رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعلن رئيس الحكومة التونسية المؤقتة السيد مهدي جمعة مساء يوم الأحد 29 يونيو الماضي عن إطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين اللذين اختطفا في وقت سابق، وهما: المستشار القانوني بالسفارة التونسية في طرابلس العروسي القنطاسي، والموظف في السفارة محمد بن الشيخ. ويعود الفضل لإطلاق سراح الدبلوماسيين التونسيين إلى الجهود التي بذلتها السلطات التونسية بالتنسيق مع السلطات الليبية، حسب تصريح رئيس الدبلوماسية التونسية السيد منجي حامدي، الذي رفض إعطاء أي معلومات حول ظروف إطلاق المخطوفين، مؤكداً أن أي فدية لم تعط، وبأن المفاوضات جرت على قاعدة المبادئ الثلاثة التالية: "حفظ أمن المخطوفين، والمحافظة على هيبة الدولة، ورفض التفاوض تحت الضغط". وأضاف الوزير التونسي، بأن المفاوضين الذين تعاملنا معهم، هم السلطات الليبية، ولم نعرف من هم الخاطفون، ولا ماذا يريدون؟
وكانت مجموعة ليبية تطلق على نفسها "كتيبة الشباب التوحيدي" وراء اختطاف الدبلوماسيين التونسيين، في شهر أبريل الماضي، وهي كتيبة خطيرة حسب رأي المحللين الملمين بالشأن الليبي، تضم العديد من الجنسيات ولها فروع في كل من ليبيا وتونس ومصر ولبنان، والعديد من البلدان العربية، وهي متفرعة من تنظيم "أنصار الشريعة" المتشدد المرتبط بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، فقامت بخطف السفير الأردني في ليبيا فواز العيطان، في 15 أبريل الماضي في العاصمة الليبية طرابلس. وقبل الأردن كانت مصر هدفاً للسيناريو نفسه، إذ جرى اقتحام السفارة المصرية في يناير 2014 واقتياد السفير المصري مع أربعة دبلوماسيين آخرين مختطفين إلى جهة مجهولة، ولم يتم الإفراج عنهم إلا بعد رضوخ مصر لمطالب الميليشيات بإطلاق القيادي الإخواني الليبي شعبان هدية الملقب بـ"أبو عبيدة الزاوي" وهو قائد ميليشيا تدعى كتائب ثوار طرابلس، واعتقل في مصر بجريمة تفجير مبنى مديرية أمن القاهرة في يناير الماضي.
لمصر طبعاً الحصة الأكبر من إرهاب الميليشيات الليبية المنخرطة في زعزعة استقرارها، لكن الموضوع لم يعد مقتصرا على مصر لوحدها، بل إن فائض الإرهاب في ليبيا خرج عن السيطرة وبدأت سيوله تتسع وتصبح أكثر قوة في ضرب دول الجوار، لاسيَّما تونس والجزائر.. ولكن هل يكفي- للنجاة- حصر الإرهاب داخل الحدود الليبية، ولماذا إبعاد ليبيا عن جهود مكافحة الإرهاب وهي التي باتت المقر والمصدر له، هل يعني ذلك ترك ليبيا لمصيرها..
رغم أن السلطات التونسية، نفت دفع فدية للمختطفين، فإن الاعتقاد السائد في تونس، أن كتيبة "درعة" هي من تقف وراء عملية الاختطاف للدبلوماسيين التونسيين، لاسيَّما أنها كانت سبباً في غلق المعبر الحدودي لرأس جدير بين تونس وليبيا، وهي تنفذ عملية الاختطاف بهدف الحصول على مبالغ مالية ضخمة، وعمليات ابتزاز، إذ غنمت من عمليات اختطاف سابقة حوالي 2 مليون دينار ليبي.
وحول طلبات الكتيبة التي شاركت في عملية الاختطاف، فإنها كانت تطالب السلطات التونسية، بإطلاق سراح السجينين الليبيين المتورطين في عملية الروحية الإرهابية بتونس، وهما: حافظ الضبع المكنى بأبو أيوب، وعماد اللواش المكنى بأبو جعفر الليبي، إلى جانب المطالبة ببعض الليبيين من الإرهابيين الذين نشطوا بجبل الشعانبي، وأسهموا في بعض العمليات الإرهابية، وهو حاليا قيد السجون التونسية.
ولم تستبعد السلطات التونسية أن يكون وراء عملية اختطاف الدبلوماسيين التونسيين الإرهابي التونسي رقم واحد أبو عياض زعيم تنظيم "أنصار الشريعة" التونسي المصنف منذ شهر أغسطس 2013، تنظيما إرهابياً.
لا شك أن ليبيا تمر بمرحلة انتقالية صعبة، بعد أن ورثت مؤسسات دولة ضعيفة وفي ظل غياب الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وفشل المجلس الوطني الانتقالي، والحكومة الليبية الحالية في كبح جماح الميليشيات المنتشرة في كامل التراب الليبي، والتي تمارس عمليات النهب المنظمة لثروة الشعب الليبي من نفط وغيره، واختطاف الدبلوماسيين العرب، وهذا ما جعل الشعب الليبي يعيش مع تركة قاسية جداً.
وتُعدّ الميليشيات الخارجة عن القانون التحدي الأكبر في ليبيا ما بعد القذافي، لاسيَّما بعد أن عجز المجلس الوطني الانتقالي والحكومة الليبية عن إعادة دمج المقاتلين المسلّحين في صفوف الجيش الليبي، إذ كانت نتائج هذا التوجه محدودة للغاية، وواجه صعوبات كثيرة. ففي ظل فشل الحكومة في احتواء الميليشيات، تتجه ليبيا نحو الحرب الأهلية، لاسيَّما أن زعماء الميليشيات رفضوا تسليم أسلحتهم من منطلق أنهم لا يثقون في القادة الجدد، وفيما يمكنهم تحقيقه من مكتسبات في حال تجردوا من أسلحتهم.
وحسب رواية البنتاجون، فإن ليبيا تحولت إلى "مغناطيس" للإرهابيين، هذا ما قاله ديريك شالوت مساعد وزير الدفاع لشؤون الأمن الدولي في شهادة أمام الكونجرس الأمريكي، بأنه من الواضح أن ليبيا تحولت إلى نقطة جذب للمتطرفين، وأن الجماعات الإرهابية تذهب حاليا إلى هناك. وقال مسؤولون في الإدارة الأمريكية أدلوا بشهادتهم أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب إن الولايات المتحدة أنفقت أكثر من 100 مليون دولار على مساعدات ليبيا ولكنها تواجه صعوبة في إعادة بناء البلاد بسبب عدم وجود الأمن للشخصيات الأمريكية العاملة هناك.
واتهم مشرعون أمريكيون على الفور الإدارة الأمريكية بالإهمال وقال النائب اد رويس رئيس اللجنة بأن الجماعات الإرهابية كما هو واضح من إفادات البنتاجون تتخذ ليبيا كساحة تدريب، في حين تنزلق البلاد إلى حالة من الفوضى، مؤكداً بأن نقص الاهتمام من قبل القيادة الأمريكية للسماح لليبيا بالمرور في المرحلة الانتقالية نحو الديمقراطية قد أدى إلى عدم إنجاز المهمة كما ينبغي. وقال النائب ستيف شابوت إن الوضع الليبي يحتل مرتبة عالية جدا في لائحة الخيبة الأميركية.
وقد حققت الجماعات المتطرفة أكبر نجاح لها في ليبيا عندما اقتحمت القنصلية الأمريكية في بنغازي ووحدة المخابرات الأمريكية المركزية وقتلت أربعة من بينهم السفير الأمريكي كريس ستيفنز في الحادي عشر من سبتمبر عام 2012. وتسعى وزارة الدفاع الأمريكية إلى تعزيز الأمن في ليبيا عبر تدريب 8 آلاف من قوات الأمن العامة ولكن القيادة المركزية الأمريكية لإفريقيا لم تبدأ بعد في إنجاز هذه المهمة. وقال ديريك شالوت بأن العمل تباطأ نظرا لعدم القدرة على تحديد الليبيين الذين سيتم تدريبهم، فضلاً عن عدم وجود مكان آمن للتدريبات.
وأوضح شالوت أن الخطة الأمريكية لتدريب قوات ليبية ستمتد إلى 8 سنوات وبكلفة تزيد على 600 مليون دولار ولكن الحكومة الليبية لم تبدأ بعد في دفع تكاليف التدريب في حين أعربت عدة دول أوروبية، خاصة إيطاليا، عن استعدادها لدفع التكاليف من جيوبها الخاصة وذلك لخوفها من تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين على أراضيها. وأضاف المسؤول الأمني الأمريكي أن إيطاليا بالذات تراقب حركة تدفق هجرة هائلة تخرج من ليبيا وهي قلقة من وجود خلايا متطرفة بين المهاجرين.
وقال آن باترسون مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بأن هنالك مخاوف من أن بعض مخزونات أسلحة القذافي والتي تشمل صواريخ أرض ـ جو قد رحلت بطريقة ما إلى سوريا وغيرها من البلدان، مضيفا بأن انتقال ليبيا لتشكيل حكومة ديمقراطية يتطلب مشاركة مكثفة من قبل الولايات المتحدة لسنوات عديدة.
ويتخوف المجتمع التونسي، ومعه المجتمعات المغاربية، وكذلك المجتمع الدولي من الوضع الأمني الداخلي في ليبيا الذي تهيمن فيه الميليشيات القبلية والإسلامية، بل يذهب خوفه الأكبر إلى الأسلحة والمتفجرات المنتشرة على الأراضي الليبية والتي يتم تهريبها إلى تونس، والجزائر، عبر دول الجوار من تشاد إلى مالي والنيجر ونيجيريا وغيرها.
والمشكلة الحالية التي باتت تقلق الشعب التونسي، تكمن في إمكانية وصول الأسلحة المهرّبة من ليبيا إلى مجموعات إرهابية، مثل تنظيم "أنصار الشريعة" الذي يقوده أبو عياض التونسي، المرتبط عضويا بتنظيم "القاعدة والمغرب الإسلامي" و"بوكو حرام" النيجيرية، وغيرها من التنظيمات الإجرامية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8709
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6912
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4830
| 05 أكتوبر 2025