تمكنت الجهات المختصة بوزارة الداخلية من إلقاء القبض على متهم مطلوب للسلطات الكندية بموجب نشرة حمراء صادرة عن الإنتربول، وذلك بعد أن كشفت...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي
الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة
الحلقة الخامسة عشر
أدب الرسل مع الله:
يقول الإمام ابن القيم في تفسير الآيات الثلاث من أواخر المائدة من الكلام بين الله وعيسى يوم القيامة {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 116-118] وتأمل أحوالَ الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم- مع الله وخطابَهم وسؤالَهم، كيف تجدها كلَّها مشحونة بالأدب، قائمة به.
قال المسيح -عليه السلام-: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة:116]. ولم يقل: (لم أقله)، وفرق بين الجوابين في حقيقة الأدب، ثم أحال الأمر على علمه سبحانه بالحال وسِرِّه، فقال: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [المائدة:116]. ثم برَّأ نفسَه من علمه بغيب ربه وما يختص به سبحانه، فقال: {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116]. ثم أثنى على ربه، ووصفه بتفرده بعلم الغيوب كلها، فقال: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:116]. ثم نفى أن يكون قال لهم غير ما أمره ربه به- وهو محض التوحيد– فقال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}. ثم أخبر عن شهادته عليهم مدة مقامه فيهم، وأنه بعد وفاته لا اطلاع له عليهم، وأن الله عز وجل وحده هو المنفرد بعد الوفاة بالاطلاع عليهم، فقال: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ}، ثم وصفه بأن شهادته سبحانه فوق كل شهادة وأعم، فقال: {وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}. ثم قال: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة:117]، وهذا من أبلغ الأدب مع الله في مثل هذا المقام، أي: شأن السيد رحمةُ عبيده، والإحسان إليهم، وهؤلاء عبيدك ليسوا عبيدًا لغيرك؛ فإذا عذَّبْتهم- مع كونهم عبيدك- فلولا أنهم عبيد سوء من أبخس العبيد، وأعتاهم على سيدهم، وأعصاهم له؛ لم تعذبهم؛ لأن قُربة العبودية تستدعي إحسان السيد إلى عبده ورحمته، فلماذا يعذِّب أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، وأعظم المحسنين إحسانًا عبيدَه؟ لولا فرط عتوهم، وإباؤهم عن طاعته، وكمال استحقاقهم للعذاب.
وقد تقدم قوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:16]. أي هم عبادك، وأنت أعلم بسرهم وعلانيتهم، فإذا عذَّبتهم: عذَّبتهم على علم منك بما تعذبهم عليه، فهم عبادك، وأنت أعلم بما جنَوْه واكتسبوه. فليس في هذا استعطاف لهم، كما يظنه الجُهَّال، ولا تفويض إلى محض المشيئة، والمُلك المجرد عن الحكمة، كما تظنه القدرية، وإنما هو إقرار واعتراف وثناء عليه -سبحانه- بحكمته وعدله، وكمال علمه بحالهم، واستحقاقهم للعذاب.
ثم قال: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:118]. ولم يقل: الغفور الرحيم، وهذا من أبلغ الأدب مع الله تعالى، فإنه قاله في وقت غضب الرب عليهم، والأمر بهم إلى النار، فليس هو مقام استعطاف ولا شفاعة، بل مقام براءة منهم. فلو قال: (فإنك أنت الغفور الرحيم)؛ لأشعر باستعطافه ربَّه على أعدائه الذين قد اشتد غضبه عليهم، فالمقام مقام موافقة للرب في غضبه على من غضب الرب عليهم؛ فعدل عن ذكر الصفتين اللتين يسأل بهما عطفه ورحمته ومغفرته إلى ذكر العزة والحكمة، المتضمنتَيْن لكمال القدرة وكمال العلم.
والمعنى: إن غفرت لهم فمغفرتك تكون عن كمال القدرة والعلم، ليست عن عجز عن الانتقام منهم، ولا عن خفاء عليك بمقدار جرائمهم؛ وهذا لأن العبد قد يغفر لغيره لعجزه عن الانتقام منه، ولجهله بمقدار إساءته إليه، والكمال: هو مغفرة القادر العالم، وهو العزيز الحكيم، وكان ذكر هاتين الصفتين في هذا المقام عين الأدب في الخطاب.
وفي بعض الآثار: حَمَلة العرش أربعة: اثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لك الحمد على حِلمك بعد علمك. واثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، لك الحمد على عفوك بعد قدرتك، ولهذا يقترن كل من هاتين الصفتين بالأخرى، كقوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ} [النساء:12] وقوله: {فَكَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا} [النساء:149]. وكذلك قول إبراهيم الخليل- صلى الله عليه وسلم-: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:78-80] ولم يقل: (وإذا أمرضني)؛ حفظًا للأدب مع الله.
وكذلك قول الخضر -عليه السلام- في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:79] ولم يقل: (فأراد ربك أن أعيبها)، وقال في الغلامين: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف:82].
وكذلك قول مؤمني الجن: {وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الجن:10]، ولم يقولوا: (أراده بهم ربُّهم) ثم قالوا: {أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10].
وألطف من هذا قول موسى -عليه السلام-: {رَبّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]. ولم يقل: أطعمني.
وقول آدم -عليه السلام-: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23]، ولم يقل: رب قدَّرت عليَّ، وقضيت عليَّ.
وقول أيوب -عليه السلام-: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] ولم يقل: فعافني واشفني.
وقول يوسف لأبيه وإخوته: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ} [يوسف:100]. ولم يقل: أخرجني من الجُبِّ؛ حفظًا للأدب مع إخوته، وتَفَتِّيًا عليهم؛ ألا يُخجلهم بما جرى في الجُبِّ، وقال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} [يوسف:100]. ولم يقل: رفع عنكم جَهد الجوع والحاجة. أدبًا معهم، وأضاف ما جرى إلى السبب، ولم يُضفه إلى المباشر الذي هو أقرب إليه منه، فقال: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100]. فأعطى الفُتُوَّة والكرمَ والأدب حقَّه، ولهذا لم يكن كمال هذا الخُلق إلا للرسل والأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-، ومن هذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الرجلَ: أن يستر عورته، وإن كان خاليًا لا يراه أحد، أدبًا مع الله، على حَسب القُرب منه، وتعظيمه وإجلاله، وشدة الحياء منه، ومعرفة وقاره.
وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرًا وباطنًا، فما أساء أحدٌ الأدبَ في الظاهر إلا عوقب ظاهرًا، وما أساء أحد الأدب باطنًا إلا عوقب باطنًا.
وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: من تهاون بالأدب، عُوْقِب بحرمان السُّنَن، ومن تهاون بالسُّنَن، عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض، عوقب بحرمان المعرفة. (المعرفة هنا: معرفة الله. ومعنى هذا: أنه خَدْشٌ في عقيدته).
وقيل: الأدب في العمل علامة قبول العمل،وحقيقة (الأدب) استعمال الخُلُق الجميل، ولهذا كان الأدب: استخراج ما في الطبيعة من الكمال من القوة إلى الفعل.
فإن الله -سبحانه- هيَّأ الإنسان لقبول الكمال بما أعطاه من الأهلية والاستعداد، التي جعلها فيه كامنة كالنار في الزِّناد. فألهمه، ومكَّنه، وعرَّفه وأرشده، وأرسل إليه رسله، وأنزل إليه كتبه؛ لاستخراج تلك القوة التي أهَّله بها لكماله إلى الفعل، قال الله تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7-10]. فعبَّر عن خلق النفس بالتسوية للدلالة على الاعتدال والتمام، ثم أخبر عن قبولها للفجور والتقوى، وأن ذلك نالها منه امتحانًا واختبارًا، ثم خص بالفلاح: من زكَّاها، فنمَّاها، وعلَّاها، ورفعها بآدابه التي أدَّب بها رسله وأنبياءه وأولياءه، وهي التقوى، ثم حكم بالشقاء على من دسَّاها، فأخفاها، وحقَّرها، وصغَّرها، وقمعها بالفجور. والله سبحانه وتعالى أعلم.
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى}:
وجرت عادة القوم: أن يذكروا في هذا المقام قوله- تعالى-عن نبيه صلى الله عليه وسلم، حين أراه ما أراه: {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17]. وأبو القاسم القُشَيْري صدَّر (باب الأدب) بهذه الآية، وكذلك غيره، وكأنهم نظروا إلى قول من قال من أهل التفسير: إن هذا وصف لأدبه -صلى الله عليه وسلم- في ذلك المقام؛ إذ لم يلتفت جانبًا، ولا تجاوز ما رآه، وهذا كمال الأدب. والإخلال به: أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله، أو يتطلَّع أمام المنظور. فالالتفات: زيغ، والتطلع إلى ما أمام المنظور: طغيان ومجاوزة، فكمال إقبال الناظر على المنظور: ألَّا يصرف بصره عنه يَمنة ولا يَسرة، ولا يتجاوزه. هذا معنى ما حصَّلْتُه عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه.
وفي هذه الآية أسرار عجيبة، وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر -صلى الله عليه وسلم-: تواطأ هناك بصره وبصيرته، وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره، فالبصيرة مواطِئة له، وما شاهدَتْه بصيرتُه فهو أيضًا حقٌّ مشهود بالبصر؛ فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة.
ولهذا قال سبحانه وتعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم:11-12]. أي: ما كَذَب الفؤادُ ما رآه ببصره.
ولهذا قرأها أبو جعفر: {مَا كَذَّبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى}- بتشديد الذال- أي لم يُكَذِّب الفؤاد البصر، بل صدقه وواطأه، لصحة الفؤاد والبصر، أو استقامة البصيرة والبصر، وكونِ المرئي المشاهد بالبصر والبصيرة حقًّا. وقرأ الجمهور: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ} أي: بالتخفيف. وهو متعدٍّ، و(ما) {مَا رَأَى} مفعولُه: أي ما كذَّب قلبه ما رأته عيناه، بل واطأه ووافقه؛ فلِمُواطأة قلبه لقالَبه، وظاهرِه لباطنه، وبصرِه لبصيرته: لم يكذب الفؤادُ البصرَ، ولم يتجاوز البصر حدَّه فيطغى؛ ولم يمِلْ عن المرئي فيزيغ؛ بل اعتدل البصر نحو المرئي، ما جاوزه، ولا مال عنه، كما اعتدل القلب في الإقبال على الله، والإعراض عما سواه، فإنه أقبل على الله بكُلِّيته. وللقلب: زيغ وطغيان، وكلاهما منتفٍ عن قلبه وبصره، فلم يزِغ قلبه التفاتًا عن الله إلى غيره، ولم يطغ بمجاوزته مقامه الذي أقيم فيه.
وهذا غاية الكمال والأدب مع الله، الذي لا يلحقه فيه سواه، فإن عادة النفوس، إذا أقيمت في مقام عال رفيع: أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه. ألا ترى أن موسى -عليه السلام - لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة: طلبت نفسُه الرؤية؟ ونبينا -صلى الله عليه وسلم- لما أقيم في ذلك المقام، وفَّاه حقه: فلم يلتفت بصرُه ولا قلبُه إلى غير ما أقيم فيه البتة، ولأجل هذا ما عاقه عائق، ولا وقف به مراد، حتى جاوز السماوات السبع، حتى عاتبَ موسى ربَّه فيه، وقال: "يقول بنو إسرائيل: إني كريم الخلق على الله. وهذا قد جاوزني وخلَّفني علوًّا، فلو أنه وحده، ولكن معه كل أمته". وفي رواية للبخاري: "فلما جاوزته بكى، قيل: ما يبكيك؟ قال: أبكي أن غلامًا بُعِث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي". ثم جاوزه علوًّا فلم تُعِقْه إرادة، ولم تقف به دون كمال العبودية هِمَّة. ولهذا كان مركوبه في مسراه يسبق خطوُه الطرفَ، فيضع قدمه عند منتهى طرفه، مشاكلًا لحال راكبه، وبُعْد شأوه، الذي سبق العالم أجمع في سيره، فكان قَدَمُ البُراق لا يختلف عن موضع نظره، كما كان قدمه صلى الله عليه وسلم لا يتأخر عن محل مَعْرِفَته (أي معرفة البُراق).
فلم يزل صلى الله عليه وسلم في خِفارة كمال أدبه مع الله سبحانه، وتكميل مراتب عبوديته له، حتى خرق حجب السماوات، وجاوز السبع الطباق، وجاوز سدرة المنتهى، ووصل إلى مَحَل من القرب سبق به الأولين والآخرين. فانصبَّت إليه هناك أقسام القُرب انصبابًا، وانقشعت عنه سحائب الحُجُب ظاهرًا وباطنًا حجابًا حجابًا، وأقيم مقامًا غَبَطه به الأنبياء والمرسلون، فإذا كان في المعاد أقيم مقامًا من القرب ثانيًا، يغبطه به الأولون والآخرون، واستقام هناك على صراط مستقيم، من كمال أدبه مع الله، (ما زاغ البصر عنه وما طغى). فأقامه في هذا العالم على أقوم صراط من الحق والهدى، وأقسم بكلامه على ذلك في الذكر الحكيم، فقال تعالى: {يس *وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ* إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس:1- 4]. فإذا كان يوم المعاد أقامه على الصراط، يسأله السلامة لأتباعه وأهل سُنَّته، حتى يَجُوزُوه إلى جنات النعيم، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]).
ابن القيم يقول: الأدب هو الدين كله، ومما ينبغي أن ننوِّه به في هذا المقام ما ذكره الإمام ابن القيم في (المدارج) من كلام له أهمية بالغة، فقد قال في بيان منازل السائرين عن شرح (الأدب): (الأدب هو الدين كله. فإن ستر العورة من الأدب، والوضوء وغسل الجنابة من الأدب، والتطهر من الخبث من الأدب، حتى يقف بين يدي الله طاهرًا. ولهذا كانوا يستحبون أن يتجمل الرجل في صلاته، للوقوف بين يدي ربه.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- يقول: أمر الله بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة: وهو أخذ الزينة، فقال تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]. فعلَّق الأمر بأخذ الزينة، لا بستر العورة، إيذانًا بأن العبد ينبغي له: أن يلبس أزين ثيابه، وأجملها في الصلاة.
وكان لبعض السلف حُلَّة بمبلغ عظيم من المال، وكان يلبسها وقت الصلاة، ويقول: ربي أحقُّ من تجمَّلتُ له في صلاتي.
ومعلوم: أن الله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لا سيما إذا وقف بين يديه، فأحسن ما وقف بين يديه: بملابسه ونعمته التي ألبسه إياها ظاهرًا وباطنًا.
ومن الأدب: نهيُ النبي -صلى الله عليه وسلم- المصلي: أن يرفع بصره إلى السماء.
فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا من كمال أدب الصلاة: أن يقف العبد بين يدي ربه مُطرقًا، خافضًا طَرْفَه إلى الأرض، ولا يرفع بصره إلى فوق.
قال: والجهمية- لما لم يفقهوا هذا الأدب، ولا عرفوه- ظنوا أن هذا دليل أن الله ليس فوق سماواته على عرشه، كما أخبر به عن نفسه، واتفقت عليه رسله وجميع أهل السُّنَّة.
قال: وهذا من جلهلهم، بل هذا دليل لمن عقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم على نقيض قولهم، إذ من الأدب مع الملوك: أن الواقف بين أيديهم يطرق إلى الأرض، ولا يرفع بصره إليهم، فما الظن بملك الملوك سبحانه؟ وسمعته يقول في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن قراءة القرآن في الركوع والسجود: إن القرآن هو أشرف الكلام، وهو كلام الله، وحالتا الركوع والسجود حالتا ذلٍّ وانخفاض من العبد؛ فمن الأدب مع كلام الله: ألَّا يقرأ في هاتين الحالتين، ويكون حالُ القيام والانتصاب أولى به، ألَّا يستقبل بيت الله ولا يستدبره عند قضاء الحاجة، ومن الأدب مع الله: ألا يستقبل بيتَه ولا يستدبره عند قضاء الحاجة، كما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة، وغيرهم- رضي الله عنهم-، والصحيح: أن هذا الأدب يعُمُّ الفضاء والبنيان. كما ذكرنا في غير هذا الموضع.
وضعُ اليُمنى على اليسرى عند القراءة:
ومن الأدب مع الله، في الوقوف بين يديه في الصلاة: وضع اليمنى على اليسرى، حال قيام القراءة، ففي الموطأ لمالك، عن سهل بن سعد: أنه من السنة، وكان الناس يُؤمرون به ، ولا ريب أنه من أدب الوقوف بين يدي الملوك والعظماء، فعظيم العظماء أحق به.
عدم الالتفات في الصلاة:
ومنها: السكون في الصلاة. وهو الدوام الذي قال الله -تعالى- فيه: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23]. قال عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة: حدثني يزيد بن أبي حبيب: أن أبا الخير أخبره، قال: سألنا عقبة بن عامر عن قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} أهم الذين يصلون دائمًا؟ قال: لا، ولكنه إذا صلى لم يلتفت عن يمينه، ولا عن شماله ولا خلفه.
قلتُ: هما أمران: الدوامُ عليها، والمداومة عليها فهذا الدوام، والمداومة في قوله -تعالى-: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9]. وفُسِّر الدوام بسكون الأطراف والطمأنينة.وأدبه في استماع القراءة: أن يُلقِي السمعَ وهو شهيد.
أدب المصلي في ركوعه:
وأدبه في الركوع: أن يستوي، ويعظم الله -تعالى-، حتى لا يكون في قلبه شيء أعظم منه، ويتضاءل ويتصاغر في نفسه، حتى يكون أقل من الهَباء، والمقصود: أن الأدب مع الله تبارك وتعالى: هو القيام بدينه، والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا.
ولا يستقيم لأحد قط الأدبُ مع الله إلا بثلاثة أشياء: معرفته بأسمائه وصفاته، ومعرفته بدينه وشرعه، وما يحب وما يكره، ونفس مستعدة قابلة ليِّنة متهيِّئة لقبول الحق علمًا وعملًا وحالًا. والله المستعان.
يحل عيد الفطر هذا العام بلا اي مظاهر استعداد للاحتفال بقدومه ولسان الحال يقول " عيد بأي حال... اقرأ المزيد
868
| 27 يوليو 2014
ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي من الفيسبوك والأنستجرام والواتساب والرسائل النصية والبلاك بيري في تسويق إنتاج قطريات احترفنّ الأشغال... اقرأ المزيد
2826
| 27 يوليو 2014
يلتزم الصائمون خلال ايام شهر رمضان بنظام غذائي يختلف في التوقيت والنوعية عنه في الايام الاخرى. وقد يؤدي... اقرأ المزيد
4568
| 27 يوليو 2014
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
تمكنت الجهات المختصة بوزارة الداخلية من إلقاء القبض على متهم مطلوب للسلطات الكندية بموجب نشرة حمراء صادرة عن الإنتربول، وذلك بعد أن كشفت...
16612
| 26 سبتمبر 2025
تقدم الخطوط الجوية القطرية عروضها على تذاكر رحلات الطيران للدرجة السياحية ودرجات رجال الأعمال من الدوحة، إلى وجهات عربية وأجنبية مختارة. وأظهرت أحدث...
6162
| 28 سبتمبر 2025
نفى مصدر مسئول بقطاع الاتصالات المصرية، الإعفاء الجمركي على الهواتف المحمولة المستوردة من الخارج لحاملي جوازات السفر المصرية، وذلك بدءًا من اليوم الجمعة....
3268
| 26 سبتمبر 2025
نفى مكتب الإعلام الدولي، الادعاءات التي تزعم أن دولة قطر سعت إلى بناء علاقة مع مبعوث الرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف،...
2746
| 27 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعلنت وزارة التجارة والصناعة عن فتح خدمة استخراج ترخيص تجاري مؤقت لمزودي الخدمات في منطقة سيلين. وأضافت الوزارة في منشور عبر حسابها بمنصة...
122
| 28 سبتمبر 2025
أغلق مؤشر بورصة قطر تداولاته، اليوم، مرتفعا بواقع 19.11 نقطة، أي ما يعادل 0.17 في المئة، ليصل إلى مستوى 10977.66 نقطة. وتم خلال...
40
| 28 سبتمبر 2025
بحثت غرفة قطر مع الهيئة الوطنية النمساوية للسياحة فرص تعزيز التعاون الاستثماري في قطاع السياحة والضيافة، وأهم الحوافز والتسهيلات التي يوفرها الجانبان لتحفيز...
130
| 28 سبتمبر 2025
أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن فوزها بجائزة جمعية أمناء خزائن الشركات في الشرق الأوسط (ACT) عن صفقة تمويل تاريخية بقيمة 4.5 مليار ريال...
130
| 28 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
اعتمدت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، في قائمتها المحدثة للابتعاث والدراسة على النفقة الخاصة للعام الأكاديمي 2025-2026، أكثر من 750 جامعة بينها 16...
1802
| 26 سبتمبر 2025
أعلنت الخطوط الجوية القطرية عن عرض جديد للمسافرين إلى عدد كبير من الوجهات العربية والأجنبية، يشمل توفير حتى 40% على الدرجة الأولى ودرجة...
1662
| 28 سبتمبر 2025
أعلنت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، عن افتتاح تسعة مراكز مسائية جديدة مخصصة لتعليم الكبار، اعتبارا من العام الدراسي 2025/ 2026، في إطار...
1568
| 27 سبتمبر 2025