رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

رمضان 1435 alsharq
القرضاوي : أدب المرء عنوان سعادته وفَلاحِه

المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثامنة عشر استكمالا للحلقة السابقة... من الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: ألَّا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي، ولا إذن ولا تصرُّف، حتى يأمر هو، وينهى ويأذن، كما قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" [الحجرات:1]. وهذا باقٍ إلى يوم القيامة ولم يُنسخ، فالتقدُّم بين يدَيْ سُنَّتِه بعد وفاته، كالتقدُّم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم. قال مجاهد رحمه الله: لا تفتاتوا على رسول الله. وقال أبو عبيدة: تقول العرب: لا تُقَدِّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي: لا تَعْجَلوا بالأمر والنهي دونه. وقال غيره: لا تأمروا حتى يأمر، ولا تَنْهَوا حتى ينهى. لا تُرفع الأصواتُ فوقَ صوتِه ومن الأدب معه ألَّا تُرفع الأصواتُ فوق صوته، فإنه سببٌ لحُبوط الأعمال! فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سُنَّته، وما جاء به؟!! أترى ذلك موجبًا لقبول الأعمال، أم رفعُ الصوت فوق صوته موجبًا لحبوطها؟! ومن الأدب معه: ألَّا يجعل دعاءه كدعاء غيره، قال تعالى: "لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاًَ" (النور:63). وفيه قولان للمفسرين: أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه، كما يدعو بعضكم بعضًا، بل قولوا: يا رسول الله، يا نبي الله. فعلى هذا: المصدر مضافٌ إلى المفعول، أي: (لا تجعلوا) دعاءَكم الرسولَ صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءَه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضاً؛ إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بُدٌّ مِن إجابته، ولم يَسعْكم التخلفُ عنها البتة، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل، أي: دعاؤه إياكم. ألَّا يُستشكل قولُه ومن الأدب معه: ألَّا يُستشكل قوله، بل تُستشكَل الآراءُ لقوله، ولا يعارَض نصُّه بقياس، بل تُهدر الأقيسة وتُلقى لنصوصه، ولا يحرَّف كلامُه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولًا!! نعم هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يُوقَف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه صلى الله عليه وسلم، وهو عين الجرأة. الأدب مع الخَلق وأما الأدب مع الخلق: فهو معاملتهم ـ على اختلاف مراتبهم ـ بما يليق بهم، فلكل مرتبةٍ أدبٌ، والمراتب فيها أدب خاصٌّ. فمع الوالدين: أدب خاص، وللأب منهما: أدب هو أخص به، ومع العالِم: أدب آخر، ومع السلطان أدب يليق به، وله مع الأقران أدب يليق بهم، ومع الأجانب أدب غير أدبه مع أصحابه وذوي أُنسه، ومع الضيف أدب غير أدبه مع أهل بيته. ولكل حالٍِ أدب: فللأكل آداب، وللشرب آداب، وللركوب، والدخول، والخروج والسفر، والإقامة والنوم آداب، وللبول آداب، وللكلام آداب، وللسكوت والاستماع آداب. وأدب المرء عنوان سعادته وفَلاحِه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره. فما استُجْلِب خيرُ الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استُجلب حرمانها بمثل قلة الأدب.. فانظر إلى الأدب مع الوالدين: كيف نَجَّى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة، والإخلالِ به مع الأمِّ تأويلاً، وإقبالاً على الصلاة؛ كيف امتُحِن صاحبُه بهدم صومعته، وضرب الناس له، ورميه بالفاحشة. وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر: كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان؟ وانظر قلة أدب عوفٍ مع خالد: كيف حرمه السَّلَب بعد أن بَرَد بيديه. وانظر أدبَ الصدِّيق رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، أن يتقدم بين يديه، فقال: ما كان ينبغي لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله. كيف أورثه مقامه، والإمامة بالأمة بعده؟ فكان ذلك التأخر إلى خلفه ـ وقد أومأ إليه أن: اثبت مكانك ـ جَمْزًا وسعيًا إلى قُدَّام بكل خطوة إلى وراء مراحل إلى قُدَّام تنقطع فيها أعناق المَطِيِّ. والله أعلم. أدب إبراهيم مع أبيه المشرك ومن الأدب الرفيع: أدب إبراهيم مع أبيه، برغم شركه وضلاله، فلم ينسَ أدب البُنُوَّة مع الأبوة، حين دعاه إلى التوحيد والإيمان، فقال: "يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا" "مريم:42 — 45". فهذا التصدير لكل فقرة بهذه الكلمة الندية "يَا أَبَتِ" وتكرارها في السياق الواحد عدة مرات، يكشف عن أدب عالٍ لدى الابن، وإن كان أبوه من الضالين. أدب الإخْوة بعضهم مع بعض ومن أدب الإخوة والأرحام بعضهم مع بعض: ما تلاه القرآن علينا من موقف ابن آدم الخيِّر الطيب مع أخيه الشرير الخبيث؛ إذ تقبل الله قربان ابن آدم الأول، ولم يتقبل من الآخر، فقال له مهددًا ومتوعِّدًا: "لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" (المائدة:27 — 28). ومع هذا "طَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة:30).. ومن ذلك: موقف يوسف الصديق عليه السلام مع إخوته الذين كادوا له، وصنعوا به ما صنعوا، وكانوا السبب الأول في سلسلة مِحَنه الدامية الحلقات؛ من إلقائه في الجُب، إلى بيعه بثمن بخس، إلى التغرُّب عن الأهل والوطن، إلى التعامل معه على أنه رقيق، إلى فتنة امرأة العزيز به، وقولها له: هَيْت لك، واتهامِه بعد ذلك بالباطل زوراً بما هو منه براء، وإلقائه في السجن بضع سنين، بلا جريرة، ولكنه حين مكَّن الله له في أرض مصر يتبوأ منها حيث يشاء، كان كريماً مع إخوانه، ولم يتحول الدم إلى ماء، كما يقول المثل، بل أكرم وِفادتهم، ورد إليهم بضاعتهم، حتى كشف لهم أخيراً اللثام عن حقيقته، وعرّفهم بنفسه قائلا: "هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُوْنَ * قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ" (يوسف:89 — 90). من سوء أدب بني إسرائيل وفي مقابل هذه الصور المضيئة من أدب الأنبياء والصالحين، ذكر القرآن لنا صورة مُعتمة ومثيرة من سوء أدب بني إسرائيل؛ من ذلك سوء أدبهم مع نبيِّهم وزعيمهم الذي حرَّرهم، وأنقذهم الله على يديه: موسى عليه السلام، فهو يقول لهم: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً"، فماذا كان موقفهم إزاء هذا الأمر الإلهي؟ "قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا"، فيرد عليهم موسى: "قاَلَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ" (البقرة:67)؛ لأن الهزل في موضع الجد ـ وخصوصًا في الحديث عن الله تعالى ـ لا يكون إلا من جاهل لا يُمَيِّز بين المواقف، ولا يعرف مقام ربه. ومن ذلك أنهم أُمروا أن يدخلوا باب الأرض المقدسة سُجَّدًا، وأن يقولوا: حِطَّة، عسى أن تُغفر لهم خطاياهم، ولكنهم بدلوا قولاً غير الذي قيل لهم. بل إن سوء أدبهم لم يقتصر على التعامل مع أنبيائهم ورسلهم، بل تعدى إلى التعامل مع الله عز وجل؛ فحين دعاهم الله أن يقرضوه قرضاً حسناً ليضاعفه لهم أضعافاً كثيرة، قالوا بكل وقاحة: "إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ" (آل عمران:181). كما سجَّل عليهم ذلك القرآن؛ لأن المستقرض لا يكون إلا فقيرًا، والمُقرض هو الغني، مع أن الله سبحانه له السماوات والأرض وما عليها مِلكًا ومُلكًا.. ومن ذلك ما قصَّه القرآن عنهم لعنهم الله: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ" (المائدة:64). بيان تأديب الله حبيبه وصفيَّه محمدًا بالقرآن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة والابتهال، دائم السؤال من الله تعالى أن يُزيِّنه بمحاسن الآداب، ومكارم الأخلاق، فكان يقول في دعائه: "اللهم كما أحسنتَ خَلقي فحسِّن خُلقي". ويقول: "اللهم جنِّبني منكرات الأخلاق". فاستجاب الله تعالى دعاءه، وفاءً بقوله عز وجل: "ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، فأنزل عليه القرآن وأدبه به، فكان خُلُقه القرآن. مقاومة قُطَّاع الطريق إلى الله ومن أدب المسلم مع الله، بعد الفوز بطاعته، والحذر من معصيته، والاعتصام بعبادته وتقواه، والتوكل عليه، والإنابة إليه: أن يقاوم قواطع وقطاع الطريق إلى الله، فلا شك أن كل طريق يهدي إلى الحق، ويوصل إلى الخير في الدنيا وفي الآخرة، لا بد له من قواطع أو قطاع للطريق يعرفهم، ويعرفهم أهل هذا الطريق، ويحذِّرون الناس منهم. وكذلك طريق الآخرة، وطريق الاستقامة، وطريق التقوى، والطريق الموصِّل إلى الفوز بجنات النعيم، والبعد من نار الجحيم، لا بد لنا أن نعرف قواطعه وقطاعه، حتى يتسلح السائرون في مراحل هذا الطريق بالإرشادات اللازمة، وبالتعليمات المهمة، وبالأسلحة القوية، التي يحتاج إليها من سلك هذه السبيل، ليفوز بسعادة الدارين، وخصوصاً سعادة الآخرة: "فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران:185). وقد بين لنا العلماء الربانيون، بما عرفوه من كتاب ربهم، وسنة نبيهم، وخبرة أئمتهم: أن قواطع الطريق إلى الآخرة، تتركز في أربع: النفس، والشيطان، والدنيا، والناس أو الخلق. وهي التي شكا منها الشاعر الصالح حين قال: إني بُلِيـتُ بأربعٍ يـرمينني بالنَّبــْــــل عن قــوس لـــــه تـوتـيــــــر إبليس والدنيا ونفسي والورى يا رب أنت على الخلاص قدير وسنركز الحديث على كل واحد من هذه الأربع: 1 ـ النفس: فإن أول عدو للإنسان الذي يتعامل مع الله سبحانه هو: نفسه التي بين جنبيه، وهي التي سماها القرآن: الأمَّارة بالسوء، كما قالت امرأة العزيز: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ" (يوسف:53". وكلمة (أمَّارة) من صيغ المبالغة، التي تدل على أن الأمر بالسوء دَيْدنها، الذي تهواه، وتتفنَّنُ فيه، والمراد من السالك إلى الله: أن يكون واعيًا تمام الوعي، متنبِهًا كل التنبُّه لهذه النفس، فإنها إذا تركت تسيطر وحدها، أوقعتك في الخبائث والمطَّبَّات، ولذلك نبَّهنا القرآن إلى ذلك بقوله: "إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" (العاديات:6). و"إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم: 34). و"وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا" (الكهف: 54). و"إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الأحزاب: 72). و"وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا" (الإسراء:11).. فهذه الآيات تشير إلى أن طبيعة الإنسان وحده، إذا لم يقيده الإيمان، والتربية على مقتضاه، يَضِل ضلالًا بعيدًا، ولذلك كان من الضروري الذي يحتاج إليه الإنسان، وتحتاج إليه نفسه: التزكية، التي تقوم بها النفس ذاتها، فلئن كان فيه الظلم والجهل والكنود والعجلة والجدل والكفر بالنعمة، فإن فيها استعداداً أصليّاً للتغلب على هذه النوازع. وقد قال تعالى: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا" (الشمس: 7 — 10).. إذن بين القرآن أن في تزكية النفس الأصلية التي عبر عنها القرآن بالإلهام؛ استعدادها للتقوى، استعدادها للفجور "فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا"، وأن جهد الإنسان لتزكيتها لن يضيع سدى، ولن يذهب عبثًا، بل قرَّر القرآن بصريح العبارة: أنَّ من زكَّى نفسه أفلح، ومن دسَّاها خاب: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا"، وكان من دور النبيِّين والمرسلين، والعلماء والدعاة الربانيين: أن يأخذوا بيد الإنسان، ويعلموه ويساعدوه، على تزكية نفسه، وقد استطاع مئات الملايين وآلاف الملايين من الناس أن يزكوا أنفسهم، كما قال الله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى" (الأعلى:15 — 14). والتزكية المطلوبة تتطلب أمرين في معناها: الطهارة والنماء. فعلى المسلم أن يطهر نفسه من أدران الشرك والنفاق، وأمراض القلوب وكل عوامل السوء، وبواعث الشر والفساد، ويطهرها من الأفكار الرديئة والمُزَيِّنة التي تزين للناس الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، وتزين لهم سوء أعمال، ومن الرذائل التي تهبط بالإنسان من قمة إنسانيته إلى أوحال الشهوات البهيمية، والافتراسات الوحشية، والإيذاءات الشيطانية، بحيث تصبح نفسه نظيفة تمامًا من جراثيم الشر والباطل.. والمعنى الثاني: هو النَّماء أو التنمية، فالإنسان كما هو مطالب بالتطهير لنفسه، مطالب بتنمية نفسه تنمية شاملة، وتزكيتها بالفضائل، وتحليتها بالمكارم، بعد تخليتها من الرذائل والسفاسف. وما جاء به الإسلام من عبادات كالصلاة والصيام والزكاة.. وإلخ، إنما هي ـ مع أهميتها في نفسها ـ أدوات لها أهميتها في التزكية والتربية. قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة:183). وقال تعالى: "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" (التوبة: 103). وقال تعالى: "وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ" (الحج:27 ـ 28).

1825

| 15 يوليو 2014

رمضان 1435 alsharq
القرضاوي: الإسلام يضمن للعلم بقاءه في حاضنة الإيمان

المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الحادية عشرة التفوق في علوم الدنيا: أما علوم الدنيا, فأعدل ما قيل فيها ما قاله الإمام الغزالي, وهو أن فرض الكفاية منها: (كل علم لا يستغني عنه في قِوام أمور الدنيا: كالطب؛ إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان, وكالحساب؛ فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما, وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمَّن يقوم بها حرج أهل البلد (يعني: دخل عليهم الحرج والمشقة) وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين). أقول: وقد يحتاج البلد إلى أكثر من واحد, فالمهم أن يوجد العدد الذي يكفي ويسدُّ الحاجة المطلوبة. قال: (ولا يُتعَجَّب من قولنا: إن الطب والحساب من فروض الكفايات؛ فإن أصول الصناعات أيضًا من فروض الكفايات, كالفلاحة والحياكة والسياسة, بل الحجامة والخياطة, فإنه لو خلا البلد من الحجَّام (الذي يقوم بجراحة الحجامة, وهو نوع من الجراحة الخفيفة) تسارع الهلاك إليهم, وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك, فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء, وأرشد إلى استعماله, وأعد الأسباب لتعاطيه, فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله. وأما ما يعد فضيلة لا فريضة, فالتعمق في دقائق الحساب, وحقائق الطب, وغير ذلك مما يستغنى عنه, ولكنه يفيد زيادة قوة القدر المحتاج إليه) . وما قاله الغزالي هنا قوي وموافق لمقاصد الشريعة, فإنها تقصد إلى إنشاء أمة قوية عزيزة مكتفية بذاتها, قادرة على التصدي لأعدائها, وهذا يوجب عليها– بالتضامن- أن تتفوق في كل العلوم الطبيعية والرياضية التي تحتاج إليها الأمم في عصرنا لتنمو وتتقدم, وليس الطب والحساب فقط, فإنما قال هذا باعتبار زمانه. كما تحتاج الأمة في زمننا إلى الصناعات التكنولوجية المتطورة, وليس أصول الصناعات القديمة وحدها, فكل ما يؤدي إليها, ويعين عليها, فهو فرض كفاية على الأمة, حتى تكون سيدة نفسها, ولا تكون عالة على غيرها. إن الغرب قد ساد العالم في عصرنا– ومنه العالم الإسلامي– بما ملك من علوم الدنيا, من الفيزياء والفلك والكيمياء والجيولوجيا والبيولوجيا وغيرها، وأنشأ ثورة، بل ثورات في العلوم، ولا سيما في مجال الإلكترونيات والفضائيات، والذرة والهندسة والوراثية وغيرها, وفي مجال الأسلحة والأدوية ونحوها. وقد أدى انفصال الإيمان عن العلم في الغرب: أن أصبح هذا العلم في الجانب العسكري خطرًا يهدد العالم بأسلحة الدمار الشامل: النووية والكيماوية والجرثومية. كما أصبح مجالًا لصناعة أدوية غير مأمونة, بل غير مشروعة, يروِّجها أناس لا يخشون خالقًا ولا يرحمون مخلوقًا. وكذلك أمسى الناس يخافون من تطوُّر علم (الجينات)، وتقدم الهندسة الوارثية, والقدرة على استنساخ الحيوان: أن يدخل ذلك عالم الإنسان. ولا علاج لذلك إلا أن يكون العلم في حَضانة الإيمان, وأن يدور في فلك القيم والأخلاق, وهذا ما يوفِّره الإسلام لأهله؛ حيث يوجب على المسلم أن يكون العلم نافعًا للناس لا ضارًّا بهم, وقد استعاذ النبي الكريم من علم لا ينفع. مناقشة للإمام الغزالي في اعتباره تعلُّمَ الدقائق فضيلةً لا فريضة: هذا ولا نوافق الإمام الغزالي على اعتباره التعمق في دقائق الحساب, وحقائق الطب: مجرد فضيلة لا فريضة, فلعل هذا كان بالنسبة إلى زمنه, أما زمننا فيُعتبر التعمق في هذه العلوم وما يشبهها من الرياضيات والفلك، والفيزياء والكيمياء، وعلوم الأرض (الجيولوجيا)، والأحياء (الحيوان والنبات)، وعلوم البحار والصحراء, والتشريح ووظائف الأعضاء وغيرها, بحيث يصل إلى دقائقها, ويرتقي إلى حقائقها: فريضةً لازمة, والأمم تتسابق في هذا تسابقًا خطيرًا, كلٌّ منها تحاول أن تحتل مكانًا يجعل لها قدرًا, وأن تهيئ الفرص للنوابغ من أبنائها ليتعمقوا ويتفوقوا. ولولا التعمق في هذه العلوم ما وصل عصرنا إلى تحطيم الذرة, وغزو الفضاء, وصناعة (الكمبيوتر) والإنترنت، والثورة التكنولوجية, وثورة البيولوجيا (هندسة الوراثة والجينات)، وثورة الاتصالات, وثورة المعلومات, وغيرها.. مما أمسى من خواص عصرنا. وقد لا يكفي واحد متخصص في جانب لإسقاط الحرج والإثم عن الأمة, إنما هذا بحسب الحاجة, والغالب أن الأمة تحتاج في كل مجال إلى فريق كامل من الخبراء, يسدُّون الثغرة, ويلبُّون الحاجة,, ويورثون الخبرة لمن بعدهم. إتقان العلوم الطبيعية والرياضية: ولعل أظهر ما يميِّز (العلم) بالمفهوم العصري أو الغربي: أنه لا يقوم على المنطق الشكلي أو الصوري أو القياسي الذي ينسب إلى أرسطو, وإنما يقوم على منطق الملاحظة والتجربة, ويخضع في نتائجه لما تأتيان به. ولهذا يسمى (العلم التجريبي) ويسمى منهجه (المنهج التجريبي). وهذا يشمل كل العلوم الطبيعية والرياضية التي هي أساس التقدم المادي اليوم, والقرآن والسنة يدعوان الأمة إلى الانتفاع بكل ما سخَّره الله للإنسان في هذا الكون {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13]. والإسلام يحترم مبدأ التجربة, ويقرها في أمور الدنيا المتغيرة والمتطورة أبدًا. وهنا أيضًا نجد الرسول عليه الصلاة والسلام سبق إلى إقرار مبدأ التجربة في الأمور الدنيوية الفنية, مثل أمور الزراعة والصناعة والطب وما شاكلها, فما أثبتت التجربة نفعَه في هذا فهو مطلوب شرعًا, وما أثبتت ضرره فهو مرفوض شرعًا. وأوضح مثال لهذا المبدأ: موقفه عليه الصلاة والسلام من قضية تأبير النخل, حيث رأى أصحابه من الأنصار يفعلون ذلك, ولم يكن له بذلك عهد؛ حيث نشأ بمكة، وهي واد غير ذي زرع, فقال لهم كلمة من باب الظن والتخمين, يشير بها إلى أن هذا العمل لا ضرورة له. وفهم الأنصار منها أنها من أمر الوحي والدين الذي لا يجوز مخالفته. فتركوا التأبير في ذلك الموسم, فخرج الثمر رديئًا. فلما علم ذلك عليه الصلاة والسلام بين لهم أن كلمته لم تكن من باب الوحي الإلهي, بل من باب المشورة الدنيوية، حسب ظنه الناشئ عن خبراته البيئية المحدودة, ثم قال لهم في النهاية: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". فهذه الشؤون الدنيوية الفنية المحضة, متروكة لعقولهم ومعارفهم, يدبرونها وفقًا لمصلحتهم، وليس من شأن الوحي أن يتدخل فيها, فهم بها أدرى وأعلم. والقصة في صحيح مسلم, ومسند أحمد وغيرهما, رواها عدد من الصحابة منهم: طلحة بن عبيد الله, ورافع بن خديج, وعائشة, وأنس رضي الله عنهم. ففي المسند عن طلحة رضي الله عنه قال: مررتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم في نخل المدينة, فرأى أقوامًا في رؤوس النخل يلقحون النخل, فقال: "ما يصنع هؤلاء؟" قال: يأخذون من الذكر, فيحطُّون في الأنثى، يلقحون به. فقال: "ما أظن ذلك يُغني شيئًا". فبلغهم، فتركوه ونزلوا عنها, فلم تحمل تلك السنة شيئًا, فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: "إنما هو ظنٌّ ظننتُه, إن كان يغني شيئًا فاصنعوا, فإنما أنا بشر مثلكم, والظن يخطئ ويصيب, ولكن ما قلتُ لكم: قال الله عز وجل. فلن أكذب على الله"( ). وفي صحيح مسلم من رواية رافع بن خديج أنه قال لهم: "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به, وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"( ). وفيه من رواية عائشة وأنس: أنه قال لهم بعد أن خرج التمر شِيصًا– أي: بسرًا رديئًا–: "ما لِنخلِكم؟!". قالوا: قلتَ كذا وكذا. قال: "أنتم أعلمُ بأمر دنياكم"( ). فالقانون الذي يجب الخضوع له هنا: هو القانون الذي تنتجه الخبرة والممارسة, أو المشاهدة والتجربة، ويكفي العقل الإنساني في هذه الأمور هاديًا ودليلًا. أما الوحي فحسْبه أن يضع للناس القيم والمبادئ العامة والضوابط، ثم يَدَع البشر يتصرفون تبعًا لما يعلمون، وحسبهم هذه الكلمة الجليلة: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". تعلم اللغات عند الحاجة: ومن فروض الكفاية الواجبة على مجموع الأمة: تعلم لغات الآخرين عند الحاجة إليها, وخصوصًا إذا كان عندهم ما ليس عند المسلمين: من علم يؤخذ، أو حكمة تقتبس, فلا سبيل إلى الانتفاع بما عند غيرك إذا جهِلتَ لغته. ولم يمنع الإسلام من تعلم لغات الآخرين, بل دعا إليها باعتبارها وسيلة للتفاهم بين البشر, كما أنها وسيلة لنشر دعوته في العالم, فهي هنا فرض كفاية؛ وذلك أن رسالته صلى الله عليه وسلم رسالةٌ عالمية, فهو– وإن كان عربيًا, والكتاب المنزل عليه عربي, وقد أرسله الله بلسان قومه ليبين لهم– قد بُعث للناس كافة {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان:1], {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107], {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158]. فلا بد من تراجِمة بينه وبين أرباب اللغات الأخرى, حتى يُمكِنه تبليغُ الدعوة إليهم, وتلقِّي الإجابة منهم, وقد كان عنده صلى الله عليه وسلم من أصحابه من يعرف الفارسية والرومية والحبشية, ويكفونه الترجمة منها وإليها, ولكن لم يكن عنده من يعرف اللغة السريانية التي يكتب بها اليهود, فأمر كاتب وحيه الأنصاري النابغة: زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتقنها قراءة وكتابة, ويستغني به عن الوسطاء من اليهود في ذلك, وبخاصة أنهم غير مأمونين. وقال زيد: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتعلمتُ له كتابَ يهود بالسِّريانية وقال: إنى والله ما آمَن يهود على كتابي, فما مر لي نصفُ شهر حتى تعلمتُه وحذقتُه, فكنتُ أكتب له إليهم, وأقرأ له كتبهم( ). ولعله كان على شيء من المعرفة بها من قبلُ، (لمجاورة الأنصار لليهود)، حتى أمكنه أن يحذقها في هذه المدة القصيرة. ومن هنا حرص كثير من المسلمين– في عصور ازدهار حضارتهم– على معرفة اللغات, فترجموا منها وإليها, وقال في ذلك الشاعر: بقـــــــدر لغــاتِ المــرءِ يكــثُر نفـعُه فتلك له عند المُلِمَّات أعــــوان فأقبِلْ على درسِ اللغاتِ وحفظها فكلُّ لسانٍ في الحـقيقة إنسـانُ! الأدب مع الله ورسوله أدب المسلم: أدب شامل وعميق ومتنوع. وقد تحدث عنه أهل الأدب من رجال الفقه والسلوك والتربية, فهم يقسمونه إلى أنواع: فهناك أدب مع الله عز وجل, وأدب مع رسوله الذي بلَّغ رسالته إلى الناس، وأدب مع الناس, كلُّ الناس, القريب والبعيد, والمسلم وغير المسلم, والصغير والكبير, والضعيف والقوي, وإن كان اهتمام الإسلام الأكبر والأقوى بالضعفاء من الناس, مثل اليتامى والمساكين، وابن السبيل وما ملكت الأيمان. وهو ما حفلت به آية (الحقوق العشرة) التي جاءت بها سورة النساء, وبدأتها بحق الله تبارك وتعالى, فقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36]. لهذا سنبدأ بما بدأ الله تعالى به, وهو الأدب مع الله سبحانه, والأدب مع رسوله, فهو مضاف إليه عز وجل, ولهذا جعلناهما أدبًا واحدًا في فُسحة الأدب الديني، الذي يجب أن يكون طبيعة بيِّنة لحياة المسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71], {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]. ذروة الأدب: الأدبُ مع الله: ونحن نتفق مع كبار علمائنا المربِّين: أن ذروة الأدب هى: الأدب مع الله تبارك وتعالى, فإن أحقَّ من نتأدب معه, في قولنا وعملنا, في عبادتنا ومعاملتنا, في عمل جوارحنا وعمل قلوبنا, في سرِّنا وعلانيتنا, أن نتأدب معه سبحانه أعلى أنواع الأدب وأصفاها، وأثبتها وأخلصها. وهو جل شأنه يستحق هذا الأدب الأكبر والأعمق منَّا؛ لأنه هو الذي خلقنا من العدم, وجعلنا شيئًا مذكورًا, وخلقنا في أحسن تقويم, وكرمنا أعظم تكريم, ورزقنا العقل الذي به نفكر, والإرادة التي بها نرجِّح, والقدرة التي بها ننفِّذ، ووهب لنا السمع والبصر والحواس التي تصلنا بالعالم من حولنا, وخلق ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه, وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة, فكل ما في الكون من حولنا, عن أيماننا وعن شمائلنا, ومن بين أيدينا ومن خلفنا, ومن فوقنا ومن تحتنا, جعله الله في خدمتنا ومنفعتنا, ويصب كله في مصلحتنا, كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:32-34] فانظر كيف خلق الله هذه الأجرام الكبيرة, وسخر ما فيها من نِعَم جليلة لفائدة الإنسان. ولذا كرّر في هذه الآيات كلمة {لَكُمْ} خمس مرات, لينبِّهنا على أنه خلق هذه النِّعَم، وسخرها لنا ولمصلحتنا, كما قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] وقد ذكَّر الله الناس عامة, والمؤمنين خاصة، بهذه النعم التي أنعم بها على عباده: نعمة الحياة, ونعمة الزرع, ونعمة الماء, ونعمة النار, في سورة الواقعة, فقال: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ * أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ * أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:58-73]. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%

1712

| 08 يوليو 2014

محليات alsharq
مكتب القرضاوي ينفي نقل مقر إقامته لتونس

نفى مصدر بمكتب الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، صحة تقارير صحفية تحدثت عن نقل إقامة القرضاوي من الدوحة إلى تونس. وأكد المصدر أن ما نشر بهذا الشأن "عارٍ عن الصحة"، معتبرا أن إلقاء القرضاوي خطبة الجمعة غداً الجمعة في مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة، يعد أبرز رد على مروجي تلك المغالطات. وبشأن غيابه عن الخطابة في مسجد عمر بن الخطاب منذ عدة أسابيع، أوضح أنه "متوقف لأسباب شخصية وليس لشيء آخر". وستكون خطبة غداً الجمعة هي الأولى التي يلقيها الشيخ القرضاوي منذ خطبة يوم 21 فبراير الماضي، التي غاب قبلها لنحو الشهر بعد خطبته في 24 يناير الماضي والتي وجه فيها انتقادات لدولة الإمارات، وانتشرت في أعقابها شائعات أنه تم منعه من الخطابة. وفي الخطبة التي ألقاها في 21 فبراير الماضي قال القرضاوي إنه سيظل "يخطب ويقول كلمة الحق يرضى بها من يرضى ويغضب منها من يغضب".

357

| 10 أبريل 2014

محليات alsharq
القرضاوي يدعو لحماية مسلمي إفريقيا الوسطى

دعا الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الى حماية المسلمين في افريقيا الوسطى ووقف الاعتداءات المستمرة الى يواجهونها هناك. وكان القرضاوي بحث مع شيخ حمودي رئيس بعثة إفريقيا الوسطى بالدوحة، اليوم أحوال المسلمين في إفريقيا الوسطى. إلى ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي وصل إلى بانغي في زيارة مفاجئة استغرقت بضع ساعات اليوم زعماء إفريقيا الوسطى إلى منع حصول "إبادة" جديدة في إفريقيا. وقال بان كي مون في كلمة القاها امام المجلس الوطني الانتقالي "اتوجه من هنا مباشرة الى كيغالي للاحتفال الاثنين بالذكرى العشرين للابادة التي حصلت في رواندا" مضيفا "انها مسؤوليتكم جميعا كمسوؤلين ضمان ان لا يكون علينا ان نحيي ابدا ذكرى مماثلة في افريقيا الوسطى".

372

| 05 أبريل 2014

محليات alsharq
د. القرضاوي خطيبا بجامع عمر بن الخطاب الجمعة

يلقي فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب بمدينة خليفة الجنوبية بالدوحة. وسيواصل فضيلته حديثه عن موضوعات القرآن الكريم، كما سيتطرق في الخطبة الثانية إلى الحديث عن الأحداث التي تمر بالعالمين الإسلامي.

434

| 20 نوفمبر 2013