رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تشير بيانات الغاز الطبيعي المصري إلى وجود احتياطي يبلغ 2ر2 تريليون متر مكعب يمثل نسبة 2ر1 % من الاحتياطي الدولي. ويضع مصر بالمركز السادس عشر بين دول العالم. فإن ذلك الاحتياطي يكفي لاستمرار نفس معدل الإنتاج الحالي نحو 36 عاما.
وعندما ننظر إلى معدل الإنتاج البالغ 3ر61 مليار متر مكعب خلال العام الماضي، والذي يضع مصر بالمركز الثالث عشر بالإنتاج الدولي. حيث حاز الإنتاج المصري نسبة 9ر1 % من الإنتاج الدولي البالغ 3193 مليار متر مكعب.
كما تشير بيانات شركة البترول البريطانية إلى أنه إذا كانت مصر تنتج 3ر61 مليار متر من الغاز الطبيعي، فإنها قد استهلكت محليا منها 1ر45 مليار متر مكعب وقامت بتصدير 17ر15 مليار متر مكعب إلى 20 دولة.
وأن مصر قد احتلت المركز الثامن عشر بين دول العالم في استهلاك الغاز الطبيعي، كما احتلت المركز الخامس عشر دوليا في تصديره إلى 16 دولة عبر الناقلات مسالا بالإضافة إلى تصديره لأربع دول من خلال خطوط الأنابيب وهي: الأردن ولبنان وسوريا وإسرائيل.
وأن الدول العشرين التي تم التصدير إليها هي: إسبانيا بنحو 62ر2 مليار متر مكعب تليها الأردن بنحو 52ر2 مليار متر، ثم إسرائيل 1ر2 مليار متر فأمريكا 07ر2 مليار متر ثم كوريا الجنوبية بنحو 980 مليون متر مكعب، لتستحوذ الدول الخمس الأولى في التصدير على 68 % من كميات تصديره بينما يتدنى نصيب باقي الدول،
والتي تشكل 730 مليون متر مكعب إلى إيطاليا و730 مليون متر إلى فرنسا، و690 مليونا لسوريا و570 مليون متر لليابان و550 مليون متر إلى شيلي و330 مليون متر للكويت، و270 مليونا لتركيا و170 مليون متر لبلجيكا ومثلها لتايوان. و160 مليون متر للمكسيك و150 مليون متر للبنان. و120 مليونا لإنجلترا و90 مليونا للهند و80 مليون متر مكعب لليونان ومثلها للصين.
إلى هنا يبدو الأمر عاديا ومطمئنا خاصة مع التوسع في استخدام الغاز الطبيعي محليا، حتى بلغ نصيبه من إجمالي استخدام أنواع الطاقة 1ر50 % من كل أنواع الطاقة بما يعني تفوق نصيبه على استخدام البترول محليا. وتنوع ذلك الاستخدام ما بين الاستخدام الصناعي وفي توليد الكهرباء وفي النقل، وبالاستخدامات المنزلية كبديل عن البتوجاز الذي نستورد كميات ضخمة منه.
لكن المثير أن كل تلك الصورة السابقة مغلوطة، فالتقرير السنوي لشركة البترول البريطانية الذي نشر كل تلك البيانات السابقة يأخذ الأرقام من الدول وينشرها كما هي، ولكن هناك تشكيكا من الخبراء المصريين، ومنهم مسؤولون كبار سابقون بوزارة البترول المصرية، في أن تلك البيانات للاحتياطيات تم تضخيمها وأنها أقل مما يتم إعلانه، ثم إن تلك الكميات المعلنة للإنتاج تخص حصة الشركات المصرية وحصة الشركات الأجنبية معا.
وأنه في ضوء عدم كفاية حصة مصر للاستهلاك المحلي وللارتباطات التصديرية لها، فإنها تقوم بشراء حصة الشريك الأجنبي بسعر يقترب من متوسط الأسعار الدولية، ثم تقوم بتصدير تلك الكميات للوفاء بتعاقداتها والتي تتم بأسعار متدنية نظرا لإتمامها منذ سنوات وفي ظل اتفاقات بخست حق مصر، مما دفعها لمطالبة الدول التي يتم التصدير إليها عقب الثورة بإعادة النظر في الأسعار.
وظهر المأزق المصري جليا في أواخر أيام وزارة نظيف عندما شكت شركات مصرية من عدم الاستجابة لتدبير احتياجاتها من الغار الطبيعي. وإعلان الوزارة وقتها عن إمكانية قيامها باستيراد احتياجاتها من الخارج. ودار النقاش وقتها حول إمكانية استيراد الغاز من العراق ومدى إمكانية استخدام خط الغاز العربي الذي يربط مصر بالأردن في نقل الكميات العكسية من العراق عبر الأردن إلى مصر.
ولهذا فقد طالب خبراء مصريون بعدم تصدير الغاز الطبيعي المصري في ضوء قلة الاحتياطيات البترولية. وتوجيهه للاستخدام المحلي المتزايد وفي ضوء طابور الانتظار الطويل من الشركات الصناعية المصرية لتوفير الغاز، بدليل قصر رخص مصانع الحديد الجديدة على أربعة لقلة المتاح من الغاز. كما طالب الخبراء بعدم تصدير الغاز لسبب آخر باعتباره مادة خاما، يمكن تصنيعها إلى بتروكيماويات أكثر سعرا من تصديره خاما.
وفيما يخص أسعار التصدير، تمتنع السلطات المصرية عن التصريح بأسعار التصدير إلى البلدان المختلفة وتكتفي بالإعلان أنها أسعار مناسبة. وهكذا فإن بيانات الغاز المصري تعد لغزا يجب حله من قبل المسؤولين، لمعرفة حجم الاحتياطي الحقيقي من الغاز. ونصيب الشركات المصرية من الإنتاج المعلن. ونصيبها من صادرات الغاز التي تخرج من مصر. وحقيقة أن أسعار التصدير المتدنية التي تقل كثيرا عن أسعار استيراد المازوت لتشغيل محطات الكهرباء المصرية، بينما يكون استخدام الغاز لتشغيل تلك المحطات أقل تكلفة وأقل تلويثا للبيئة من المازوت.
القيادة الرقمية ركيزة التحول نحو حكومة المستقبل في قطر
في ظل التسارع التكنولوجي الحالي، والذي يفتح آفاقًا جديدة من بيئات العمل المختلفة، لم تعد القيادة الفاعلة تُقاس... اقرأ المزيد
345
| 19 نوفمبر 2025
أي بوصلة نحتاجها اليوم؟
قرأت مقولة تقول: «إن من يملك بوصلة، يملك سلامًا». فالبوصلة ليست مجرد أداة للاتجاه نحو الشرق أو الغرب،... اقرأ المزيد
120
| 19 نوفمبر 2025
كنت أظن بكل سذاجات البدايات أن الضحك دليل على أننا بخير، فالناس لا يضحكون الا اذا فرحت قلوبهم،... اقرأ المزيد
129
| 19 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
في عالم تتسابق فيه الدول لجذب رؤوس الأموال وتحفيز الاستثمار تبنّت دولة قطر نموذجًا قانونيًا لمنح فرص الإقامة للأجانب بضوابط قانونية محددة، أبرزها ما ورد في المادة (7) من قرار مجلس الوزراء رقم (28) لسنة 2020 والذي ينظم منح الإقامة للأجانب من خلال التملك العقاري في قطر، فقد فتحت الباب أمام غير القطريين للحصول على الإقامة عبر تملك العقارات أو الانتفاع بها، وفق شروط دقيقة. ويأتي هذا التوجه ضمن سياسة الدولة في تشجيع الاستثمار العقاري، وضخ المزيد من الاستثمارات في السوق العقارية المحلية، ويساهم في تحقيق رؤية قطر التنموية التي تسعى لجعل البلاد وجهة إقليمية رائدة للاستثمار والعيش الكريم. من شروط الحصول على الإقامة العقارية في دولة قطر لملاك العقارات غير القطريين، وأن يكون مؤهلاً للحصول على إقامة دائمة، كما وضع القانون شروطا واضحة ولابد من توافرها، بأن يشترط أن يقيم المستثمر داخل دولة قطر مدة لا تقل عن 90 يومًا في السنة، سواء كانت إقامة متصلة أو متقطعة حتى تستمر الإقامة في سريانها، ولاسيما أن تكون قيمة العقار لا تقل 730 ألف ريال قطري ويتم تقييم العقار وفقًا للقيمة السوقية المعتمدة من إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل ولا يقتصر ذلك فقط على قيمة الشراء المتفق عليه بين الطرفين، وإضافة على ذلك إذا بلغت قيمة العقار 3 ملايين و650 ألف ريال قطري أو أكثر فإن المالك المنتفع به يُمنح امتيازات إضافية لحاملي الإقامة الدائمة وتشمل التعليم الحكومي والرعاية الصحية وبعض التسهيلات الاستثمارية، وتظهر هذه الشروط ضمان جدية المستثمر. ويشدد القانون على أهمية إقامة مالك العقار في الدولة لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر من كل عام متصلة أو متواصلة، ويُقصد من هذا الشرط ضمان ارتباط حامل الإقامة العقارية فعليًا بدولة قطر، وعدم الاقتصار على التملك من الخارج دون تواجد فعلي، وفي الحالات الاستثنائية التي يتعذر فيها على المالك تحقيق شرط الـ90 يومًا بسبب ظروف قاهرة أو ضرورات خاصة تتيح اللوائح إمكانية تقديم طلب استثناء أو عذر رسمي للجهات المعنية، على سبيل المثال يمكن للمالك التقدم بطلب “تصريح عودة مقيم” لدى وزارة الداخلية إذا اضطر للبقاء خارج قطر مدة طويلة تتجاوز المسموح به، وذلك حفاظًا على صلاحية إقامته، يمنح تصريح العودة للمقيم فرصة عدم إسقاط إقامته عند تجاوز المدة المحددة للبقاء خارج البلاد والتي تكون عادة 6 أشهر كحد أقصى للإقامة العادية، حيث يتم توضيح أسباب الغياب وتقديم المستندات الداعمة للحصول على موافقة استثنائية، وبهذا الإجراء القانوني يمكن للمالك الحفاظ على إقامة العقار الخاصة به رغم عدم استيفائه شرط 90 يومًا في السنة في بعض الحالات الاستثنائية، شريطة موافقة الجهات الرسمية المختصة على العذر المقدم وفق الأصول القانونية. وفي سياق تحديد قيمة العقار المعتمد لهذا الغرض، أوضح القانون أن المرجعية تكون للقيمة السوقية التي تعتمدها إدارة التسجيل العقاري بوزارة العدل، وليس فقط سعر الشراء المُعلن، بمعنى آخر تحتسب أهلية العقار لمنح الإقامة بناءً على تقييم رسمي يعكس القيمة السوقية الحقيقية للعقار، هذا الإجراء يهدف إلى ضمان النزاهة وعدم التحايل في تقدير قيمة العقارات المطلوبة للحصول على الإقامة، وفي حال اختلف التقييم الرسمي عن سعر الشراء بشكل يؤثر على استيفاء شرط الحد الأدنى للقيمة، يمكن للمستثمر العقاري التقدم بطلب اعتراض أو إعادة تقييم لدى الجهات المختصة، لتصحيح أي تفاوت محتمل في تقدير قيمة العقار، وتتم عملية الاعتراض عبر تقديم المستندات والبيانات اللازمة لإعادة تقييم العقار من قبل إدارة التسجيل العقاري، حرصًا على أن يحصل المالك على حقه في التقييم العادل الذي يؤهله للإقامة العقارية إذا انطبقت الشروط. أما في حال قيام المالك ببيع العقار الذي منح بموجبه الإقامة، فإن رخصة الإقامة العقارية المرتبطة بهذا العقار تصبح مهددة بالإلغاء تلقائيًا لزوال سبب منحها، ولتفادي فقدان الإقامة فورًا حددت السلطات مهلة زمنية تمنح للمالك السابق من تاريخ بيع العقار، وذلك ليقوم خلالها إما بشراء عقار بديل يستوفي الشروط أو بتغيير وضع إقامته إلى كفالة أخرى مشروعة، وتبلغ مدة المهلة الممنوحة 3 أشهر من تاريخ بيع العقار، فإذا تمكن خلالها من شراء عقار بديل للقيمة المحددة 730 ألف ريال قطري على الأقل ونقل ملكيته باسمه، يستطيع حينها نقل الإقامة العقارية إلى العقار الجديد والاستمرار بالتمتع بها دون انقطاع، أما إذا انقضت المهلة دون شراء عقار جديد للشروط أو ترتيب كفالة إقامة بديلة مثل الانتقال لكفالة عمل، فإن الإقامة العقارية تُلغى بانتهاء تلك المهلة لانتهاء سبب استحقاقها، هذا التنظيم يمنح المستثمر الجاد فرصة لإعادة ترتيب أوضاعه دون إخلال فوري باستقراره في البلاد، وفي الوقت ذاته يضمن عدم بقاء الإقامة بدون أساس قانوني مستمر. الجدير بالذكر أن القانون نفسه ميّز امتيازات إضافية للمستثمرين العقاريين الذين تبلغ قيمة ممتلكاتهم العقارية حدًا أعلى، فبحسب المادة (7) سالفة الذكر، إذا وصلت القيمة السوقية للعقار الذي يمتلكه الأجنبي إلى 3,650,000 ريال قطري أو أكثر ما يعادل مليون دولار أمريكي تقريبًا، فإن مالك العقار يحظى بامتيازات إقامة دائمة مماثلة لتلك التي يتمتع بها حامل بطاقة الإقامة الدائمة، وتشمل هذه الامتيازات التعليم والصحة المجانية في المؤسسات الحكومية لأفراد أسرته، إضافة إلى تسهيلات في مجال الاستثمار والمعاملات التجارية، وبذلك يعد حافزًا كبيرًا للمستثمرين الراغبين في مزايا طويلة الأمد.
9960
| 13 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2412
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1335
| 14 نوفمبر 2025