رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
لم أجد أفضل من الكتابة في هذا الموضوع؛ تعقيباً على زيارة وفد الفيفا الدولي المشرف على استعدادات قطر المستضيفة لمونديال 2022 للدوحة، وتأكيده على أن المونديال المرتقب، الذي لن يخرج عن حدود قطر البرية والمائية والجوية بإذن الله، يمكن أن يقام في نوفمبر أو ديسمبر من عام الاستضافة، ولكن قبل ذلك لنعد بالذاكرة إلى خمس سنين ماضية، وتحديداً بعد أن تم الإعلان رسمياً عن فوز دولة قطر باستضافة كأس العالم 2022!.. فعندما فزنا بتنظيم كأس العالم وعمت الأفراح أرجاء الوطن العربي والشرق الأوسط، كنا نتوقع صراحة أن تكون هناك أحقاد خفية وظاهرة وأن تـُستل بعض الأقلام من غمدها للتقليل من حجم هذا النجاح وإعطاء أبعاد وتفاسير له، تدخل ضمن (المخططات الاستعمارية لإسرائيل وأمريكا بالمنطقة، بعد إعلان قطر الدولة المستضيفة لكأس العالم 2022!.. وأنا حقيقة لست في محل هجوم على هذه الأقلام كما أنني لست في محل دفاع، فهذه الأحبار ليست بذاك التأثير الذي يجعلني أهاجمها وأعطيها من الحجم الضعف، كما أن قطر لا تحتاج دفاعاً، فليست متهمة في شيء وهي معلمة حقوق لا إدعاء!.. ولكنني أريد أن أوضح وجهة نظر شخصية حول الأقاويل التي زادت وتيرتها مع دخولنا حيز تنفيذ ما تضمنه ملفنا المونديالي، ووضع اللبنات الأولى لمرحلة تحقيق الحلم في أن ما يقال لا يقلل من حجم الإنجاز الذي تحقق على يد فرسان قطر، وهذا أمر لا جدال فيه الآن، أما عن الآثار المترتبة من وراء الاستضافة، فهذا ما يسعى المخلصون من أبناء هذا البلد إلى دراستها وتقييم ما يمكن أن يكون وسط عشرات الآلاف الذين سيتوافدون على قطر لمتابعة مجريات كأس العالم وننتظر من الآخرين أن يقدموا اقتراحاتهم البناءة، وليس قدحهم حول هذه الاستضافة التي نعدها نصراً مادامت الولايات المتحدة الأمريكية كانت المنافس لنا حتى آخر جولة من التصويت والذي كاد ينزع قلوبنا من مكانها قبل أن يعلنها العجوز بلاتر وتعم الأفراح قطر، وأكد على إعلانها مؤخراً حينما قطع الشك باليقين وقالها بثقة "لن يتغير مكان إقامة بطولة كأس العالم 2022 وستقام في قطر وإن كان هناك حديث الآن فهو حول موعد إقامة المونديال وليس مكانه" قاطعاً بذلك طريق المشككين الذين (هشتقوا) في تويتر بعدة كلمات تحاول التقليل من شرف الاستضافة حتى أنهم رسموا سيناريوهات متخيلة بأن البطولة يمكن نقلها لدولة خليجية مجاورة، متناسين أن قطر - ولنا الفخر في ذلك - قادرة بإذن الله على أن تحقق ما تعجز عنه كبرى الدول ومنها أمريكا التي حتى وإن استاء أوباما وقتها من ضياع فرصة بلاده في الاستضافة، لكنه يعلم بأننا في قطر وبعد سبع سنين ستكون قطر أخرى على غير ما يراها الآن بإعجاب؛ لأن 2022 تجاوزت مرحلة الحلم إلى الحقيقة، وهذا ما يجب أن يتنبه له الكارهون لنا، فالذي يقول بأن (عصبية) أوباما كانت مصطنعة آنذاك وإن تقليله من فوزنا كان حركة منه للتغطية على مشروع الولايات المتحدة الأمريكية المستقبلي في نشر النصرانية والأفكار الهدامة الاستعمارية الأمريكية وكأن قطر مجرد بلد لا عقول حكيمة فيه وتستوعب ما تدبره لها أمريكا أو غيرها من الدول التي تتربص بكل الدول العربية والإسلامية شراً!.. بالله عليكم دعونا ولو قليلاً نفكر بمنطق فكل شيء حولنا أصبحت أصوله (مخططات يهودية)!..كرهنا الوجبات السريعة؛ لأن ريعها يذهب إلى اللوبي الصهيوني، وكرهنا بعض كلماتنا التي نقولها؛ لأن أصلها يعود إلى اليهود وانقرفنا من بعض طباعنا؛ لأنها قادمة لنا من عمق الطباع اليهودية، كل شيء حولنا أصبحنا نتشكك فيه والسبب أن لدى السواد الأعظم منا عقليات تتعمد أن تمس فينا ما يمكن أن ننجرف له دون تفكير مثل الكلمات والطعام دون أن تقدم أدلة ملموسة ويمكن اعتبارها قاطعة لنجعل من المسموحات محظورات لدينا.. بربكم إهدأوا قليلاً.. فكأس العالم تعد شرفاً لأي دولة تقدم ترشيحها لاستضافتها وليس من المعقول أن أمريكا التي كانت تمني نفسها بإقامة كأس العالم 2022 على أراضيها قد استشاطت كذباً ونفاقاً حينما ظهر اسم قطر متوسطاً البطاقة الفائزة بالتصويت، وإن أوباما الذي وصف اختيار قطر بأنه الاختيار الأسوأ والخطير لمجرد أن أوباما وحاشيته يخططون لما سيفعلونه بهذه الدولة بعد اثنتي عشرة سنة من الإعلان عن قطر دولة مستضيفة وكأن هذه المخططات ستنتظر كل هذه المدة!.. لا يا سادة فبغض النظر عن كل الشرور التي تحدق بنا، فهذا شرف رياضي ونحن في قطر نعلم بأن احتفالية كبرى مثل هذه ستكون مرتعاً لكل من هب ودب من البلاوي التي يمكن لأصحابها من النفوس الضعيفة أن تتجرأ وتزرعها على أرضنا، فهذا هو الاستقراء الذي نملكه في قطر ونحن بإذن الله سنستطيع أن نبتر مجاري الفساد الذي يعتمد في قوته علينا بأن يمد جذوره في مناسبة كبيرة مثل كأس العالم التي تنتظر عامها الـ 2022 لتحل بيننا، وعليه فإني أدعو مركز ضيوف قطر أن (يشد حيله) في تقنين خطته ورسم الخطوط العريضة لما يمكن أن يقدمه هذا المركز الذي يحتضن دعوته للإسلام في جنباته ويوسع من نشاطاته، لعل وعسى يهدي به الله ما يشاء من عباده وتكون قطر منارة الإسلام والثقافة والمعرفة ولدحر بعض الأقلام المسمومة التي تحاول النيل من بلادنا وقلب الطاولة علينا وكأن فوزنا وبالٌ وليس آمالاً نعتمد عليها لتسجيل حروف قطر من ذهب!..اسمحوا لي فأنا على ثقة بهذا المجتمع في أن يثبت قدميه فوق أرض صلبة لاتهتز.. أرض من القيم والأخلاق لا يمكن أن تزعزعها بطولة كأس العالم أو الجماهير التي ستزحف إليها.. هذا أملي وهذه ثقتي.
فاصلة أخيرة:
تفاءلوا.. فليس كل حداثة تغريباً وليس كل تغريب بدعة!
الدوحة مركز عالمي لدعم جهود مكافحة الفساد
جاءت استضافة الدوحة لأعمال مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، في دورته الحادية عشرة، بحضور... اقرأ المزيد
87
| 16 ديسمبر 2025
القوة الناعمة للصين.. التطور والتحديات
مع بداية الصحوة القوية لما يسمى (الصعود الصيني) في أوائل الألفينات، بدأت الصين في إيلاء مزيد من الاهتمام... اقرأ المزيد
150
| 16 ديسمبر 2025
الفجوة الصامتة بين التعليم والمستقبل
لا يزال التعليم في كثير من مدارسنا وجامعاتنا قائمًا على نموذج قديم، جوهره الحفظ واسترجاع المعلومة، لا فهمها... اقرأ المزيد
264
| 16 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2328
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1245
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
801
| 10 ديسمبر 2025