رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

محليات

1143

أقدم موظف في جامعة قطر يروي لـ "الشرق" رحلة 39 عاماً

05 فبراير 2016 , 09:35م
alsharq
محمد زهران

عبدالجبار: كبار المسؤولين بالدولة الآن كانوا دائمي الزيارة لمكتبة الجامعة

رؤساء الجامعة وعمداء الكليات كانوا شبه مقيمين بالمكتبة خلال دراستهم

الطالبات كنَّ الأكثر عدداً منذ انطلاق الجامعة

دقت الساعة الحادية عشرة، معلنة عن اقتراب انتصاف الليل، والهدوء لا يخالطه همس، وبدأ القلائل المنتشرون في أروقة مكتبة جامعة قطر، يلملمون أوراقهم إيذانا بالرحيل؛ نظرا لقرب انتهاء دوام المكتبة.

بحركات متناسقة توحي بالروتينية، تأكد أن الأدراج مغلقة والكتب جاهزة للخلود إلى الأرفف، والأجهزة مفصولة عن نبض التيار، كل شيء في مكانه، حتى كوب الشاي المنقوش عليه شعار الجامعة يقف نظيفا في زاوية المكتب، استغللنا فرصة انتهاء عمله، بعد أن رفض الحديث إلينا عدة مرات أثناء فترات العمل، بنبرة كانت أشبه بتلك التي تزجر الأطفال عن اللعب وقت أداء الصلاة.

اقتربنا من الهادئ الذي بات كصديق قديم لمعظم الطلبة، أو حكيم، لا يريد من الحياة غير أن تنهي أنفاسه بشيءٍ من اللطف والرضا، اقتربنا من الشايب لنعلم من هو؟.. وما حكايته؟..ولماذا أطلقوا عليه أقدم رجل بجامعة قطر؟، بل قالوا إنه ذاكرة المكان، أو شاهدٌ على تاريخ الجامعة.

أبريل/نيسان 1977 يكشف عبدالجبار كوتا عرفات أمين مكتبة جامعة قطر، أنه حضر إلى الدوحة ذلك العام قادماً من الساحل الجنوبي لشبه القارة الهندية "كيرلا"، أو كما تعرف بخير الله في القواميس العربية، أي أنه شاهدٌ على ما يقارب 39 عاماً من التطور المستمر، سواءً لدولة قطر أو لجامعتها الحكومية.

بدأت رحلة عبدالجبار مع جامعة قطر، بالتزامن مع تأسيسها في 1977، وكانت في تلك الفترة تضم أربع كليات فقط لا غير، كلية التربية وكلية الشريعة والقانون وكلية العلوم وكلية الدراسات الإسلامية.

عاصر مقرها الأول، في مبنى مدرسي قديم بمنطقة مدينة خليفة، ورغم الثقافة البدوية والشرقية التي كانت تخيم على كثير من بلدان الخليج والوطن العربي، كانت الطالبات يمثلن السواد الأعظم من منتسبي الجامعة، ويقول عبدالجبار إن القطريين منذ الزمن الأول يقدسون العلم ويدفعون أبناءهم لطلبه، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، وذلك ما لمسته بنفسي ولم يطلعني أحد عليه.

ما أشبه الليلة بالبارحة...

وبحسب ما أوردته الجامعة عبر موقعها الرسمي، فإن عدد الطالبات عام 1973 كان 93 طالبة مقابل 57 طالبأ.

وبحركة تظهر شيئاً من العطف والعلاقة الوطيدة، مرر عبدالجبار يده الملفوفة بعروق نافرة على الحائط الذي كنا نقف بجواره وكأنه الابن الذي نشأ بين أحضانه، وقال بابتسامة خفيفة بدت ككائن عجيب اقتحم ملامحه الجادة فجأة رغماً عنه، في العام 1985 أعلن سمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني انتقال مقر الجامعة من مدينة خليفة إلى هنا، واعتبره المقرٌ الدائم لجامعة قطر.

انتقلت بعدها إلى المبنى الجديد، تاركاً ذكرياتي التي تتأرجح بين الأمل والألم، ثماني سنوات مضت قضيتها كعامل للبناء، أتنقل بين المبنى القديم الذي بدأت الشيخوخة تدب في أوصاله، والجديد الذي بدأ يعلن ميلاد عملاق جديد، ممارساً عملي كحامل للطابوق، تشققت يداي، ودوَّن الكفاح أبياته على كفي ونحن نقيم أسقف المكان.

المبنى القديم لم يكن يستوعب العدد المضطرد بالازدياد، فقررت الدولة حينها أن تقيم مقراً جديداً كان في البداية يستوعب 6.000 طالب، وبدا كإنجاز لا نظير له، إذا ما قورن بإجمالي سكان قطر وقتئذ، حيث لم يتجاوزوا الـ 300 ألف نسمة.

بدأت عملي في المبنى الجديد كأمين للمكتبة، وكانت بمثابة نقلة نوعية في حياتي، شتان ما بين حامل الطابوق وأمين المكتبة، الحياة أضحت أكثر راحة والابتسامة بدأت تستأذن للدخول.

كان راتبي حينها 700 ريال قطري، كنت أشعر وقتها بالملوكية، الملوكية ولا وصف سواه، راتب محترم وسكن مريح، وأسعار رخيصة لا غلاء فيها. راتبي كان يقسم إلى 150 ريالا كإيجار لسكني شهرياً، ومثلهم للطعام والشراب والملبس والتنزه، 150 ريالا كانت كافية لفعل أي شيء وكل شيء، ليتبقى من راتبي 400 ريال كانت من نصيب أبي وأمي في كيرلا، حينها كان الريال يساوي روبيتين.

أتذكر أنني كنت أسكن بالقرب من استاد الدوحة بقلب العاصمة، كانت تكلفة التاكسي وهو أغلى وسائل النقل، ريالين فقط كأجرة للطريق إلى الجامعة بمقرها الأول في مدينة خليفة.

بابتسامة بدت أبدية كدق الوشم، قال عبدالجبار: في تلك الأيام كانت الحياة رخيصة والبركة تسكن تفاصيل الحياة، أقل القليل يكفي ويفيض، فقط القليل ولا شيء سواه.

بذلك الراتب، تزوجت وشيدت منزلي الصغير، على ساحل مدينتي الأغر..بذلك الراتب ربيت أبنائي الثلاثة "ساجد" و "سجاد" و "فاطمة"، ساجد مهندس إلكترونيات يعمل هنا في الدوحة، وسجاد ما زال يدرس إدارة الأعمال، وكريمتي الصغيرة طالبة بالصف الثاني الإعدادي.

خلال سنوات عملي بالمكتبة، كنت ألاحظ أن من يتولون مناصب بالدولة الآن كانوا دائمي الزيارة لمكتبة الجامعة، بل كانوا مقيمين فيها. فعلي سبيل المثال د.إبراهيم صالح النعيمي رئيس جامعة قطر بين أعوام 1994-1999، كان مقيما دائما بين الرفوف، يسبح بين طياتها، وصديق وفيٌّ لكتب السيرة النبوية والأدب والروايات وعاشق للرياضيات والكيمياء، خليلاً لابن حيان والكندي.

وكذا د.شيخة المسند اعتبرها كريمة المكتبة الوفية –على حد تعبيره- ظلت خلال سنوات دراستها بكلية التربية في جامعة قطر عاكفة على كتب الفلسفة والأدب والدين.

أيضاً عميد كلية الهندسة الحالي د.راشد العماري ود.مازن حسنة عميد كلية الهندسة السابق والنائب الحالي لرئيس الجامعة في الشؤون الأكاديمية، كانوا جميعهم من عشاق الاطلاع والقراءة، سكنوا كراسيها الهادئة فكافأتهم بمناصب تعد هي الأرفع في حقل التعليم.

يروي عبدالجبار تلك الأسرار، وكأنه يؤكد من خلالها أن المكتبة هي الرحم الذي ينجب العظماء، فمكتبة الجامعة ليست مجرد مكتبة، بل هي مهد القيادات وحاضنة الكفاءات، وما تخفيه أعظم من أن يوصف في كلمات، بتلك العبارات وصف أمينها منذ أكثر من ثلاثين عاماً دورها بالدولة.

مضينا في حديثنا متجاوزين تاريخ الجامعة القديم بأسراره التي عايشها عبدالجبار لحظة بلحظة، طاوياً ضلوعه على أحداثها، فعبدالجبار يبدأ عمله تمام الثامنة صباحاً منكباً على مكتبه حتى قرب انتصاف الليل، على هذا الحال أمضى أكثر من 30 عاماً، فبات سقف المكتب سماءه ورفوف الكتب عالمه ودنياه التي يعيش فيها أكثر مما يعيش تحت سقف منزله.

راح عبدالجبار يطوف بنا بين السنوات الأولى للجامعة، إلى أن توقف فجأة عند معاناته التي دفعت به إلى الدوحة، حينها تقلصت ملامحه وغرز سواد الحزن سيفه في جبينه، معلناً بسط سيطرته على ما يجول بصدره.

يصف عبدالجبار أيامه الأولى في قطر قائلاً، إن الفقر كان ينخر هيكله النحيل، فكان يقتات الكفاف ويشرب السراب بين طرقات كيرلا الترابية، حياة بائسة يتجرع فيها دموعه وهو يضحك.

حضر إلى الدوحة ليسكت البطون التي تأن ويقتل البؤس المتوغل بين أفراد أسرته، ترك أحبابه ودفء الأحضان، وحمل عصا الترحال.

ظن أنه فر من شبح الجوع، متوجهاً نحو حقول البترول يستنشق رحيق العز منها، فوجد نفسه بين فكي شبحٍ فاق الأخير توحشاً وشراسة..الغربة!

فبك يا زمان أشكو غربتي * إن كانت الشكوى تداوي مهجتي

قلبي تساوره الهموم توجعاً * ويزيد همي إن خلوت بظلمتي

بتلك الكلمات، عبر عبدالجبار عن بؤسه وفاجأنا بثقافته العربية، بعد أن أكد أنه لا مفر مما كان يعيشه غير الهجرة والفرار بعيداً لاصطياد لقمة عيش شريفة.

تملكت الوحدة منه، حتى شعر أن الموت احتضن حياته، وفجأة حالته سارت نحو منعطف غريب لأول مرة يشعر ذلك الشعور المرير، الأشياء من حوله أضحت تتصف بالسكون الجليل وحياته عبارة عن صمت مطبق بات أعلى من الصراخ، كل شيء توقف إلا قلبه المسرع في الخفقان شوقاً لأسرته ووطنه.

تسلل إليه ذلك الشعور رغماً عنه، ودخل قلبه رغم تحصينه بالأمل أن يعود غانماً إلى وطنه، لكن الوحدة والشعور بالبؤس وفقدان الأمل سكن قلبه كحصان طروادة، معلناً سيطرته عليه.

الأيام في أولها كانت متوشحة بالسواد، والليل كان مفزعا مخيفا رغم وداعته التي اكتشفتها فيما بعد.

قرر أن يضع حداً لتلك الحالة، فتشاور مع نفسه بلحظة صمت، قرر بعدها أن يكف عن اجترار الأمس وذكرياته، متشبثاً بزمام الغد ليرسم قدراً أجمل لأسرته.

كان دائماً يرثي حاله بأنه الزهرة التي ذبلت كي تحيي بستاناً في بلاده، ولسان حاله يردد (في موتي حياة و بألمي أمل).

مضت الأيام مسرعة بحلوها ومُرها، حتى باتت كحبات الرمال المنفرطة من كفوف الزمن، حصيلة ذلك عاشت أسرتي حياة تشبه الحياة، كنت لا شيء فرفعت ضعف صفري إلى قوة بركان الواحد، حتى نحيا كالبشر.

ويعترف عبدالجبار أنه لا شيء أمرَّ من الفقر، ولكن فقري كان بمثابة الحنظل الحلو علمني قيمة أنفاسي، ونبض الفؤاد.

مرت 39 عاماً مسرعة، وتلك هي أحجية العمر الذي يبدأ بلحظة وينتهي بلحظة، وبين اللحظتين فصلٌ واحد من رواية متعددة الفصول، الموت مقدمتها وليس نهاية القص فيها.

فجأة قطع عبدالجبار حديثه معنا، وراح يمضي متجهاً إلى سيارته التي تلا الزمن تعاويذه عليها، مثله تماماً وكأنهم شاخوا معاً..رحل بخطوات متكسرة هزيلة.

رغم ضعفها إلا أنها وصمت في دواخلنا قوة تهتز لها قسوة الحياة، عبدالجبار ليس مجرد ذاكرة للجامعة، عاش مكافحا مجهولا، فتوَّجه القدر بأن تتلى سيرته بين طيات الصحف.

لطالما كانت قصص المكافحين وقودا يلهم القابعين بزنازين اليأس؛ ليتحرروا من أصفاد الانهزامية والانكسار..وهكذا يكافئ الظل ساكنيه.

اقرأ المزيد

alsharq إشادة بدور قطر في تعزيز السلام بغزة في ختام أعمال المجلس التنفيذي لليونسكو

أشاد عدد من الدول الأعضاء في المجلس التنفيذي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو بدور دولة قطر... اقرأ المزيد

130

| 18 أكتوبر 2025

alsharq بالتعاون مع البلدية ولخويا.. البيئة تنفذ جولات ميدانية لضمان جاهزية مواقع التخييم الشتوي

نفذت وزارة البيئة والتغير المناخي، ممثلة في لجنة تنظيم شؤون التخييم الشتوي، وبالتعاون مع إدارة النظافة العامة في... اقرأ المزيد

208

| 18 أكتوبر 2025

alsharq جاليري المرخية يفتتح معرض "شظايا من روحي" الثلاثاء المقبل في كتارا

يفتتح جاليري المرخية مساء الثلاثاء المقبل المعرض الفردي للفنان الفلسطيني محمود المصري بعنوان شظايا من روحي والذي يستمر... اقرأ المزيد

60

| 18 أكتوبر 2025

مساحة إعلانية