رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أجريت حوارا مع الدكتور خالد السليطي مدير عام المؤسسة العامة للحي الثقافي (كتارا) في العدد الأخير من ملحق الشرق الثقافي، والذي صدر يوم الثاني والعشرين من الشهر الماضي، وكان حوارا جميلا ورائعا وجد أصداء واسعة وردود أفعال ايجابية في الداخل والخارج، ولموقع الملحق المرموق والمكانة التي عمل على خلقها لنفسه استحق السليطي أن يستقطب متابعين كثر من خلال حسابه على تويتر، وهذا دليل على مواكبته للعصر، ودليل أيضا ومن خلال متابعتي لحسابه معرفته التامة ومتابعته لكل ما يحدث ويكون من فعاليات ومشاركات واجتماعات تتم في الحي الثقافي (كتارا).
وبعيدا عن هذه المقدمة وهي للتوضيح فقط، فقد لمست من خلال زيارتي له في مكتبه في مقر عمله حضورا مميزا وثقافة عالية ومتابعة دقيقة لكل ما كان أو يكون أو سيكون، فمنذ عزمي للذهاب إليه وأنا أتساءل أين موقع مكتبه، ومن المؤكد أنني سأجد طاقما كبيرا من السكرتارية في مكتب المدير العام للحي الثقافي (كتارا)، وسأجد المساحات الشاسعة والفارهة وقاعة للضيافة لمنتسبي مكتبه والسكرتارية التابعة له ولمن يعمل معه، وبكل تواضع وجدت مكتبه في مكان دائما ما مررنا بجانبه دون أن نشعر بأن مكتبه في هذه المنطقة بجوار الإدارات الأخرى وفي نفس حجم الديكورات والمساحات المعقولة والمقبولة، فوجدت مدير مكتبه السيد عمر المناعي يستقبلنا بكل رحابة صدر كعادة أهل قطر الأوفياء، ويُرحب بنا وبعد التعريف بنفسي يقول نعم لديك موعد معه ومدته.... ومنعا للإحراج هناك من هم على موعد معه بعدك، فشكرته على ذلك، وفي الانتظار وجدت من هو سفير أو وزير زائر من دول صديقة أو شقيقة وحرص على زيارة كتارا، وكل ملتزم بموعده ومكانه والجدول الذي تم رسمه له.
وأثناء دخولي عليه في مكتبه المتواضع، الذي قد يكون بحجم رئيس قسم في أي وزارة حكومية، مع احترامي للمسمى والجهات الحكومية الأخرى، استقبلني بكل رحابة صدر وأثنى على دور الإعلام المحلي وأهميته في نقل الصورة الحقيقية لكل ما يجري على أرض الواقع بحرفية وموضوعية لما فيه نفع للصالح العام، وأثنى على جريدة الشرق وخدمتها واهتمامها بالثقافة تحديدا والتطور الذي تشهده سواء في صفحات الثقافة أو في الملحق الأسبوعي من الشرق الثقافي، فأخجلنا بمعرفته الدقيقة لكل ما يحدث ويتعلق بكتارا والثقافة بشكل عام، ورفض الجلوس على مكتبه أثناء الحديث بل إلتزم بالمكان الذي دائما ما يظهر من خلاله في صور استقبالاته المعتادة، وكانت جلسة حميمية نوعية مهمّة، استطعنا من خلالها التعرف على أهم المشاريع والمنجزات في كتارا، والتي يحق لنا كقطريين أن نفتخر ونعتز بها وبالقائمين عليها، فهي الجهة التي يحرص أي زائر أو سائح من المرور عليها وقضاء يوم فيها، كما أن معظم الفعاليات العامة أو الخاصة في الدولة خاصة الثقافية منها دائما ما تكون في إحدى القاعات أو المسارح الخاصة بكتارا، وقبل موعد انتهاء المقابلة كانت هناك إشارة من قِبله بالنظر إلى ساعته، في نفس الموعد الذي دخل فيه السيد المناعي ليُبلغه بموعد الضيف التالي، وهو ما أثلج صدري وزاد من سعادتي واحترامي لهم، فمن يحترم المواعيد ويُعطيها اهتمامه لا بد أن يكون النجاح حليفه، وأن يكون الإنجاز ملازما له أيضا.
وفي نهاية المقابلة شكرته وأبلغته عن مدى سعادة منتسبي الشرق الثقافي لكونه ضيف العدد الأخير، فتساءل باستغراب وحيرة لماذا العدد الأخير؟ فأجبته لأن المولود قد كبر وحان أن له أن يكون مشروعا ضخما يُناسب مرحلته التي هو فيها الآن، وأنه وصل إلى مرحلة مجلة ثقافية شهرية تحمل اسم "أعناب" ففرح وأبدى سعادته بهذه الخطوة الرائعة والجميلة على حد تعبيره، وتمنى لنا التوفيق وأن كتارا تحرص على متابعة ونجاح مثل هذه المشاريع المهمّة التي من شأنها تكون عنصرا مُكمّلا لما تقوم به الدولة من مشاريع ضخمة خاصة في مجال الثقافة.
وعند خروجي كان سفير إحدى الدول الصديقة على موعد معه، وما زال هناك من المنتظرين من ينتظر دوره وفي موعده دون تأخير، خرجت من مكتبه وأنا سعيد وفرِح أشد الفرح وبلغت من السعادة ذروتها، لأنني شعرت مثلما شعر بذلك غيري، بأن النجاح والجد والاجتهاد في العمل لا يُمكن أن يُكتب له ذلك إلا من خلال شخصية قيادية قادرة على وضع الحلول، ومعالجة الإشكاليات التي لابد وأن تكون ظاهرة أثناء العمل، والتي كلما كان قريبا وعارفا بأدق تفاصيلها كان بإمكانه أن يختار مفاتيح الحل السليمة، وعند سؤالي لبعض الزملاء الذين يعملون في كتارا وعن العلاقة التي تربطهم به أجمعوا على الاحترام والتقدير في التعامل بينهم، وأن لكل مسؤول وموظف عمله الذي يقوم به وبعمل عليه بأريحية كاملة، دون أن يكون هناك ازدواجية أو تضارب في عملهم، لذا أيقنت أن سر النجاح في أي عمل ليس أن تكون ابنا للعمل نفسه دون أن تكون ابنا لحسن الإدارة والتعامل وخلق فريق العمل الواحد والذي من خلاله يستشعر المسؤول أو العضو بأن أي نجاح هو نجاحه هو، وأن أي تقدم في العمل هو تقدم له هو أيضا، وأخذني التفكير بعيدا في بعض الجهات الأخرى التي خلقت لها مكانا معزولا عن الجميع، كما خلقت حائطا يصعب على الآخرين تجاوزه، مما خلق بالتالي بعدا بين الرئيس ومرؤسه وبين المدير ومن يعمل معه، فتولدت حاله من الانغلاق وعدم الإلتقاء في نقطة محددة وهدف واضح، فنتج عن ذلك جفوة بل فجوة كبيرة في العمل وبالتالي كان هناك ازدواجية وتضارب في عمل كل إدارة وقسم وموظف في تلك الجهات!!
ومما يجب التركيز عليه هو أن كتارا استطاعت بقياداتها أن تتحول من مؤسسة ثقافية محلية إلى مؤسسة عالمية تجمع الثقافة باختلافاتها وأطيافها بين جنباتها وفي ممراتها وقاعاتها، استطاعت أن تٌكوّن لها اسما عالميا يُشار إليه في المحافل العالمية، كما أن مشاركاتها الخارجية نوعية وليست كمية.
أخيرا وليس آخرا ، العمل في أي جهة يبحث عن شخصية قيادية تفرض احترامها على الجميع، حتى تلك الشخصيات التي قد تختلف معها، لأن العمل الصحيح لابد وأن يُجمع الكل عليه مهما أوجدت من مخالفات واختلافات من قِبل البعض، وحتى لا يكون الحديث من باب المدح فقط أنا متأكد من أن هناك أفكارا ومشاريع تنموية ثقافية يجب الإلتفات إليها والبحث عنها، حتى تكتمل جميع العناصر ما أمكن ذلك في الحي الثقافي (كتارا)، والتي باكتمالها سوف تكتمل عناصر النجاح بإذن الله، فكم أتمنى وأطلب من المولى عز وجلّ أن يوفقنا في أعمالنا وكل ما نقوم به من أجل النهوض بأرض الوطن، وتكون الأعمال في خدمة الوطن بحجم توقعات قادته نحو مستقبل مشرق إن شاء الله... كل التحية والإخلاص لمنتسبي الحي الثقافي (كتارا) وعلى رأسهم الدكتور خالد السليطي، والتحية أيضا موصولة لكل من يعمل على أن تكون قطر في المقدمة دائما.
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
87
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
147
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
246
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025