي تخضع منذ العاشر من يونيو/حزيران 2024 لحصار خانق فرضته قوات الدعم السريع للضغط على الجيش الوطني السوداني. سكان مدينة الفاشر يفتك بهم الجوع والقصف المدفعي اليومي الذي يحول دون دخول المساعدات الإنسانية، في ظل ضعف التعاطي العربي مع القضية وتجاهل دولي تام لهذه المأساة، على الرغم من أنها تقترب من الإدراج في صفحات الإبادة الجماعية. قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) التي تحاصر الفاشر، تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس ولايات في إقليم دارفور، لذا تقصف بوحشية مدينة الفاشر عاصمة الولاية الخامسة (شمال دارفور)، التي تمثل أكثر من نصف مساحة الإقليم وتعادل حوالي 12 بالمائة من مساحة السودان، وذلك بهدف إتمام السيطرة على الإقليم بأسره. إضافة إلى الوضع الكارثي للمدنيين في الفاشر بسبب الحصار والقصف الهمجي، ينذر سقوط الفاشر ووقوعها بقبضة ميلشيات الدعم السريع، بكارثة عظمى للسودان بشكل عام. الفاشر ليست مدينة عادية في أهميتها، فهي مفتاح السيطرة على مساحات إستراتيجية واسعة تصل إلى حدود تشاد وليبيا، وهي كذلك تقع على الطرق المؤدية بين شرق وغرب السودان، بما يعني أن سيطرة قوات الدعم عليها سيحول دون قيام دولة مركزية، وفرض واقع عسكري يتحكم في جغرافيا المنطقة، إضافة إلى أن السيطرة عليها ستؤمن لقوات الدعم ممرات تهريب الأسلحة. سيطرة قوات حميدتي على الفاشر يؤمن لها كذلك خطوط الإمداد ويقوي شوكتها ويجعل الولاية مركزا لمهاجمة الولايات الأخرى والسيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش السوداني. لذا نستطيع الجزم، بأن الفاشر هي آخر الخطوط الفاصلة بين سودان موحد وسودان مجزأ، ولن يكون مجرد سقوط مدينة، بل انهيار وحدة الدولة السودانية، والذي سيتحول إلى شمال مركزي تحت سيطرة الجيش، وغرب تحت سلطة الميلشيات، وشرق تتجاذبه الانقسامات والنزعات القبلية، وجنوب منهك مهمش. إذا سقطت الفاشر، فإن الخطورة ستتجاوز حينئذ القتال بين الجيش وميليشيات الدعم، فمن أخطر تداعيات سقوط الفاشر – لا قدر الله - انفجار الصراع الإثني في السودان الذي يكتظ بالتنوع الإثني والقبائل المسلحة مختلفة الولاءات، لأن هذا البلد يرقد على بركان تسليح الهوية، وفي هذه الحال سيمتد الصراع الإثني بلا شك إلى الدول المجاورة. الدول العربية، والدول المحيطة بالسودان وعلى رأسها مصر، منوطة بالعمل الفوري الجاد على منع سقوط الفاشر والذي يعني تفتيت وحدة السودان وما له من تداعيات على الجوار، وذلك عبر مسارين، الأول هو كسر هذا الحصار على المدينة وإدخال المساعدات، والثاني تقدم الدعم العسكري واللوجستي للجيش السوداني المنهك لفرض سيطرته التامة على ولاية شمال دارفور ومنع سقوطها في أيدي حميدتي، والضغط كذلك على الدول والجهات التي تدعم ميلشيات الدعم السريع المتمردة. وعلى المستوى الشعبي، يتعين على نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي وضع مأساة الفاشر والملف السوداني بشكل عام في بؤرة الاهتمام، وتسليط الضوء على الأحوال الكارثية التي يعانيها أهل المدينة، وأهميتها الإستراتيجية وخطورة سقوطها في أيدي قوات الدعم على وحدة السودان، لتكوين رأي عام عربي ضاغط على الأنظمة والحكومات العربية لسرعة التدخل، إضافة إلى لفت أنظار الشعوب الغربية إلى هذه المأساة لإحراج حكوماتها والعمل على التدخل الفوري لإدخال المساعدات الإنسانية.
1350
| 28 سبتمبر 2025