رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

780

خلال دراسة قام بها باحثون من كلية طب وايل كورنيل

إكتشاف الجينات المسببة للأمراض الوراثية عند القطريين

07 يناير 2014 , 11:55م
alsharq

رصدت دراسة أجرتها كلية طب وايل كورنيل شملت تحليل دي إن آيه لمواطنين قطريين، تغيُّرات جينية قد تساعد الأطباء في تحديد تدابير معينة للحدّ من انتشار العديد من الأمراض الوراثية المُضنية. وحدَّد باحثون من كلية طب وايل كورنيل في قطر وكلية طب وايل كورنيل في نيويورك، بالتعاون مع باحثين آخرين من جامعة كورنيل في إيثاكا ومؤسسة حمد الطبية، 37 متفاوتة جينية في 33 جينة من المعروف أنها تتسبَّب بستة وثلاثين مرضاً مختلفاً، منها أمراض مُوهِنَة مثل التليُّف الكيسي، والأنيميا المِنْجَلِيَّة، وحَثَل العضل (أو ضمور العضلات). وتمهد الدراسة المهمة الطريق لمزيد من الفحوص الشاملة المنصبّة على عدد من الأمراض الوراثية بما قد يسهم بشكل ملموس في الحدّ من الإصابة بها.

وضَع المشروع المعنون "تَسَلْسُل إكسوم يحدد متفاوتات الاخطار المحتملة للأمراض الوراثية المِنْدَلِيَّة واسعة الانتشار في قطر"، تَسَلْسُلَ دي إن آيه لمائة من المواطنين القطريين يمثلون ثلاث مجموعات فرعية إِثنية رئيسة في قطر هي: البدو (يُرمز إليهم بالاختصار Q1 في سياق الدراسة)، ذوو الأصول الفارسية- جنوب آسيوية (يُرمز إليهم بالاختصار Q2)، وذوو الأصول الأفريقية (يُرمز إليهم بالاختصار Q3). ومن خلال تحليل إكسوم كل فرد منهم - ويُقصد بالإكسوم تلك الأقسام المهمة من الدي إن آيه المتضمِّنة للشِّفْرَة التي تُتَرْجَم إلى بروتينات - ومن ثم مقارنتها بالبيانات الجينية للمشاركين بالمشروع الجينومي الألفي العالمي (1000G)، تمكَّن الباحثون من تحديد المتفاوتات التي تتسبَّب بالأمراض الوراثية بين المواطنين القطريين.

وانصبَّ البحث على الأمراض المعروفة باسم الأمراض المِنْدَلية، نسبة إلى غريغور مندل (1822 - 1884)، العالِم الذي يُلقب بأبو علم الوراثة، ويُقصد بالأمراض المِنْدَلية تلك الأمراض الناجمة عن طفرة جينية أحادية، وهي الأمراض التي توصف أيضاً بالأمراض أحادية الجينة.

أتت الدراسة الاستقصائية التي قادَها الدكتور خالد فخرو باحث مشارك ما بعد الدكتوراه في الطب الوراثي في كلية طب وايل كورنيل في قطر والدكتور خوان رودريغيز فلوريس من كلية طب وايل كورنيل في نيويورك بمشاركة باحثين آخرين، في إطار مجموعة من المشاريع البحثية التي يقودها الدكتور رونالد كريستال رئيس قسم الطب الوراثي في كلية طب وايل كورنيل في نيويورك، عن الخريطة الجينومية للقطريين. وقُبلت الدراسة للنشر بالدورية المُحكَّمة Human Mutation، حيث ظهرت في نسختها الرقمية لشهر ديسمبر 2013 وستظهر في نسختها الورقية في يناير 2014.

زواج الاقارب

وعن أهمية الدراسة، تحدَّث الدكتور رونالد كريستال قائلاً: "يتألف الجينوم البشري من قرابة 3.2 مليار حرف من حروف شِفْرَة الحمض النووي، وتتولى نسبة تناهز 2 % منها مهمة تشفير البروتينات الفعلية وهي موجودة في الأقسام المعروفة باسم الإكسومات. والأمراض المِنْدَلية أو أحادية الجينة هي الأمراض الناجمة عن تغيُّر في حرف واحد من بين 3.2 مليار حرف. ولمثل هذه الدراسة الاستقصائية أهمية خاصة بالنسبة لبلد كدولة قطر نظراً لانتشار زواج الأقارب على نطاق واسع، الأمر الذي يتسبّب في تواتر مثل هذه الأمراض أحادية الجينة".

تمثل الفحوص الطبية للمُقبلين على الزواج إحدى الوسائل المتّبعة للحد من احتمال إصابة الأبناء بأمراض أحادية الجينة، إذ يخضع الطرفان لفحوص للكشف عن أي متفاوتة جينية، عند أحدهما أو كليهما، قد تتسبب بإصابة أبنائهما في المستقبل بأمراض وراثية معينة. وقد لا يُصاب الأبوان بتلك الأمراض، ولكن قد يقومان بنقلها إلى أبنائهما بسبب جينة مُتنحِّية.

وفي هذا السياق قال الدكتور كريستال: "تُصاب كافة شعوب العالم بالأمراض، ومنها شعب قطر، ولكن ما تختلف به قطر هو وجود تلك المتفاوتات الجينية التي تقتصر على شعبها ومدى تواترها. ومن خلال رصد تلك المتفاوتات الجينية واتخاذ التدابير الملائمة قد ننقذ القطريين من العديد من الأمراض المُضنية التي يعاني كثيرون الأمَرَّين بسببها، وأقصد بذلك أمراضاً مثل التشوهات الدماغية الخِلْقِيَّة وداء السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والعمى والصَّمم والأمراض الالتهابية وغيرها الكثير. ورغم أن العديد من تلك الأمراض ليست شائعة، غير أن هناك من يُصابون بها بالفعل، علماً بأنه لا يتوافر حتى هذا اليوم علاج ناجع لعدد منها، كما أن بعضها يتسب بمعاناة حقيقية للمريض وأسرته على السواء".

وفي الوقت الراهن تقتصر فحوص ما قبل الزواج في قطر على أربع متفاوتات جينية من أصل 37 متفاوتة جينية رصدتها الدراسة، وقد تتعزز كثيراً أهمية وفاعلية تلك الفحوص في حال إدماج بقية المتفاوتات الجينية التي أتت على ذكرها الدراسة.

وعن التطبيقات العملية المحتملة للدراسة، قال الدكتور كريستال: "الفحوص الطبية الشاملة مهمة للغاية قبل عقد القِران لأنها تجعل الطرفين على دراية بأي محاذير جينية محتملة قد تنقل أمراضاً وراثية مُضنية إلى أبنائهما. ومن البدائل أيضاً فحص البويضات المُخصَّبة لرصد أي متفاوتات جينية قبل زرعها في الرَّحم".

ولفت الدكتور كريستال إلى بُعْد مهم آخر لتلك الفحوص قائلاً: "قد يكون للفحوص المُحَسَّنة أهمية وقائية أيضاً، أي تنبيه الأشخاص بالمخاطر المنطوية في حال عدم تغيير أساليب حياتهم غير الصحية. وعلى سبيل المثال، عندما أُخبر شخصاً ما أن تحليل الدي إن آيه أظهر قابليته للإصابة بتراكم اللّيبيدات - الكوليسترول والدهون الثلاثية التي قد تتسبَّب بأمراض القلب والأوعية الدموية - عندئذ قد يلتزم بحمية غذائية صحية وتمارين بدنية منتظمة للحد من تلك المخاطر".

مختبرات عالية الجودة

استعانت الدراسة الاستقصائية موسَّعَة النطاق بأحدث جيل من التقنيات المتقدمة التي تتيح للباحثين تحليل كمية مهولة من البيانات الجينية. وتملك كلية طب وايل كورنيل في قطر مختبراً للبحوث الجينومية بمعاييرعالمية رفيعة يشرف عليه الدكتور جويل مالك، مدير مختبر الجينوميات وأستاذ الطب الوراثي المساعد بالكلية، ويستعين بالمختبر وتجهيزاته الفائقة الباحثون المهتمون بعلم الجينوم.

ويشير الدكتور كريستال إلى المختبر قائلاً: "قطر رائدة في المنطقة في دراسة علم الجينوم، ولعلّ من أبرز الأمثلة الجلية، مختبر الجينوميات في كلية طب وايل كورنيل في قطر الذي يشرف عليه الدكتور جويل مالك ويتألف من أحدث التقنيات في العالم. نحن أمام نقلة تقنية هائلة وفارقة، فبينما تقيَّدنا في السابق بدراسة الاختلال الواحد تلو الآخر، وكانت العملية تستغرق فترة ليست بالوجيزة لكل اختلال، يمكننا اليوم دراسة كافة الاختلالات في الوقت ذاته وبسرعة وفاعلية مذهلتين".

من جهته، أعرب الدكتور فخرو عن قناعته بأن البحوث قيد التنفيذ في كلية طب وايل كورنيل في قطر ستمهّد الطريق لعهد جديد من البحوث الوراثية بالمنطقة،وقال: "يمثل المشروع الجينومي الألفي العالمي أكبر مورد مفتوح المصادر من نوعه في العالم. ورغم أن المهمة المُعلنة للمشروع عند تدشينه كانت تحديد التسلسل الجينومي لألف شخص، نجح المشروع في تحديد التسلسل الجينومي لأكثر من 2500 ألف شخص حتى يومنا هذا. ورغم ضخامة وأهمية المشروع نجد أن العرب غير مُمثَّلين به فعلياً، الأمر الذي يعوق الباحثين المهتمين بدراسة علم الوراثة فيما يتصل بشعوب منطقة الخليج".

وتابع الدكتور فخرو قائلاً: "لذا نحن نعمل في كلية طب وايل كورنيل في قطر لتطوير قاعدة بيانات جينومية خاصة بنا وثيقة الصلة بالقاطنين بالمنطقة، وقد نجحنا بالفعل في تحديد التسلسل الجينومي الكامل لمئة شخص، فيما يتواصل مشروع آخر هو تحديد التسلسل الإكسومي لألف شخص. وستمنح قاعدتا بيانات المشروعَيْن المذكورين الزخم اللازم لدعم البحوث الوراثية بالمنطقة".

وكانت مصادفة علمية لافتة عندما كشفت عملية رسم الخريطة الجينومية للمواطنين القطريين عن معلومة غير معروفة عن المتفاوتات الجينية التي تؤثر في السكان من أصول أفريقية حول العالم. ففي دراسة منفصلة أشرف عليها الدكتور كريستال، ركز الباحثون على تحوّل في الجينة ApoE التي تؤثر في جعل الأوعية الدموية أكثر عُرضة، وبنسبة مقلقة، لتراكم مستويات من الدهون غير الصحية المعروفة باسم الدهون الثلاثية في الدم، وهو الأمر الذي ينجم عنه أمراض مثل أمراض القلب وداء السكري والسكتة الدماغية. وكان يُعتقد في السابق أن متفاوِتَة الجينة ApoE، المعروفة باسم R145C، شديدة الندرة، غير أن الدراسة التي أشرف عليها الدكتور كريستال توصلت إلى أن هذه الطفرة أكثر شيوعاً مما كان يُعتقد، وتصيب مَن هُم من أصول أفريقية جنوب الصحراء أكثر من غيرهم بكثير.

وأكَّد الدكتور كريستال أهمية تلك النتائج قائلاً: "لهذه النتائج مضامينها المهمة بالنسبة للأفريقيين وذوي الأصول الأفريقية أينما كانوا حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. وقد سعدنا كثيراً في كلية طب وايل كورنيل أن نحقق اكتشافاً علمياً في قطر ستكون له منفعته على صحة سكان نيويورك، حيث يقع الحَرَم الأم للكلية".

مساحة إعلانية