رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مها الغيث

[email protected]

مساحة إعلانية

مقالات

492

مها الغيث

المآذن الإسلامية تعتلي الكاتدرائيات الأوروبية

02 نوفمبر 2024 , 04:00ص

 

 

(السرقة من المسلمين (الساراسن): كيف شكلت العمارة الإسلامية أوروبا) كتاب أشبه بسياحة موغلة في عمق التاريخ، يتلمس روح العمارة ويستنطق صمت الحجارة الذي أبى إلا أن يصدح بما كان! بيد أن عنوانه الرئيسي ينطوي على سخرية متبوعة بتحدٍ، حيث عمدت الباحثة إلى استخدام كلمة (الساراسن) المستعارة من كلمة (السارقين) أو (السراقين) في اللغة العربية، كإشارة ضمنية إلى نظرة الأوروبيين الاستعلائية نحو العرب والمسلمين خلال العصور الوسطى، والتي تثير بدورها تهكماً مضاعفاً تجاه السرقة التي ارتكبت من السارقين أنفسهم، في حين يكشف عنوانه الفرعي عن التحدي الذي أخذته الباحثة على عاتقها في إثبات أثر العمارة الإسلامية على الكاتدرائيات القوطية والعمارة الدينية ككل في كافة أرجاء أوروبا! ولأن (رُب ضارة نافعة)، فقد كان دافع الباحثة في وضع هذا الكتاب هو ردة الفعل العنيفة التي تلقتها بعد بثّها منشوراً إثر الحريق الذي طال كاتدرائية نوتردام في باريس عام 2019، وضحت فيه أصل العمارة القوطية القائم على عمارة شرق المتوسط والأندلس الإسلامية.

تستغرق الباحثة حياة بأكملها لتتحرى عن أصل هذا التأثير التاريخي الذي تحيله إلى عدة روافد، كالتبادل الثقافي الذي زامن الحروب الصليبية، وحروب الاسترداد في صقلية وإسبانيا، والاحتكاك الحضاري والتجاري، وما نقل الأفراد والتجّار والمحاربون من مشاهدات لمبانٍ دينية ومدنية إلى أراضيهم. فالعمارة البيزنطية، وعمارة بلاد ما بين النهرين، والكنائس المسيحية الأولى في سوريا، وجامع قرطبة الأندلسي، وفنون العمارتين الأموية والعباسية، قد تم نقل عناصرها ابتداءً إلى العمارة الأوروبية في عصورها الوسطى، رافقها فيما بعد تطور يتدرج من نمط قوطي عتيق إلى حديث، حتى نمط الكاتدرائيات القوطية الفخمة، والتي تتصدر أشهرها في لندن، كمبنى البرلمان وبرج ساعة بيج بن، وفي باريس ككاتدرائية نوتردام وكاتدرائية القلب المقدس. يظهر ذلك النقل المدفوع بالإعجاب جلياً في القباب المضاعفة والأبراج العالية والأقواس المدببة والزجاج الملون المخترق بالضوء الطبيعي، والنوافذ ذات الزخرفة الحجرية، والسقوف ذات الأضلاع، والكثير من أنماط الزخرفة والأناقة والبراعة.

أما عنها، فهي (ديانا دارك 1956) كاتبة ومؤرّخة ومستعرِبة بريطانية. درست اللغة الألمانية والفلسفة العربية في جامعة أكسفورد، وعكفت على البحث العلمي في آثار وعمارة الشرق الأوسط، وبالأخص في سوريا التي أحبتها واتخذت من بيت عتيق في أحد أحياء دمشق سكناً لها. أما مترجم كتابها، فهو (د. عامر شيخوني) أحد رواد جراحات القلب العرب، والذي تخرج في كلية الطب بمدينة حلب، واستكمل دراسة جراحة القلب في أمريكا. وهو إضافة إلى تخصصه المهني، فمترجم وكاتب، عني بترجمة وتأليف الكثير من الكتب باللغتين، إضافة إلى نشر المقالات العلمية والأدبية.

وعودة على الكلمة المستخدمة التي اعتقد بها معماري القرن الثامن عشر الإنجليزي (كريستوفر رن)، واعترف بالأصل الإسلامي للعمارة القوطية -رغم ازدرائه نقائصه ورداءة زخرفاته المسرفة حسب رأيه- فهو لم يزل (سارقاً من الساراسن) في رأي الباحثة، حيث وإن لم يسرق أسلوبهم، فقد سرق تقنياتهم الهندسية الأكثر تطوراً! كما أن اعترافه بهذا الأصل لهو إقرار بالإلهام الذي قدمه المسلمون فيما يعتبره الأوروبيون المسيحيون أسلوبهم "المعماري الفريد"، وقد كانوا على ثقة تامة بتفوقهم المسيحي خلال ما اعتبروه حقبتهم الذهبية التي انتصروا فيها على أعدائهم المسلمين، "لدرجة أنه لم تخطر لهم أبداً فكرة أن اختياراتهم المعمارية تمثل في الحقيقة هوية دين آخر.. الدين ذاته الذي اعتبروه عدواً، واتخذوا هذه الأنماط المعمارية ببساطة على أنها أنماط مسيحية".

وهي إذ تناكف المعماري المسيحي في مقارنته بالمعماري المسلم سنان، فالباحثة لا تستبعد "صرخات اعتراض عالية في بعض الأماكن" وهي تعقد تشابهاً معمارياً بين برج ساعة بيج بن الإنجليزي والمئذنة السلجوقية في حلب. فتقول في نبرة يشوبها الفخر: "لقد أُتيحت لي الفرصة مرات كثيرة منذ سبعينيات القرن العشرين لزيارة أبنية، مُوزّعة فيما هي الآن دول: سورية والأردن ولبنان وفلسطين وإسرائيل وتركيا، مثل الجامع الأموي الكبير بدمشق، وقبة الصخرة الأموية، وقصور الصحراء الأموية، ومدينة عنجَر الأموية. تمكنت من لمس حجارتها والتشبع برحيقها. وعندما أنظر الآن إلى الأقواس الثلاثية الفصوص والنوافذ المدببة في كثير من كنائسنا وكاتدرائياتنا، وسقف المروحة، ومواضع الجوقة ذات الخشب المحفور بإتقان، والغنية بأغصان الكرمة الملتفة والأوراق الرشيقة والفاكهة الناضجة، أنظر إليها بعيون جديدة، وأقدرها بشكل أكثر عمقاً، لأن معرفة أُصولها قد زادت إدراكي عمقاً. أرى الآن ما يكمن وراءها، وما الذي تمثّله".

تنتهي الباحثة بالتأكيد على أن العمارة في حد ذاتها، تعبير حضاري إنساني بارز كالفكر والفلسفة والفن والأدب، وهي صورة ذاتية من ناحية وهوية قومية من ناحية أخرى، وهي لبنة في بناء الحضارات الإنسانية التي تتوالى كل منها على ما سبقها من إنجازات، حيث تستمر وتتطور وتتفاعل وتتلاحم وتتراكم بما يكفل خلق مجتمعات حضارية أكثر تماسكاً وتكاملاً وإنسانية، وما كان القصد من كتابها إثارة صراعات أو تنافس أو نعرات، "إنما هو دعوة للتعارف وللتلاقي بين الشعوب والثقافات والحضارات وأنماط العمارة".

اقرأ المزيد

alsharq موازنة الدولة 2026 نهج متوازن يعزز جودة التنمية

تعكس موازنة الدولة للعام المالي 2026 جملة من المؤشرات الإيجابية التي تؤكد حرص الدولة على ترسيخ الاستقرار المالي،... اقرأ المزيد

78

| 13 ديسمبر 2025

alsharq من الرياض.. أطيب التهاني للدوحة بيومها الوطني

من فضل الله تعيش دول مجلس التعاون الخليجي اليوم مرحلة غير مسبوقة من التقارب والتنسيق، تعمّقها رؤى قادتها... اقرأ المزيد

153

| 13 ديسمبر 2025

alsharq العدالة المعلقة بين النية المبطنة والإبادة المعلنة 1-2

على شريط ساحلي قبالة بحر أبيض، وبتوقيت يكاد يتفق واللحظة، تُعاد كتابة التاريخ بدمٍ لا يزال يجري طوفانه!... اقرأ المزيد

111

| 13 ديسمبر 2025

مساحة إعلانية