رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

منوعات

1123

كنز ذهبي.. في قلب جريمة تهز أوروبا

قضية "ترواداك".. مقتل عائلة بأكملها في قصة أشبه بالروايات البوليسية

18 مارس 2017 , 12:25ص
alsharq

على مدى أسبوعين، والمعلومات تتراكم مع تقدَُم فعاليات التحقيق في قضية "ترواداك"، لتنسج خيوط قصة أشبه بالروايات البوليسية الخيالية التي أبدع بعض الكتاب في حبكتها.

انطلقت وقائع هذه القصة المأساوية يوم 16 فبرير الماضي، في مدينة فرنسية في الشمال الغربي، وحظيت بتغطية إعلامية تحبس الأنفاس. وما زالت هذه الجريمة "الخارجة عن نطاق العقل" حسب تعبير وكيل الجمهورية الجنائي الفرنسي، تثير العديد من التساؤلات حول "كيف يمكن للإنسان أن يكون قادرا على فعل ذلك؟". الشرق تعود هنا بالقصة الكاملة لهذه الجريمة، كما نقلتها الصحافة الغربية حتى اليوم. قصة عن حادثة اختفاء عائلة بأكملها ووقائع أخرى تمتزج فيها دوافع الجريمة بكواليس التاريخ وحكاية عن كنز من الحرب العالمية الثانية وميراث لم يتم تقاسمه بنزاهة.

الاختفاء الغامض

بدأت القصة حين تلقت الشرطة مكالمة هاتفية يوم الخميس 23 فبراير الماضي من شقيقة بريجيت ترواداك وهي تعبر عن قلقها لأن هذه الأخيرة التي تسكن مع عائلتها في قرية "أورفو" في ضواحي مدينة نانت، لا ترد على مكالماتها منذ فترة، بل وكذلك الحال بالنسبة مع باقي أفراد عائلتها، المتكونة من باسكال تروادك، زوجها، البالغ من العمر 49 عاما، وابنيها سيباستيان (20 عاما) وشارلوت (18 عاما). الشرطة ارسلت، بعد هذه المكالمة، الى منزل بريجيت الواقع في 24 شارع دي أوتيل، لتجد البيت شاغرا من سكانه ولكن مليئا بقرائن مربكة، جعلت المدعي العام لمدينة نانت يصرح بعد ساعات قليلة أمام حشد من الصحفيين "هذا مسرح جريمة".

مسرح الجريمة

في بيت عائلة ترواداك، لا شيء يطمئن.. أولا، فقد اكتشفت الشرطة، بفضل آلة كشف آثار السوائل البشرية، آثار دماء، تم تنظيفها في أماكن مختلفة في البيت، وكذلك على هاتف جوال مغلق تم العثور عليه في غرفة الابن سيباستيان. وتفاصيل أخرى بدت بعد كشف الستار على مرتكبي الجريمة شبه هزلية مثل اختفاء فرش أسنان أفراد العائلة، وأجهزة كمبيوتر، وبلاي ستيشن وإزالة الشراشف من الأسرة. لخص المدعي العام هذا بالقول "كما لو أن البيت قد توقف عن الحياة في لحظة محددة"، رغم أن العديد من المعطيات لم تكن سوى "مجهود من أجل الايحاء بأن العائلة قد قررت السفر أو مغادرة البلاد على حين غرة"!. الشرطة انتبهت الى تواجد سيارتين أمام البيت وهما سيارتا الزوجين، واختفاء سيارة الابن من نوع بيجو 308.

ثم هناك كأس بلورية في حوض المطبخ، وهذا قد لا يبدو مهما، ولكن هذه الكأس المهملة ستكون أحد مفاتيح اللغز فيما بعد، وفي اجراءات روتينية، بادرت الشرطة بإصدار بلاغ بحث مع أربع صور وتواريخ الميلاد، وطراز السيارة على المستوى الأوروبي.

استجواب

منذ الاسبوع الأول، طلب المدعي العام من المحققين استجواب أقارب العائلة، الذين يسكنون نفس الجهة، مسقط رأس عائلة باسكال وبريجيت ترواداك. وفي هذا الاطار تم استدعاء ليديا ترواداك، شقيقة المختفي باسكال وزوجها هوبير كاويسان، صهره، وتم احتجازهما قليلا، نظرا لضآلة الشكوك حولهما، في اطار تحقيق تقليدي أكد خلاله الصهر هوبير أنهم ليسوا على تواصل مع عائلة باسكال شقيق زوجته "منذ ما يناهز الست سنوات". لكن بعد اطلاق سراحهما، تمت اعادة استدعائهما. ولتفسير ذلك صرح المدعي العام في مؤتمر صحفي بالقول"أصبحنا على بينة بوجود توتر بين باسكال وشقيقته ليديا بسبب قصة ميراث غريب".

الحمض النووي يغير المعطيات

جاء احتجاز الصهر وزوجته ليديا للمرة الثانية من أجل اعادة النظر في تصريحاتهما لان المحققين سمعوا هنا وهناك أخبارا عن ضغينة دفينة بشأن ميراث عائلي بين الاخوين باسكال المختفي وشقيقته ليديا وخصوصا زوج هذه الاخيرة هوبير. ولكن في هذه الاثناء عثرت الشرطة على سيارة الابن سيباستيان المفقودة على بعد 200 كلم من اورفال، مركونة قرب ميناء. ورغم أن السيارة قد كانت منظفة بشكل كبير، الا أن الشرطة التقنية والعلمية نجحت في ايجاد آثار جينات بشرية، كما كان الحال بالنسبة للكأس المهملة في المطبخ. جينات بشرية ذات حامض نووي دون شك تشير الى هوبير، الصهر الذي أكد خلال استجوابه الأول مع زوجته شقيقة المختفي، أنه لا علاقة له بالعائلة المختفية منذ سنوات.

الصهر القاتل

بعد استجواب مرهق لأكثر من 24 ساعة لهوبير كاويسان وزوجته ليديا ترواداك، اعترف هوبير بأنه قد قتل باسكال وبريجيت وابنيهما شارلوت وسيباستيان خلال ليلة الخميس 16 إلى ليلة الجمعة 17 فبراير. وأدلى بعد ذلك بتفاصيل تقشعر لها الأجسام بشأن حيثيات جريمته، اذ اعترف بأنه ذهب مع حلول الليل الى اورفو، للتجسس على الأسرة في محاولة منه "لمعرفة المزيد عن كنز الذهب الذي استحوذ عليه باسكال بعد أن ورثه من والده". ولكن رغم السماعات التي كان يثبتها على النوافذ والباب، الا أنه قرر التسلل الى داخل البيت من أجل أخذ مفتاح رآه من النافذة وقدَر "أنه قد يكون مفتاح صندوق الذهب". ولكن أمام الضوضاء التي سببها اقتحامه للبيت، استيقظ باسكال وزوجته، وبعد مشادة بينهم، قال هوبيرت أنه قد أجهز على الزوجين بواسطة قضيب حديدي، ثم أجهز على الابنين بنفس الطريقة..

شقيقة المجني عليه تساعد زوجها

وبعد أن عاد هوبيرت الى منزله وأخبر زوجته بهول ما اقترفه، عاد معها لتنظيف البيت وشحن الجثث الى ضيعته في قرية مجاورة، حيث قام بتقطيع الجثث وحرق جزء منها ودفن الجزء الآخر... ثم قام في محاولة ساذجة في اليومين التاليين بتنظيم تفاصيل للايحاء بأن العائلة بأكملها قد غادرت في عطلة. بعد هذا الاعتراف المذهل، قامت الشرطة بتوجيه الاتهام اليه رسميا بالقتل وتشويه الجثث، والى زوجته، شقيقة المجني عليه باسكال، بالتواطؤ في اقتراف الجريمة ذاتها، قبل أن يُسجن في انتظار محاكمته...

كنز من الحرب العالمية الثانية

ما الدواعي المجنونة التي دفعت بـ "هوبير كاويسان" (46 عاما) الى قتل الأفراد الأربعة لعائلة "تروأداك"؟ هل من المعقول أن يكون باسكال وبريجيت وسيباستيان وشارلوت قد قتلوا بسبب كنز من الذهب؟ هذا على كل حال ما اكده مرتكب الجريمة هوبير، الذي تحول لديه هذا الكنز الى "هاجس مرضي مدمَر" حسب المحققين. لكن الأغرب في الامر أن هذا الكنز لم يكن هاجسا فقط... بل حقيقة.

وهو ما أكدته والدة الضحية باسكال وأخته ليديا التي شاركت في قتل عائلة أخيها، حسب الأم ترواداك هناك بالفعل "كنز عائلي"، متمثل في قطع نقدية ذهبية وسبائك من ذهب، وجده زوجها عام 2006 في شقة في حي من أحياء مدينة "براست"، عندما كان بصدد عمل اشغال تجديد بها. الوالد ترواداك عثر على "الذهب" مدفونا في حائط الشقة، "ذهب قد يكون فقد من البنك الفرنسي المركزي خلال الحرب العالمية الثانية" حسب الأم. بعد أن قام الاب ترواداك بالاستحواذ على هذا الذهب والاحتفاظ به فقط خوفا من اكتشاف امره، وقام ابنه باسكال، بعد وفاته في 2010 بالاستحواذ عليه بدوره رافضا تقاسمه مع اخته ليديا. وبحسب تصريحات الأم "قام باسكال باستثمار هذا الذهب في العديد من الملاجئ الضريبية، مثل أندورا وموناكو، مأمَنا لعائلته مداخيل اضافية مريحة مدى الحياة".

ورغم الأدلة الدامغة التي تدين ابنها في الجريمة، واعترافه بجريمته بكل تفاصيلها المريعة، إلا أن أم هوربير كواسان، صرحت في ثقة عميقة وحزن أعمق للصحف قائلة "ابني وديع كالملائكة، انه برئ من هذه الجريمة". نقلت وسائل الاعلام هذا التصريح بدون تعليق، نظرا لعدم منطقية نفي هذه الجريمة الواضحة. وفي هذا الصدد قد لا يسع خبير في علم النفس الجنائي الا أن يقول "الوحشية البشرية لا وجه لها، لذلك قد لا يسعنا في العديد من الاحيان الا أن ندير وجهنا عنها". تماما كما فعلت الأم كواسان أمام فعل ابنها الذي لم يستوعبه حنانها المفجوع.

مساحة إعلانية