محليات

9015

الباحث القطري عبدالله لحدان المهندي: الذخيرة مدينة الشعراء والأدباء والسردال والنواخذة (2-2)

نتحدث في الجزء الثاني من حوار الباحث القطري عبدالله بن لحدان المهندي أحد عشاق التراث القطري، حيث سخر نفسه لجمع قطع التراث من كل مكان، خاصة من مدينة الخور القديمة قبل فترة هدمها، أحب هواية جمع القطع القديمة والثمينة، فذهب إلى مدن وصحاري وبراري وقرى قطر من أجل تحقيق رغبته واكتشاف القطع والمقتنيات التراثية، وعندما كثرت عنده القطع، قرر وبكل جرأة بناء بيت أثري قطري واشترى قطعة أرض على حسابه الشخصي، كما يتحدث عن شخصيات من شعراء وأدباء وأقدم مقاول بناء في الذخيرة، وتطرقنا إلى اكتشاف كنز الغشالي الذي اكتشفه سالم النوبي، وأهمية الذخيرة والمناطق السياحية وأقدم مسجد بالذخيرة الذي يعتبر أحد معالم مدينة الذخيرة، زرناه في الذخيرة وفتح قلبه لنا لكي يتحدث لمجلس الشرق عن محارة الذخيرة قديماً وكان هذا اللقاء.

◄الخور وجهتي الثانية في التعليم

بعد الصف الرابع الابتدائي توجهت لمدينة الخور لتكملة المرحلة الابتدائية، ثم واصلت دراسة المرحلة الإعدادية وأكملت المرحلة الثانوية في مدرسة الخور الثانوية، ثم درست دبلوم مساحة في المعهد التكنولوجي العالي واشتغلت في قسم المساحة.

◄خور الذخيرة يتميز بمنظر آخاذ

الذخيرة مدينة جميلة تقع على الساحل الشرقي لشبه جزيرة قطر، وهي عبارة عن خور، لسان داخل البحر ويحدها من الشمال رأس أم صاع، الذي أصبح معلما سياحيا بسبب وجود شجر القرم، وأصبحت محمية تستقطب الطيور وهي مراع للسمك والطيور وكانت قديماً بندراً للسفن، وتستطيع أن تذهب لها بالقارب أو الكاياك عن طريق ميناء الذخيرة الصغير، وهناك شاطئ مريّح الرملي الجميل وفيها مساكر، ويجلب الرمل من عريدة، ومنطقة سحر الليل في واجهة الذخيرة التي تتميّز بوجود أسماك عديدة وبخاصة سمك الصافي، وكذلك أم الخرانج (وياماز) مشهورة بالحويت، وهناك جزيرة أم الفأر التي تقع قبالة خور الذخيرة وتتميز بكثرة الطيور المهاجرة.

◄لقب ذخيرة أطلقه أحد قادة السفن السفارة

وحسب أغلب الروايات المتواترة من كبار السن أن الذي أطلق عليها اسم (ذخيرة) أحد قادة السفن السفارة، الذي كان يبحر بسفينته في المياه القطرية فأجبرته الرياح القوية والعواصف على الدخول في بندر الذخير،ة فوجد فيها سكون وهدوء الرياح ومياها ضحلة، وطلب من أهالي المنطقة إصلاح سفينته ثم قدموا له ما يحتاج من عون، وقد تم دفعها إلى المياه العميقة، وقال كلمته (ذخيرة) أي ذخيرة لكل محتاج وثبت الاسم عليها منذ تلك الفترة.

ويقطن الذخيرة منذ عام 1910 قبيلة الحسن المهاندة التي جاءت من الخور، بالإضافة لبعض العوائل القطرية الكريمة.

◄محمية نبات القرم (المانقروف)

محمية نبات القرم (المانقروف) المحيطة بمدينة الذخيرة، والتي تحتوي على أغلب أنواع الطيور، التي تعيش في قطر، ومن أشهرها طائر الفنتير (الفلامنغو) وأبا الخصيف (مالك الحزين)، وغيرها من الطيور المهاجرة، كما أنها مركز لجذب السياحة واستخدام القوارب والكايك من ميناء الذخيرة للوصول إليها.

◄ بلوط الذخيرة

كان ساحل الذخيرة يشتهر بكثرة البلوط، وهي عبارة عن ردم المنطقة بالحجر وتمثل (كاسرا لأمواج) البحر، فأذكر بلط سلمان بن حمد المهندي وكان هناك بلط للسيدين إبراهيم وصقر بن أحمد الحسن المهندي الملقب (بالخوري) وبلط خميس بن سعد الحسن، وبلط أحمد بن سلمان الحسن المهندي، كان أهل الذخيرة قلوبهم على بعض متكاتفين ومتعاونين.

◄ السردال سلمان بن حمد الحسن المهندي

يعتبر السردال سلمان بن حمد الحسن المهندي من أشهر الشخصيات في مدينة الذخيرة ولد في مدينة الخور حوالي عام 1900، وتعلم القراءة والكتابة منذ صغره، كان مولعاً بالشعر منذ الصغر، فهو سردال ويملك عددا من السفن وشاعر مشهور وله قصائد مميّزة، واشتهر بالشعر الحماسي وبخاصة الشيلات في العرضة، وراوٍ وله مكانة كبيرة في الذخيرة، ويعتبر من علية القوم وهو من الرجال الميسورين، واشتهر بكرمه والغيرة على وطنه ويقوم بمساعدة الفقراء، وكان له مجلس كبير يستقبل فيها ضيوفه من أهل المنطقة وأصحاب الحاجات، وكان يزوره كثير من وجهاء قطر من الشيوخ والأعيان الذين تربطه بهم علاقات وثيقة، وله معرفة مع وجهاء الخليج والجزيرة العربية وشعرائها، وله مواقف وطنية مشرّفة.

◄الذخيرة كانت أيام الغوص من أهم البنادر

كانت مدينة الذخيرة في السابق أيام الغوص من أهم البنادر، كما أن بها حركة تجارية خرجت منها السفن إلى موانئ الخليج وساحل فارس والبصرة والقطيف لجلب التمور والمواد التموينية والأخشاب وغيرها، ومن أشهر تجارها النوخذة والطواش أحمد بن سلمان الحسن المهندي.

◄ رواة وشعراء ونهامون من الذخيرة

تتميّز الذخيرة بوجود عدد من الشعراء والرواة، أذكر منهم الشاعر إبراهيم بن محمد الحسن المهندي (بوجاسم) سلمان بن حمد الحسن المهندي والشاعر والراوي حسن بن لحدان المهندي الملقب (بوجنعة)، والذي تربطه علاقة مصاهرة مع شاعر الخور ناصر بن نصف المهندي وأحمد بن حسن المهندي وعلي بن خميس المهندي والشاعر سالم بن مبارك المطوع المهندي، كما أن أشهر النهامين في الذخيرة بياد مجلي صوته جميل وسافر للكويت في الستينيات واستقر هناك، واشتهر بالغناء وكان يجيد ضرب الطبل في العرضة، كما أن هناك النهام سالم والنهام سرور وكلهم يسكنون في الذخيرة.

◄أبو جمهور أسس أقدم شركة مقاولات بالذخيرة

لقد روي لي أن النوخذة والتاجر عيسى بن علي أبوجمهور المهندي هو من أسس أقدم شركة مقاولات في الذخيرة، وذلك في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي، وقام ببناء المساكن وحفر الآبار وبناء المساجد والبعض منها ما زال قائما حتى يومنا هذا منها آبار في منطقة (أم قين) وأم القهاب ومسجد منطقة لخريس، وبيوت لخريس القديمة.

◄المرزوقي أقدم إمام مسجد ومدرس في الذخيرة وله بصمات

قضى الشيخ محمد بن عبدالله المرزوقي أكثر من أربعين عاماً إماماً وخطيباً لمسجد الذخيرة القديم منذ تعيينه بتاريخ 1/11/ 1374 هجرية، وباشر الخطابة تحت إشراف الشيخ إبراهيم الأنصاري، وكان يدرس الشباب القرآن الكريم، وكانت زوجته تدرّس البنات كذلك، وكانت لهما بصمات على أبناء وأهل الذخيرة في النهضة التعليمية والدينية، وكان هو المأذون الشرعي لمدينة الذخيرة، وقد درّس في مدرسة الذخيرة النظامية في 1955، ويعتبر المرزوقي مع الأستاذ محمد الخضري من لبنان أول المدرسين في الذخيرة، حيث تم تعيينه في افتتاح مدرسة الذخيرة في شهر ديسمبر من عام 1955 واستمر في مهنة التدريس حتى أحيل للتقاعد عام 1996 م، وانتقل إلى رحمة الله بتاريخ 2/6/2011.

◄مسجد الذخيرة القديم ما زال يشهد على الماضي

يعتبر مسجد الذخيرة القديم من أقدم مساجد قطر، ومن أهم المعالم بالذخيرة، وقد تم بناؤه عام 1374 هجرية، وبه جليب ومحراب مكتوب فيه (من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة – سنة 1374 هجرية) وكان يصلي فيه الشيخ إبراهيم الأنصاري، ثم بعد رحيله للخور عين الشيخ ملا حسن الأنصاري إماما وخطيبا للمسجد وعاش في الذخيرة حتى وفاته ودفن فيها.

وما زال بناء المسجد قائما بعد أن تم ترميمه من قبل المكتب الهندسي بالديوان الخاص، ويقال إن الذي قام ببنائه هو الشيخ إبراهيم الأنصاري قاضي الخور سابقاً، وعندما تهدم المسجد تم بناء ملحق للصلاة وما زال موجوداً.

◄ نادي الأسود بالذخيرة

أسس شباب الذخيرة في بداية الستينيات ناديا رياضيا وثقافيا واجتماعيا لهم ليشغل وقت فراغ الشباب فيما يعود عليهم بالنفع، وترأس النادي صقر بن لحدان، وكان يضم خيرة شباب الذخيرة في تلك الفترة، وتم بناء مقر لهم في مكان مرتفع عند مدخل الذخيرة القديم، وكان النادي شعلة نشاط للشباب يشغلون وقت فراغهم بما يعود عليهم بالنفع والفائدة، ولديهم ملعب كرة بجانب النادي يمارسون فيه التدريبات ولعب المباريات الودية، وقد برز منهم نجوم، أذكر منهم علي سلمان الحسن الذي لعب لنادي الجيل والتعاون بالخور ونادي قطر وصالح بن علي الحسن المهندي وكان يلعب مع نادي اتحاد العرب بدخان، وخميس بن علي الحسن وسلمان بن علي الحسن وصالح سالم المهندي وزايد جوهر المهندي ومحمد سعيد وعبدالله سعيد وغيرهم، وفي تاريخ 5 /4/1962 اندمج النادي مع نادي التعاون بالخور.

◄طقوس رمضانية في الذخيرة

أهل الذخيرة كانوا شغوفين باستقبال شهر رمضان المبارك شهر الخير والإحسان والغفران، فكانت الطقوس تبدأ قديما بدق الحب في المناحيز قبل بداية شهر رمضان فيتجمع النسوة في أحد البيوت الكبيرة ويقسمن العمل بينهن ويدققن الحب داخل المناحيز وهن يرددن الغناء الشعبي، وكان بعض النسوة يطحن حب القمح على (الرحا) القديمة ثم يقمن بعمل خبز الرقاق في رمضان، وعند دخول شهر رمضان المبارك يبدأ الناس بقراءة القرآن الكريم داخل البيوت وفي المجالس والمساجد وعندنا في الذخيرة نجتمع في أحد المجالس وتتم قراءة القرآن ويتم توزيع السور بين الحضور ويتم عمل ختمة من بعد صلاة العصر وحتى المغرب وكانوا يفطرون عند صاحب المجلس، ولكن هذه العادة اندثرت، وفي ليلة 27 يتم تثويب الختمات إلى المتوفين من أهاليهم والمسلمين والمسلمات، حيث يتجمع في أحد المجالس ويتم قراءة ختم القرآن ويتم نبل الختمات للمتوفين، بعدها يوضع أكل الخفيف للحاضرين وبعده يتبخر الجميع بالعود ذي الراحة الزكية.

◄المسحر كان يوقظنا للسحور في رمضان

كان في القديم يتواجد في كل مدينة المسحر وبخاصة في شهر رمضان، حيث يقوم قبل صلاة الفجر بإيقاظ الناس للسحور ويدور على فرجان الذخيرة وهو يقرع طبله مردداً أناشيد دينية، يقوم على أثرها النائمون استعدادا لتناول السحور، وأذكر في الستينيات وقبل انقراض مهنة المسحر كان عندنا المسحر سالم بن عوض الخليفي وسند بن ربيعة، وكنا نحن صغارا نتابعهم ونمشى خلفهم ونحن مستأنسون ونردد معهم الأناشيد الدينية، وكان المسحر في منتصف رمضان أثناء القرنقعوه يمر على البيوت ويعطونه بعض المواد التموينية كالأرز والتمر والحب، والبعض يعطيه فلوساً، كما يعطى عيدية مجزية في العيد تقديرا لعمله الدؤوب طوال شهر رمضان، رغم أنه يؤدي عمله متطوعاً بدون أجر من أجل عمل الخير.

◄ريوق عند عودة الحجاج

كان أهالي الذخيرة يتباشرون بعودة الحجاج بعد أدائهم فريضة الحج، وترفع الأعلام على البيوت احتفالا بعودة الحجاج سالمين غانمين، ويقومون في الصباح بعمل (ريوق) فطور في ظل البيوت بين السكيك أو ظل المساجد أو في أحد المجالس، وكان الناس يذهبون لبيت الحاج يهنئونه بأداء الفريضة والعودة سالماً، ويقوم الحاج بتوزيع هدايا الحج على الأطفال مثل كاميرات الحج التي فيها مناسك الحج والعمرة والصوايات والقحافي الملونة وتعطى البنت (المرية) التي عليها مجسم الكعبة (عقد زجاجي) وبعض الألعاب وكان الأطفال يفرحون ويسعدون بذلك، كما يوزع الحاج الغتر والسجادة والسواك والمسابيح وماء زمزم على الرجال.

◄الألعاب الشعبية القديمة في الذخيرة

هناك ألعاب شعبية متعددة كان أبناء الذخيرة يمارسونها قديماً وقت فراغهم مثل (الخشيشة)، والهول، وقلينة ماطوع، وعظيم سرى، وبوسبيت حي لوميت، والدحروج، ولعب التيلة، والبلبول والدوامة، وطاق طاقية، وبالنسبة للبنات لعبة القيس والملاقيف (الصبة) والمدود ونط الحبل وغيرها.

◄قصة كنز الغشالي الذي أطلقت عليه الصحافة كنز النوبي

بعد قرار هدم مدينة الذخيرة القديمة من قبل بلدية الخور والذخيرة، قامت الجرافات بهدم تلك البيوت، وأثناء عملية الهدم الذي قام بها سائق الجرافة سالم النوبي من مدينة الخور وجد "صبان" بكثرة في بيت خلف بن ماجد الغشالي وأخذ حمولة منه لاستعمالها في بيته في الخور، وأثناء لعب الأطفال في الصبان وجدوا قطعا معنية من الفضة وأخبروا والدهم بهذه النقود التي قام بالبحث عنها وجمعها وقام بتسليمها للمسؤولين ببلدية الخور والذخيرة، وفي اليوم الثاني وأثناء البحث عن الكنز وجدوا جرتين من الفخار مدفونتين تحت البيت وبهما نقود معدنية من الفضة، وأثناء عملية البحث انكسرت إحدى الجرات وتناثرت القطع المعدنية أما الجرة الثانية فكانت سليمة وبها النقود المعدنية، وعندما علم أهل الذخيرة بالخبر توافدوا على البيت للحصول على بعض هذه القطع، وقد جاءت زوجة المرحوم خلف بن ماجد الغشالي وهي على قيد الحياة وأثبتت الواقعة، وأنه زوجها من الميسورين في تلك الحقبة القديمة، وكان يحتفظ بالقطع المعدنية في جرات يضعها تحت البيت خوفاً من السرقة، لأنه في تلك الفترة لم تكن هناك بنوك تحتفظ بالفلوس والقطع المعدنية، ويقولون بعد الفحص على القطع المعدنية وجدوا أنها من الفضة وهي عملة كانت تستعمل في الهند وعليها صورة الملكة البريطانية فيكتوريا مؤرخة 1862 م والملك جورج السادس وترجع إلى الفترة (1855 – 1860).

وأذكر أنني وجدت مجموعة من القطع، لأنني كنت مهتما وهاويا بجمع العملات واحتفظت بـ 18 قطعة عندي، وبعت على المتحف قطعتين وتم إعطائي شيكا بمبلغ (36) ريالا.

أذكر جاءت الصحف القطرية وأجرت لقاءات مع سالم النوبي الرجل الأمين الذي سلّم النقود للجهات الرسمية ونسبوا الكنز للنوبي ولم ينسبوه للذخيرة أو صاحب الكنز خلف الغشالي.