رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

1106

"أحلام" السعيدة تحول كابوس الماضي لحاضر يبتسم

24 نوفمبر 2015 , 06:53م
alsharq
محمد زهران

كانت هناك تجلس في أحد اروقة الجامعة، تستند الى حائط منقوش بأحرف كوفية وهاجة، تمسك بكتاب "حياة بلا توتر" للراحل إبراهيم الفقي، وبصوت رقيق ممزوج بالامل والإقبال كانت تتمتم... "الصخور تسد الطرق أمام الضعفاء.. أما الاقوياء فيستندون إليها للوصول إلى القمة" .

اقتربنا من المبتهجة لنعلم من هي تلك صاحبة السعادة؟.. ولماذا كل هذا الاقبال على الحياة؟ بالتأكيد هي انسانة بلا مشاكل .. بلا صعاب أو حتى معوقات!

بابتسامة تبدو ابدية كدق الوشم، قالت في ثبات، فقدت اغلى شيء في الحياة منذ عامين.. فقدت والدي الحنون، وانهار الجدار الذي كنت وإخوتي نستند إليه، تركني وحيدة في دنيا اللارحمة، بعد ان خطف الموت أنفاسه فجأة من بيننا.

تركنا بلا عائل او سند بين سبعة اخوة يتتوقون شوقاً لحضن والدهم الآمن، وصوته الدافئ وهو عائد من العمل ينادينا لنلتف في أحضانه بود.

لم يُرض موت والدي غرور القدر، فزار منزلنا مرة اخرى ليخطف انفاس شقيقتي الكبرى ذات الثمانية والعشرين ربيعاً بعد شهر فقط من فاجعة والدي.. خطفها من بين أحضاننا.. من قلب منزلنا الذي كان دافئاً مفعما بالطمأنينة.

شعرت وكأن كل شيء قد تبدل، الابتسامة اضحت دموعا والفرح اصبح ألما وصوت امي بات انينا مكتوما باليأس يمزق قلبي، وكأن رياح تضمر اللعنة بين كنفاتها هبت بالبيت لتقتلع جذور الابتسامة منه فتجمدت الحيوية في عروقنا وتحولنا إلى اشباه بشر يتنفسون دون إرادة او رغبة في الحياة.

رحنا نسقط واحداً تلو الآخر، بعد ان استسلمت اختي لحزنها، فتلحفت بالتراب بجانب والدي.

هذه هي حياة "احلام سعيد كرت" المبتسمة دائماً رغم الالم طالبة جامعة قطر المتميزة، استضافتها احلامها لتكون لها خير رفيق فلم تدع فرصة للظروف ان تفرق بينهما.

تبوح احلام لنا بأن المعاناة رسمت ملامح حياتي التي لم تقترب من منتصف ربيعها العشرين، ولعل ذلك هو ما دفعني لأمحو ما رسمه القدر وابدأ مشوار الدراسة بأملٍ وقوده الألم!

وتمضي بالقول: انا الوحيدة من اخوتي التي اكملت تعليمي، وكان والدي اكبر المحفزين والداعمين لي قبل رحيله وحتى بعده، في بداية مشوار الجامعة كدت استسلم بسبب صعوبة الحياة المعتقلة بين قضبان ضعف التحصيل الدراسي وصعوبة المرحلة الجديدة، لكن والدي دائماً ما كان يقول لي قاتلي، فالحياة لا تهاب الا من المقاتلين.

وظللت في ذلك السجال الدائر بيني وبين الحياة إلى ان رحل والدي عنا، حينها شعرت ان تلك اللكمة حسمت النزال للابد.

انسد حينها الافق في وجه احلام، اقحمتها في نفق مظلم من الازمات النفسية المرهقة، بعد ان اختزلت الحياة الوانها في السواد القاتم دون غيره، فلم يعد امامها سوى الاستسلام والمكوث بجانب والدتها ترعى اخوتها الصغار وتساند الكبار وتعيش حياة لا تشبه الحياة.

لم يكن هناك امثل من هذا الاختيار الذي سيغتال طموحها مبكراً، وحتى إن حاولت ان تستمر في دراستها ينبغي ان تعطل طموحها قليلاً إلى ان يستعيد منزلهم الصغير توازنه من جديد، وهذا من شأنه ان يفوت عليها الكثير في عمرٌ لا يعلم طوله الا الله.

وتقول بصوتٍ متهدج تذكرت امنية "بابا" وهي ان اكمل دراستي وأكون فتاة ناجحة يفخر بها، ومن ذلك الوقت نفضت الغبار عن حياتي البائسة، وحطمت زنازين اليأس الضيقة وتحررت من اصفاد الخنوع.

فلم اجلس جثة هامدة على رصيف الحياة انتظر مرور الموت يختطف انفاسي، لأتخلص من تلك الحياة التي تورطت بها رغماً عني.

قررت ان استجيب لدعوات والدي المنبعثة من تحت الثرى، واستكملت دراسة علم الاجتماع بجامعة قطر، وها هي على اعتاب التخرج تدشن نهجا جديدا للصمود والمقاومة.

وتشير الى انها تطمح لمواصلة الماجستير والدكتوراة، بعد ان اقترب معدلها للامتياز، وتؤكد ان مشوار العلم لن ينتهي الا اذا انتهت حياتي قبله.

وتعترف بان هذه المرة عادت بقوة اكبر من سابقتها، فدمرت بوارج الظروف الصعبة وهدمت اسوار قلاع الحزن الذي احاط بها وبأسرتها.

وتتابع منذ ذلك الحين حولت خريف ايامي إلى ربيع مزدهر تروي اماني والدي ودعوات امي بساتينه يوماً بعد يوم.

وعن امانيها تبوح "احلام" انها ترجو الفوز بقلوب الناس، وتكسب رضا العباد بغية رب العباد، فالسعادة ان ارى الناس سعداء.

ورغم ظروفها وحاجتها تداوم احلام على اعداد وطباعة ملخصات دراسية تساعد بها زميلاتها، فهي دائمة المساعدة للآخرين مع ان من المفترض ان تتلقى هي المساعدة بدلاً ان تمنحها.

وعن زميلاتها بالجامعة تقول انهن دائمات القرب منها، لم يتركنها في محنتها ويشعرنها دائماً بالدفء والسعادة ولفيف من الحب والاحتواء.

وتروي انها كثيراً ما تقول لها زميلاتها انهن يتمنين لو يصبحن مثلها يوماً، ولكن المحير في الامر انه من يريد ان يخوض تجربة شبيهة بتجربة احلام ويعيش تفاصيلها المريرة؟!

إلا اذا كانت شخصية قوية تنثر الامل فيتتبع كل من عرفها ثراها العطر.

ربما تعمد القدر ان يختار اسم "احلام" لها، فسماها احلام سعيد، ليؤكد أن احلام والدها" سعيد" الراحل تحققت، واصبحت كريمته محور حديث الناس تجسد قصة كفاح تروى تفاصيلها للعالم.

وعادت احلام لكتابها بابتسامة اعرض هذه المرة وهي تتمتم بكلمات غاندي ... "تتوقف السعادة على ما تستطيع اعطاءه للناس، لا على ما تستطيع الحصول عليه منهم".

مساحة إعلانية