رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنت قد عزمت، أن أدع قلمي ساكناً، وأتركه ساكتاً، ليبقى صامتاً، لا ينطق بحرف واحد، ولا ينبض بكلمة وحيدة، ولا يدوّن جملة مفيدة، ولا يرسم فاصلة جديدة، ولا يخوض في قضايا الداخل والخارج!
لكن كارثة غزة، بكل الدماء التي تسيل من صميمها، والأشلاء التي تتناثر في حميمها، حركت في داخلي فورة إنسانية، ولا أقول «ثورة حماسية»، لأكتب عن المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
وقبل الاسترسال، في هذا المجال، عبر هذا المقال، لا بد من الاستهلال، وليس أفضل في هذا الشأن من الاستدلال.
وهذا يتحقق، من خلال الإشادة، وليس الإشارة فحسب، بالوساطة القطرية الحيوية الإيجابية، التي تقوم بها الدوحة، من أجل التوصل إلى صيغة أو «صفقة» لوقف إطلاق النار في غزة، بالتنسيق مع الوسطاء الآخرين، وسط ظروف إقليمية بالغة التعقيد، ومتغيرات ميدانية بالغة التصعيد.
وما من شك في أن نجاح الوساطة النزيهة، في هذه اللحظة المفصلية، بل المصيرية، يرتبط بضرورة خفض التصعيد العسكري الإسرائيلي المتصاعد، في القطاع الفلسطيني المقطع.
هناك في قطاع غزة، المقطوع الأوصال، وأيضاً في مخيمات الضفة الغربية، شمالاً، في طولكرم، وطوباس وجنين، حيث تتواصل الاقتحامات، والاعتداءات الإسرائيلية، وتتوسع الهجمات العدوانية، واسعة النطاق.
هناك حيث تتزايد الانتهاكات الصهيونية، التي ترتكبها وحدات الجيش الإسرائيلي، ضد المدنيين، ولا أقول «المدانين»، بمشاركة قطعان من المستوطنين.
هناك تشهد قضية فلسطين، أخطر مراحلها، وتعيش أصعب فصولها، منذ نكبة 1948، مع إصرار الإرهابي نتنياهو، وحكومته المتطرفة، على إلغاء الوجود الفلسطيني، عبر تدمير وتهجير الفلسطينيين، في محاولة صهيونية، للتخلص منهم، ومن مقاومتهم، ومن حقوقهم، ومن قضيتهم إلى الأبد.
ووسط هذا الواقع الفلسطيني المؤلم، والظرف السياسي المظلم، يتواصل تعثر المفاوضات، وتتبعثر أوراق المباحثات، في العديد من الجولات، التي عقدت لتقليص الفجوات، وإزالة العقبات.
وتتعطل العديد من المحاولات، التي بذلت حتى الآن، من أجل الوصول إلى اتفاق، لوقف إطلاق النار، وإطلاق سـراح الأسرى والمحتجزين في كلا الجانبين، تمهيداً لإنهاء الحملة العسكرية الوحشية الإسرائيلية، ضد الفلسطينيين.
وفي سياق ذلك التعثر السياسي، والتبعثر الدبلوماسي، الذي تقوده الولايات المتحدة، المنحازة لإسرائيل، قولاً وفعلاً وتفاعلاً، تواصل آلة الحرب الإسرائيلية، غاراتها وتوغلاتها وتغولاتها، على جميع فئات ومكونات الشعب الفلسطيني.
وتستمر في حرق الأرواح البريئة كل يوم، واستهداف التجمعات المدنية، وتفجير الأحياء السكنية، وتدمير المربعات الحضارية، المتمثلة في المستشفيات والمدارس والجامعات، وجميع المؤسسات، وسحق كل مظاهر الحياة الفلسطينية، ومحوها من خريطة الوجود.
وما من شك، في أن هذا التصعيد، على كل صعيد، تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، التي يبدو أنها لا تريد تغيير الواقع الاستعماري، الاستيطاني، غير الإنساني في الأراضي المحتلة.
ولهذا تسعى واقعياً وعملياً وفعلياً وميدانياً، لتثبيت الاحتلال، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، من خلال قيامها بتوفير الدعم العسكري، والحماية السياسية، للكيان الصهيوني، ليواصل حربه ضد الشعب الفلسطيني.
والمفجع أن هذه الحرب الطاحنة، يختلط في أحداثها البشعة، الخوف مع الفزع، ويمتزج في تطوراتها الوقحة، الهلع والجزع، بعدما فقدت الإنسانية قيمها وقيمتها، مع استمرار همجية الاحتلال، في حصد أرواح آلاف الأطفال.
ومع مواصلة إسرائيل حربها الوحشية، ضد الفلسطينيين، التي انتهكت خلالها القوانين الإنسانية، وتجاهلت المعايير الدولية، وتجاوزت الضوابط القانونية، في مجال حماية المدنيين، أتوقف عند قوائم الشهداء الأبرياء، ضحايا الحرب الإسرائيلية، الذين ارتقت أرواحهم إلى السماء.
هناك في غزة المنكوبة، أكثر من (40 ألف) روح فلسطينية بريئة، أزهقتها إسرائيل قصفاً.
هناك أكثر من (40 ألف) نفس بشرية، فتكت بها حكومة التطرف الصهيوني.
هناك أكثر من (40 ألف) حياة، دمرتها إسرائيل، وشطبتها من قوائم الأحياء.
هناك الجموع الفلسطينية متأثرة، الأشلاء متناثرة، الأجساد متحللة، الأجسام متفحمة، ولا شيء في غزة، غير رائحة الدم!
هناك الجروح لا تلتئم، الإصابات لا تندمل، الأوجاع لا تتعافى، الدمار في كل مكان، والفلسطيني لا يشعر بالأمان.
هناك في غزة، لا وجود لما يسمونه «حقوق الإنسان»، ولا قيمة لما يُعرف أممياً باسم «القانون الدولي الإنساني» ولا مكان إلا للمجازر الوحشية، والمقابر الجماعية.
هناك المجرم نتنياهو، ولا يوقف طاحونة القتل.
المتطرف «بن غفير»، لا يوقف خطاب الكراهية.
المتعجرف «سموتيرتش»، لا يوقف تصريحاته العدوانية.
هناك يتواصل التوحش الإسرائيلي، لحكومة المتوحشين الصهاينة، ضد المدنيين الفلسطينيين، بدعم أمريكي، وصمت غربي، وخواء عربي، وخوار أممي!
هناك لا تكاد تجف دماء مجزرة، حتى نتابع أخرى، أكثر بشاعة منها، دون أن يستيقظ ضمير العالم، ودون أن يتحرك النظام الرسمي العربي، لإيقاف المذابح، باستثناء الموقف الأخلاقي والأخوي، والإنساني، والسياسي، الذي تتبناه الدبلوماسية القطرية، سعياً لوقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى في كلا الجانبين وإنهاء الحرب.
هناك في خان يونس، وتل الهوى، ودير البلح، ومخيم الشاطئ، ومخيم النصيرات، وسائر المخيمات.
وأيضاً في بيت حانون، وحي الزيتون المأساة الفلسطينية لا حدود لها، والمعاناة الإنسانية لا سقف لها، ومواكب الشهداء لا نهاية لها، ومثلها مراسم العزاء.
هناك نهشت الكلاب الضالة جثث ضحايا أبرياء، تركت في الطرقات، وغيرها جثامين المئات من الشهداء، تحللت في شوارع القطاع المقطع!
هناك سويت أحياء سكنية كاملة بالأرض، خلال تفجيرات عدوانية متعمدة ومتعددة، قام بها جنود الاحتلال، خلال اقتحاماتهم للمربعات المدنية.
هناك قام الجنود الصهاينة، بإحراق المباني، وإضرام النيران في المساكن عمداً، لجعلها غير صالحة للسكن، بناء على أوامر مباشرة من قادتهم، تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة.
وأمام هذا الاستهداف الإسرائيلي الممنهج، والعدوان الصهيوني المبرمج، أستطيع القول باللهجة «الغزاوية»:
«ما ضلش حدا» يأمن على حياته في غزة!
والمؤلم إلى أقصى درجات الألم، أن هذا هو واقع الحال في غزة، التي يعاني أهلها من سوء الأحوال، واشتداد الأهوال، وعجز العقل، مع تواصل هذه الجرائم الصهيونية البشعة، عن التمييز بين الواقع والخيال، حيث تفوح هناك رائحة الموت، وتسيل دماء الشهداء بين الركام، وتنتشر بقايا الأشلاء بين الحطام!
والأكثر إيلاماً، أن القصف الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من (10 شهور)، تسبب في حدوث كارثة إنسانية، لا يمكن تخيلها، ومجاعة غذائية لا يمكن تحملها، ومعاناة بشرية لا يمكن وصفها، ولا يمكن قبولها، ولا يمكن تمريرها، ولا يمكن تجميلها، ولا يمكن التسامح معها، ولا يمكن السماح بها.
والمعيب، ولا أقول العجيب، أن الإدارة الأمريكية، التي صدعتنا بخطابها «الزئبقي»، عما تسميه «حقوق الإنسان» بعدما نصبت نفسها، للدفاع عن «حريات الشعوب»، تتجاهل استغاثات الفلسطينيين، وصرخات المنكوبين، ونداءات المستضعفين في غزة!
وتتعامى عن مشاهدة المستهدفين، من الأبرياء المدنيين، الذين تستهدفهم الصواريخ الإسرائيلية، والغارات الصهيونية يومياً.
فلا ترى المشهد الفلسطيني الدامي، إلا بعين الكيان الصهيوني، ولا تسمع إلا بأذن نتنياهو، ولا تنطق إلا بلسان حكومته المتطرفة.
وما يثير السخط على وجه الخصوص، أن الولايات المتحدة، وتوابعها من دول الغرب الأوروبي، تشاهد المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، والتي تنقلها قناة «الجزيرة» بكاميراتها، وعدسات مصوريها، وتقارير مراسليها، وغيرها من القنوات الفضائية العالمية.
لكن واشنطن، وتوابعها تبدو غير مكترثة، بارتفاع أعداد الضحايا الأبرياء، وغير متأثرة بالقصف الإسرائيلي الهمجي، الذي تسبب في سفك الكثير من الدماء، وغير مبالية بتقطيع أجساد أطفال فلسطين، وتحويلها إلى أشلاء.
ومع تواصل هذا العدوان الإسرائيلي، غير المسبوق، نقف أمام إجرام صهيوني فادح، ومشهد دموي واضح، وموقف سادي فاضح، تجسده حكومة الاحتلال الإرهابية، وجيشها الغاشم، ولا أقول الغانم، المدجج بكافة أسلحة القتل والتدمير.
وما يثير العجب، ولا أقول الإعجاب، أن «أنتوني بلينكن»، رئيس الدبلوماسية الأمريكية، كرر خلال زيارته التاسعة إلى المنطقة، منذ السابع من أكتوبر، تصريحاته «الزئبقية»، معلناً حرص بلاده على «تهدئة التوترات في المنطقة»!
ولا أدري كيف تهدأ التوترات في الشرق الأوسط، مع استمرار الولايات المتحدة، تزويد إسرائيل، بالسلاح الأمريكي المدمر، الذي تستخدمه حكومة الإرهاب الصهيوني، لقتل الفلسطينيين؟
وكيف يمكن أن تتوقف الاضطرابات في المنطقة، مع إصرار واشنطن على استخدام «الفيتو»، في مجلس الأمن، لإجهاض أي قرارات أممية تدين إسرائيل؟
وكيف يمكن أن تنتهي الصراعات في الشرق الأوسط، بينما الولايات المتحدة، تتماهى مع الموقف الإسرائيلي، المناهض لحقوق الفلسطينيين المشروعة في إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية؟
وكيف يمكن أن يتحقق «الاستقرار الإقليمي»، بعد إعلان حكومة التطرف الإسرائيلي، أن إسرائيل لن تنسحب من المواقع «الاستراتيجية»، التي احتلتها، وسيطرت عليها، خلال حربها على قطاع غزة، وتحديداً محور «نتساريم»، الذي يقسم القطاع المقطع، إلى قسمين: شمالي وجنوبي.
بالإضافة، إلى سيطرتها على محور «فيلادلفيا» المعروف فلسطينياً باسم «صلاح الدين»، الذي يستمد أهميته الاستراتيجية، من احتضانه «معبر رفع»، المنفذ الرسمي الحيوي الوحيد، على الحدود الفلسطينية المصرية.
ونشر قواتها على طوله، مثل «ورم سرطاني» مما يشكل تهديداً مستمراً للأمن القومي المصري، بعد اقتحامه بالدبابات الإسرائيلية، وإحكام قبضتها العسكرية عليه، في انتهاك سافر غادر، لمعاهدة «السلام» الموقعة عام 1979، بين القاهرة وتل أبيب.
يحدث هذا الانتهاك الصهيوني، في ظل وقوف الولايات المتحدة، موقف المتفرج على ما يجري في المنطقة المضطربة، رغم أنها الراعي الرسمي، والضامن السياسي الدولي، لاتفاقية السلام المثيرة للجدل الموقعة بين مصر وإسرائيل.
أقول هذا في إطار «حرية التعبير»، التي تدعي واشنطن أنها تؤمن بها، وفي سياق هذه الحرية أيضاً أقول لوزير الخارجية الأمريكي، الذي اعتاد خلال زياراته للمنطقة، إظهار انحيازه المفضوح للموقف الإسرائيلي، وإطلاق تصريحاته «اللزجة»، التي لا يمكن تطبيقها على أرض الواقع، إلا لصالح إسرائيل:
إذا كنتم تريدون فعلاً «تهدئة التوترات في المنطقة»، أوقفوا الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، والانتهاكات الصهيونية لحقوق الآخرين.
وتوقفوا عن تزويد إسرائيل بالأسلحة المدمرة، التي تستخدمها في قتل الفلسطينيين الأبرياء.
وبادروا بوضع قواعد «حل الدولتين» في الشرق الأوسط، قبل نهاية الفترة المتبقية من ولاية «بايدن»، المخضبة بدماء المدنيين.
وعدا ذلك ستبقى «حركاتكم»، ولا أقول تحركاتكم الدبلوماسية، في المنطقة، مجرد حركات «زئبقية» لكسب الوقت، وإطالة الحرب الإسرائيلية.
وستبقى محاولاتكم «الرخوة»، لوقف إطلاق النار، مجرد غطاء لتحقيق أهداف نتنياهو، وحكومته المتطرفة، المتعطشة لسفك المزيد من دماء الفلسطينيين.
ومع عدم ظهور أي مؤشرات إيجابية حتى الآن، ولا إشارات عملية في المفاوضات، تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق أو صيغة أو «صفقة» لوقف الحرب المسعورة، ستبقى الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها أهلنا في غزة، تعكس حالة غير مسبوقة، من الظلم الأمريكي، والضيم الدولي.
كما تعكس حالة مخزية، ولا أقول مخجلة، من الخنوع والخضوع والعجز العربي، ممثلة في «الجامعة العربية»، العاجزة عن التحرك، أو حتى إطلاق حراك دبلوماسي، لوقف انتهاكات إسرائيل.
وكأن ما يجري في غزة لا يعنيها، ولا يهم «أمينها العام» الذي يتابع الأحداث، وكأنه يشاهد مسلسل «الاختيار» أو فيلماً من أفلام «الأكشن»، التي يمثلها «نمبرون» المدعو محمد رمضان!
ووسط غياب «جامعة العرب»، عن وقف المجازر الوحشية، التي ترتكبها إسرائيل ضد العرب، والمذابح التي تستهدف خلالها أبناء العرب، وشيوخ العرب، ونساء العرب، وأطفال العرب في قطاع غزة، ستبقى مواكب الشهداء، تشهد على تضحيات الفلسطينيين، الذين اختارهم الله، وشرفهم بنيل الوسام الإلهي.
وما من شك في أن شهداء غزة، ومدن وقرى الضفة المحتلة، يصنعون بأرواحهم معراجاً، إلى النصر المبين، ويعبدون بدمائهم طريق الحرية والاستقلال.
ستظل أسماؤهم، رجالاً ونساء، شيوخاً وأطفالاً، محفورة في سجلات التاريخ، ومحفوظة في الذاكرة، والقلوب والضمائر الحية.
فسلام عليهم يوم ولدوا..
ويوم استشهدوا، ويوم صاروا عند ربهم أحياء يرزقون.
وهذا مني سلام آخر، على شهداء غزة.
وسلام دائم على شهداء فلسطين.
والمجد، والنصر، للمقاومة الفلسطينية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
حينَ شقَّ الاستعمار جسدَ الأمة بخطوطٍ من حديد وحدودٍ من نار، انقطعت شرايين الأخوة التي كانت تسقي القلوب قبل أن تربط الأوطان. تمزّقت الخريطة، وتبعثرت القلوب، حتى غدا المسلم يسأل ببرودٍ مريب: ما شأني بفلسطين؟! أو بالسودان ؟! أو بالصين ؟! ونَسِيَ أنَّ تعاطُفَه عبادةٌ لا عادة، وإيمانٌ لا انفعال، وأنّ مَن لم يهتمّ بأمر المسلمين فليس منهم. لقد رسم الاستعمار حدودهُ لا على الورق فحسب، بل في العقول والضمائر، فزرعَ بين الإخوة أسوارا من وهم، وأوقد في الصدورِ نارَ الأحقادِ والأطماع. قسّم الأرضَ فأضعفَ الروح، وأحيا العصبيةَ فقتلَ الإنسانية. باتَ المسلمُ غريبًا في أرضه، باردًا أمام جراح أمّته، يشاهدُ المجازرَ في الفاشر وغزّة وفي الإيغور وكأنها لقطات من كوكب زحل. ألا يعلم أنَّ فقدَ الأرضِ يسهلُ تعويضُه، أمّا فقد الأخِ فهلاكٌ للأمّة؟! لقد أصبح الدينُ عند كثيرين بطاقة تعريفٍ ثانوية بعدَ المذهبِ والقبيلةِ والوطن، إنّ العلاجَ يبدأُ من إعادةِ بناءِ الوعي، من تعليمِ الجيلِ أنّ الإسلام لا يعرف حدودًا ولا يسكنُ خرائطَ صمّاء، وأنّ نُصرةَ المظلومِ واجبٌ شرعيٌّ، لا خِيارٌا مزاجيّا. قال النبي صلى الله عليه وسلم (مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمِهم «وتعاطُفِهم» كمثلِ الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائرُ الجسدِ بالسهرِ والحمّى). التعاطف عبادة، التعاطف مطلب، التعاطف غاية، التعاطف هدف، التعاطف إنسانية وفطرة طبيعية، لذلك فلننهضْ بإعلامٍ صادقٍ يذكّرُ الأمةَ أنّها جسدٌ واحدٌ لا أطرافا متناحرة، وبعمل جماعي يترجمُ الأخوّةَ إلى عطاءٍ، والتكافلَ إلى فعلٍ لا شعار. حين يعودُ قلبُ المسلم يخفقُ في المغربِ فيسقي عروقَه في المشرق، وتنبضُ روحهُ في الشمالِ فتلهم الجنوبَ، حينئذٍ تُهدَمُ حدودُ الوهم، وتُبعثُ روحُ الأمةِ من رمادِ الغفلة، وتستعيدُ مجدَها الذي هو خير لها وللناس جميعاً قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ). عندها لن تبقى للأمّة خرائط تُفرّقها،. وتغدو حدود وخطوط أعدائنا التي علينا سرابًا تذروه الرياح، وتتقطع خيوطُ العنكبوتِ التي سحروا أعيننا بوهم قيودها التي لا تنفك. فإذا استيقظَ الوجدان تعانقَ المشرقُ والمغربُ في جسدٍ واحد يهتفُ بصوتٍ واحد فداك أخي.
3867
| 04 نوفمبر 2025
اطلعت على الكثير من التعليقات حول موضوع المقال الذي نشرته الأسبوع الماضي بجريدة الشرق بذات العنوان وهو «انخفاض معدلات المواليد في قطر»، وقد جاء الكثير من هذه التعليقات أو الملاحظات حول أن هذه مشكلة تكاد تكون في مختلف دول العالم وتتشابه الى حد كبير، والبعض أرجعها الى غلاء المعيشة بشكل عام في العالم، وهذه المشكلة حسبما أعتقد يجب ألا يكون تأثيرها بذات القدر في دول أخرى؛ لأن الوضع عندنا يختلف تماما، فالدولة قد يسرت على المواطنين الكثير من المعوقات الحياتية وتوفر المساكن والوظائف والرواتب المجزية التي يجب ألا يكون غلاء المعيشة وغيرها من المتطلبات الأخرى سببا في عدم الاقبال على الزواج وتكوين أسرة أو الحد من عدد المواليد الجدد، وهو ما يجب معه أن يتم البحث عن حلول جديدة يمكن أن تسهم في حل مثل هذه المشكلة التي بدأت في التزايد. وفي هذا المجال فقد أبرز معهد الدوحة الدولي للأسرة توصيات لرفع معدل الخصوبة والتي تساهم بدورها في زيادة المواليد ومن هذه التوصيات منح الموظفة الحامل إجازة مدفوعة الاجر لـ 6 اشهر مع اشتراط ان تعود الموظفة الى موقعها الوظيفي دون أي انتقاص من حقوقها الوظيفية، وكذلك الزام أصحاب العمل الذين لديهم 20 موظفة بإنشاء دار للحضانة مع منح الأب إجازة مدفوعة الأجر لا تقل عن أسبوعين، وإنشاء صندوق لتنمية الطفل يقدم إعانات شهرية وتسهيل الإجراءات الخاصة بتأمين مساكن للمتزوجين الجدد، وكذلك إنشاء صندوق للزواج يقدم دعما ماليا للمتزوجين الجدد ولمن ينوي الزواج مع التوسع في قاعات الافراح المختلفة، وهذه الاقتراحات هي في المجمل تسهل بشكل كبير العقبات والصعاب التي يواجهها الكثير من المقبلين على الزواج، وبتوفيرها لا شك ان الوضع سيختلف وستسهم في تحقيق ما نطمح اليه جميعا بتسهيل أمور الزواج. لكن على ما يبدو ومن خلال الواقع الذي نعيشه فإن الجيل الحالي يحتاج الى تغيير نظرته الى الزواج، فالكثير اصبح لا ينظر الى الزواج بالاهمية التي كانت في السابق، ولذلك لابد ان يكون من ضمن الحلول التي يجب العمل عليها، إيجاد أو إقرار مواد تدرس للطلاب خاصة بالمرحلة الثانوية وتتمحور حول أهمية تكوين وبناء الاسرة وأهمية ذلك للشباب من الجنسين، والعمل على تغيير بعض القناعات والاولويات لدى الشباب من الجنسين، حيث أصبحت هذه القناعات غير منضبطة أو غير مرتبة بالشكل الصحيح، والعمل على تقديم الزواج على الكثير من الأولويات الثانوية، وغرس هذه القيمة لتكون ضمن الأولويات القصوى للشباب على أن يتم مساعدتهم في ذلك من خلال ما تم ذكره من أسباب التيسير ومن خلال أمور أخرى يمكن النظر فيها بشكل مستمر للوصول الى الهدف المنشود. وفي ظل هذا النقاش والبحث عن الحلول، يرى بعض المهتمين بالتركيبة السكانية ان هناك من الحلول الاخرى التي يمكن أن تكون مؤثرة، مثل التشجيع على التعدد ومنح الموظفة التي تكون الزوجة الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة، علاوة مستحدثة على أن تكون مجزية، الى جانب حوافز أخرى تشجع على ذلك وتحث عليه في أوساط المجتمع، حيث يرى هؤلاء أن فتح باب النقاش حول تعدد الزوجات قد يكون إحدى الأدوات للمساهمة في رفع معدلات الإنجاب، خصوصًا إذا ما اقترن بدعم اجتماعي ومؤسسي يضمن كرامة الأسرة ويحقق التوازن المطلوب.
2214
| 03 نوفمبر 2025
8 آلاف مشارك بينهم رؤساء دولوحكومات وقادة منظمات في قمة التنمية.. العالــــم فــي قطـــر ■قطر والأمم المتحدة شراكة دائمة ومستمرة نحو الأهداف المشتركة ■قمة التنمية ترسخ ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر ■الحدث الدولي الكبير باستضافة قمة التنمية موضع فخر واعتزاز ■حضور بارز لدولة قطر في جميع برامج الأمم المتحدة التنموية والإنسانية ■قمة الدوحة ستبقى علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية ■«إعلان الدوحة للتنمية» سيكون بصمة تاريخية في سجلات الأمم المتحدة ■ترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية ترحب الدوحة بالعالم في قمة العالم الثانية للتنمية الاجتماعية التي تعقد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وذلك بعد مرور ثلاثين عاماً على القمة الأولى التي عُقدت عام 1995، مما يضفي على قمة الدوحة أهمية استثنائية، فالدوحة عاصمة عالمية للفعاليات الكبرى، وقد استعدت بكل إمكاناتها لتوفير مقومات النجاح لبرامج القمة وجداول أعمالها وأنشطتها. ترحب الدوحة بكل المشاركين في قمة التنمية الاجتماعية الثانية التي تعقد على مستوى رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار المسؤولين وقادة المنظمات الإنسانية بهدف معالجة الثغرات بشأن التنمية الاجتماعية التي أصبحت الشغل الشاغل لدول العالم، حيث إن أرقام الفقر والجوع ما زالت مرتفعة، فضلا عن الدول الخارجة من الحروب والأزمات والصراعات، مما يضاعف الحاجة إلى تجديد التزام دول العالم بدفع عجلة التنمية الاجتماعية. ومن المؤكد أن قمة الدوحة ستكون علامة فارقة في مسيرة التنمية الاجتماعية، ومثلما نجحت الدوحة في استضافة الفعاليات الكبرى من رياضية وسياسية واقتصادية وثقافية فإن قطر ستقدم للعالم أفضل نسخة من القمة العالمية للتنمية الاجتماعية. إن انعقاد قمة التنمية الثانية في الدوحة تعكس ثقة المجتمع الدولي بدور قطر وجهودها لتعزيز السلام والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة بوصفها شريكا دائما للأمم المتحدة، وكما أشار حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، في كلمته الترحيبية على صفحة القمة: «إن قطر استضافت على مر السنين العديد من المؤتمرات الرفيعة المستوى التابعة للأمم المتحدة، ما وفر منصة للحوار والتعاون بشأن أبرز التحديات العالمية، وتعكس هذه الجهود التزامنا الدائم بقيم وأهداف الأمم المتحدة ورؤيتنا لعالم يتاح فيه الازدهار للجميع». الشراكة بين قطر والأمم المتحدة تمتد لعقود وهي شراكة متجذرة في المبادئ والأهداف المشتركة الإنسانية والتنموية والتعليمية وحفظ الأمن والسلم الدوليين وتعزيز حقوق الإنسان، وتقديم المساعدة الإنسانية، والمشاركة في العمل الجماعي بهدف التصدي للتحديات القائمة والناشئة التي تواجه العالم. وأصبحت دولة قطر حاضرة بقوة في أغلب أنشطة الأمم المتحدة، وفي برامجها الإنسانية والتنموية. لطالما كانت قطر سباقة بدعم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، خاصة في مجالات مكافحة الفقر والصحة والتعليم من خلال مساعدات خارجية بلغت قيمتها نحو 4.8 مليار دولار منذ عام 2020، خصص 90% منها للدول الأقل نموا. كما حرص سمو الأمير المفدى على تتويج المساعدات القطرية بمبادرات وتبرعات أعلنها في كثير من الفعاليات الأممية، كان أبرزها تبرع سموه عام 2019 بمبلغ 100 مليون دولار لصالح الدول الجزرية والأقل نموا. كما توجت قطر شراكتها مع المنظمة الأممية بافتتاح بيت الأمم المتحدة في مارس 2023 ويُعد الأول من نوعه في المنطقة بصفته مقرا يجري فيه تنسيق المهام الإقليمية لعدة منظمات من ضمنها: منظمة العمل الدولية واليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين وصندوق الأمم المتحدة الدولي للطفولة (اليونيسيف) ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الصحة العالمية. وفي إطار الشراكة مع الأمم المتحدة تحضر أيضا مبادرات صاحبة السمو الشيخة موزا بنت ناصر، لحماية التعليم في مناطق النزاعات عبر مؤسسة التعليم فوق الجميع، وعبر برنامج «علم طفلا» الذي نجح في إعادة 10 ملايين طفل إلى المدارس، فيما تسعى مؤسسة «صلتك» لتوفير فرص عمل لأكثر من خمسة ملايين شاب. وفي هذا السياق تعتبر استضافة الدوحة للقمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية رصيدا إضافيا يعزز مكانة قطر المرموقة على الساحة الدولية، ويعكس إيمانها العميق بأهمية التعاون متعدد الأطراف في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمعات، خصوصا في ظل التحولات العالمية المتسارعة التي أنتجت وقائع جديدة ترزح تحت أعبائها شعوب كثيرة، مما يزيد الحاجة لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتكافؤ الفرص، وتمكين الفئات الضعيفة من المشاركة الفاعلة في التنمية. إن هذا الحدث الدولي المهم المتمثل بانعقاد القمة التاريخية في الدوحة موضع فخر واعتزاز لدولة قطر وجميع أبناء الشعب القطري، فقد أثبتت قطر للعالم أنها المكان المثالي والنموذجي لاستضافة القمة بعد ثلاثين عاما على انعقاد القمة الأولى في كوبنهاغن. كما أن قطر أثبتت قدرتها وجاهزيتها اللوجستية والدبلوماسية والتنظيمية لاستضافة أكثر من 8 آلاف مشارك من مختلف دول العالم، بينهم رؤساء دول وحكومات وصناع قرار وكبار مسؤولين وقادة منظمات دولية وإنسانية وتنفيذ جدول وبرامج القمة التي أعدتها الأمم المتحدة بجدارة وإتقان. ولعل السمة التاريخية لهذه القمة تستند إلى عدة عناصر أبرزها «إعلان الدوحة السياسي» الذي ستعتمده القمة وتصدره الأمم المتحدة، مما يجعل اسم الدوحة مسطرا في سجلات الأمم المتحدة وفي ذاكرة كل شعوب العالم المعنية بالتنمية وسيكون إعلان الدوحة مرجعا لكل باحث وخبير بشأن التنمية العالمية. ويعتبر «إعلان الدوحة للتنمية» تعهدا جماعيا للمشاركين لإحياء التعددية وتسريع التنمية الاجتماعية دون أن يتخلف أحد عن الركب، ومن بين أهدافه الالتزام بـ»تعزيز الحلول المبتكرة والتعاون الدولي الشامل لترجمة التزامات إعلان وبرنامج عمل كوبنهاغن، والبعد الاجتماعي لأجندة 2030، إلى إجراءات ملموسة لتحقيق التنمية الاجتماعية للجميع، لا سيما لفائدة البلدان النامية». ومن الجوانب المهمة أن استضافة قطر لقمة التنمية الاجتماعية تعكس التزامها الراسخ بتعزيز التنمية الاجتماعية الشاملة والمستدامة ودعم العمل المتعدد الأطراف لتحقيق العدالة الاجتماعية والرفاهية لجميع الشعوب، كما تمثل فرصة محورية لتعزيز الحوار الدولي حول قضايا التنمية الاجتماعية وتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وقد عبر سمو الأمير المفدى عن هذا الالتزام بأبلغ الكلام حين قال: «تلتزم دولة قطر دوماً بالتنمية المرتكزة على الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو العالمي. ومن خلال الاستثمار في التعليم، والصحة، والحماية الاجتماعية، وتعزيز فرص العمل المنتج والعمل اللائق للجميع، نواصل تعزيز العدالة الاجتماعية وترسيخ الشمول. كما أننا دافعنا عن تكامل السياسات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، من خلال اعتماد نهج يشمل الحكومة والمجتمع بأسره، ويضع الإنسان في صميم عملية التنمية». لقد أكدت دولة قطر أن التنمية الاجتماعية لا تتحقق إلا من خلال الاستثمار في الإنسان، وتعزيز قيم العدالة والتضامن، ودعم المبادرات التي تكرس التعاون الدولي وتستجيب لتطلعات الشعوب نحو مستقبل أكثر استقرارا وازدهارا، وهذا ما أكده سمو الأمير المفدى في مختلف المناسبات أن الارتقاء بالإنسان يحقق التنمية المستدامة باعتبار الإنسان محور التنمية وغايتها الأساسية. لقد نجحت مسيرة قطر في تحقيق إنجازات نوعية وغير مسبوقة في عالم التنمية وصولا إلى رؤية قطر الوطنية 2030 وها هي اليوم تضع جهودها وخبراتها بتصرف العالم لبلورة رؤية وبرامج عمل لتحقيق التنمية التي تتطلع لها شعوب العالم. وذلك من خلال العمل الجاد والدؤوب مع الدول الأعضاء في القمة والمنظمات الدولية والإنسانية المشاركة لرسم المسار العملي لتحقيق أهداف التنمية. ولن تتوانى دولة قطر عن تقديم كل الدعم وبذل كل الجهود لوصول القمة إلى أفضل النتائج التي تحقق تطلعات شعوب العالم بالتنمية المستدامة وفقا لأهداف الأمم المتحدة، وترسيخ مكانة الدوحة كعاصمة للحوار والشراكة الدولية من أجل التنمية الاجتماعية المستدامة، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي بقدرات قطر على تحقيق وإنجاز ما يعجز عنه الآخرون.
2139
| 04 نوفمبر 2025