رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. جاسم الجزاع

* باحث وأكاديمي كويتي
[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

819

د. جاسم الجزاع

فن صناعة المبادرات - السياسة القطرية في سوريا

05 فبراير 2025 , 02:00ص

في مشهد سياسي يعكس الواقعية والمسؤولية التاريخية والسياسية، جاءت زيارة الأمير سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني إلى دمشق كعلامة فارقة في العلاقات العربية – العربية، إذ مثلت خطوة دبلوماسية متقدمة تجاه سوريا، بعد أكثر من عقد من التوتر الحاصل بفعل النظام المخلوع، فلم تكن هذه الزيارة مجرد لقاء بروتوكولي، بل كانت رسالة قوية تعبر عن رؤية قطرية قائمة على تغليب فلسفة المبادرات الفاعلة على الحياد السياسي.

فليست السياسة سوى فن الممكن، وذكاء إدارة المواقف، وصناعة الحلول حين تتعقد الأمور، وهذا هو جوهر فن صناعة المبادرات، الذي يُعد من أبرز سمات الدول ذات الرؤية الإستراتيجية والقادة أصحاب العزم، فالمبادرات ليست مجرد ردود فعل وقتية، بل هي أدوات تغيير تُحدث تحولات كبيرة في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

فالدول التي تصنع المبادرات لا تنتظر تحولات للواقع، بل تسابق الزمن لرسم ملامح المستقبل، والمبادرات الفعالة تقوم على قراءة دقيقة للواقع، وامتلاك رؤية واضحة للمستقبل، مع الشجاعة والإقدام في اتخاذ الخطوات الحاسمة، ومن يراقب السياسة القطرية، يجد أنها ليست فقط مستجيبة للحدث، بل تصنع الحدث وتتفاعل معه بمبادراتها، وذلك عبر توظيف الدبلوماسية المرنة، والوساطات الذكية، والمشاريع التنموية، والسياسات الاقتصادية الرائدة.

والناظر أيضا إلى علم الإدارة العامة والسياسات العامة يجد أن صناعة المبادرات لا تقتصر على السياسة وحدها، بل تمتد إلى الاقتصاد، والثقافة، والتنمية، بل وحتى الحياة اليومية للشعوب والمؤسسات، فالنجاحات الكبرى في التاريخ لم تكن وليدة المصادفة، بل كانت نتيجة مبادرات جريئة قام بها أفراد ودول امتلكوا الشجاعة والقدرة على التفكير خارج الصندوق.

لذلك يعد مفكرو الإدارة العامة فلسفة المبادرات كإحدى الركائز الأساسية التي تُمكّن الحكومات والمؤسسات من تحقيق التنمية المستدامة والتكيف مع التحديات المتغيرة، ويُعرّف مفهوم المبادرات على أنها خطوات استباقية وإستراتيجيات مدروسة تتخذها الجهات الإدارية بهدف تحسين الأداء المؤسسي، وزيادة الكفاءة، وتعزيز القدرة على مواجهة الأزمات بأنواعها السياسية والاقتصادية وغيرها، بأساليب استثنائية فريدة، فالمبادرات ليست مجرد أفكار وأمنيات، بل هي خطط تنفيذية واقعية محددة الأهداف والزمن والموارد، تهدف إلى إحداث تغييرات إيجابية مستدامة، سواء على مستوى الخدمات العامة أو السياسات الاقتصادية أو الحوكمة المؤسسية، وتعتمد المبادرات الناجحة على التخطيط السليم، والقدرة على التنبؤ بالمستقبل، والتفاعل السريع مع المتغيرات المحلية والدولية، مما يجعلها أداة فعالة في صياغة السياسات العامة وتحقيق الأهداف الوطنية والقومية والإقليمية.

وفي عالم السياسة نجد أن الإبداع السياسي، يتمثل في ذلك القائد أو المسؤول الذي يقدم المبادرات الاستثنائية ويستطيع التعامل مع التحديات السياسية والإستراتيجية بأساليب مبتكرة، وهذا النوع من السياسيين يتميزون بقدرتهم على قراءة المشهد السياسي بذكاء، واتخاذ قرارات استباقية، والتكيف مع المتغيرات الإقليمية والدولية بطريقة ديناميكية.

فالمبدعون السياسيون عبر التاريخ هم من قادوا التحولات الكبرى، وأحدثوا تغييرًا إيجابيًا في مجتمعاتهم، وذلك عبر رؤيتهم الإستراتيجية، وقدرتهم على التفاوض وتقديم مبادرات تاريخية، وإيجاد أرضيات مشتركة بين الأطراف ذات العلاقة، تحقق الاستقرار والتنمية، سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي.

مساحة إعلانية