رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
◄ دُعيت لأداء شهادة حق في قضية مرفوعة، من أخ على أخيه فهل يجوز لى الإنكار أو التمويه أو الامتناع حتى لا يُحكم على الأخ، أم أنه يجب تأدية الشهادة بالحق مهما كانت النتيجة؟
► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فلا يجوز الإنكار ولا الامتناع عن أداء الشهادة لأن تبين الحق موقوف على أدائها وثَمَّة في الوحي المعصوم تحذير شديد من كتمان الشهادة والحث على أدائها على وجهها الصحيح بما لا يصح معه مصانعة أحد في تركها وعدم القيام بأدائها. وذلك النحو الآني تعالوا نر ما يقول تعالى ورسوله — صلوات الله وسلامه عليه — في الشهادة. ثمَّة عدة آيات من كتاب الله تعالى وعدة أحاديث صحيحة. وهاكها فى التفريعات الآتية:
الأدلَّة من القرآن الكريم على وجوب أداء الشهادة بالحق وتحريم كتمان الشهادة قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" هذه الآية الكريمة في سورة النساء ثالثة السبع الطوال وقد أتي الأمر فيها "كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ" " قَوَّامِينَ" قَوَّام صيغة مبالغة على وزن فعال أي كثير القيام بِالْقِسْطِ أي بالعدل ثم يقول تعالى " شُهَدَاء لِلّهِ" وفي رابعة السبع الطوال المائدة يقول تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وهنا جاء النص "كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ" في النساء "" شُهَدَاء لِلّهِ" وفي المائدة " قَوَّامِينَ لِلّهِ"
في النساء" قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ" وفي المائدة" شُهَدَاء بِالْقِسْطِ"
فالقيام يجب أن يكون بالقسط والشهادة يجب أن تكون بالقسط، والقيام يجب أن يكون لله والشهادة يجب أن تكون لله بدليل الآية الثالثة يقول تعالى{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ]} وهنا يقول "وَأَقِيمُوا الشهادة" فأشعر ذلك أهمية إقامة الشهادة وأنها يجب أن تُؤدي لله لا لعوض ولا لمقابل وإنما لله تعالى وحده فهي عبادة، والعبادات لا يجوز أخذ العوض لإقامتها، ولا لإضاعتها، وإنما لله تعالى، ولله تعالى فقط قال تعالى " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " وكما تُقام الصلاة لله تعالى بلا رياء ولا شائبة تحبط ثوابها، وتُضيِّع أجرها فكذا الشهادة ينبغي أن تُؤدي لله تعالى، والآية الرابعة جاءت في أوصاف المُكْرمين في الجنة قال تعالى في المعارج " إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً *وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ *" فيُذكر في أوصاف هؤلاء المكرمين في الجنة إلى جانب إدامتهم الصلاة، ومحافظتهم عليها، يأتي قوله تعالى " وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ" وذلك لتخرج بهذه الحقيقة أن القيام بالشهادة على وجهها لا يقل أهمية عن باقي الفروض المذكورة بجانبها وعليه فالمسلم لا يخلو حاله من أن يكون قائما بالشهادة عادلا في وقت من الأوقات،
ويقول تعالى:"{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فالامتناع عن الإدلاء بالشهادة منهي عنه بهذه الآية الكريمة التي تدل على وجوب تحمل الشهادة على من دُعي إليها وعلى وجوب تأديتها لمن طُلب تأديتها، وذلك من خلال إجراءات رفع القضية أمام المحاكم، وتحديد موعد ومقر لنظر القاضي في القضية، للفصل بين الخصوم، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وردع الظالم ونصفة المظلوم، فتلك هي الدعوة لأداء الشهادة على وجهها قَالَ تَعَالَى: "وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر".
◄ لماذا اعتبر الاسلام الامتناع عن الشهادة إثما وهو أمر يراه البعض شخصيا؟
► اداء الشهادة ليس امرا للانسان حرية اختياره او تركه فمن يمتنع عن الشهادة آثم قلبه بنص الآية.
ومعنى آثم قلبه: أي فاجر قلبه، ونهيه تعالى في قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} يحرم بموجبه كتمان الشهادة، وإثم القلب يؤدي إلى انحراف البدن، لقول النبي — صلوات الله وسلامه عليه — " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "
قال الزمخشري: "فإن قلت: هلا اقتصر على قوله آثم؟ وما فائدة ذكر القلب، والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هي أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثمًا مقترفا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يُعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي".
وأيضا: إضافة الإثم إلى القلب الذي هو أشرف أعضاء البدن ورئيسها تأكيد في تأكيد، لأن القلب محل اكتساب الآثام والأجور والآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله، ولأنه هو محل الكتمان فهو محل المعصية بتمامها هنا، بخلاف سائر المعاصي التي تتعلق بالأعضاء الظاهرة فإنها وإن كانت مسبوقة بمعصية القلب وهو الهم المتصل بالفعل فليس هو محلا لتمامها.
وثالثا: إنما خص القلب، لأنه قد تمكن الإثم في أصله، وملك أشرف شيء منه، ولأن أفعال القلوب أعظم من سائر الجوارح، فأصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، كان من أعظم الذنوب. والآيتان: فيهما نهي عن كتمان الشهادة بعدم الإدلاء بها والغياب عن موعد ومكان نظر القضية "وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ]"} وهذا مما يدل على الوجوب ويحرم بموجب هاتين الآيتين الكريمتين كتمان الشهادة بالامتناع عن أدائها، وحرمان المظلوم — من الخصمين — من المظاهرة والتأييد والنصرة والمكاثرة في مواجهة الظالم الباغي الذي استضعفه وبغى عليه وتلك جريمة كبرى لِمَا يترتب عليها من تضليل الحقيقة، وتمكين الباغي من الإفلات من قبضة العدالة، والتسبب في ضياع الحق والحقيقة.
◄ هل كتمان الشهادة من الكبائر؟
► يقول سبحانه: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" هذه الآية الكريمة يعتبر الممتنع عن الإدلاء بالشهادة كاتما لها قد أتي بابا من أبواب الكبائر
وقال تعالى "ستكتب شَهَادَتهم ويُسألون" دالة على الوعيد على كتمان الشهادة وأن ذلك محل مساءلة بين يدي الله تعالى، كما أن أداءها محل سؤال ومراجعة ومحاسبة ستُسأل عنها بين يدي الله تعالى يوم القيامة. وقال جلَّ مذكورا وعزَّ مرادا بعدما نهى عن كتم الشهادة في آية البقرة "وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" قال بعدها "لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". ألا فليعلم المسلم — يقينا — أن الله تعالى يكره الآثام ما ظهر منها وما بطن. وهناك رذائل وآثام لا يطلع عليها الناس كالحسد والرياء والكبر، يؤاخذ الله عليها وإن كانت مخبوءة — عن الناس — فى ضمير صاحبها، ومنها كتمان الشهادة فإن ذلك يُضلِّل القضاء ويُضيِّع العدالة فتلك جريمة وإن لم يطلع عليها الناس — إلا من خلال آثارها —، وبهذا فسر بعض العلماء قوله تعالى: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" وقالوا: إنه جاء بعد النهى عن كتمان الشهادة فى سياق القرآن الكريم وممن قال بذلك ابْن عَبَّاسٍ وعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّ هَذه الآية نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْوَاجِب لهذه الآيات الكريمة كان الإدلاء بالشهادة، والمساهمة في تبصير عدالة المحكمة بمقاطع العدل، ومفاصل الحق بإيجابية فريضة شرعية، وضرورة اجتماعية حتى لا يبغي أحد على أحد، هذه شهادة والشهادة يجب على من هي عنده أداؤها لله سبحانه وتعالى، لا لأجل مطمع دنيوي، وإنما يُؤديها بدون مقابل، وبدون أخذ عوض؛ لأن هذه عبادة أمر الله تعالى بها في قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } كما الشأن في الصلاة قال تعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ". والله أعلم.
معجم الدوحة للغة العربية وسام على صدر قطر
جميع العرب يعرفون مدى اهتمام دولة قطر منذ عقود بكل ما يعزز ثقافتها العربية الإسلامية وهي الدولة الفتية... اقرأ المزيد
42
| 26 ديسمبر 2025
سنة جديدة بقلب قديم!
لسنا بحاجة إلى سنة جديدة بقدر حاجتنا إلى سنة «مستعملة»، سنة من ذاك الزمن الجميل، حين كانت القيم... اقرأ المزيد
30
| 26 ديسمبر 2025
قطرنا الغالية قلب وروح العرب
قطرنا الحبيبة الغالية بلد الأمن والأمان لؤلؤة العرب وكعبة المضيوم كل عام وقطرنا الحبيبة فى أمان ومن عز... اقرأ المزيد
27
| 26 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في منتصف العام الدراسي، تأتي الإجازات القصيرة كاستراحة ضرورية للطلبة والأسر، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة حساسة تتطلب قدراً عالياً من الوعي في كيفية التعامل معها. فهذه الإجازات، على قِصر مدتها، قد تكون عاملاً مساعداً على تجديد النشاط الذهني والنفسي، وقد تتحول إن أُسيء استغلالها إلى سبب مباشر في تراجع التحصيل الدراسي وصعوبة العودة إلى النسق التعليمي المعتاد. من الطبيعي أن يشعر الأبناء برغبة في كسر الروتين المدرسي، وأن يطالبوا بالسفر والتغيير، غير أن الانصياع التام لهذه الرغبات دون النظر إلى طبيعة المرحلة الدراسية وتوقيتها يحمل في طياته مخاطر تربوية لا يمكن تجاهلها. فالسفر إلى دول تختلف بيئتها ومناخها وثقافتها عن بيئتنا، وفي وقت قصير ومزدحم دراسياً، يؤدي غالباً إلى انفصال ذهني كامل عن أجواء الدراسة، ويضع الطالب في حالة من التشتت يصعب تجاوزها سريعاً عند العودة. توقيت الإجازة وأثره المباشر على المسار الدراسي التجربة التربوية تؤكد أن الطالب بعد الإجازات القصيرة التي تتخلل العام الدراسي يحتاج إلى قدر من الاستقرار والروتين، لا إلى مزيد من التنقل والإرهاق الجسدي والذهني. فالسفر، مهما بدا ممتعاً، يفرض تغييرات في مواعيد النوم والاستيقاظ، ويُربك النظام الغذائي، ويُضعف الالتزام بالواجبات والمتابعة الدراسية، وهو ما ينعكس لاحقاً على مستوى التركيز داخل الصف، ويجعل العودة إلى الإيقاع المدرسي عملية بطيئة ومجهدة. وتكمن الخطورة الحقيقية في أن هذه الإجازات لا تمنح الطالب الوقت الكافي للتكيّف مرتين: مرة مع السفر، ومرة أخرى مع العودة إلى المدرسة. فيضيع جزء غير يسير من زمن الفصل الدراسي في محاولة استعادة النشاط الذهني والانخراط مجدداً في الدروس، وهو زمن ثمين كان الأولى الحفاظ عليه، خصوصاً في المراحل التي تكثر فيها الاختبارات والتقييمات. قطر وجهة سياحية غنية تناسب الإجازات القصيرة في المقابل، تمتلك دولة قطر بيئة مثالية لاستثمار هذه الإجازات القصيرة بشكل متوازن وذكي، فالأجواء الجميلة خلال معظم فترات العام، وتنوع الوجهات السياحية والترفيهية، من حدائق ومتنزهات وشواطئ ومراكز ثقافية وتراثية، تمنح الأسر خيارات واسعة لقضاء أوقات ممتعة دون الحاجة إلى مغادرة البلاد. وهي خيارات تحقق الترفيه المطلوب، وتُشعر الأبناء بالتجديد، دون أن تخلّ باستقرارهم النفسي والتعليمي. كما أن قضاء الإجازة داخل الوطن يتيح للأسرة المحافظة على جزء من الروتين اليومي، ويمنح الأبناء فرصة للعودة السلسة إلى مدارسهم دون صدمة التغيير المفاجئ. ويمكن للأسر أن توظف هذه الفترة في أنشطة خفيفة تعزز مهارات الأبناء، مثل القراءة، والرياضة، والأنشطة الثقافية، وزيارات الأماكن التعليمية والتراثية، بما يحقق فائدة مزدوجة: متعة الإجازة واستمرارية التحصيل. ترشيد الإنفاق خلال العام الدراسي ومن زاوية أخرى، فإن ترشيد الإنفاق خلال هذه الإجازات القصيرة يمثل بُعداً مهماً لا يقل أهمية عن البعد التربوي. فالسفر المتكرر خلال العام الدراسي يستهلك جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، بينما يمكن ادخار هذه المبالغ وتوجيهها إلى إجازة صيفية طويلة، حيث يكون الطالب قد أنهى عامه الدراسي، وتصبح متطلبات الاسترخاء والسفر مبررة ومفيدة نفسياً وتعليمياً. الإجازة الصيفية، بطولها واتساع وقتها، هي الفرصة الأنسب للسفر البعيد، والتعرف على ثقافات جديدة، وخوض تجارب مختلفة دون ضغط دراسي أو التزامات تعليمية. حينها يستطيع الأبناء الاستمتاع بالسفر بكامل طاقتهم، وتعود الأسرة بذكريات جميلة دون القلق من تأثير ذلك على الأداء المدرسي. دور الأسرة في تحقيق التوازن بين الراحة والانضباط في المحصلة، ليست المشكلة في الإجازة ذاتها، بل في كيفية إدارتها، فالإجازات التي تقع في منتصف العام الدراسي ينبغي أن تُفهم على أنها استراحة قصيرة لإعادة الشحن، لا قطيعة مع المسار التعليمي. ودور الأسرة هنا محوري في تحقيق هذا التوازن، من خلال توجيه الأبناء، وضبط رغباتهم، واتخاذ قرارات واعية تضع مصلحة الطالب التعليمية في المقام الأول، دون حرمانه من حقه في الترفيه والاستمتاع. كسرة أخيرة إن حسن استثمار هذه الإجازات يعكس نضجاً تربوياً، ووعياً بأن النجاح الدراسي لا يُبنى فقط داخل الصفوف، بل يبدأ من البيت، ومن قرارات تبدو بسيطة، لكنها تصنع فارقاً كبيراً في مستقبل الأبناء.
1623
| 24 ديسمبر 2025
في هذا اليوم المجيد من أيام الوطن، الثامن عشر من ديسمبر، تتجدد في القلوب مشاعر الفخر والولاء والانتماء لدولة قطر، ونستحضر مسيرة وطنٍ بُني على القيم، والعدل، والإنسان، وكان ولا يزال نموذجًا في احتضان أبنائه جميعًا دون استثناء. فالولاء للوطن ليس شعارًا يُرفع، بل ممارسة يومية ومسؤولية نغرسها في نفوس أبنائنا منذ الصغر، ليكبروا وهم يشعرون بأن هذا الوطن لهم، وهم له. ويأتي الحديث عن أبنائنا من ذوي الإعاقة تأكيدًا على أنهم جزء أصيل من نسيج المجتمع القطري، لهم الحق الكامل في أن يعيشوا الهوية الوطنية ويفتخروا بانتمائهم، ويشاركوا في بناء وطنهم، كلٌ حسب قدراته وإمكاناته. فالوطن القوي هو الذي يؤمن بأن الاختلاف قوة، وأن التنوع ثراء، وأن الكرامة الإنسانية حق للجميع. إن تنمية الهوية الوطنية لدى الأبناء من ذوي الإعاقة تبدأ من الأسرة، حين نحدثهم عن الوطن بلغة بسيطة قريبة من قلوبهم، نعرّفهم بتاريخ قطر، برموزها، بقيمها، بعَلَمها، وبإنجازاتها، ونُشعرهم بأنهم شركاء في هذا المجد، لا متلقّين للرعاية فقط. فالكلمة الصادقة، والقدوة الحسنة، والاحتفال معهم بالمناسبات الوطنية، كلها أدوات تصنع الانتماء. كما تلعب المؤسسات التعليمية والمراكز المتخصصة دورًا محوريًا في تعزيز هذا الانتماء، من خلال أنشطة وطنية دامجة، ومناهج تراعي الفروق الفردية، وبرامج تُشعر الطفل من ذوي الإعاقة أنه حاضر، ومسموع، ومقدَّر. فالدمج الحقيقي لا يقتصر على الصفوف الدراسية، بل يمتد ليشمل الهوية، والمشاركة، والاحتفال بالوطن. ونحن في مركز الدوحة العالمي لذوي الإعاقة نحرص على تعزيز الهوية الوطنية لدى أبنائنا من ذوي الإعاقة من خلال احتفال وطني كبير نجسّد فيه معاني الانتماء والولاء بصورة عملية وقريبة من قلوبهم. حيث نُشرك أبناءنا في أجواء اليوم الوطني عبر ارتداء الزي القطري التقليدي، وتزيين المكان بأعلام دولة قطر، وتوزيع الأعلام والهدايا التذكارية، بما يعزز شعور الفخر والاعتزاز بالوطن. كما نُحيي رقصة العرضة القطرية (الرزيف) بطريقة تتناسب مع قدرات الأطفال، ونُعرّفهم بالموروث الشعبي من خلال تقديم المأكولات الشعبية القطرية، إلى جانب تنظيم مسابقات وأنشطة وطنية تفاعلية تشجّع المشاركة، وتنمّي روح الانتماء بأسلوب مرح وبسيط. ومن خلال هذه الفعاليات، نؤكد لأبنائنا أن الوطن يعيش في تفاصيلهم اليومية، وأن الاحتفال به ليس مجرد مناسبة، بل شعور يُزرع في القلب ويترجم إلى سلوك وهوية راسخة. ولا يمكن إغفال دور المجتمع والإعلام في تقديم صورة إيجابية عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإبراز نماذج ناجحة ومُلهمة منهم، مما يعزز شعورهم بالفخر بذواتهم وبوطنهم، ويكسر الصور النمطية، ويؤكد أن كل مواطن قادر على العطاء حين تتوفر له الفرصة. وفي اليوم الوطني المجيد، نؤكد أن الولاء للوطن مسؤولية مشتركة، وأن غرس الهوية الوطنية في نفوس أبنائنا من ذوي الإعاقة هو استثمار في مستقبل أكثر شمولًا وإنسانية. فهؤلاء الأبناء ليسوا على هامش الوطن، بل في قلبه، يحملون الحب ذاته، ويستحقون الفرص ذاتها، ويشاركون في مسيرته كلٌ بطريقته. حفظ الله قطر، قيادةً وشعبًا، وجعلها دائمًا وطنًا يحتضن جميع أبنائه… لكل القدرات، ولكل القلوب التي تنبض بحب الوطن كل عام وقطر بخير دام عزّها، ودام مجدها، ودام قائدها وشعبها فخرًا للأمة.
1113
| 22 ديسمبر 2025
«فنّ التّأريخ فنّ عزيز المذهب جمّ الفوائد شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدّين والدّنيا». يؤصل ابن خلدون في تاريخه بهذه العبارة، قاعدة بالغة الأهمية في دراسة التاريخ، مفادها أن استدعاء صفحات الماضي والنظر في التاريخ، لا يكون بغرض التسلية بحكايات الغابرين، ولا للانحباس في حالة انبهار بصفحات مجد تليد، إنما هو أداة لتغيير الحاضر والتهيئة لتحديات المستقبل. لكن أمتنا قد دبّ فيها داء الهروب إلى التاريخ، نعم نحن نهرب من مواجهة واقعنا باستدعاء التاريخ وأمجاده والاكتفاء بذلك، فهي حيلة نفسية نواري بها عجزنا عن مسايرة الغرب الذي أخذ بأسباب القوة والتقدم بينما توقفنا نحن عند حدود الماضي، وأسعد بلادنا حظًا من قطعت بضع خطوات في مجالات محددة، دون أن تكون هناك نهضة شاملة تجعلها على قدم المساواة مع وحوش العالم. نحن نعاني فوضى التفاخر بالماضي، أصبح المجد السابق هو بضاعتنا في التعريف بأنفسنا، مع أن التفاخر بالتاريخ لن يدفع عجلة الاقتصاد، ولن يحل المشكلات والأزمات الاجتماعية، ولن يسهم في التطور التقني والتكنولوجي، ولن يجعل القوى العسكرية في مصاف القوى الكبرى. ما فائدة أن يتراشق أهل كل بلد من بلدان الأمة بسالف أمرها، هذا يتفاخر على هذا بأن له حضارة عمرها كذا ألف سنة، وهذا يتفاخر على ذاك بأن أجداده هم من اخترعوا كذا، وأصبحت كلمة «كنا، وكنا» ديباجة في خطاب الشعوب. أجدادكم فعلوا، فماذا فعلتم أنتم؟ كان هذا ماضيكم فأين حاضركم؟ ليست المشكلة في أن تعتزّ الأمم بتاريخها، فالتاريخ هو الذاكرة الجماعية والرصيد الرمزي الذي يمنح الشعوب هويتها ومعناها، لكن المعضلة الكبرى التي تعانيها أمتنا تكمن في أنّها حبست نفسها داخل الماضي، واكتفت بالنظر إلى تاريخها المجيد نظرة تمجيد وتقديس، دون أن تحوّل هذا التاريخ إلى مصدر للعبرة، أو إلى جسر يعينها على فهم واقعها ومواجهة تحديات عصرها والعبور بثقة نحو المستقبل. لقد علّمنا التاريخ ذاته أن الحضارة لا تُورّث، وأن المجد لا يُستعاد بالتغنّي به، بل بالعمل وفق السنن التي أقامته أول مرة: العلم، والعمل، والهوية، فأسلافنا لم يتقدموا لأنهم عاشوا على أمجاد من سبقهم، بل لأنهم واجهوا واقعهم بشجاعة، وأبدعوا حلولًا تناسب زمانهم، واستثمروا معارف الأمم الأخرى. إنّ أخطر ما تواجهه أمتنا اليوم هو تحويل الماضي إلى بديل عن الحاضر، وإلى مبرر للعجز بدل أن يكون دافعًا للنهوض. فالعالم من حولنا يتغيّر بسرعة هائلة، تُقاس فيها قوة الأمم بقدرتها على الابتكار، وعلى استيعاب التحولات العلمية والتكنولوجية، بينما لا تزال كثير من مجتمعاتنا أسيرة النظر المجرد إلى الماضي انبهارًا واكتفاءً. التذكير بالماضي والأجداد العظام يفلح فحسب مع من يعتبر بذلك الماضي ويتخذ منه نبراسًا ويقتبس منه ما يضيء به الطريق نحو المستقبل المزهر، وهذا هو منهج القرآن الكريم، فهو يذكر بتاريخ الأمم السابقة التي هلكت رغم إغراقها في النعم وأوجه التقدم بسبب حيدتها عن طريق الله، يذكر بذلك من أجل الاتعاظ والاعتبار بأن القوة لابد وأن تُساس بالمنهج الإلهي. يذكرنا القرآن الكريم بالتاريخ المشرق والأجداد العظام حتى نسير سيرهم ونحذو حذوهم لا لنقف عند قول الشاعر: أولئك آبائي فجئني بمثلهم، إذا جمعتنا يا جرير المجامعُ. فالله تعالى يقول في سورة الإسراء: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}، وحولها يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: «تقديره: يا ذرية من حملنا مع نوح. فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي: يا سلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة، تشبهوا بأبيكم، {إنه كان عبدا شكورا}. فالقرآن هنا لم يذكر سلالة نوح بأبيهم ليتفاخروا به ويقفوا عند هذا التفاخر، بل من أجل التشبه به في خصاله وأفعاله وقيامه بشكر المُنعم على ما أنعم به من النعم. النظر إلى التاريخ لا يصلح أن يكون مهجعًا للاستغراق في النوم، وإنما هو منطلق لأن نستلهم من الماضي لإصلاح الحاضر والعبور المتزن الآمن إلى مستقبل مزهر.
690
| 21 ديسمبر 2025