رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

يسرى ناصر مهنا

يسرى ناصر مهنا

مساحة إعلانية

مقالات

2338

يسرى ناصر مهنا

هاتان اليدان

03 أكتوبر 2014 , 02:18ص

يأتي الإنسان إلى الحياة قابضاً كفي يديه بشدة، مقاوماً أي محاولة لبسطهما، وما إن يفارق هذه الحياة حتى يبسط هاتين الكفين معلناً عزوفه النهائي عن كل ما في هذه الدنيا. وبين قدومه إلى هذا العالم ومفارقته له رحلة قد تطول أو تقصر، لكنها رحلة ملأى بالأحداث والأحزان والمسرات.

يد الإنسان معجزة إلهية، لها الفضل في تطوره الحضاري العظيم بعد العقل، وكانت وسيلته وأداته للابتكار ولإبداع أدق وأجمل المنتجات، وبالإضافة إلى دور اليدين الفعلي المعروف، فإن لحركات اليد والأصابع معاني ورموزاً آمن بها البشر منذ فجر التاريخ، وبعض هذه الحركات أصبحت جزءًا من الثقافة العالمية مثل المصافحة باليد، والتي تطورت من عرض الإنسان القديم ليده وهي خالية من السلاح، وذلك لإثبات نواياه الحسنة، والتصفيق بالكفين، والذي هو تعبير عن الاستحسان والفرح، أما العد بأصابع اليدين فاستخدمهما الإنسان القديم حتى اعتبر ما يزيد عن عدد أصابع اليدين (كثير جداً)، كما هو الحال لدى بعض قبائل الهنود الحمر، وذلك حتى عهد قريب من يومنا هذا.

وبعض حركات الأصابع انتشرت عالمياً واستخدمتها شعوب كثيرة وكانت رمزاَ لحركات التحرر مثل رفع السبابة والوسطى (حرف في) رمز النصر والتحرر.

ولدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث ومنها الإسلام تأخذ اليد رمزية كبيرة، حيث تؤدي الكثير من الطقوس بحركات اليد، فالمسيحيون عندما يصلون يضمون اليدين وهما مطبقتان بشكل طولي إلى الصدر في حركة خشوع وتأمل، بينما يرفع المسلمون كفي اليد عند تكبيرة الإحرام وبدء الصلاة، كما يعد رفع السبابة اليمنى عند التشهد إحدى حركات الأصابع ذات الرمزية الدينية.

وفي الحضارات القديمة تعد اليد من أكثر أعضاء الجسم استخداماً بعد العين كرمز في الأعمال الفنية، وهي من أقدم الرموز التي ارتبطت بالحضارات الإنسانية، وتأتي حركة رفع اليدين في الأعمال الفنية كدلالة على الصلاة، وأكثر الحركات ظهوراً ودلالة هي حركة التحية ومنح البركة ومنح الحياة وحركة السلطة والقوة وحركة الحرب والنصر، وتأتي حركة اليد في أحد النقوش الصخرية في صعدة اليمنية، والذي يظهر فيه رجل في مشهد الصيد وسط مجموعة من الطرائد الكبيرة، وقد استعد لإطلاق سهمه، وقد وقفت خلفه امرأة تمارس طقساً سحرياً لإمداد الرجل بالقوة والتأثير على الحيوان وقد رفعت المرأة يدها إلى الأعلى لتستمد القوة من السماء وتمنحها للرجل ليتغلب على طرائده . وفي وادي الرافدين نجد رسماً على الفخار في وسطه نساء يمارسن نشاطاً سحرياً برفع يديهن للأعلى، كما رسم الإنسان القديم اليد في الكهوف كتعويذة سحرية تحميه من الشر.

وعند الأشوريون يظهر الملوك رافعين أيديهم اليمنى نحو شجرة الحياة، وكان قدماء المصريين يستخدمون رمزاً هو اليد العظيمة بعدة أغراض كان أحدها صد القوة الشريرة، ونجد أن معظم التمائم المصرية القديمة تظهر على هيئة يد تتوسطها عين واستخدمت الشعوب المجاورة لمصر هذه التميمة أيضاً، وكذلك استخدم المصريون القدماء تعويذة عبارة عن إصبعين تمثل السبابة والوسطى وتصنع من البازلت الأسود وترفق بالميت الذي مات مريضاً لتساعده ليرتقي مركب (رع) للحياة الأخرى.

مساحة إعلانية