رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

عربي ودولي

868

غزة.. صمود أسطوري أمام محاولات الاجتثاث

16 يناير 2024 , 07:00ص
alsharq
❖ رام الله - محمـد الرنتيسي

طوى الفلسطينيون صفحة المائة يوم من العدوان، دفن الغزّيون فلذات أكبادهم في الطرقات وفي ساحات المستشفيات والمتنزهات، يشيعون شهداءهم، وينزحون عن منازلهم.

النظام الصحي فقد مقوماته، وجهاز الدفاع المدني خرجت طواقمه وآلياته عن مسار العمل، والصحفيون وقعوا ضحية للحقيقة التي يحاول الكيان الصهيوني طمسها، المساجد والكنائس لم تسلم، والمستشفيات ومدارس الإيواء طالها القصف، الأمراض والأوبئة انتشرت، وجثث الشهداء تحللت تحت ركام المنازل، محولات الكهرباء وخطوط الاتصالات ضربت، فعزلت قوات الاحتلال غزة عن العالم، وعادت حكايات اللجوء التي عاشها الفلسطينيون قبل 75 عاماً إلى الأذهان.

كل ذلك، غيض من فيض لحصاد مائة يوم من المأساة الحقيقية التي يعيشها أهالي غزة، التي تتعرض للإبادة والمحو والتنكيل، بفعل المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الكيان الصهيوني على مدار الساعة، ويستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة ذات التقنية العالية قتلاً وتدميراً وإبادة، ولكن، رغم كل مظاهر الاجتثاث والتطهير العرقي والتدمير، التي تحيق بالوطن الفلسطيني، لم يركع الفلسطينيون، بل تصدوا بكل صبر وشموخ، غير عابئين بهذه الأعداد الصاخبة من الشهداء والجرحى والنازحين، أو ويلات الفقر والجوع والأمراض.

ودليل على إرادة الشعب الفلسطيني، استمرت مناسبات الفرح وعقد القران في مراكز إيواء النازحين، وسكنوا في خيام تبعث على الكبرياء بعد أن دمر الاحتلال منازلهم، لكنه لم يقترب من أحلامهم وطموحاتهم ورغبتهم في الحياة.

وكثيرة قصص الألم والمعاناة في قطاع غزة، ولكن ثمة شعب هناك يصر على الحياة والانتصار على الموت، شعب يحب وطنه ويضحي من أجله، ويوماً إثر يوم يثبت الفلسطينيون أن الوطن ليس فقط أرض وجغرافيا، بل أيضاً قلب وروح تنبض بالحياة، وتستلهم الدروس والمواقف من وسط المعاناة، إلى أن يبزغ فجر حريتهم وانعتاقهم من المحتل.

«مائة يوم فهل يستيقظ ضمير العالم» يتساءل أحمد العبادلة (58) عاماً، مبيناً أن المواطنين في قطاع غزة، لديهم رغبة في الحياة، ولهذا فهم يكابدون تحت إبادة الحرب والقتل والتجويع والحصار، ويقدمون للعالم براهين واضحة على عمق معاني التضحية والفداء، والانتماء للوطن الفلسطيني، وغزة لبنة أساسية فيه.

يضيف لـ الشرق: «قبل مائة يوم، شن جيش الاحتلال أعنف وأقسى عدوان عرفته البشرية، على شعب أعزل، محولاً شوارع غزة إلى أنهار من الدماء، لكنه اصطدم برغبة في التحدي والمقاومة، فالوطن يعيش في قلوبنا وعقولنا، وسنظل أوفياء لتضحيات الشهداء والحرجى، نحن صامدون، وسنواجه كل الصعوبات، وسننتصر».

 هذه صورة من آلاف غيرها مشابهة في الإرادة وحب الحياة، والتشبث بالحقوق الوطنية، والاستعداد للتضحية، وما باح به المواطن العبادلة، ينطبق بجلاء على أهل غزة، الذين يرفضون المساومة على ثوابتهم، ولا يتزحزحون عنها قيد أنملة، وهم بذلك يعلمون أنهم يدفعون ثمن انتصارهم لمواقفهم، ولن يسمحوا لهذا الكيان الدخيل، بأن يدخل معهم في مساومة على مبادئهم. غزة «جارة البحر» تحولت إلى رقعة هائلة من الدمار، بيوتها أصبحت أنقاضاً، وشوارعها ركاماً، لكنها ترفض الركوع والاستسلام لمنطق الاحتلال الأعوج، بهجرة أرض الآباء والأجداد، فمع كل صاروخ أو قذيفة مدفعية، يتجدد الشعار الذي لا يرفعه إلا الشجعان، بأن «لا يأس مع الحياة» ولا يأس مع أهل غزة، الذين يمتلكون كما وافراً من الثقة، بأن المستقبل على هذه الأرض، لن يكون إلا لهم.

مساحة إعلانية