رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1435

9950

منح إمتياز التنقيب عن النفط في قطر خضع لشروط الشيخ عبد الله بن جاسم

14 يوليو 2014 , 01:58م
alsharq
الدوحة - بوابة الشرق

كان لوجود النفط في قطر والمنطقة فرص ضئيلة ما لبثت أن تزايدت؛ حيث كانت جهود المنقبين في شمال غرب إيران قد نجحت بعد إخفاق متكرر وذلك سنة 1908م، ثم بعدها بعشرين سنة وإلى أن انتهت الحرب العالمية الأولى، تدفق النفط هادرًا من بابا غرغور بشمال العراق، فلم يعد ثمة شك في أن المنطقة في حوض الخليج خاصة تعيش على بحيرات من الذهب الأسود، ومع دخول الأمريكيين والفرنسيين إلى شركات النفط، قُرع ناقوس الخطر لدى البريطانيين؛ لما يعلمون من خبرة الأمريكان الطويلة في حقول البترول ببلادهم، والقوة المالية الضخمة لمجموعة شركاتهم، التي مكنت لشركة ستاندرد أويل أوف أميركا أن تنتزع امتياز بترول البحرين والسعودية من البريطانيين.

ومن حسن حظ المستثمرين الأجانب أن تجيء اكتشافات النفط ومفاوضات الحصول على امتيازاته وسط الضائقة المالية الخانقة الناتجة عن بوار تجارة اللؤلؤ خلال الأزمة الاقتصادية العالمية، مما حقق للشركات أفضل المكاسب للفوز بالامتيازات النفطية.

نفط قطر والمباحثات حوله

في سنة 1923م طلبت الشركة الشرقية رسميًا من المقيم البريطاني أن يسمح لمندوب عنها بزيارة قطر والتباحث في مسألة الحصول على امتياز للنفط فيها، ولكن الحكومة البريطانية التي لم تكن راضية عن هذه الشركة أجابت بالرفض وأن الوقت غير مناسب للدخول في مثل هذه المفاوضات، وكان ذلك في شهر شعبان سنة 1341هـ يوافقه 4 أبريل سنة 1923م، وكانت الشركة الإنجليزية الفارسية قد قدمت نفس الطلب ورُفض أيضًا.

وبعد ذلك بسنتين تقريبًا أي في سنة 1342هـ يوافقه شهر أكتوبر سنة 1925م، عادت الشركة الإنجليزية الفارسية وتقدمت بطلب لإجراء مسح أولي للنفط في أراضي قطر.

وبالفعل فقد قام وفد من الجيولوجيين وعلى رأسهم مهندس يدعى المستر ليس بجولة في أراضي قطر، قاموا بعدها بتقديم طلب إلى الشيخ عبد الله بأن يمنحهم مهلة قدرها ثمانية عشر شهرًا للقيام بدراساتهم والاتصال بالشيخ لتحديد موقفهم النهائي من طلب الامتياز، وتضمن هذا الطلب المقدم خطيًا في شهر شعبان سنة 1344هـ يوافقه 10 مارس سنة 1926م، ما يلي: ونحن الآن نلتمس من سعادتكم أن تتعهدوا لنا بأنكم لا تعطوا لأحد امتيازًا لحفر النفط من تاريخ هذه الرسالة إلى مدة ثمانية عشر شهرًا، وخلال هذه المدة ستجري مخاطبات بين شركتنا وبين جنابكم، وإن حصل الاتفاق أنتم على ما تريدون، والأمر لجنابكم، ودمتم.

التوقيع عبد الله ويليمسون، وكذلك توقيع المهندس المذكور.

وأكدت الشركة الإنجلو إيرانية عزمها على العمل الجاد في رسالة أخرى وجهتها للشيخ عبد الله في 9 أبريل من نفس السنة، تؤكد فيها أنه حالما ينتهي مهندسوها من أشغالهم في الدراسات والتحاليل فإنهم سيشرعون في المفاوضات الخاصة بالامتياز مع الشيخ.

مسح شامل للإمكانيات البترولية

وبالفعل فقد كانت التعليمات الصادرة لفنيي الشركة تقضي بإجراء مسح شامل للإمكانات البترولية ليس في شبه جزيرة قطر وحدها، ولكن في العديد من الجزر الواقعة بين قطر وأبو ظبي، وقد طرحت نتائج أعمال هذه البعثة الاستكشافية على سائر الدوائر المختصة في لندن وكان المفروض أن يتخذ القرار الحاسم في سنة 1346هـ يوافقه أغسطس 1927م، ولكن الأمر أجِّل لعدة أسباب من أهمها أن النتائج التي جاءت بها البعثة عن الإمكانات البترولية في قطر والجزر والمياه البحرية كانت إيجابية جدًا، بحيث بات على بريطانيا أن تتدبر أمورًا كثيرة منها أولاً حسم العلاقات مع السعودية في أمور حيوية، وذلك ما تم بالفعل في معاهدة جدة في سنة 1346هـ يوافقه شهر ديسمبر سنة 1927م، وإن لم تحسم المعاهدة كل شيء يتعلق بالحدود السعودية مع إمارات الخليج وترك ذلك لمحادثات وأبحاث أخرى لاحقة، وكذلك كان لزامًا وضع خطة لتقسيم الجزر في الخليج وترتيب سائر متعلقات العمل البترولي الكبير كالمواصلات من مطارات وموانئ وطرق وبريد وهاتف، فضلاً عن وضع التشريعات التي ستقتضيها الحاجة لضمان سهولة تدفق الفنيين الأجانب على يد شركات الامتياز إلى مواقع العمل.

مواصلة المحاولات

واصلت الشركة الشرقية محاولاتها في الحصول على امتياز نفط قطر، فأرسلت في شهر صفر سنة 1351هـ يوافقه 11 يونيو سنة 1932م مندوبًا عنها هو السيد حسين يتيم للتفاوض مع حاكم قطر، ولكن الشيخ عبد الله أحاله إلى الحكومة البريطانية التي انزعجت من هذه الزيارة لعلمها بما تقوم به الشركة الشرقية من تحويل امتيازاتها إلى الشركات الأمريكية.

وإزاء ذلك قامت الحكومة البريطانية بالضغط على الشركة الإنجليزية الفارسية حتى تزيد من نشاطها في الكشف عن النفط في قطر ملوِّحة إلى خطورة أن يقع المحظور وتدخل أمريكا في الساحة النفطية القطرية كما حدث في مناطق أخرى من الخليج.

وقد ورد في مذكرة سرية قدَّمها ممثل عن الأميرالية البحرية البريطانية يبدو أنها موجهة إلى وزارة المستعمرات: إن أركان الأميرالية وهم يستعرضون أهمية زيت الخليج ككل؛ ليرون أن من سوء الحظ أن تكون المصالح الأمريكية قد ضمنت لنفسها هذا المركز القوي كله في أطراف منطقة كانت عما قريب منطقة مؤَمَّنة لبريطانيا وحدها، كما أنها أي المصالح الأمريكية تسعى الآن لمد نفوذها إلى موقع هو أهم المناطق استراتيجية بالنسبة للمصالح البريطانية يعني قطر، ولذلك فهي توصي بعدم إهمال أية خطوة لازمة لمد نفوذ شركة البترول الإنجلو إيرانية إلى هذه البقعة العظيمة الأهمية.

وفي 19 ربيع الآخر سنة 1351هـ يوافقه 20 أغسطس سنة 1932م توجه مندوب من الشركة الإنجلو إيرانية يدعى ميلز إلى قطر يرافقه الحاج عبد الله ويليمسن موظف الشركة المعروف يلتمس استئناف الأعمال الجيولوجية للشركة، وقد تقدم الوفد المذكور بطلب إعطائه تجديدًا للإذن السابق بالتنقيب عن الزيت متقدمًا بعرض باسم الشركة يتضمن:

أولاً: أن تكون المدة الممنوحة للتنقيب لهم أو لأية شركة بريطانية تمثلهم سنتين لا يعطى خلالهما لغيرهم مثل ذلك الحق.

وثانيًا: أن يتقدموا خلال فترة التمديد هذه بعرض للحصول على امتياز باحتكار استخراج موارد الزيت القطري خاضع لقبول الشيخ لشروط ذلك الامتياز، فإن فشلوا في تقديم مثل ذلك العرض منهم يتعهدوا بألَّا يُصار مطلقًا إلى قبول أي طلب مستجد منهم للإذن لهم بالمزيد من التنقيب أو محاولة الحصول على الامتياز، كما تعهدوا بدفع مبلغ ألف وخمسمائة روبية شهريًا لقطر خلال فترة سنتي التنقيب.

وقد تم تقديم هذا العرض بتاريخ 24 ربيع الآخر سنة 1351هـ يوافقه 25 أغسطس 1932م.

وقد وافق الشيخ عبد الله على هذا العرض مع تأكيد التحفظ على أنه سيكون له مطلق الحرية إذا لم تعجبه عروض الشركة بعد فترة السنتين بأن يمنح الامتياز لأي شاء.

وبذلك حصر حق البحث الجيولوجي على الشركة الإنجلو إيرانية لمدة سنتين اعتبارًا من ربيع الآخر 1351هـ يوافقه أغسطس 1932م.

وبعد توقيع الاتفاق الذي أبلغته الشركة إلى المقيم السياسي في أبو شهر وأطلعته على وثائقه، قام مندوب من الشركة الشرقية بزيارة لقطر للاطلاع على حقيقة ما جرى لدراسة الموقف بالنسبة للشركة بعد أن أفلت الزمام من يدها، فقدَّمت الحكومة الأمريكية استفسارًا للحكومة البريطانية عن أسلوبها في إحكام السيطرة البريطانية الكاملة على نفط قطر، مشيرة بذلك إلى إبعاد الشركة الشرقية عن الساحة القطرية، الأمر الذي يعني حرمان الشركات الأمريكية من الدخول في هذه الساحة عن طريق شراء الامتياز من هذه الشركة، وكان رد الحكومة البريطانية أنها رأت أن تركِّز حقوق الامتياز في قطر في أيدي الشركات البريطانية فقط؛ لأن ذلك سيكلفها مشقة إعادة النظر في ترتيبات البريد والرقابة البريطانية وحماية الرعايا الأجانب!

ولإظهار أبهة بريطانيا وعظمتها، فقد طلب المعتمد السياسي في البحرين الكولونيل لوخ في سنة 1933م أن يقوم بزيارة لقطر وأن تكون زيارته على ظهر بارجة حربية وسط مظاهر رسمية، والهدف أن يوطِّد علاقاته مع الشيخ عبد الله، وأن يطلع على عمليات المسح الجيولوجي التي بدأت في قطر.

والتي كانت الشركة قد تقدَّمت بطلب للسماح لها بإجرائها في شهر شعبان سنة 1351هـ يوافقه 3 ديسمبر 1932م، ويتكون الفريق المكلف بذلك من شخصين متخصصين في علم طبقات الأرض يصحبهما ويليمسن وبعض الخدم.

وفي شهر شعبان 1351هـ يوافقه 17 ديسمبر 1932م تقدم المقيم السياسي في أبو شهر فاول بنفس الطلب، وقد أرسل إليه الشيخ عبد الله بن جاسم - رحمه الله - بالموافقة على بدء العمل في هذا المسح الجيولوجي، وأن يأتي فريق العمل المكلف بذلك.

وكان المستر سامبسون ممثل شركة نقط العراق قد طلب من المقيم السياسي في الخليج أن يسمح له بزيارة قطر للاطلاع على سير الأعمال النفطية فيها، ولكن المقيم رفض هذا الطلب، وبناء عليه عقد اجتماع في لندن في وزارة المستعمرات البريطانية برئاسة أحد كبار موظفي الوزارة وهو المستر باركنسون.

وحضر الاجتماع مسؤولون عن وزارة المستعمرات ووزارة الخارجية ودائرة النفط ووزارة شؤون الهند، وبُحثت في هذا الاجتماع السياسة النفطية في قطر بشكل عام، وقرر السماح للمستر سامبسون بزيارة قطر على اعتبار أن امتياز النفط الذي ستحصل عليه بريطانيا بعد التأكد من وجوده في قطر، سيؤول إلى شركة نفط العراق بناء على اتفاقية الخط الأحمر، وأُبرق إلى المقيم السياسي في الخليج بذلك، وقام بدوره بالسماح للمستر سامبسون بزيارة قطر حاملاً معه مشروعًا للمفاوضات لشيخ قطر حول النفط.

وحول هذا المشروع أخذت الحكومة البريطانية تبدي بعض الملاحظات انطلاقًا من حرصها على أن تكون ذات سيطرة مطلقة على النفط في قطر.

وقد بعث الكولونيل لوخ برسالة لشيخ قطر يذكر فيها أن بريطانيا لديها بعض الملاحظات حول هذا المشروع وذلك في شهر جمادى الآخرة سنة 1352هـ يوافقه 4 أكتوبر سنة 1933م، وجاء التحرك البريطاني هذا ردًا على التلميح الفرنسي بأن يكون لفرنسا نصيب في نفط قطر لكونها أي فرنسا تملك قسمًا من شركة نفط العراق، ولكن بريطانيا ردت بأن ذلك لا يمكن، فظروف معاهدة النفط في العراق كانت تختلف عنها في قطر.

الرد على الرسالة

وفي شهر جمادى الآخرة سنة 1352هـ يوافقه 11 أكتوبر 1933م رد الشيخ عبد الله بن جاسم على رسالة الكولونيل لوخ ذاكرًا بأنه سيبحث في الاتفاقية التي يحملها المستر سامبسون وما يتفق ومصالح قطر، وقد أثار هذا الرد حفيظة الكولونيل لوخ الاستعمارية وبعث إليه رسالة في شهر رجب يوافقه 29 أكتوبر من نفس العام مدعيًا فيها بأن ذلك لا يعفي الشيخ من التزاماته في اتفاقية 1916م، وخاصة المادة الخامسة منها، وأرسل الشيخ عبد الله رسالة أخرى في شهر رجب 1352هـ يوافقه 6 نوفمبر 1933م إلى المقيم السياسي البريطاني في أبو شهر الكولونيل فاول، ذكر فيها أن لوخ لم يذكر ما هي الملاحظات التي لديه حول الاتفاقية، وأنه وإن واصل مباحثاته مع الشركة البريطانية الفارسية، فإن ذلك لا يعني تنصله من التزاماته نحو بريطانيا، ثم إنه لم يصل بعد إلى اتفاق نهائي حول هذا الموضوع، كما ذكر في رسالته بأن أسلوب لوخ كان غامضًا ويحمل في طياته روح الإنذار.

وكان مفاوض الشركة الإنجليزية الفارسية مع الشيخ عبد الله هو المستر تشيشولم الذي ذكر للشيخ عبد الله بناء على استفسار منه، أن مفاوضاته تكون مع الشركة مباشرة وبعد ذلك تصدق عليها الحكومة البريطانية، وقد أبدى الشيخ عبد الله أثناء هذه المفاوضات ثلاث ملاحظات رغب في الحصول على إيضاحات لها:

1 — عند بدء أعمال الشركة ستحتاج إلى حماية وإلى سلاح فهل ستؤمن الشركة السلاح للشيخ؟

2 — طلب الشيخ عبد الله أن تكون الاتفاقية الأصلية باللغة العربية؛ لأن جميع الاتفاقيات هي بهذه اللغة الرسمية والمعترف بها.

3 — طلب الشيخ عبد الله أن تخضع الشركة لرغبته عندما يرى الاستغناء عن أي موظف يعمل بالشركة ولا يرغب في وجوده، كما طلب أن يكون النظر من قِبله هو في جميع الخلافات التي تنشب بين العاملين في الشركة ورعاياه.

بعث المستر تشيشولم بهذه الملاحظات إلى المقيم السياسي في أبو شهر وطلب الرد عليها مبينًا أن الشركة ترغب في الاستجابة لهذه الطلبات إذا كانت لا تتنافى مع روح الاتفاقيات بين الحكومة البريطانية وشيخ قطر.

وجاء الرد من المقيم عن طريق المدير العام للشركة الإنجليزية الفارسية في عبدان المستر الكنجتون.

1 — بموجب المادة الحادية عشرة من مسودة الامتياز، فإن مسؤولية حماية الشركة تقع على عاتق الشيخ، وأنه من غير المرغوب فيه تزويد الشيخ بالسلاح والذخيرة لأن الشيخ يستطيع في أي وقت أن يشتري السلاح من الهند أو من أي مكان آخر بموجب كتاب عدم اعتراض يصدر من المقيم.

2 — حسب معرفة المقيم فالمعاهدات مع شيخ قطر وشيوخ الخليج لم تحرر إلا باللغة العربية وطالما أنه من الممكن تحرير نص دقيق وحذر للغاية باللغة العربية فليس هنا أي مجال لقيام مشكلات أو صعاب في هذا الخصوص.

3 — أما فيما يتعلق بشؤون القضاء بين الرعايا المحليين والأجانب فسوف يرفع الأمر إلى الحكومة البريطانية لأخذ الرأي ثم يخبر الشركة بالرد.

وقد سمى الكولونيل فاول ملاحظات الشيخ عبد الله باسم: النقاط الغريبة، عندما رفعها إلى حكومته للاستفسار في شهر شعبان 1352هـ يوافقه 4 ديسمبر 1933م.

وذكر في مذكرته أن رغبة الشيخ في أن يكون له حق الاستغناء عن أي موظف لا يرغب بوجوده في الشركة هي أمر يسير، فإن كان هذا الشخص مواطنًا فأمره راجع للشيخ، وإذا كان أجنبيًا فيمكن نقله إلى أي موقع تعمل فيه الشركة أو الاستغناء عن خدماته.

واقترح بالنسبة للنقطة الثالثة أن يكون رد الحكومة البريطانية مرتكزًا على أن النزاع الذي ينشب، ومن النوع الذي يفكر فيه الشيخ، فإنه يُحال إليه ويُتشاور في أمر حَلِّه مع ممثل الشركة المحلي، وأن يتم ذلك بطريقة غير رسمية، وفي حالة فشل هذا الإجراء إذا ما كان النزاع خطيرًا فإنه يُحال إلى محكمة مشتركة تتكون من الشيخ والمعتمد البريطاني في البحرين.

ونكمل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى مباحثات الشيخ عبد الله مع البريطانيين حول نفط قطر.

مساحة إعلانية