رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ذلك كان عنوان ندوة نظمها البرلمان العربي واستمرت ثلاثة أيام بالقاهرة بمشاركة لفيف من السياسيين والخبراء والمفكرين من أقطار عربية شتى. ولاشك أن توقيتها كان من الأهمية بمكان في ظل حالة اضطراب غير مسبوقة يتعرض لها النظام الإقليمي العربي، منذ تبلوره بشكل واضح في أربعينيات القرن الفائت وأظن أن هذا الأمن بات مستباحا في المرحلة الراهنة على نحو ينطوي على مخاطر تهدد الدولة الوطنية العربية. فضلا عن تهديد الوجود العربي ذاته مع تمدد حالة السيولة السياسية التي تشهدها المنطقة، والتي من ملامحها ذلك الفيضان الإرهابي – إن جاز لي الوصف - وصعود الجماعات المتطرفة من كل اتجاه، وهو ما يقود إلى تلاشي الدولة، إن لم يكن انهيارها بالكامل في بعض الحالات. بيد أن أخطر هذه الملامح في تقديري ما زال يتمثل في الكيان الصهيوني الذتي تتصاعد نزعته العدوانية باتجاه محو الهوية الوطنية الفلسطينية، متمثلا ذلك بصورة سافرة في تعاطيه مع قدس أقداس فلسطين المسجد الأقصى، والذي تعرض خلال الأيام الأخيرة لأشد الانتهاكات والاختراقات بلغت ذروتها بإغلاقه بالكامل أمام المصلين نهار الخميس الماضي ومنع الصلاة فيه إلا لمن تعدى الستين، فضلا عن منع الأذان من مآذنه التي ما زالت شامخة، خاصة عبر استخدام مكبرات الصوت، وهو تطور يحدث للمرة الأولى منذ احتلاله في يونيو من العام 1967، ناهيك عن العدوان المفرط في قوته وقسوته على غزة خلال شهر يوليو الماضي والذي استمر زهاء الخمسين يوما ولم تتوقف تداعياته السلبية بعد.
غير أن ما لفت انتباهي في توصيات هذه الندوة المهمة، غياب البعد الصهيوني عنها في حين تركز جلها على التطورات الأخيرة في المنطقة والمتعلقة بالإرهاب وصعود الجماعات المتطرفة، وهو ما كان واضحا في الدعوة إلى ضرورة تفعيل تنفيذ القرارات العربية الصادرة عن القمم العربية حول الأمن القومي العربي ومستجداته الطارئة والتوصل لتوصيات ومقترحات عملية وقابلة للتنفيذ بشأنها، والإشارة إلى أن الأمن القومي العربي ومخاطره، وتحدياته تحتاج إلى رؤية عربية جديدة والتعامل معها بآليات ورؤى تراعي ما تم التوافق عليه في آليات واتفاقيات عربية، فلم يذكر الكيان الصهيوني بحسبانه المصدر الرئيسي للخطر والإرهاب في المنطقة العربية، بل يمكن القول باطمئنان إن وجوده غير الشرعي في المنطقة يمثل المقدمة، التي أفرزت كل هذه النتائج التي تتجلى بتداعياتها السلبية في الأركان المختلفة، فمع غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية على نحو يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، الذي يكابد الاحتلال الأشد سوءا وبشاعة في التاريخ المعاصر تهيأت البيئة لبروز التطرف ثم انقلب الأمر إلى إرهاب، غير أن اللافت أن الجماعات الإرهابية والمتطرفة التي تمدد في المنطقة العربية حاليا رأسيا وأفقيا، لا تعير الكيان أي اهتمام ولا تخوض ضده أي معارك وتبدو حريصة على تجنب الاشتباك معه أو إيذائه رغم اقترابها من حدوده في غير موقع. وقد فسر ذلك الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية رئيس الوحدة الإسرائيلية الإستراتيجية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط بقوله: "إن إسرائيل "الكيان" أعدت إستراتيجية مواجهة مع هذا التنظيم وداعش لن يقترب من إسرائيل في هذا التوقيت، والخلايا التي يتم كشفها في الأراضي المحتلة.. إسرائيل تتعامل معها فورا، أشعر أن هناك اتفاقا بين الطرفين بعدم الصدام، لن ندخل ولن نقترب منكم وانتم لا تتعرضون لنا".
ومع ذلك فإن الندوة قدمت منظورا شاملا للتعامل مع الأمن القومي من خلال الدعوة إلى ضرورة مراجعة وتحديث ما تم التوصل إليه من آليات واتفاقات ورؤى لحماية الأمن القومي العربي في ضوء المستجدات الطارئة عليه، وفي مقدمتها مواجهة الإرهاب، والعمل على تطبيق وتفعيل الاتفاقات العربية بشأنها، فضلا عن المطالبة بمراجعة العلاقات العربية العربية، والارتقاء بها وبما يخدم العلاقات البينية بما يعزز الاندماج العربي وصولا إلى تحقيق الوحدة العربية كقوة في مواجهة العالم الخارجي مع تكثيف تعاون الدول العربية لمواجهة وحل مشاكلها الداخلية والتي نتجت عن تدخلات خارجية.
كما شددت على أهمية توسيع الاهتمام بالتنمية المستدامة الشاملة في الدول العربية، لاسيَّما التنمية البشرية وتطوير المنظومة التعليمية، والعدالة الاجتماعية، والحفاظ على البيئة في سياق التأكيد على المنظور الشامل لتحقيق الأمن القومي العربي بمحاوره المتعددة والتي تبناها البرلمان العربي. والعمل في هذا السياق على تفعيل مشروعات التكامل الاقتصادي العربي كطرف آخر لتحقيق التكامل العربي الشامل، وتحقيق الأمن القومي العربي إلى جانب إدراك المخاطر التي تواجه الأمن الغذائي والمائي العربي وسبل مواجهتها، وضرورة إيلاء الأهمية القصوى للتناول الإعلامي السليم لكافة الموضوعات التي تمس مقدرات الأمة العربية دون مؤثرات أو ضغوط خارجية.
وتعكس هذه المضامين التي طرحتها الندوة شعورا بأهمية الحلول غير الأمنية للمهددات التي تواجه الأمن القومي العربي، خاصة في الشق المتصل بالإرهاب والتطرف. فهذه الحلول بطبيعتها آنية وقد ينتج عنها- إذا ما انطوت على مبالغة - المزيد من إفراز مسببات التطرف والإرهاب وبالتالي فإن الجهات النافذة والنخب السياسية مطالبة بالإسراع في وضع إستراتيجيات المواجهة على الصعيد الاقتصادي والفكري والثقافي والإعلامي والاجتماعي وثمة دراسات ضخمة وضعتها المؤسسات البحثية وهي في حاجة فقط إلى نفض الغبار المتراكم عليها لوضعها موضع التطبيق.
ومن داخل نقاشات الندوة خرجت التحذيرات قوية من مخاطر تقسيم المنطقة العربية إلى دويلات جديدة، وفق طروحات تروج للفيدرالية والكونفيدرالية، وتحت دواعٍ طائفية ومذهبية ومنح حقوق الأقليات وهو ما نلمسه ونراه بأعيننا وأيدينا في ضوء ما يجري في كل من العراق وسوريا واليمن وليبيا والتي يتداخل فيها البعد المذهبي بالطائفي بالجهوي، فضلا عن البعد المتعلق بالتطرف المتصاعد بقوة في المنطقة نتيجة سنوات الاستبداد والإقصاء والتهميش لجماعات مهمة ضمن الشعوب العربية. وهو ما بدا واضحا فيما عبر عنه عمرو موسى الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، من وجود مخطط لسايكس بيكو جديدة تستهدف تقسيم المنطقة إلى دويلات وبناء نظام إقليمي جديد يخدم مصالح خارجية وهو ما يستوجب -وفق رؤيته - البحث المعمق في ذلك.
على نحو يجعل الدول العربية تساهم بفعالية في بلورة مسار المنطقة المستقبلي وقال: "لو تركنا الآخرين يرسمون حدود النظام الإقليمي العربي، فإن ذلك سيكون جريمة كبرى في ظل القرن الواحد والعشرين الزاخر بالوسائل والتكنولوجيات الحديثة، فضلا عن امتلاكنا الكوادر القادرة على المساهمة بذلك".
مؤكداً في الوقت ذاته أن ما شهدته الدول العربية يكشف رفض الشعوب العربية للعيش في العصور الظلامية وأنها عازمة على العيش في الدولة المدنية الديمقراطية.
كما جسدت الرؤية التي أوضحها أحمد بن محمد الجروان رئيس البرلمان العربي نفس الشعور بالخطر، من محاولات التقسيم والتفتيت من المشرق إلى المغرب العربي والتي تجب مواجهتها - كما يقول - من خلال تعزيز القدرات الدفاعية والاقتصادية، ومواكبة المفاهيم الفكرية والثقافية والمجتمعية المعتدلة، التي تتناسب مع المجتمعات العربية والتي تعزز من وضع المواطن العربي وقدرته على مواجهة تلك المتغيرات.
إن الأمن القومي العربي لم يعد مسألة تتعلق بحماية الحدود الخارجية للأمة، لكنه يتقاطع مع محددات وأبعاد متعددة ولا يتحمل مسؤولية حمايته المؤسسات العسكرية والأمنية فحسب، وإنما تتشارك فيها كل شرائح المجتمعات العربية والأمر مرهون بإطلاق العنان لمنظومة الدولة الوطنية القائمة على المواطنة والمساواة والعدالة وفق معادلة الحكم الرشيد الذي ينهض على الديمقراطية وتداول السلطة والعدالة الاجتماعية والانحياز للشعب وليس للأقلية، سواء النخب السياسية أو رجال أعمال.
وهدأت غزة، وهذا ما كان مهما لدى الملايين من شعوب وربما حكومات العالم الذين عاشوا عامين من الدمار... اقرأ المزيد
111
| 15 أكتوبر 2025
من نواحي المسؤولية القانونية عمن يتحمل إعمار غزة هو من تسبب بدمارها مباشرة ومن عاونه في ذلك وقدم... اقرأ المزيد
81
| 15 أكتوبر 2025
مشاهد العائدين إلى الشمال وإلى أحياء غزة القديمة تحمل مزيجًا مُربكًا من الفرح الحذر، والحِداد، والخوف، والذهول أمام... اقرأ المزيد
114
| 15 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8853
| 09 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
5343
| 14 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4992
| 13 أكتوبر 2025