رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

تقارير وحوارات

7566

السفير بدر عمر الدفع يفتح قلبه لمجلس الشرق: رسبت في الهندسة ونجحت في السياسة والاقتصاد

25 أبريل 2019 , 07:30ص
alsharq
السفير بدر عمر الدفع
حوار : محمد علي المهندي

ضيفنا في مجلس الشرق، الدبلوماسي المحنك سعادة السفير بدر بن عمر إسماعيل الدفع ، الذي ابتعث من قبل وزارة المعارف في أواخر ستينيات القرن الماضي بعد تخرجه من الثانوية الى بريطانيا لدراسة "ضابط بحري" ، وقبل ذلك على مضض وذلك بعد أن أقنعه والده بأهمية التعليم ودراسة اللغة الإنجليزية واكتساب خبرة وثقافة ، وبالفعل درس اللغة الإنجليزية في مدرسة داخلية في جزيرة نائية وحصل على الثانوية البريطانية، وتم قبوله في كلية الهندسة بساوث هامبتون ولم يتوفق وكان عليه إعادة الدراسة سنة ثانية ، ولكنه بعد تفكير غيّر رأيه وتحول إلى أمريكا لدراسة السياسة والاقتصاد ، وتخرج في عام 1975 م ثم عمل في وزارة الخارجية وأصبح سفيراً في عدة دول ذات أهمية وصناعة القرار الدولي مثل أمريكا وروسيا وفرنسا ، كما كان سفيرا في مصر مركز القرار العربي وبه جامعة الدول العربية ، فتح قلبه لنا وسرد ذكرياته الجميلة وكان هذا الحوار.

فتحت عيني في الريان

فتحت عيني في الريان محل ولادتي في عام 1952 م ، و يسمونه الآن الريان القديم ، ما في "القديم " فيه الريان والريان الجديد ، تربيت ونشأت في الريان، في البداية درست القرآن الكريم عند المطوع "حسن مراد" الله يرحمه كان رجلا فاضلا وشيخ دين وعلم وذلك بمجلس الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني ، ثم درست في مدرسة الريان الابتدائية ، وكانت هذه تجربة مهمة في حياتي لأن عدد الطلاب قليل وكان الطلاب يأتون من الغرافة لأنه لا توجد بها مدارس في تلك الحقبة ، أذكر كانت أعمار بعض الطلاب كبيرة حيث بدأ الطلاب يقبلون على التعليم وهم في سن متأخرة بعد فتح المدارس ، وكنت من الطلبة المتفوقين واختلطت بالشباب في المدرسة ، وأذكر تم ترفيعي للصف الرابع وقدمت امتحان الدور الثاني في منهج الصف الخامس ونجحت وانتقلت للصف السادس، وما زلت على اتصال ببعض زملاء وأصدقاء تلك الفترة ولنا علاقات وثيقة أذكر منهم فيصل بن جاسم آل ثاني والشيخ حمد بن جاسم آل ثاني ومحمد عبدالرحمن المناعي، والشيخ خليفة بن جاسم آل ثاني وحمد بن جاسم بن علي آل ثاني ومحمد بن فيصل آل ثاني وغانم بورشيد وعيسى عبداللطيف الهجن وسعد الشمالي وراشد سلطان الذوادي، وعلي سعد الخرجي وغيرهم.

علاقة متميّزة .. كنا نرتاد قهوة محيي الدين ودكان غلوم

كانت العلاقة بيننا قوية جداً ومتينة لأن أهالينا كانوا قريبين من بعض ومجالسهم مفتوحة ، وأهم ما يميّز تلك الفترة الجميلة هي التآلف والمحبة والتعاون والترابط والاحترام والتقدير والفزعة والوقفة، هذه هي العادات التي تربينا عليها وتعايشنا معها، كانت الحياة بسيطة وسهلة في الريان، وأذكر عندما كنا ننزل الدوحة مرة في الشهر اذا حصلنا سيارة "بيك آب" نفرح ونكون في قمة السعادة لأن كل شيء موجود في أسواقها من البسكويت والحلويات وغيرها ، لأن الريان لم يتواجد فيها في تلك الفترة إلا قهوة (محيي الدين ) وتبيع الجباتي وشاي كرك وبعض المأكولات الهندية ، كما أن هناك دكان غلوم الذي مازال موجوداً حتى الآن.

زرع الوالد يرتاده الناس صيفاً

أذكر في تلك الحقبة كان في الريان زرع الوالد عمر وهو كبير وبه خيرات من الرطب والجح والترنج والكنار والبطيخ والطماطم وغيره من الخضراوات وكان الزرع مفتوحاً للجميع ولكن بشرط أن تأخذ قدر حاجتك فقط ولا تعبث وتخرب الأشجار أو النخيل وغيره.

وكان الزرع يجمع الزملاء والأصدقاء حيث إنهم يرتادون الزرع وبخاصة في فصل الصيف لأن به بركة ماء يسبح الجميع فيها، وكان ماء البئر باردا ونظيفا، وكذلك يتذوقون الرطب من أشجار النخيل.

الوالد قارئ نهم ولديه مكتبة

كانت علاقتي بالوالد "رحمه الله " قوية لدرجة أن أخي الكبير ناصر، الله يحفظه، قال لإخواني في إحدى المناسبات هناك أمر لم أخاطركم به ، كان الوالد رحمه الله يحب "بدر" كثيراً ، كنت قريباً من الوالد لأنه كان يحب الشعر والأدب ويكتب بخط جميل ، وكان قد درس عند المطوع ناصر ، وذكر لي أنه درس مع الوزير السابق سعادة علي بن أحمد الأنصاري ، وعبدالهادي بن زابن الدوسري رحمهما الله ، حيث درسهما العربي والحساب والعلوم الدينية وغيره وكان الأنصاري أشطرهم كما يقول الوالد.

كان والدي يحب القراءة والكتابة في تلك الفترة ، ولديه مكتبة تزخر بأمهات الكتب ، وكان يحب قراءة الشعر وبعض الدواوين ، كان لما يقرأ قصيدة أحاول حفظها، ويسألنا دائما أسئلة خاصة عندما نذهب للزرع في روضة " المايده" كان الطريق طويلا وكان الوالد طوال الطريق يسألنا عن قائل بيت الشعر والمعاني والمناسبة وغيره ، وكنت مهتما بالقراءة ، وكان يسألني دائماً.

أفلس بنك انترا وخسر الوالد!!

من القصص التي حصلت للوالد أنه خلال تلك الحقبة وضع كل ما لديه من مدخول مالي في بنك " انترا" الذي يقع مقره في بيتنا في الجسرة ونحن لم نعرف بذلك، وأذكر سمعت في الراديو عن افلاس بنك انترا في لبنان وفي المساء عندما كان يجلس مع أصدقائه على " الدكة " أخبرت الوالد بذلك وزعل واشتاط غضباً ، وطلب بإحضار الراديو القديم وعند سماعه للخبر تأثر كثيراً ونحن لا نعرف السبب ، وفيما بعد عرفت السبب وخسر الوالد كل ما حصده من أموال في تلك السنين ، ولكن الله عوضه في تجارته فيما بعد.

كيف فكر الوالد في التجارة ثم تركها

كان والدي يعتمد على دخله من العقارات، ثم فكر في الدخول إلى عالم التجارة بعد ما عرض عليه أحد التجار من الهند واسمه "شفيق" وأسس شركة عمر إسماعيل الدفع وأولاده، وقام شفيق بمراسلة الوكالات وحصل على العديد منها مثل وكلاء سيارات رامبلر الأمريكية عام 1967 وكذلك سيارات فيات ودراجات لامبرتا وأدوات كهربائية ومكيفات وثلاجات نورج ولانشات بحرية ، وماكينات ضخ ، كاميرات مكائن غزل اطارات راديوهات ، كما قام والدي بتأسيس محطة بترول الخليج في شارع الريان القريبة من دوار المناعي سابقاً ، وبعد ذلك أصبح عليه دين كبير في تلك الفترة حوالي (400) ألف ريال بسبب تأخير بعض المشترين لعدم سداد قيمة دفعات السيارات والبضائع ، وعلى اثره قرر ترك التجارة والاعتماد والتركيز على محطة البترول والعقارات لأن مدخولها أفضل.

في قطر الإعدادية كسبت صداقات

من الريان انتقلت إلى مدرسة قطر الإعدادية التي تعرفت فيها على طلاب جدد أذكر منهم سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني والشيخ عبدالعزيز بن خليفة آل ثاني وزير البترول السابق وكونت صداقات مع عدة طلاب ، وبدأنا مرحلة جديدة من ناحية التعليم والفهم وتوسعت مداركنا ، وأذكر اقترح عليّ زميلي أحمد عبدالعزيز الباكر تقديم الصف الثالث الاعدادي في الدور الثاني واللحاق بزملائنا في الثانوية ، وبالفعل اجتهدنا وقدمنا الامتحان ونجحنا وانتقلنا للمدرسة الثانوية ، وأذكر اشترى لي الوالد سيارة بونتياك لونها أخضر زيتوني ، وكنت سعيدا بالذهاب مع زملائي للمدرسة ونتجول في شوارع الدوحة.

من لبنان أحضرنا كرز طبيعي بدل المعلب

وأذكر في فترة الستينيات اقبل كبار السن من أهل قطر على الزواج من خارج قطر وبخاصة من سوريا والهند والأردن ولبنان التي تزوّج منها والدي ، وكنا سعداء بالذهاب صيفاً إلى ربوع لبنان في الستينيات، والتي أحدثت لنا نقلة نوعية في حياتنا لأنها بلد الجمال في كل شيء، ومن الريان إلى لبنان قصة كبيرة سواء من ناحية البيئة والتطور ومشاهدة الجبال والخضرة والأنهار والأجواء الباردة والأكل والموسيقى والمسرح والسينما وأنواع السيارات ، وعند رجوعنا كنت أخبر أصدقائي بذلك وهم معجبون ، كما أنني كنت أحضر لهم الكرز والمشمش والتين الطازج ويستغربون لأنهم كانوا يأكلون الكرز والفواكه المعلبة.

تخرجت من الثانوية علمي وأعطوني بعثة ولكن ضابط بحري!!

أتذكر تخرجت من القسم العلمي بالثانوية وكانت رغبتي هو تخصص علمي لكي تستفيد منه في حياتي العملية ولكن كانت المفاجأة لي أن وزارة المعارف اختارت لي تخصص ضابط بحري ، لأنهم في تلك الفترة كانوا لا يخيروك في التخصصات ، وكانت بالنسبة لي صدمة قوية ، ذهبت لوالدي اخبره بما حدث فقال اقبل البعثة وتعلم لغة وبعدها يكتب الله ما فيه الخير.

وفي عام 1968 م توكلت على الله وحزمت حقائبي وتوجهت إلى جزيرة آيل أوف وايت في بريطانيا لدراسة اللغة في أحد معاهدها وهي منطقة لايوجد فيها سوى المعهد ومدينة صغيرة ، واستقبلني مستر جاكسون المسؤول عن الطلبة القطريين لأنه لا توجد سفارة ، وجلست عند إحدى العائلات لمدة ستة أشهر لتعلم اللغة الإنجليزية ، ثم دخلت مدرسة داخلية تسكن وتتعلم بها واسمها "غريلاندس كولج" في قرية بيمبريج ، حاولت التأقلم معها واجتهدت وبذلت قصارى جهدي من أجل تعليم اللغة وتأسست جيداً وبعد سنتين قمت بتقديم الشهادة الثانوية البريطانية لكي يتم قبولي بالجامعة لأنهم في تلك الفترة لا يعترفون بالشهادة الثانوية القطرية ، وتعرفت على صداقات من مختلف دول العالم أربعة منهم مازلت على تواصل دائم معهم إلى اليوم واحد من ماليزيا واثنين من ايران والثالث رجل أعمال تركي.

وبعد فترة دخلت الكلية في ساوث هامبتون لدراسة التخصص كان معي في الكلية محمد خليفة السيد ، وغلام جنكير من قطر ، ونظراً لعدم رغبتي في تخصص ضابط بحري لأن دراستي في القسم العلمي، فغيرت تخصصي إلى هندسة لكنني لم أنجح في السنة الأولى ، وكان يجب عليّ إعادة السنة كلها من جديد ، وبعد تفكير عميق والنظر للمستقبل قررت ترك الدراسة في بريطانيا.

غيرت وجهتي إلى أمريكا

كان أخي خطاب عمر يدرس في أمريكا وطلبت منه أن يرى لي جامعة تقبلني لأني أريد أن أكمل دراستي في أمريكا لأن دراستها أفضل، وبالفعل تم قبولي في جامعة ميتشغان الغربية، وذهبت إلى هناك وعقدت العزم على انهاء دراستي حيث إن تأسيسي في الإنجليزية جيداً، وكثفت دراستي من أجل الانتهاء من الجامعة وتعويض ما فاتني في بريطانيا، لذلك عكفت على الدراسة في الصباح وكذلك بالفترة المسائية وتخصصت في "العلوم السياسية والاقتصاد" وبتوفيق من الله أنهيت دراستي الجامعية في عام 1975، وعدت إلى بلادي قطر للمساهمة في نهضتها.

الفن هوايتي .. وأعجبت بلوحات المولوي

كنت من المهتمين بالفنون والرسم منذ بداياتي وأرسم لنفسي ولا أحب أن يراها أحد، أذكر في مدرسة الريان الابتدائية كان الأستاذ مضيوف الفرا يوزع علينا أقلاما ملونة ودفتر الرسم وفرشاة وألوان ولوحة بليوت لكي نرسم عليها تخيلاتنا وكان الرسم غالباً مستوحى من البيئة التي نعيش فيها مثل أشجار النخيل والجمال وغيرها، وفي الثانوية أعجبت برسومات ولوحات عبدالواحد المولوي الذي كان يرسم صور الأبطال والشخصيات العربية القديمة وكانت رسماته معلقة في ممرات المدرسة.

وعندما عينت سفيراً في فرنسا كان هناك مركز للرسم يصقل المواهب بالقرب من السفارة ، دخلت المعهد كانت لديّ الموهبة وتحتاج للتوجيه والصقل ومعرفة نسبة الظل والضوء وغيرها ، بعد انتقالي إلى روسيا وكان فيها اليوم قصير والليل طويل وكان لدي وقت لممارسة هوايتي، وكان بجانب بيتي مركز للفنانين وكنت أرتاده يومياً بعد نهاية عملي، وكان كل رسام لديه استديو معين، وهناك تجد الرسام والنحات وكذلك مدارس مختلفة تستفيد منها، وقد ساعدني المركز في تطوير موهبتي وتكوين صداقات وعلاقات مع فنانين، ورسمت لوحاتي وبدأت أعلقها في البيت.

أنا لا أرسم للتجارة والبيع ، بل أهدي للأصدقاء ، وقد أهديت للسفير البريطاني والفرنسي بالدوحة وعلقت لوحاتي في سفارتهم ، ولي عملين موجودين في متحف الفن العربي المعاصر، أنا عضو في جمعية قطر للفنون التشكيلية وشاركت في عدة معارض مع فنانين قطريين في ايران واليمن وغيرها، وفي مصر اشتريت مجموعة كبيرة من اللوحات والمنحوتات نظراً لرخص ثمنها.

وأذكر عندما عينت دبلوماسيا في واشنطن، التقيت بجاري واكتشفت ان زوجته فنانة في الرسم كما التقيت بابنة نائب الرئيس "ديك تشيني" وهي كذلك فنانة، وعندما شاهدت جارتي لوحاتي في البيت دعتني للمشاركة معهم وتعرفت على فنانين من أمريكا وأعمالهم وغيرهم ، وشاركت في معارضهم وعينت عضوا في الجمعية الدولية لدعم الفنون، وفي أمريكا كنت أقتني اللوحات وبعض المنحوتات والتحف.

مساحة إعلانية