رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

420

يتفقدون الدمار ويتذكرون النكبة..

غزيّون لـ «الشرق»: ليس لنا غير هذا الوطن.. ولن نرحل

17 أكتوبر 2023 , 07:00ص
alsharq
غزة تطل على الحياة
غزة - محمـد الرنتيسي

كل يوم تطلع شمسه، يحمل في ثناياه شهداء وجرحى فلسطينيين جدداً، وقدراً متزايداً من دمار المباني والمنازل، فتضع مشاهد القصف والقتل والتشريد والتجويع اليومية، المواطنين في قطاع غزة، في مواجهة حتمية مع الموت، وتترك القنابل الفسفورية بصماتها الحارقة على أجساد الأطفال الغضة، وعلى هواجسهم، وحتى نظرتهم للعالم ككل.

في غزة كل شيء تغير على حين غرة.. حالة من الانتظار والقلق، تحرك مشاعر الغزيين صعوداً وهبوطاً، مع كل نبأ جديد عن طائرة تحلق في السماء، أو قذائف صاروخية تنزل على الأرض.. آلاف المشردين ما زالوا يدفعون ضريبة العدوان.. أسئلة كثيرة على الوجوه، وصراخ مبحوح لحناجر صغيرة، ربما لهذا السبب لا يسمعها العالم!.

على أنقاض بيوت من الطوب والصفيح، يجلس الأهالي.. يتذكرون النكبة، ويتفقدون الدمار، في الأولى تشردوا عن وطنهم، وفي الثانية يصرون على الصمود في المكان، يفترشون الأرض بعد أن التحفوا السماء.. الجد يقبّل الابن الشهيد، والشهيد الحفيد، أطفال ونساء بلا مأوى.. القصف بُعد آخر لمعاناة أطفال غزة.. ذهول، تحدٍ وغضب، سهوب، وسؤال عن الأفق.. ينظرون وقد بدأت الرحلة إلى البيت المهدوم، يرسمون شارات النصر بأصابع صغيرة، ويطالبون العالم بأن يحميهم من قصف بشع لا يشبع.

مواصلة الصمود:

وتثير الأوضاع الكارثية في قطاع غزة، كل مشاعر الألم، فيعيش نحو 2 مليون فلسطيني، بين أكوام من الحجارة والرماد، وفي ظروف من أصعب ما يكون، فلا ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء، ولكن على الرغم من ذلك، في مواجهة هذا العدوان البربري، ليس أمام أهل غزة، سوى مواصلة الصمود فوق أرضهم، كما يقولون في شهاداتهم.

«الليلة سأنام في بيتي المهدوم ولن أرحل» قال المواطن بسام أبو مهادي في مخيم النصيرات الذي تعرض لقصف عنيف، موضحاً لـ الشرق: «أخليت منزلي بعد أن تعرض للقصف، وذهبت إلى بيت خالتي، وبعد نصف ساعة قالت لي: البيت بيتك، وأنا سوف أذهب مع أولادي إلى عائلتي في دير البلح، لكنها استشهدت وهي في الطريق، إثر غارة وحشية، لذا سأعود إلى بيتي المهدوم ولن أغادره.. إذا اعتقد الاحتلال أنه بالاستقواء على الأطفال ومنازل الآمنين سوف يكسر إرادتنا فهو واهم، أنا خرجت من تحت الركام، وكل الصواريخ وحاملات الطائرات، التي جاءت إلى غزة لتقتلنا، لن تثنينا عن البقاء في منازلنا».

وفي ضوء الواقع الأليم، الذي خلفه قصف الاحتلال لمنزله، يقول المواطن علي النباهين: «ليس لنا غير هذا الوطن، وليس أمامنا سوى مواصلة الصمود فوق أرضنا ووطننا، الاحتلال يريد من خلال تكثيف غاراته الوحشية، دفعنا إلى الرحيل، لتمرير مخططاته باحتلال غزة، وهذا لن يتحقق له إلا على جثثنا وأشلائنا».

يواصل لـ الشرق: «صمودنا سوف يفشل محاولات الاحتلال، الرامية إلى تهجير شعبنا، وجعله يرفع الراية البيضاء، كي يسهل عليه سلب الأرض، وتحقيق شعار الحركة الصهيونية (أرض إسرائيل من النيل إلى الفرات) وهذا لن يكون مقبولاً، مهما اشتد القمع، وتعاظمت أعداد الشهداء».

وعلى الرغم من محدودية الفترة الزمنية التي يستغرقها تحليق الطائرات الحربية في سماء غزة، وإطلاق صواريخها، وسماع أصوات الانفجارات المدوية، وصولاً لمشاهدة آثار الدمار الذي تخلفه، إلا أن تلك الفترة عادة ما تكون حافلة بالمواقف والمشاهدات.

صدر الأب الجدار الأخير

استوقفنا المواطن شريف الجرجاوي، الذي كان خارجاً للتو من تحت القصف، فأشار إلى مفارقة مؤلمة في قصص الغارات الوحشية، ومواجهة الطائرات الحربية والقذائف المنهمرة على منازل المواطنين كما المطر، وقال لـ الشرق: «أصعب ما في الأمر، أن تظهر أمام أطفالك بصورة العاجز عن درء احتمالات الموت الهابطة عليهم من السماء، أو المباغتة من جدران المنازل».

«المفارقة موجعة حد البكاء» قال الجرجاوي، واصفاً أبوّته التي تهشمت، عندما بدا لا حول له ولا قوة أمام أطفاله، الذين تلبسهم الرعب، ولجأوا إلى صدره، إثر قصف منزل العائلة، مبيناً: «إحدى القذائف اخترقت جدار المنزل، والعناية الربانية فقط هي من أبقتني وأطفالي على قيد الحياة».

في غزة، يقاوم المواطنون الجوع والحصار، ويقارعون محاولات الاقتلاع، ومشاريع محو الذاكرة، التي تبقى حلم الاحتلال الأول.. محو الذاكرة الحالمة بالنصر والحرية، والعودة إلى بيتها الأول، لتعيد ترتيبه من جديد.. إنهم يكتبون اسم المكان كما يريدون، فليقرأ العدو المحتل تفاصيل عدوانه كما يريد.

مساحة إعلانية