أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن فتح باب التقديم لأكثر من 100 فرصة وظيفية في عدة مجالات حيوية ومتخصصة بهدف استقطاب الكفاءات والمواهب...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثالثة عشر بيَّن القرآنُ أن العبادات الشعائرية الكبرى من الصلاة والزكاة، والصيام والحج، لا تصل عند الله إلا إذا كانت معها عبادة قلبية تقدمها إلى الله تعالى، وهي الإخلاص لله، كما قال سبحانه: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5]. فأي عبادة من هذه العبادات خلت من الإخلاص، وأفسدها الرياء، فهي مرفوضة عند الله، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:5]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} [البقرة:264]. ولهذا كانت هذه الذنوب الكبيرة من أشد ما يُبعد عن رضا الله سبحانه، مثل الرياء والعُجب، واليأس من روح الله، والأمن من مكرِه، ونحوها. قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:25]. وقال: {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]. وقال: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99]. لا بد من تطهير الأنفس، وتصفية القلوب، وتنقية الضمائر من هذه الموبقات، "إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم". "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلَحت صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". ولذلك ما زلنا نؤكد على العبادات القلبية، التي لا يلتفت إليها كثير من الناس، لتيههم وغفلتهم عنها، وهي التي تعبر عن حقيقة إيمانهم، وتُعرِّف بقيمتهم الحقيقية عند الله. وقد سمعت أحاديث الثلاثة الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم: أنهم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة: المنافق والقارئ (أو العالم) والمجاهد، الذين رُفِضَت عباداتهم عند الله؛ لأنهم زيَّفوها على الله، وغلَّفوها بغلافٍ ظاهرِ الحُسن، وهو زائف، فردَّها الله عليهم؛ لأنه تعالى لا يقبل الزيف، ولا يُخدعه أحد. من العبادات القلبية المهمة ولا بد أن نضع أمام المسلم الغيور على دينه، والحريص على نجاته، المقبل على آخرته، المعنيِّ برضا ربه، هذه العبادات المعروفة عند أهل التقوى والإخلاص بالعبادات: القلبية أو الروحية. عبادة الشكر لله عبادة الشكر لله تعالى على نعمائه، فلا يكفي في هذا أن يقول اللسان: الحمد لله، وقلبه محجوب عن رؤية فضل الله تعالى، ولا يرى إلا الناس، الذين ساعدوه، والذين أمدُّوه أو موَّلوه، فهذا ليس بالشكر له، ولكنه الكفر به. قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. وقال تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]. وقد بدا قبول شكر داود، ولذلك زاده الله نعمة وفضلًا. {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ:10 — 11]. وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:15 — 17]. والقرآن يأمر عبادَ الله بالشكر له، وعدم الكفر به، كما قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ * فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:51 — 52]. والنعم التي يُسبغها الله على عباده متعددة الأنواع والألوان، منها نِعَمٌ مادية، كما في نعمة سبأ، وجنتيها عن يمين وشمال، ومنها نِعَم معنوية، كالنعمة التي آتاها الله لقمان، وهي الحكمة {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [لقمان:12]. ومن ذلك نعمة الله على الإنسان منذ ولادته، فقد غمره الله تعالى في نعمه المادية والمعنوية: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14]. وقد طلب الله من الولد أن يشكر لله الذي خلقه، وهيَّأ له ما يحفظه ويعينه من الأشياء، ويشكر لوالديه اللذين كانا سببًا في ميلاده وحياته وبقائه، مع فضل الله تعالى وإمداده. عبادة الصبر لله وكما يطالب الإنسان بشكر الله تعالى، يطالب بالصبر على بلائه، كما جاء في حديث صهيب الذي رواه مسلم: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاءُ شَكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاءُ، صبر فكان خيرًا له". 1 — الصبر على طاعة الله وللمؤمن أنواع ودرجات من الصبر، فهناك صبر على طاعة الله، كما قال تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} [مريم:65]. وقوله أيضًا: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. وقد استخدم القرآن هنا صيغة الافتعال من الصبر "اصطبر"، مكانَ الصيغة المعتادة "اصبر"؛ لأن الافتعال يدل على المبالغة في الفعل، فزيادة المبنى تدل في العادة على زيادة المعنى، وما ذاك إلا لأن الطريق إلى طاعة الله مليئة بالمعوِّقات من داخل النفس ومن خارجها. وفيها يقول الشاعر: إنـــي ابتُليــــــــتُ بأربعٍ يرمينَني بالنَّبْل عـــــــن قـــــــــــوسٍ له توتيـــــرُ إبليسُ والدنيا ونفسي والوَرَى يا رب أنت على الخلاص قديرُ فإذن العبودية شاقَّة على النفس مطلقًا، ثم من العبادات ما يُكره بسبب الكسل؛ كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل؛ كالزكاة، ومنها ما يكره بسببهما جميعًا؛ كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد. ويحتاج المطيع إلى الصبر على طاعته في ثلاث أحوال: الأولى: قبل الطاعة، وذلك في تصحيح النية والإخلاص، والصبر عن شوائب الرياء ودواعي الآفات، وعقد العزم على الإخلاص والوفاء، وذلك من الصبر الشديد عند من يعرف حقيقة النية والإخلاص، وآفات الرياء، ومكايد النفس، وقد نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة:5]. ولهذا قدَّم الله تعالى الصبر على العمل، فقال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [هود:11]. الحالة الثانية: حالة العمل، كي لا يغفل عن الله في أثناء عمله، ولا يتكاسل عن تحقيق آدابه وسننه، ويدوم على شرط الأدب إلى آخر العمل الأخير، فيلازم الصبر عن دواعي الفتور إلى الفراغ، وهذا أيضًا من شدائد الصبر، ولعله المراد بقوله تعالى: {نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ * الَّذِينَ صَبَرُوا} [العنكبوت 58 — 59]. أي صبروا إلى تمام العمل. الحالة الثالثة: بعد الفراغ من العمل، إذ يحتاج إلى الصبر عن إفشائه، والتظاهر به للسمعة والرياء، والصبر عن النظر إليه بعين العُجب، وعن كل ما يبطل عمله ويُحبط أثره، كما قال تعالى: {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]. وكما قال تعالى: {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264]. فمن لا يصبر بعد الصدقة عن المن والأذى فقد أبطل عمله. والطاعات تنقسم إلى فرض ونفل، وهو محتاج إلى الصبر عليهما جميعًا، وقد جمعهما الله تعالى في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى} [النحل:90]. فالعدل هو الفرض، والإحسان هو النفل، وإيتاء ذي القربى هو المروءة وصلة الرحم، وكل ذلك يحتاج إلى صبر). 2 — الصبر عن معصية الله: وهناك صبر عن المعصية. مثل صبر يوسف عليه السلام، حيث فُتِنت به امرأة العزيز، وهي امرأة ذات منصب وجمال، وقد هيَّأت الأسباب، وغلَّقت الأبواب، وقالت: {هَيْتَ لَكَ} بصريح العبارة، فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف: 23]، فردعها بكل الروادع الربانية والأخلاقية والعملية، ومع هذا لم ترتدع، وقالت بصراحة أمام النسوة التي دعتهن إلى قصرها، فأرتهن يوسف، فلم يملكْن حين رأيْنَه فجأة، إلا أن قطَّعْن أيديَهُن بالسكاكين التي فيها، وقلن: {حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ * قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف 31 — 32]. ولقد كان يوسف عليه السلام مخيَّرًا بين محنتين: محنة في دينه: أن يستجيب لها، وينجو من السجن، وينضم إلى أرباب العشق، وأخدان النساء، ويصبح من الفاسقين، أو يرفض، ويستقبل ما يأتي به القدر من نتائج، وهو ما صمَّم عليه. ولكنه ظل صابرًا عن المعصية، فانتصر في صبره، رَضِي بمحنة الدنيا على محنة الدين، ودخل في السجن، ولبث فيه بضع سنين. 3 — الصبر على البلاء ومحن الدعوة: وهناك الصبر على البلاء، كما صبر أيوب عليه السلام على مرضه الذي طال عليه، وفقد من فقد من أولاده، كما ذكر القرآن: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:83 — 84]. وقال الله تعالى عن أيوب: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]. ولقد صبر المسلمون في سبيل عقيدتهم على ما نزل بهم من بلاء في أنفسهم وأهليهم وأموالهم، وكل ما لهم، كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 — 3]. هذا في مكة. وفي العهد المدني: جاءت نوازل أخرى، ابتُلي بها المؤمنون وزُلزلوا زلزالًا شديدًا. كما قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [155 — 157]. وفي غزوة الأحزاب، كان بلاءٌ شديد، وصفه القرآن بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:10 — 11]. وهنا ظهر صبر المؤمنين الصادقين: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:22]. 4 — الصبر على الدعوة ومشاقِّها ومتاعبها: وهناك الصبر على الدعوة ومشاقها، وما يحفُّ بها من متاعب وآلام، تنوءُ بها الظُّهور، وتضعف عن حملها الكواهل، إلا من رحم الله. فالصبر هنا — كما قال الإمام علي —: سيف لا ينبُو، ومطيَّة لا تكبو، وضياء لا يخبو. وكما جاء في الحديث الصحيح: "الصبر ضياء". وهذا هو السر في اقتران التواصي بالصبر بالتواصي بالحق في سورة العصر: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:2 — 3]. فلا بقاء للحق بغير صبر. وهو السرُّ فيما ذكره الله على لسان لقمان الحكيم، حيث وصَّى ابنَه بالصبر على ما يصيبه من بلاء وأذى، عقب وصيته له بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى على لسانه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور} [لقمان:17]. قيم تمثِّل مشاقَّ الدعوة إلى الله: ومشاقُّ الدعوة إلى الله تتمثَّل في صور شتى، وقد ذكر القرآن منها أنواعًا وأمثلة: أ — تتمثل في إعراض الخلق عن الداعية، فليس أشقُّ على نفس صاحب الدعوة أن يدعو بملء فيه، ويصيح بأعلى صوته، بشيرًا ونذيرًا، فلا يجد إلا آذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلْفًا! رأينا ذلك مع نوح عليه السلام، حيث قال مناجيًا ربه: {رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح:5 — 7]. ورأينا ذلك مع هود عليه السلام حين قال له قومه: {يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [هود:53]. ورأينا ذلك مع خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وصف الله حال قومه معه فقال: {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:1 — 5]. ولهذا قال الله لرسوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النحل:127]. وأوضح من يمثل هذا النوع من الصبر: نوح عليه السلام، حيث لقي من الإعراض والصدِّ ما لم يلْقَه نبي بعده. ب — وتتمثل متاعب الدعوة في أذى الناس بالقول أو الفعل، فليس أشد على نفس الرجل المخلص في دعوته، البريء من الهوى، المحبِّ لخير الناس، من أن يُمحِّض لهم النصح، فيتهموه بما ليس فيه، وأن يدعوهم إلى سبيل ربه بالحكمة، فيردوه بالقوة، ويعظهم بالحسنى، فيستقبلوه بالسوء، ويجادلهم بالتي هي أحسن، فيقاومونه بالتي هي أخشن، ويدلُّهم على الخير، فيقذفوه بالشر، ويصدع فيهم بكلمة الحق، فلا يسمع منهم إلا كلمة الباطل. وهذا ما أقسم القرآن على وقوعه للداعين إلى الله، حيث خاطب بذلك المؤمنين ليوطنوا أنفسهم على الصبر الطويل، فقال: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} [آل عمران:186]، ومن هنا أمر الله رسوله أن يصبر على إيذاء قومه بمثل قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل:10]. والأنبياء جميعًا يمثلون هذا النوع من الصبر، ولهذا حكى الله على لسانهم هذا القول ردًّا على أقوامهم: {وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم:12]. وعزَّى الله خاتم رسله بما حدث لإخوانه من قبله فقال: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ} [الأنعام:34]. ومن أتباع الرسل ذكر لنا القرآن هنا مثلًا رائعًا، يتجلى في سحرة فرعون، حين وقع الحق، وبطَل ما كانوا يعملون، فأعلنوا إيمانهم برب موسى وهارون، وعندها قال لهم فرعون: {آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:123 — 124]. فماذا كان موقف السحرة إزاء هذا الوعيد الهادر من ملك جبَّار يقول للناس: أنا ربكم الأعلى؟ لقد وقفوا بإيمانهم الجديد كالجبال الشُمِّ، متحدِّينَ جبروت فرعون، مستعدين لكل ما يُرغِي به ويُزبد، سائلين الله تعالى أن يُفرِغ عليهم صبرًا يتحملون به العذاب راضين، ويستقبلون به المكاره مطمئنين.. ومن هنا قالوا لفرعون: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ* وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:125 — 126]. جـ — وتتمثل مشاقُّ الدعوة كذلك في صورة أخرى هي طول الطريق، واستبطاء النصر، فقد جعل الله العاقبة للمتقين، وكتب النصر لدعاة الحق من رسله وأتباعهم وورثتهم المؤمنين، ولكن هذا النصر لا يتحقق بين عشية وضحاها، ولا تشرق شمسه إلا بعد ليل طويل حالك، من الشدائد والمحن المتعاقبة، تزيغ لهَوْلها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، ويظن الناس بالله الظنونَ، هناك يبتلي المؤمنون ويزلزلون زلزالًا شديدًا، كما صور القرآن الحالة النفسية للمسلمين في غزوة الأحزاب. وكم أكد القرآن هذه الحقيقة في أكثر من موضع، وبأكثر من أسلوب، فهو يخاطب المؤمنين في المدينة فيقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. يقولون: متى نصر الله؟ استبطاءً له، واستعجالًا لمجيئه، فيجيء معه الغوث للملهوف، والفرج للمكروب. ويقول جل شأنه: {حَتَّى إِذَا اسْتَيأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110]. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%
2265
| 10 يوليو 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة الثانية عشرة الأدب مع الله رب العالمين، يتمثل في عدة أمور.. فهناك توحيد الربوبية أو الخالقية، وهو ما تقر به الفطرة السليمة، وما ينطق به العقل الرشيد (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [الطور:35 — 36]. وهذا ما اعترف به عرب الجاهلية، حين يسألون عنه: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) [الزخرف:9]. (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:31 — 32]. وكانوا يُقِرُّون بأن الله تعالى هو الخالق الرازق، مدبِّر الأمر، ولكنهم مع هذا يأكلون خيره، ويعبدون غيره، أو يأكلون تمرَه، ويعصون أمرَه. ولذلك كان التوحيد الذي أكد عليه رسل الله وأنبياؤه، الذين بعثهم إلى الخلق مبشرين ومنذرين: هو الدعوة إلى توحيد العبادة أو توحيد الإلهية، وهو ما نتحدث عنه في الفقرة التالية. ثانيا: توحيد العبادة لله رب العالمين أو توحيد الإلهية: بمعنى أنه لا إله غيره، ولا يستحق أن يعبد في الأرض أو في السماء إلا هو، ولا أن تسجد له الجباهُ، وتنحني له الرؤوس راكعة ساجدة إلا الله، وهو ما دعا إليه كل رسول قومه، وما دعا إليه القرآن الكريم، وأنذر به المشركين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء:25]. (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل:36]. والطاغوت مشتقٌّ من الطغيان، وهو كل ما يُعبد ويعظَّم ويُشرك به من دون الله سبحانه وتعالى، وهو من مصادر الطغيان والفساد، في حين أن التوحيد من مصادر العدل والصلاح، بل التوحيد هو العدل، والشرك هو الظلم؛ لأن من يشرك بالله الخالق المنعم، العظيم الأعلى، مخلوقً حقيرً فان لا يقدر على شيء؛ فقد ظلمَ التوحيد، وظلم نفسه، وظلم الربَّ الأعلى. ولذا قال تعالى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) [الأعلى:1 — 3]. ولذا حكم القرآن على عرب الجاهلية بالشرك الأكبر، الذي يوجب دخول النار، كما قال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة:72]. وقال عن أهل الكتاب (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة:31]. ثالثًا: توحيد الحاكمية: وهذا هو التوحيد الثالث، الذي أكمل القرآن به حقيقة التوحيد الذي يرضاه الله من خلقه. وهو أن يوحد الله تعالى في تشريعه الذي شرع لعبادته، فعليه أن يرضي به، ويتعبد بأحكامه، ويقبل جريانها عليه في دينه ونفسه، وعرضه ونسبه، ونسله وماله، وكل شؤون حياته. قال تعالى (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا) [الأنعام:114]. وقال في هذه السورة نفسها (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام:164]، وهذا ما يسمونه توحيد الربوبية. وقال فيها أيضًا: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام:14]. وهذه تشير إلى توحيد العبادة أو توحيد الألوهية. ولا بد للإنسان المسلم الذي يريد أن يلقى ربه عابدًا مخلصًا له، بريئًا من كل ما يعبد من دونه في الأرض أو في السماء؛ من هذه التوحيدات كلها. (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) [يونس:104 — 106]. طاعة الله فيما أمر به: ومن واجب كل مسلم رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبالقرآن إمامًا، وبمحمد من الله نبيًّا ورسولًا: أن يطيع الله تعالى فيما أمره به في كتابه المبين، أو على لسان رسوله، الذي ثبتت رسالته باليقين والأدلة القطعية، فعليه أن يقول في الأمور الغيبية: آمنا وصدقنا، وفي العمليات: سمعنا وأطعنا. كما قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]. وكل ما أمر الله تعالى به، وكل ما نهى الله تعالى عنه بصراحة وجزم، فهو ممَّا تجب طاعته، امتثالًا للأمر، واجتنابًا للنهي (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71]. ومن ذلك: العبادات الرُّكْنية، التي أجمع علماء الأمة على أن كل واحدة منها ركن من أركان الإسلام الخمسة العملية، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمدا رسول الله، وإقامة الصلوات الخمس، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان كل سنة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا مرة واحدة في العمر. وهناك طاعة الله تعالى في امتثال كل ما أمر به، من إيفاء العقود، وإنجاز الوعود، وإبرام العهود، وإقامة الحدود، وتحليل الحلال، وتحريم الحرام، والانتهاء عن كل ما حرَّم الله، من أكل أموال الناس بالباطل، ومن إيذاء الناس، ومن سرقة أموالهم، أو اختلاسها أو الغش فيها. قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]. (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:168]. ومن ذلك ما يتعلق بأحكام الأسرة، وضرورة رعايتها والمحافظة عليها، قال تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32]. (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً) [النساء:3]. وقال تعالى (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء:4]. وقال تعالى (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) [البقرة:228]. وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا * وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) [النساء:19 — 22]. اتباع المنهج الذي أمر الله به ومما يجب على المكلَّف نحوَ ربِّه الذى خلقه وهداه، ورزقه ودبَّر أمرَه: أن يتَّبِع المنهجَ الذي أمره الله باتِّباعه، وهو الشريعة التي دعا الله تعالى إليها عباده، ليقيموا بها أمره، ويتبعوا فيها طريقه المستقيم، الذي يتضمن العدل في الرعية، والقضاء بالسوية، والأمانة في القضية، كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) [النساء:58]. (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) [ص:26]. (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة:49 — 50]. فهذه ثلاث آيات في سورة واحدة في سياق واحد، تنذر كل من حكم بغير ما أنزل الله. ولو كان سهمًا واحدًا لاتَّقَيْتُهُ ولكنَّه سهمٌ وثَانٍ وثَالِثُ! قال تعالى (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية:19]. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153]. محبة الله تعالى وعبادته الباطنية: كما أن المطلوب من المسلم أن يحب الله عز وجل، حتى تكون عبادته عبادة خالصة له، وحقيقة العبادة أن يكون العبد بين غاية الحب لله تعالى، وغاية الخضوع والذل له. وقد قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة: 165]. ووصف الله تعالى جنده المؤمنين الأقوياء الذين ادخرهم لنصرة دينه إذا ارتد عنه المرتدون والمنافقون، ومرق عنه المارقون، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة:54]. وحدد النبي صلى الله عليه وسلم العناصر الثلاثة التي تكوِّن الإيمان الحقيقي الذي يذوق المؤمن حلاوته، فقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان". وجعل أول هذه الثلاثة "أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما". ووضع القرآن المسلم في مفاصلة بين كل رغبات الحياة الدنيا ومشتهياتها، وبين حب الله ورسوله، ليختار أهلُ الإيمان أيَّ الجهتين يسلكون، فقال تعالى: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24]. وهذه المحبة لله ورسوله هي عبادة من العبادات القلبية، التي جاء بها الإسلام وعُنِي بها، ودعا المسلمين إلى إتقانها، فليست العبادات هي الأربع الركنية فقط، فهناك العبادات التي يتنفَّل بها المسلم بعد فرائضه، وفي سائر أوقاته؛ من الذكر والتهليل، والتسبيح والتحميد والتكبير، وتلاوة القرآن، والدعاء والاستغفار، والصلاة على النبي. وكلها جاء بها القرآن العظيم، وفصَّلتها السُّنَّة النبوية، وألَّف فيها المسلمون الكتب، وأقاموا عليها أورادهم وتسابيحهم. وقد قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب:41 — 42]. (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال:45]. وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60]. وقال عز وجل (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:186]. وقال تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [النساء:32]. وقال تعالى على لسان نوح (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح:10 — 12]. وقال سبحانه (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور) [فاطر:29 — 30]. وقال تعالى في الحديث القدسي الذي رواه أبو ذر عن رسول الله عن ربه، فكان ممَّا فيه: "يا عبادي، إني حرمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا، فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أهدِكم. يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي، كلُّكم عارٍ، إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكسُكم. يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا". إلى آخر ما جاء به القرآن، وجاءت به السُّنَّة، من ترطيب اللسان بذكر الله تعالى من التسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير، والحوقلة والدعاء، والرقية والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والاستغفار لله تعالى، والتلبية لندائه، وذكر اسمه كثيرًا. وقد ختم البخاري جامعه الصحيح بهذا الحديث: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده". ثم تأتي العبادات الباطنية، التي تملأ قلب المسلم وفكره وساحة حياته، وحياة أسرته، وحياة مجتمعه، والدنيا كلها من حوله، وهى عبادات مقرها القلوب، كما قال تعالى (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32]. وكما قال تعالى عن الذبائح والأهاديِّ التي تُهدى إلى الكعبة (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) [الحج:37]. %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%
1990
| 09 يوليو 2014
المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الكتاب: أدب المسلم مع الله والناس والحياة الحلقة العاشرة العلم المفروض طلبه فرض عين من العلم ما يفترض طلبه، ومنه ما يستحب طلبه، ومنه ما يباح، ومنه ما يذم. والعلم المفروض طلبه، منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية. وفي الحديث المشهور على الألسنة، الذي رواه ابن ماجة وغيره: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". والمراد بالمسلم في الحديث: الإنسان المسلم، رجلاً كان أو امرأة. ولهذا أجمعوا على أن الحديث يشمل كل مسلم ومسلمة، وإن لم يرد لفظ: (ومسلمة) في رواية الحديث. وقد اختلف شرَّاح الحديث في تحديد (العلم) المفروض طلبه. فكل صاحب اختصاص في علم أوَّله على العلم الذي يشتغل به. فالمتكلم (المتخصص في علم الكلام والعقائد) قال: هو علم العقائد الذي يعرف به توحيد الله، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذا أساس الدين. والفقيه قال: هو علم الفقه الذي يعرف به الحلال والحرام، وتعرف به صحة العبادات، واستقامة المعاملات على منهج الشرع. والمفسِّر قال: هو علم تفسير كتاب الله، الذي هو أساس الملة، ومرجع الأمة. والمحدِّث قال: هو علم الحديث المبيِّن للقرآن، المجسِّد لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوالِه وأعماله وتقريراته. والمتصوف قال: هو علم طريق الآخرة، والسلوك إلى الله تعالى، وكيفية تزكية النفس، وعلاج مداخل الشيطان إليها.. إلخ. والأصولي قال: بل هو علم أصول الفقه، الذي به يعرف الاستدلال فيما فيه نص، والاستنباط فيما لا نص فيه. بل هناك من قال: علم العربية، من النحو والصرف والبلاغة، التي بها يفهم القرآن والحديث. بل هناك من قال: هو علم الطب الذي يعرف به الصحة والمرض. وقال: العلم علمان: علم الأديان وعلم الأبدان، وعلم الأبدان مقدم على علم الأديان. ذكره بعضهم، وفيه نظر ـ كما قال الزبيدي في شرح (الإحياء) ـ وإيراده في فروض الكفايات. رأيُنا في العلم المفروض على كل مسلم: والذي أراه هنا: أن بعض هذه الأقوال خلطت بين العلم المفروض طلبه على كل مسلم ومسلمة، وهو ما يسمى: (فرض العين)، وبين العلم المفروض (فرضَ كفاية). فعلم التفسير والحديث وأصول الفقه وعلوم العربية، بل وعلم الطب: لا بد منها، على مستوى الأمة، لا على مستوى الأفراد. فهي من فروض الكفاية بلا ريب. وفروض الكفاية هي: ما لا تستغني عنها الأمة في مجموعها، ولا بد أن يقوم بها عددٌ كافٍ من أبناء الأمة يسد الثغرة، ويلبي الحاجة، وإلا أثمت الأمة كلها. تعلم أصول التوحيد والعقيدة: والذي نؤكِّده هنا: أن على المسلم أن يتعلَّم من دينه ما يعرف به ربَّه معرفة تصل إلى حد اليقين، ويعرف به نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم، ويستيقن بصدق نبوته، وصحة رسالته، وأن القرآن الكريم منزَّل عليه من عند الله تبارك وتعالى، بدلائل الإعجاز القرآني الكثيرة. ويعرف العقائد الأساسية في الإسلام: في الإلهيات، والنبوات، والغيبيات المتعلقة بالآخرة والعالم غير المنظور.. وأن يأخذ ذلك أساساً من كتاب الله تعالى بما فيه من بيِّنات تُقنع العقل، وتنير القلب، بعيداً عن التقليد الأعمى، وعن المماحكات الجدلية، التي شاعت في علم الكلام، والتي أفسدَتْ تفكيرَ الخواصِّ، واعتقادَ العوامِّ. وسرُّ ذلك: تأثُّرُها بفلسفة اليونان. ولهذا نادى المحقِّقُون والمجدِّدون المسلمون بوجوب (ترجيح أساليب القرآن على أساليب اليونان). والمطلوب هنا: أن تكون دراسة العقيدة مبنية على أساسين: 1 ـ القرآن الكريم، لا على أنه يتضمن أخبارًا وأدلة نقلية فقط، بل بما يتضمنه وما ينبِّه عليه من براهين، ولإثبات التوحيد والنبوة، والجزاء الأخروي، وغيرها، فقد أنزله الله هدى للناس، وبيِّنات من الهدى والفرقان، وقد ناقش الطوائفَ المخالفةَ من الملاحدة والمشركين وأهل الكتاب، وردَّ عليهم بالأدلة العقلية، التي سمَّاها القرآن (البَيِّنات). والسُّنَّة النبوية مبيِّنة لكتاب الله، فيؤخذ من السنن الصحاح ما يبيِّن القرآنَ، وما يسير في ضوئه. 2 ـ العلوم الكونية الحديثة، بما تكشِفُ للناس من أدلة تعين الناس ـ وخصوصاً المرتابين والمتشكِّكين ـ على الوصول إلى اليقين في وجود الله تعالى وفي وحدانيته، وإبداعه في كونه، وإحسانه لخلقه، وتُقرِّب منهم الحقائق الدينية من النبوة وأمور الآخرة، بما يحمله الكون من براهين ناصعة، تحقق وعد الله تعالى في قوله: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. تعلُّم ما لا بد منه من الفقه والأحكام: كما أن على المسلم أن يتعلم من أحكام الإسلام وشرائعه ما هو في حاجة إليه، من علم الطهارة، والصلاة اليومية، وهي الصلوات الخمس، والصلاة الأسبوعية، وهي صلاة الجمعة الواجبة على الرجال. والمراد : معرفة الأساسيات لا المسائل الغريبة والنادرة، ولا التفصيلات التي تُترك للعلماء المتخصِّصين . ومثل ذلك علم الصيام عندما يجيءُ رمضان، ومثله علم الزكاة عندما يملك نصابها، ويتعلم من أنواع الزكاة ما هو مفتقِر إليه، فإن كان تاجرًا تعلم زكاة التجارة، وليس مطالباً بمعرفة زكاة الأنعام أو الزروع والثمار، وإذا قدر على الحج وعزم عليه عرف أهم أحكامه. كما عليه أن يعرف أهم أحكام الحلال والحرام التي يتعرض لها المسلم في حياته: في المأكل والمشرب والملبس والزينة، والبيت، والعمل، وحياة الأسرة والمجتمع. وعلى كل مسلم أن يعرف ما يخصُّه من أحكام، فالوالي يعرف أحكام الولاية، والتاجر يعرف أحكام التجارة، والطبيب يعرف أحكام الطب، والزوج يعرف حقوق الزوجية وواجباتها، وكذلك الزوجة، والأب يعرف أحكام الأبوة والبنوة، وكذلك الأم.. وهكذا. وعلى كل مسلم أن يعرف من علم الأخلاق والآداب الشرعية: ما يضبط به سلوكه بضوابط الشرع، فلا يحيد عما أمر الله به، ولا يتجاسر على ما نهى الله عنه، متحلِّياً بالفضائل، متخلِّياً عن الرذائل. التمذهب ليس بلازم شرعاً: ولا يلزمه أن يتَّبع مذهباً معيَّناً من المذاهب الأربعة أو غيرها، لأن اللازم شرعاً: ما ألزم به اللهُ ورسوله في الكتاب والسنة، ولم يلزم الله ولا رسوله باتباع أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد، أو جعفر أو زيد، أو غيرهم. فمن التزم بمذهب أحدهم فقد ألزم نفسه ما لا يلزم، وضيَّق على نفسه في أمر وسَّع الله فيه. وخصوصاً إذا كان من أهل العلم، ويمكنه أن يبحث عن الحكم بدليله. فلا ينبغي لمثله أن يرضى بالتقليد، فقد أجمع العلماء المتقدِّمون على أن (العلم) هو معرفة الحق بدليله، وأن التقليد المطلق ليس علماً! وإذا بحث العالم المستقل في أصول المذاهب، ووازن بينها، وارتضى أصول مذهب معين؛ لأنه رآها أصوب وأرجح، فلا حرج عليه في ذلك، ولا يكون مقلِّداً لإمام ذلك المذهب، بل وافق اجتهادُه اجتهادَ ذلك الإمام. وقد يدع مذهبه إلى غيره في بعض المسائل إذا أعوزه الدليل. والأصل: أن العامي لا مذهب له، إنما مذهبه مذهب من يفتيه من العلماء الذين يسألهم. فقد يسألُ في قضية زيداً، وفي أخرى عَمْراً، وفي ثالثة بكراً، وهذا ما كان عليه الناس في عهد الصحابة والتابعين وأتباعهم، يسألون فيما يعِنُّ لهم من أمور: مَن تيسَّر لهم من ثقاتِ العلماء، ولا يلتزمون بواحد فقط، يخصُّونه بالسؤال دون غيره. ولهذا لم يُعرف (التمذْهُب) في عصرهم رضي الله عنهم. وهم القوم الذين يُقتدى بهم فيُهتدى، فهم خير قرون الأمة على الإطلاق، كما صحَّت بذلك الأحاديث. وإنما كان العامِّيُّ لا مذهبَ له، لأن اختيار مذهب معين يقتضي معرفة أصوله، والموازنة بينها وبين أصول غيره، وترجيحها على سواها، وهذه المعرفة والموازنة والترجيح لا يملكها العامي، إنما يملكها العالم الذي بلغ قدرًا من النظر والاختيار، وعنده أهلية الترجيح. وقد يُقبل من الشخص العامي أن يتبع مذهباً من مذاهب الأئمة المعروفين، إذا لم يجد في بلده غيره، كأن ينشأ في بلد كل أهلِه حنفية أو مالكية، أو شافعية، أو حنبلية، فيتمذهب بمذهب علماء أهل بلده، على ألا يتعصب له بالحق والباطل. وإذا نصحه ناصح أمين من ثقات العلماء: أن مذهبه ضعيف في هذه المسألة، واطمأن إليه قلبه، فلا حرج عليه أن يدع مذهبه في هذه القضية، ويأخذ بالمذهب الراجح، وهذا ما يسُرُّ إمامُه الذي يدِّعي اتباعَه. ولا يجوز لمن قلَّد مذهباً معتَبرًا أن يذُمُّ المذاهب الأخرى أو يطعن في أئمتها، فكلهم مجتهدون في معرفة المُحقِّ، والوصول إلى الصواب بقدر الاستطاعة وبذل الجُهد، فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد، وهذا من فضل الله. كما أنهم جميعاً أئمة في تقوى الله، وفي الغَيْرة على الإسلام، والشجاعة في الحق، وإيثار الآخرة على الأولى، كما تشهد بذلك سِيَرُهم ومواقفهم رضي الله عنهم. تعلُّم أصول السلوك لطريق الآخرة: وعلى كل مسلم أن يعرف من علم طريق الآخرة والسلوك إلى معرفة الله تعالى ومحبته وتقواه ما يساعده على السير في الطريق، ويعينه على معرفة أمراض الأنفس وسبل علاجها، ويعرف مداخل الشيطان إلى القلب، ويقوى البواعث الخيرة في نفسه، حتى يزكِّي نفسَه ويفلح. كما قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9]. ويترقَّى حتى يصلَ إلى درجة الإحسان الذي عرفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ويجب الحذر ممَّا دخل هذا العلم من شوائب ومبتدعات، كدَّرت صفاءَه، وأخرجته عن وسطية الإسلام في الجمع بين الدنيا والآخرة، والمزج بين المادة والروح، والتوفيق بين العقل والقلب، والموازنة بين المثال والواقع. وينبغي الاعتماد هنا على أئمة السلوك المتقدِّمين، الذين يعتمدون في تربيتهم وتوجيههم على الكتاب والسنة، والحذر من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين. وهذه هي العلوم التي يجب على كل مسلم معرفتها، وهي ـ كما قلنا ـ موصولة بالكتاب والسنة، فمعرفة هذه العلوم تتضمن معرفة ما يلزم المسلم من التفسير والحديث. علوم مكمِّلة: وهناك علوم مكملة، ينبغي للمسلم أن يُلِمَّ بها، مثل معرفة (السيرة النبوية) من كتاب معتمد على الأقل، ودراسة شيء من (علوم القرآن) و(علوم الحديث) أو مصطلحه، في كتب ميسرة. وإذا تعمَّق في العلم قرأ شيئا من (أصول الفقه)، على أن تُدرس هذه كلها في كتب ميسرة بلغة سهلة معاصرة. والأولى بالمسلم أن يقرأ هذه العلوم على عالم متمكِّن ثقة، حتى لا يقع في أفهام خاطئة، وهو لا يدري، ولا يجد من يصحِّح خطأه، وهذا ما حذَّر منه سلفنا الصالح حين قالوا: لا تأخذ العلم من صُحُفي، ولا القرآن من مُصحفي. يعنون بالصُّحُفي: الذي تعلم من الصُّحُف ـ أي: الكتب وحدها ـ ولم يتلق العلم من أهله وشيوخه، بحيث يحضر ويسأل ويناقش ويفهم، ويعنون بالمُصْحفي: الذي يتعلم قراءة القرآن من المصحف وحده، دون أن يأخذها على يد القراء المتقنين، كما تعلمنا نحن القرآن في الكُتَّاب على أيدي القراء، لوحاً بلوح، نكتبه ونقرؤه قبل أن نحفظه، ثم نحفظُه ونسمُّعه، ثم نعيده ونثبِّته مرة بعد مرة. فمثل هذا (المصحفي) إن جاز له أن يقرأ لنفسه، لا يجوز له أن يكون مُقْرِئاً ومُعَلِّماً لغيره. ثمرة هذا التفقه في الدين: المهم أن يصل المسلم بمعارفه إلى حد يستطيع به: أن يزن أفكاره ومشاعره، وأقواله وأعماله، وعباداته ومعاملاته، وسائر أموره، بميزان الشرع، وأن يحكم على الأشخاص والجماعات، والمواقف والسياسات بحكم الإسلام، ومن منطلق الإسلام، بعيداً عن إفراط الغلاة، وتفريط المقصِّرين، فعلى أساس الإسلام يحمَد ويذُم، ومن منظور الإسلام يُحِب ويَكره، ويقترب ويبتعد، ومن أجله يَرضى ويَسخط، ويصل ويقطع، ويُسالم ويُحارب، فما رضيه الشرعُ رضيه، وما رفضه الشرع رفضه، غير عابئ به، ولا آسِفٍ عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب:36]، وبذا يصبح هواه تبعاً لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو تمام الإيمان. فرض الكفاية في العلم: وأما فرض الكفاية، فقد يكون في علوم الدين، وفي علوم الدنيا. التبحُّر في علوم الدين: فأما علوم الدين، فما ليس بفرضِ عينٍ فيها، فإن تعلُّمَه والتبحر فيه فرضُ كفاية، بحيث يظل في الأمة مَن إذا استُفتِي أفتى بعلم، وإذا استُقضِي قضى بحقٍّ، وإذا دعا إلى الله دعا على بصيرة. يدل على هذا قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:122]. فلم يوجب على الجميع النفير لطلب العلم، إنما أوجبه على طائفة في كل فرقة، سواء أكانت هذه الطائفة اثنين أو أكثر أو أقل، ما دامت تكفي لوظيفة التفقيه والإنذار. ولا يجوز للأمة أن تهمل هذا الأمر، حتى لا يوجد فيها من يُفتي الناس ويعلِّمهم ويذكرهم، كما يدل عليه الحديث المتفق عليه "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالًا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا". والواجب على الأمة ـ بالتضامن ـ أن تهيئ من أبنائها من يقوم بهذه المهمة في الإفتاء والتفقيه والتعليم والدعوة والإرشاد، في صورة التخصص العالي، والعلم الاستقلالي ، وأن يكون لديها العدد الكافي بحيث يلبي حاجتها في كل بلد من البلدان، ويجب أن تهيِّئ لذلك من الأسباب، وتنشئ من المعاهد والكليات ما يحقِّق الغرض المنشود.
6174
| 07 يوليو 2014
الحلقة السادسة الإمام الغزالي والعلم: والإمام الغزالي من أئمة الصوفية، الذين بيَّنوا فضل العلم، بل ضرورته لعلم السلوك وعلم طريق الآخرة، الذي يبتغي فيه سالكه مرضاة الله تعالى ودخول جنته، والحصول على ثواب الآخرة، التي قال الله فيها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]. قالوا: الحسنى: الجنة. والزيادة: التنعم برؤية الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23 — 22] فقد أثبت الغزالي في كتابيه (إحياء علوم الدين)، وكتابه الذي ألفه في أواخر حياته (منهاج العابدين)، أهمية العلم وفرضيته وضروريته للمريدين والسالكين في الطريق إلى الله، وقال في ذلك قولًا حسنًا، يفتح العقول، ويحيي القلوب، ويوقظ الضمائر، ويفتح لمريدي الخير أبوابًا إلى اليقين والاستقامة، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6]. قال في منهاج العابدين: (اعلموا - إخواني، أسعدكم الله وإياي بمرضاته -: أن العبادة ثمرة العلم، وفائدة العمر، وحاصل العبيد الأقوياء، وبضاعة الأولياء، وطريق الأتقياء، وقِسْمة الأعزَّة، ومقصد ذوي الهمَّة، وشعار الكرم، وحرفة الرجال، واختيار أولي الأبصار، وهي سبيل السعادة ومنهاج الجنة. فقال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92]. وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا} [الإنسان:22]. ثم إنا نظرنا فيها، وتأملنا طريقها، من مباديها إلى مقاصدها التي هي أمانيّ سالكيها، فإذا هي طريق وعْر، وسبيل صعْب، كثيرة العقبات، شديدة المشقَّات، عظيمة الآفات، بعيدة المسافات، كثيرة العوائق والموانع، حقيقة المهالك والمقاطع، غزيرة الأعداء والقُطَّاع، عزيزة الأشياع والأتباع. وهكذا يجب أن تكون؛ لأنها طريق الجنة، فيصير هذا تصديقًا لما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة حُفَّت بالمكاره، وإن النار حُفَّت بالشهوات"( ). ثم مع ذلك كله، فإن العبد ضعيف، والزمان صعب، وأمر الدين متراجِع، والفراغ قليل، والشُّغُل كثير، والعُمُر قصير، وفي العمل تقصير، والناقد بصير، والأجل قريب، والسفر بعيد، والطاعة هي الزاد، فلا بد منها، وهي فائتة فلا مرد لها، فمن ظفر بها فقد فاز، وسعِد أبد الآبدين، ودهْر الداهرين، ومن فاته ذلك خسر مع الخاسرين، وهلك مع الهالكين؛ فصار هذا الخطب إذن والله معضلًا، والخطر عظيمًا. فلذلك عَزَّ من يقصد هذا الطريق وقَلَّ، ثم عزَّ من القاصدين من يسلكه، ثم عز من يصل إلى المقصود، ويظفر بالمطلوب، وهم الأعِزَّة الذين اصطفاهم الله عز وجل لمعرفته ومحبته، وسدَّدهم بتوفيقه وعصمته، ثم أوصلهم بفضله إلى رضوانه وجنته، فنسأله جل ذكره أن يجعلكم وإيانا من أولئك الفائزين برحمته. نعم، ولما وجدنا هذا الطريق بهذه الصفة، نظرنا فأنعمنا النظر في كيفية قطعها، وما يحتاج إليه العبد من الأُهْبة والعُدَّة، والآلة والحيلة، من علم وعمل، عسى أن يقطعها بحسن توفيق الله تعالى في سلامة، ولا ينقطع في عقباتها المهلكة، فيهلك مع الهالكين، والعياذ بالله، فصنَّفنا فى قطع هذه الطريق وسلوكها: كتبًا كـ(إحياء علوم الدين) و(أسرار المعاملات) و(القربة إلى الله تعالى)، وغير ذلك. واحتوت هذه الكتب على دقائق من العلوم، اعتاصت على إفهام العامة، فقدحوا فيها، وخاضوا فيما لم يحسنوه منها. فأى كلام أفصح من كلام رب العالمين؛ وقد قالوا فيه: إنه أساطير الأولين! ألم تسمع إلى قول زين العابدين علي بن الحسين بن على بن أبى طالب رضوان الله عليهم أجمعين: إنى لأكـتم من علمى جـواهــــــره كيلا يرى الحق ذو جهل فيُـفْتَتنا وقد تـقـدم فى هذا أبو حســـــــــــن إلى الحسين، ووصَّى قبله الحسنا يا رب جوهر علم لو أبـوح به لـقـيل لي: أنـــت مـمن يـعـــبد الوثنا ولاستحلَّ رجال مسلمون دمى يـــــــــرون أقـبــح ما يأتونـــــه حـســــــــنًا وقد اقتضت الحال عند ذوى الدين الذين هم أشرف خلق الله تعالى: النظر إلى كافة خلق الله تعالى بعين الرحمة وترك المماراة، فابتهلتُ إلى من بيده الخلق والأمر: أن يوفقنى لتصنيف كتاب يقع عليه الإجماع، ويحصل بقراءته الإقناع، فأجابنى الذى يجيب المضطَّر إذا دعاه، وأطلعنى بفضله على أسرار ذلك، وألهمني فيه ترتيبًا عجيبًا لم أذكره في المصنفات التى تقدمت فى أسرار معاملات الدين، وهو الذى أنا له واصف فأقول وبالله التوفيق: إن أول ما ينتبه العبد للعبادة، ويتجرد لسلوك طريقها بخطوة سمائية من الله تعالى، وتوفيق خاص إلهي، وهو المعنيُّ بقوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22]. فإذا خطر بقلب العبد أوَّل كل شيء: إني أجدني منعَّمًا بضروب النعم عليَّ، كالحياة والقدرة والعقل والعلم والمنطق، وسائر المعانى الشريفة واللَّذات، وما ينصرف عني من ضروب المضارِّ والآفات، وإن لهذه مُنعمًا يطالبنى بشكره وخدمته، وإن أغفلتُ ذلك فيزيل عني نعمته، ويذيقنى بأسه ونقمته. وقد بعث إليَّ رسولًا أيَّده بالمعجزات الخارقة للعادات، الخارجة عن مقدور البشر، وأخبرني أن لي ربًّا جل ذكره قادرًا عالمًا، حيًّا متكلِّمًا، يأمر وينهى، قادرًا على أن يعاقبني إن عصيته، ويثيبني إن أطعته، عالمًا بأسراري، وما يختلج في أفكاري، وقد وعد وأوعد، وأمر بالتزام قوانين الشرع، فيقع فى قلبه أنه ممكن؛ إذ لا استحالة لذلك فى العقل بأول البديهة، فيخاف على نفسه عنده ويفزع. فهذا خاطر الفزع الذى يُنَبِّه العبد، ويُلزمه الحُجَّة، ويقطع عنه المعذرة، ويزعجه إلى النظر والاستدلال، فيحتاج العبد عند ذلك، ويقلق، وينظر فى طريق الخلاص، وحصول الأمان له مما وقع بقلبه، أو سمع بأذنه، فلم يجد فيه سبيلًا سوى النظر بعقله في الدلائل، والاستدلال بالصنعة على الصانع، ليحصل له العلم اليقين بما هو مَغِيب، ويعلم أن له ربًّا كلَّفه وأمره ونهاه. هذه أول عقبة استقبلته فى طريق العبادة، وهى (عقبة العلم والمعرفة)؛ ليكون من الأمر على بصيرة، فيأخذ فى قطعها من غير بُدٍّ، يحسن النظر فى الدلائل، ووفور التأمل والتعلم، والسؤال من علماء الآخرة، أدلَّاءِ الطريق، سُرُج الأمة، وقادة الأئمة، والاستفادة منهم، واستهداء الدعاء الصالح منهم بالتوفيق والإعانة إلى أن يقطعها بتوفيق الله سبحانه. فبعد حصول هذه المعرفة بالله سبحانه وتعالى جهد حتى يتعلم ما يلزمه من فرائض الشريعة ظاهرًا وباطنًا، فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض، انبعث ليأخذ فى العبادة ويشتغل بها، فنظر فإذا هو صاحب جنايات وذنوب، وهذا حال الأكثر من الناس، فيقول: كيف أُقبل على العبادة وأنا مُصِرٌّ على المعصية، متلطِّخ بها؟ فيجب عليَّ أوَّلًا أن أتوب إليه ليغفر لي ذنوبي، ويخلصني من أسرها، ويطهرني من أقذارها؛ فأصلح للخدمة، وبِساط القُربة، فتستقبله هاهنا (عقبة التوبة)، فيحتاج لا محالة إلى قطعها، ليصل إلى ما هو المقصود منها، فيأخذ فى ذلك بإقامة التوبة بحقوقها وشرائطها، إلى أن يقطعها، فلما أن حصلت له التوبة الصادقة، وفرغ من هذه العقبة، حنَّ إلى العبادة ليأخذ فيها؛ فنظر فإذا حوله عوائق مُحدِقة به، كل واحدة منها تعوقه عما قصده من العبادة، بضرب من التعويق. فتأملَ، فإذا هى أربعة: الدنيا، والخَلْق، والشيطان، والنفس، فاحتاج لا محالة إلى دفع هذه العوائق وإزاحتها عنه، وإلا، فلا يتأنَّى له مراده من العبادة، فاستقبلته هاهنا (عقبة العوائق)، فيحتاج إلى قطعها بأربعة أمور: التجرد عن الدنيا، والتفرد عن الخَلْق، والمحاربة مع الشيطان، والقهر للنفس. فأما النفس فأشدُّها؛ إذ لا يمكنه التجرد عنها، ولا أن يقهرها بمرة ويقمعها، كالشيطان، إذ هي المطيَّة والآلة، ولا مطمع أيضًا في موافقتها على ما يقصده العبد من العبادة، والإقبال عليها، إذ هي مجبولة على ضد الخير كاللهو واتباعها له، فاحتاج إذن إلى أن يُلجمها بلجام التقوى، لتبقى له فلا تنقطع، وتنقاد له فلا تطغى. فيستعملها فى المصالح والمراشد، ويمنعها من المهالك والمفاسد، فيأخذ إذا في قطع هذه العقبة، ويستعين بالله جل ذكره على ذلك.. عوارض العبادة فلما فرغ من قطعها رجع إلى قصد العبادة، فإذا عوارض تعترضه، فتشغله عن الإقبال على مقصوده من العبادة، وتصدُّه عن التفرغ لذلك، كما ينبغى، فتأملَ فإذا هى أربعة: الأول: الرزق، تطالبه النفس به وتقول: لا بد لي من رزق وقِوام، وقد تجردتَ عن الدنيا، وتفردتَ أيضًا عن الخلق، فمن أين يكون قِوامي ورزقي؟ والثانى: الأخطار من كل شيء يخافه أو يرجوه، أو يريده أو يكرهه، ولا يدرى صلاحه في ذلك أو فساده، فإن عواقب الأمور مبهمة، فيشتغل قلبه بها، فإنه ربما يقع فى فساد أو مَهلكة. والثالث: الشدائد والمصائب تنصبُّ عليه من كل جانب، لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق، ومحاربة الشيطان، ومضادَّة النفس، فكم من غُصَّة يتجرَّعها، وكم من شدة تستقبله، وكم من هم وحزن يعترضه؟ وكم من مصيبة تتلقاه. والرابع: أنواع القضاء من الله عز وجل بالحلو والمُرِّ، تَرِد عليه حالًا فحالًا، والنفس تسارع إلى السخط، وتبادر إلى الفتنة. فاستقبلته هاهنا (عقبة العوارض الأربعة)، فاحتاج إلى قطعها بأربعة أشياء: التوكل على الله سبحانه فى مواضع الرزق، والتفويض إليه في موضع الخطر، والصبر عند نزول الشدائد، والرضا عند نزول القضاء، فأخذ في قطع هذه العقبة بإذن الله، وحسن تأييده، فلما فرغ من قطعها، وعاد إلى قصد العبادة، نظر فإذا النفس فاترة ضعيفة، كَسْلى لا تنشط، ولا تنبعث لخير كما يحقُّ وينبغى، وإنما ميلها أبداً إلى غفلة ودَعَة، وراحة وبطالة، بل إلى شرٍّ وفضول، وبليَّة وجهالة، فاحتاج معها هاهنا إلى سائق يسوقها إلى الخير والطاعة، وينشطها لهما، وزاجِرًا يزجرها عن الشر والمعصية)( ). فضل العلم في القرآن: لا يوجد كتاب سماوي تحدث في فضل العلم، والثناء على أهله، وبيان ما لهم عند الله وعند خلقه من مكانة؛ غير القرآن الكريم. فانظر إلى شواهد القرآن المتكاثرة في ذلك، يقول الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران:18]. فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه، وثنَّى بالملائكة وثلَّث بأهل العلم؛ وناهيك بهذا شرفًا وفضلًا، وجلالًا ونبلًا. وقال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة، ما بين الدرجتين مسيرة خمسمائة عام. وقال عز وجل: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9]. فنفى التسوية بين العالم والجاهل، من غير نظر إلى نوع العلم. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [الفاطر:28] فقصَر خشيةَ الله على العلماء. وقال تعالى: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} [الرعد:43]. وقال تعالى: {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40]، لما طلب سليمان من رعيته من يأتيه بعرش بلقيس من اليمن، وهو في فلسطين، قال عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:39]. ولكن سليمان يريد ما هو أسرع من ذلك. فقال الذي عنده علم من الكتاب: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل:40]. وإذا كان السابق من الجن؛ فهذا ليس منهم، فهو من الإنس. وقال ما قال تنبيهًا على أنه اقتدر بقوة العلم. وقال عز وجل في قصة قارون حين خرج على قومه في زينته: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [القصص:80]. بيَّن أن عِظَم قدر الآخرة يُعْلَم بالعلم. وقال تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]. تُثبت الآية أنه لا يعقل الأمثال المضروبة للناس إلا أهل العم وحدهم. وقال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. ردَّ حكمه في الوقائع إلى استنباطهم، وألحق رتبتهم برتبة الأنبياء في كشف حكم الله. فضل العلم في السنة: من ذلك: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين"( ). وقال صلى الله عليه وسلم: "العلماء ورثة الأنبياء"( ). ومعلوم أنه لا رُتبة فوق النبوة، ولا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرتبة. وقال صلى الله عليه وسلم: "يستغفر للعالم ما في السماوات والأرض"( ). وأي منصب يزيد على منصب من تشتغل ملائكة السماوات والأرض بالاستغفار له؟!
4191
| 03 يوليو 2014
الحلقة الخامسة اعلم أن العقل المكتسَب لا ينفكُّ عن العقل الغريزي؛ لأنه نتيجة منه، وقد ينفك العقل الغريزي عن العقل المكتسب، فيكون صاحبه مسلوب الفضائل، موفور الرذائل، كالأنوك (الأبله) الذي لا تجد له فضيلة، والأحمق الذي قلَّما يخلو من رذيلة. وقال بعض الحكماء: الحاجة إلى العقل، أقبح من الحاجة إلى المال، وقال بعض البلغاء: دولة الجاهل عبرة العاقل. وقال أَنُوشِرْوَانُ لِبُزُرْجُمِهْرَ: أي الأشياء خيرُ للمرء؟ قال: عقل يعيش به، قال: فإن لم يكن؟ قال: فإخوان يسترون عيبه، قال: فإن لم يكن؟ قال: فمال يتحبب به إلى الناس، قال: فإن لم يكن؟ قال: فعِيٌّ صامتٌ، قال: فإن لم يكن؟ قال: فمَوْتٌ جارِف. وقال سابورُ بنُ أَرْدِشِير: العقل نوعان: أحدهما مطبوع، والآخر مسموع، ولا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه، بين العقل والهوى: وأما الهوى فهو عن الخير صادٌّ، وللعقل مضادٌّ، لأنه ينتج من الأخلاق قبائحَها، ويظهر من الأفعال فضائحَها، ويجعل سترَ المروءة مهتوكًا، ومدخل الشرِّ مسلوكًا. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: الهوى إله يعبد من دون الله، ثم تلا: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23]. وقال عكرمة في قوله تعالى: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ}: يعني بالشهوات، {وَتَرَبَّصْتُمْ}: يعني بالتوبة، {وَارْتَبْتُمْ}: يعني في أمر الله، {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ}: يعني بالتسويف، {حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ}: يعني الموت، {وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]: يعني الشيطان. العلم مطلوب لكل إنسان: وهذا العلم مطلوب لكل إنسان، يريد أن يعرف حقيقته، وحقيقة الكون من حوله، يسأل الإنسان نفسه: من أنا؟ نحن نرى الناس من حولنا ينشأون من آباء وأمهات، يبدأون صغارًا فيكبرون، وضعافًا فيقوون، وجهَّالًا فيتعلمون، ويجدون كونًا فسيحًا، يعملون فيه، ويتعلمون منه، ويتساءلون فيما بينهم أسئلة تحيرهم، ثم يجدون إجابتها الشافية عند أناس بأقوالهم: نحن رسل الله إليكم، جئناكم مبشرين منذرين، لتعلموا أن لكم ربًّا خلقكم ورزقكم، ولم يدعكم سُدًى، ولم يخلقكم عبثًا، فقد أعلمهم أنه خلقكم لتخلدوا في دار أخرى بعد هذه الدار الفانية، وتدخلوا جنات ربكم تعيشون فيها منعَّمين خالدين، لكم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، في جنة عرضها كعرض السماوات والأرض، أعدت للذين آمنوا بالله ورسله، أما من يكفر بالله ورسله، ويقف ضد الرسل والمؤمنين فليس له إلا النار. والعلم مطلوب أيضًا لكل من آمن بالله ورسوله واليوم الآخر، ليعرف ماذا يطلب الله منه، لكي يؤدي ما يحبه الله تعالى من معارف يستنير بها عقله، بحيث يعرف نفسه، ويعرف ربه، ويعرف الكون الذي يعيش فيه، وأنه كون كبير مملوك لله تعالى، ومدبَّر بأمره، وفيه ملائكة مسخَّرون لعبادة الله، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، وفيه مخلوقون لا نراهم؛ هم الجن والشياطين، وأن من شأن الله تعالى أن يرسل لنا رسله ليعلمونا كيف نطيع الله تعالى ونحبه، بعبادته وحده لا شريك له، وبخلافته في أرضه بتنفيذ شرعه، وتحكيم أمره، وبعمارة أرضه وإحيائها وترتيبها، كما يريدها ربنا عز وجل، وهذا ما يطلبه عالمُ الفقه. والعلم مطلوب كذلك لكل مؤمن بالله ليُكمل إيمانَه ويزيده، ويتقرب إلى ربه، وهو ما يريد به السالك إلى طريق الله تعالى، وهو الصراط المستقيم، الذي نسأل الله تعالى في صلواتنا الخمس في كل يوم أن يهدينا إليه: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } [الفاتحة:7-6]. و(العلم) هو الذي يشرح لكل طائفة من هؤلاء ما يطلبونه من الدين- وهناك الذين يطلبون علم العقيدة، أو يطلبون علم الفقه، أو علم السلوك- ما هو المطلوب منهم لأنفسهم، وما المطلوب منهم لغيرهم. وقد وُجِدَ من بعض أرباب السلوك من شكَّك في ضرورة العلم، ولكن العلماء الراسخين ردوا على هؤلاء، وبيَّنوا أن العلم فريضة شرعية وضرورة دينية، لا يستغني عنه إنسان لا في دين ولا في دنيا، فهناك علوم هي فروض كفاية على الناس، وعلوم هي فروض عينية. ابن القيم يشرح منزلة العلم في السلوك : ومن هنا جاء كلام الإمام ابن القيم وهو يشرح (منازل السائرين) لشيخ الإسلام الهروي، فيقول رحمه الله: (ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة (العلم)، وهذه المنزلة إن لم تصحب السالك من أول قدم يضعه في الطريق إلى آخر قدم ينتهي إليه: فسلوكه على غير طريق، وهو مقطوع عليه طريق الوصول، مسدود عليه سبل الهدى والفلاح، مغلقة عنه أبوابها. وهذا إجماع من الشيوخ العارفين. ولم ينه عن العلم إلا قطاع الطريق منهم ونوابُ إبليس وشُرَطُه. قال سيد الطائفة وشيخهم الجُنَيْد بن محمد رحمه الله: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. وقال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال أبو حفص رحمه الله: من لم يزِنْ أفعالَه وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة، ولم يتهم خواطره فلا يُعَد في ديوان الرجال. وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله: ربما يقع في قلبي النكتة من نُكَت القوم أيامًا، فلا أقْبَل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة. وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء- طاعة كان أو معصية- فهو عَيْش النَّفْس، وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء: فهو عذاب على النفس. وقال السَّرِيُّ: التصوف اسم لثلاثة معان: لا يُطفِئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله. وقال أبو يزيد: عملتُ في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئًا أشد عليَّ من العلم ومتابعته، ولولا اختلاف العلماء لتعبتُ- واختلاف العلماء رحمة - إلا في تجريد التوحيد. وقال مرة لخادمه: قم بنا إلى هذا الرجل الذي قد شَهَر نفسه بالصلاح لنَزُورَه، فلما دخلا عليه المسجد تنخَّع، ثم رمى بها نحو القبلة؛ فرجع ولم يسلِّم عليه وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله، فكيف يكون مأمونًا على ما يدعيه؟ وقال: لقد هممتُ أن أسأل الله تعالى أن يكفيني مؤنة النساء، ثم قلتُ: كيف يجوز لي أن أسأل الله هذا، ولم يسأله رسول الله؟ ولم أسأله، ثم إن الله كفاني مؤنة النساء، حتى لا أبالي استقبلتني امرأة أو حائط، وقال: لو نظرتم إلى رجل أعطي من الكرامات إلى أن يرتفع في الهواء، فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي، وحفظ الحدود وأداء الشريعة؟ وقال أحمد بن أبي الحواري رحمه الله: من عمل عملًا بلا اتباع سُنَّة فباطلٌ عملُه. وقال أبو عثمان النيسابوري رحمه الله: الصحبة مع الله: بحسن الأدب، ودوام الهيبة والمراقبة. والصحبة مع الرسول: باتِّباع سُنَّته ولزوم ظاهر العلم، ومع أولياء الله بالاحترام والخدمة، ومع الأهل بحسن الخُلُق، ومع الإخوان بدوام البِشْر ما لم يكن إثمًا ومع الجُهَّال بالدعاء لهم والرحمة. زاد غيره: ومع الحافِظَيْن (الملكَيْن الكاتبين): بإكرامهما واحترامهما وإملائهما ما يحمدانِكَ عليه. ومع النفس بالمخالفة ومع الشيطان بالعداوة. وقال أبو عثمان أيضًا: من أمَّر السُّنَّة على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولًا وفعلًا نطق بالبدعة؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيْعُوْهُ تَهْتَدُوْا} [النور:54]. وقال أبو الحسين النوري: من رأيتموه يدَّعي مع الله عز وجل حالةً تُخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه. وقال محمد بن الفضل البامجي- من مشايخ القوم الكبار-: ذهاب الإسلام من أربعة: لا يعملون بما يعلمون، ويعملون بما لا يعلمون، ولا يتعلمون ما يعملون، ويمنعون الناس من التعلم والتعليم. وقال عمرو بن عثمان المَكِّي: العلم قائد والخوف سائق والنفس حَرُونٌ بين ذلك، جَمُوح خَدَّاعة روَّاغة فاحذرها، ورَاعِها بسياسة العلم وسُقها بتهديد الخوف، يتم لك ما تريد. وقال أبو سعيد الخراز: كل باطن يخالفه الظاهر فهو باطل. وقال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السنة، نوّر الله قلبه بنور المعرفة. ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه. وقال: كل ما سألتَ عنه فاطلبه في مفازة العلم، فإن لم تجدْه ففي مَيْدان الحكمة، فإن لم تجده فزِنْه بالتوحيد، فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة، فاضرب به وجه الشيطان. وأُلقِيَ بُنَانُ الحمَّال بين يديِ السبُعِ فجعل السبع يَشَمُّه ولا يضرُّه، فلما أُخْرِج قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمَّك السبُع؟ قال: كنتُ أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع. وقال أبو حمزة البغدادي- من أكابر الشيوخ وكان أحمد بن حنبل يقول له في المسائل: ما تقول يا صوفي؟: من علم طريق الحق سهُل عليه سلوكُه ولا دليل على الطريق إلى الله إلا متابعةُ الرسول في أحواله وأقواله وأفعاله. ومرَّ الشيخ أبو بكر محمد بن موسى الواسطي يومَ الجمعة إلى الجامع، فانقطع شِسْع نعلِه، فأصلحه له رجل صيدلاني فقال: تدري لم انقطع شِسْع نعلي؟ فقلتُ: لا فقال: لأني ما اغتسلت للجمعة فقال: هاهنا حمَّام تدخله؟ فقال: نعم فدخل واغتسل. وقال أبو إسحاق الرقيُّ- من أقران الجنيد-: علامة محبة الله: إيثار طاعته ومتابعة رسوله- صلى الله عليه وسلم-. وقال أبو يعقوب النَّهَرْجُورِي: أفضل الأحوال: ما قارن العلم. وقال أبو القاسم النصراباذي- شيخ خراسان في وقته-: أصل التصوف ملازمة الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع، وتعظيم كرامات المشايخ، ورؤية أعذار الخلق، والمداومة على الأوراد، وترك ارتكاب الرخص والتأويلات. وقال أبو بكر الطَّمَسْتَانِي- من كبار شيوخ الطائفة-: الطريق واضح والكتاب والسنة قائم بين أظهرنا، وفضل الصحابة معلوم لسبقهم إلى الهجرة ولصحبتهم، فمن صحب الكتاب والسنة، وتغرب عن نفسه وعن الخلق وهاجر بقلبه إلى الله: فهو الصادق المُصيب. وقال أبو عمرو بن نُجَيد: كل حالٍ لا يكون عن نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه. وقال: التصوف: الصبر تحت الأوامر والنواهي. وكان بعض أكابر الشيوخ المتقدِّمين يقول: يا معشر الصوفية، لا تفارقوا السواد (أي سواد المِدَاد)، في البياض تهلكوا. ما يروى عن بعض الصوفية من التزهيد في العلم: ونحو هذا من الكلمات التي أحسن أحوال قائلها: أن يكون جاهلا يُعذر بجهله أو شاطحًا معترفًا بشطحه، وإلا فلولا عبد الرزاق وأمثاله، ولولا (أخبرنا) و(حدثنا)، لما وصل إلى هذا وأمثاله شيء من الإسلام. ومن أحالك على غير (أخبرنا) و(حدثنا) فقد أحالك: إما على خيال صوفي أو قياس فلسفي، أو رأي نفسي؛ فليس بعد القرآن و(أخبرنا) و(حدثنا) إلا شبهات المتكلمين وآراء المنحرفين، وخيالات المتصوفين وقياس المتفلسفين، ومن فارق الدليل ضل عن سواء السبيل. ولا دليل إلى الله والجنَّة سوى الكتاب والسُّنَّة، وكل طريق لم يصحبها دليل القرآن والسنة فهي من طرق الجحيم والشيطان الرجيم. ين العلم والحال: و (العلم) ما قام عليه الدليل، والنافع منه: ما جاء به الرسول، و(العلم) خير من (الحال): (العلم) حاكم و(الحال) محكوم عليه. و(العلم) هادٍ و(الحال) تابع. و(العلم) آمِرٌ ناهٍ و(الحال) منفِّذ قابِل. و(الحال) سَيف إن لم يصحبه العلم فهو مخراق في يد لاعب، و(الحال) مَرْكِب لا يجارى، فإن لم يصحبه (علم) ألقى صاحبَه في المهالك والمتالف، و(الحال) كالمال، يؤتاه البَرُّ والفاجر، فإن لم يصحبه نور العلم كان وبالا على صاحبه. الحال بلا علم كالسلطان الذي لا يزعه عن سطوته وازع. الحال بلا علم كالنار التي لا سائس لها ،نفعُ الحال لا يتعدى صاحبه ونفع العلم كالغيثِن يقع على الظِّراب والآكام، وبطون الأودية ومنابت الشجر، دائرة العلم تسع الدنيا والآخرة، ودائرة الحال تضيق عن غير صاحبه، وربما ضاقت عنه، العلم هادٍ والحال الصحيح مهتَدٍ به، وهو تركة الأنبياء وتراثهم وأهله عصبتهم ووراثهم. وهو حياة القلوب ونور البصائر وشفاء الصدور، ورياض العقول ولذة الأرواح، وأنس المستوحشين ودليل المتحيرين، وهو الميزان الذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال، وهو الحاكم المفرِّق بين الشك واليقين والغي والرشاد، والهدى والضلال به يُعرف الله ويعبد, ويذكر ويوحَّد, ويحمد ويمجَّد, وبه اهتدى إليه السالكون, ومن طريقه وصل إليه الواصلون, ومن بابه دخل عليه القاصدون. به تعرف الشرائع والأحكام, ويتميز الحلال من الحرام, وبه توصل الأرحام وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها، يوصل إليه من قريب. وهو إمام والعمل مأموم، وهو قائد والعمل تابع. وهو الصاحب في الغربة والمحدِّث في الخَلوة والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشبهة، والغِنَى الذي لا فقر على من ظفر بكنزه والكَنَف الذي لا ضَيْعة على من آوى إلى حِرْزه. مذاكرته تسبيح, والبحث عنه جهاد، وطلبُه قربة وبذلُه صدقة، ومدارستُه تُعدَل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام. قال الإمام أحمد رضي الله عنه: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.
1599
| 02 يوليو 2014
قال سهل بن هارون يومًا وهو عند المأمون: مِن أصناف العلم ما لا ينبغي للمُسلمين أن يَرْغبوا فيه، وقد يُرغَب عن بعض العِلم، كما يُرغب عن بَعض الحلال؛ فقال المأمون: قد يُسمِّي بعضُ الناسِ الشيءَ عِلمًا وليس بعلمِ، فإن كان هذا أردتَ فوَجْهُه الذي ذَكرتُ؛ ولو قلتَ أيضًا: إِنّ العلم لا يُدْرَك غوْرُه، ولا يُسْبر قَعْره، ولا تُبلَغُ غايتُهُ، ولا تُستقَى أُصولُه، ولا تَنْضَبط أجزاؤُه؛ صدقتَ. فإن كان الأمر كذلك؛ فابدأ بالأهمِّ فالأهمِّ، والأوكد فالأوكد، وبالفَرْض قبل النَّفل، يكُنْ ذلك عَدْلًا قصدًا ومذْهبًا جَمِيلًا. وقد قال بعضُ الحُكماء: لستُ أَطلبُ العلْم طمعًا في غايته، والوقوف على نِهايته، ولكن التماسَ ما لا يسع جَهلُه؛ فهذا وَجهٌ لما ذكرت. وقال آخرون: عِلْم المُلوك النَّسَبُ والخَبَر، وعِلمُ أصحاب الحُروب درْسُ كُتبِ الأيَّام والسِّير، وعِلم التجَّار الكِتابُ والحِساب، فأما أن يُسمَّى الشيءُ عِلمًا، ويُنهى عنه من غير أن يُسأل عما هو أنفع منه، فلا. وقال محمد بن إدريس (الشافعي) رضي الله عنه: العِلم علمان: عِلم الأبدان، وعِلم الأديان. أراد بعلم الأبدان: الطب بكل فروعه وتخصصاته. وعلم الأديان: علم العقائد والكلام. وهناك علم اللسان، وهو: اللغة وعلومها وآدابها. وهناك علم العمران، وهو علم الشريعة والفقه وأصوله وقواعده ومقاصده. وقال عبد الله بن مُسلم بن قُتيبة: من أراد أن يكون عالمًا فليطلب فنًّا واحدًا، ومن أراد أن يكون أديبًا فَلْيتسع في العلوم. وفي رواية: فليتقنن في العلوم. وهو ما يقال اليوم عن العلم والثقافة. فمن أراد أن يكون عالمًا: أي متخصِّصًا في علم، فليحط به. ومن أراد أن يكون مثقفًا، فعليه أن يأخذ من كل علم طرفًا. (وقال أبو يوسُف القاضي: ثلاثة لا يَسلمون من ثلاثة: مَن طلب الدِّين بالفلسفة لمِ يَسلم من الزَّنْدَقَة، ومَن طلب المالَ بالكِيمياء لم يَسلم من الفَقْر، ومن طلب غرائبَ الحديثِ لم يَسلم من الكذب. وقال ابن سِيرين رحمه الله تعالى: العِلْم أكثرُ من أن يُحاط به، فخُذوا من كلِّ شيء أحسنه. وقال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: كَفَاك من عِلم الدِّين أن تَعرف ما لا يسع جهلُه، وكفاك من عِلم الأدب أن تَرْوِي الشاهدَ والمَثَل، وقالوا: مَن أكثر من النَّحْو حَمَّقه، ومن أكثر من الشعر بَذَّله، ومن أكثر من الفِقه شرَّفه. الحضُّ على طلب العلم قيل لأبي عمرو بن العَلاء: هل يَحْسُن بالشَيخ أن يتعلَّم؟ قال: إن كان يَحسن به أن يعيش فإنه يحسن به أن يتعلم. وقال عُرْوة بن الزُّبير رحمه الله تعالى لبنيه: يا بَنِيَّ، اطلبوا العِلم، فإن تكونوا صِغارَ قومٍ لا يُحتاج إليكم، فعسى أن تكونوا كبارَ قوم آخرين لا يُستغني عنكم. وقال مَلِك الْهِند لولده- وكان له أربعون ولدًا-: يا بَنِي، أكثِروا من النظر في الكتب، وازدادوا في كل يوم حرفًا، فإن ثلاثةً لا يَستوْحشون في غُربةٍ: الفقِيهُ العالِم، والبَطَل الشجاع، والحُلوُ اللسان الكثير مخارج الرأي. وقال المُهَلَّب لبَنِيه: إياكم أن تجلسوا في الأسواق إلا عند زَرَّاد (صانع الدروع) أو وَرَّاق. أراد الزرَّاد للحرب، والورَّاق للعلم. ومَرَّ رجل بعبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر، وهو جالس في المَقْبرة، وبيده كتاب، فقال له: ما أَجلسك هاهنا؟ قال: إنه لا أوْعظَ مِن قبر، ولا أَمتع من كِتاب. أهمية العلم وضرورته: قال القاضي أبو الحسن الماوردي، الفقيه الشافعي رحمه الله تعالى، في بداية كتابه (أدب الدنيا والدين): (إن شرف المطلوب بشرف نتائجه، وعظم خَطَره بكثرة منافعه، وبحسَب منافعه، تجب العناية به، وعلى قدر العناية به، يكون اجتناء ثمرته. وأعظم الأمور خطرًا وقدْرًا، وأعمها نفعًا ورِفْدا، ما استقام به الدين والدنيا، وانتظم به صلاح الآخرة والأولى؛ لأن باستقامة الدين تصح العبادة، وبصلاح الدنيا تتم السعادة. وقد توخَّيت بهذا الكتاب، الإشارة إلى آدابهما، وتفصيل ما أُجمل من أحوالهما، على أعدل الأمرين: من إيجاز وبسْط، أجمع فيه بين تحقيق الفُقهاء، وترقيق الأدباء، فلا ينبو عن فهم، ولا يدقُّ في وهم، مستشهدًا من كتاب الله جل اسمُه بما يقتضيه، ومن سنن رسول الله صلوات الله عليه بما يضاهيه، ثم مُتْبعًا ذلك بأمثال الحكماء، وآداب البلغاء، وأقوال الشعراء؛ لأن القلوب ترتاح إلى الفنون المختلفة، وتسأم من الفن الواحد. وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن القلوب تملُّ كما تملُّ الأبدان، فأهدوا إليها طرائف الحكمة. فكأن هذا الأسلوبُ؛ يحب التنقل في المطلوب، من مكان إلى مكان. وكان المأمون رحمه الله تعالى، يتنقل كثيرًا في داره، من مكان إلى مكان، وينشد قول أبي العتاهية رحمه الله: فضل العقل وذم الهوى منطق العقل يدعو الإنسان للبحث عن حقيقته، من أين جاء، وجاء العالم من حوله؟ ومن الذي جاء به وخلقه من عدم؟ وإلى من يذهب بعدَ وجودِه؟ وهل للإنسان رسالة فيقوم بها في حياته؟. وهذه الأسئلة هي التي انتهت بالإنسان إلى الدين، وإلى وجود الله، وإلى الدار الآخرة. ومن هنا قال الماوردي في الباب الأول: (في فضل العقل وذم الهوى) في كتاب (أدب الدنيا والدين): (اعلم أن لكل فضيلة أُسًّا، ولكل أدب ينبوعًا. وأسُّ الفضائل، وينبوع الآداب، هو العقل، الذي جعله الله تعالى للدين أصلًا، وللدنيا عمادًا، فأوجب التكليف بكماله، وجعل الدنيا مدبَّرة بأحكامه، وألَّف به بين خلقه، مع اختلاف هممهم ومآربهم، وتبايُن أغراضهم ومقاصدهم، وجعل ما تعبدهم به قسمين: قسمًا وجب بالعقل، فوكَّده الشرعُ، وقسمًا جاز في العقل، فأوجبه الشرع؛ فكان العقل لهما عمادًا. فبقدر عقله، تكون عبادته لربه، أما سمعتم قول الفجَّار (وهم في النار): {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أصلُ الرجل عقلُه، وحسَبُه دينُه، ومروءته خُلُقه. وقال الحسن البصري رحمه الله: ما استودع اللهُ أحدًا عقلًا، إلا استنقذه به يومًا ما. وقال بعض الحكماء: العقل أفضل مرجُوٍّ، والجهل أنكى عدوٍّ. وقال بعض الأدباء: صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله. وقال بعض البلغاء: خير المواهِب العقل، وشر المصائب الجهل. واعلم أن بالعقل تعرف حقائق الأمور، ويفصل بين الحسنات والسيئات. وقد ينقسم إلى قسمين: غريزي ومكتسب. العقل الغريزي والعقل المكتسب: فالغريزي هو العقل الحقيقي، وله حد يتعلق به التكليف، لا يجاوزه إلى زيادة، ولا يقصر عنه إلى نقصان، وبه يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان، فإذا تم في الإنسان سُمِّي عاقلًا، وخرج به إلى حد الكمال، وروى الضحَّاك في قوله تعالى: {لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس:70]: أي من كان عاقلًا. وأما العقل المكتسب، فهو نتيجة العقل الغريزي، وهو نهاية المعرفة، وصحة السياسة، وإصابة الفكرة، وليس لهذا حد؛ لأنه ينمو إن استعمل، وينقص إن أُهمِل. ونماؤه يكون بأحد وجهين: إما بكثرة الاستعمال إذا لم يعارضه مانع من هوى، ولا صادٌّ من شهوة، كالذي يحصل لذوي الأسنان من الحنكة، وصحة الرويَّة، بكثرة التجارب، وممارسة الأمور. ولذلك حمَدَتِ العرب آراء الشيوخ، حتى قال بعضهم: المشايخ أشجار الوقار، ومناجع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يسقط لهم وهم، إن رأوك في قبيح صدوك، وإن أبصروك على جميل أمدُّوك. وقيل: عليكم بآراء الشيوخ؛ فإنهم إن فقدوا ذكاءَ الطَّبْع، فقد مرت على عيونهم وجوهُ العِبَر، وتصدَّت لأسماعهم آثار الغِيَر. وقيل في منثور الحكم: من طال عمره، نقصت قوة بدنه، وزادت قوة عقله. وقيل فيه: لا تَدَعُ الأيام جاهلًا إلا أدَّبته. وقال بعض الحكماء: كفى بالتجارب تأديبًا، وبتقلُّبِ الأيام عظة. وقال بعض البلغاء: التجربة مرآة العقل، والغِرَّة ثمرة الجهل. وأما الوجه الثاني: فقد يكون بفرط الذكاء، وحُسن الفطنة. وذلك جودة الحَدْس، في زمانٍ غيرِ مهمِلٍ للحَدْس، فإذا امتزج بالعقل الغريزي، صارت نتيجتهما نموُّ العقل المكتسَب، كالذي يكون في الأحداث من وفور العقل، وجودة الرأي، حتى قال هَرِم بن قُطْبة، حين تنافر إليه عامرُ بن الطُّفَيْل، وعلقمة بن عُلَاثة: عليكم بالحديث السنّ، الحديدِ الذهن. ولعل هَرِمًا أراد أن يدفعهما عن نفسه، فاعتذر بما قال، لكن لم ينكرا قوله، إذعانًا للحق، فصارا إلى أبي جهل، لحداثة سنِّه، وحدة ذهنه، فأبى أن يحكم بينهما، فرجعا إلى هَرِم، فحكم بينهما، مشاورة الشباب وقد قالت العرب: عليكم بمشاورة الشباب؛ فإنهم ينتجون رأيًا لم ينله طولُ القِدَم ، ولا استولَتْ عليه رُطُوبة الهَرَم. وقد قال الشاعر: رأيت العقل لم يكن انتهابَا ولم يُقــسَم على عـــــدد السنينا ولو أن السـنين تقــــاســــــمتْهُ حـــــــوى الآبـــــاءُ أنصبـــــةَ البنـــينا وحكى الأصمعي رحمه الله قال: قلت لغلام حَدَث (شابٍّ) من أولاد العرب كان يحادثني، فأمتعني بفصاحة وملاحة: أيسرُّكَ أن يكون لك مائة ألف درهم، وأنت أحمق؟ قال: لا والله. قال: فقلت: ولم؟ قال: أخاف أن يجني عليَّ حمقي جنايةً تَذهب بمالي، ويبقى عليَّ حمقي. فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج بفرط ذكائه، واستنبط بجودة قريحته، ما لعله يدُقُّ على من هو أكبر منه سنًّا، وأكثر تجرِبة. وأحسن من هذا الذكاء والفطنة، ما حكى ابنُ قتيبة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بصبيان يلعبون، وفيهم عبد الله بن الزبير، فهربوا منه إلا عبد الله، فقال له عمر رضي الله عنه: ما لك؟ لم لا تهربُ مع أصحابك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أكن على رِيبَة، فأخافَك، ولم يكن الطريق ضيِّقًا، فأُوسِّعَ لك. فانظر ما تضمَّنه هذا الجواب من الفطنة، وقوة المُنَّة، وحسن البديهة، كيف نفى عنه اللوم، وأثبت له الحُجَّة؛ فليس للذكاء غاية، ولا لجودة القريحة نهاية. اكتمال العقل: فأما إذا اجتمع هذان الوجهان في العقل المكتَسب، وهو ما ينمِّيه فرطُ الذكاء، بجودة الحَدْس، وصحة القريحة بحُسن البديهة، مع ما ينميه الاستعمالُ بطول التجارِب، ومرور الزمان بكثرة الاختبار، فهو العقل الكامل على الإطلاق، وفي الرجل الفاضل الاستحقاق. زيادة العقل المكتسب: قال الماوردي: واختلف الناس في العقل المكتسَب إذا تناهى وزاد، هل يكون فضيلة أم لا؟ فقال قوم: لا يكون فضيلة؛ لأن الفضائل هيئات متوسطة بين فضيلتين ناقصتين، كما أن الخير توسط بين رذيلتَيْن، فما جاوز التوسط خرج عن حد الفضيلة. وقد قالت الحكماء للإسكندر: أيها الملك، عليك بالاعتدال في كل الأمور، فإن الزيادة عيب، والنقصان عجز. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خير الأمور النمَطُ الأوسطُ، إليه يرجع العالي، ومنه يلحق التالي. قالوا: لأن زيادة العقل تفضي بصاحبها إلى الدهاء والمكر، وذلك مذموم، وصاحبه ملوم. وقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري أن يعزل زيادًا عن ولايته، فقال زياد: يا أمير المؤمنين، أعن مَوْجِدة أو خيانة؟ فقال: لا عن واحدة منهما، ولكن خفتُ أن أحمل على الناس فضلَ عقلِكَ. ولأجل هذا المحكيِّ عن عمر، ما قيل قديمًا: إفراط العقل مُضِرٌّ بالجسد. وقال آخرون، وهو أصح القولين: زيادة العقل فضيلة؛ لأن المكتسَبَ غيرُ محدود، وإنما تكون زيادة الفضائل المحمودة نقصًا مذمومًا؛ لأن ما جاوز الحد لا يسمى فضيلة، كالشجاع إذا زاد على حد الشجاعة، نسب إلى التهوُّر؛ والسخيُّ إذا زاد على حد السخاء، نسب إلى التبذير. وليس كذلك حال العقل المكتسَب؛ لأن الزيادة فيه زيادة علم بالأمور، وحسن إصابة بالظنون، ومعرفة ما لم يكن إلى ما يكون، وذلك فضيلة لا نقص. فقوله سديد، وفعله حميد، والجاهل مِن جهلِه في إغواء، ومِن هواه في إغراء، فقوله سقيم، وفعله ذميم. فأما الدهاء والمكر فهو مذموم؛ لأن صاحبه صرف فضل عقله إلى الشر، ولو صرفه إلى الخير لكان محمودًا. وقد ذكر المغيرةُ بن شعبة عمرَ بن الخطاب، فقال: كان- والله- أفضلَ من أن يَخْدَع، وأعقلَ من أن يُخدَع. وقال عمر: لست بالخَبِّ، ولا يخدعني الخَبُّ. واختلف الناس فيمن صرف فضل عقله إلى الشر؛ كزياد (ابن أبيه) وأشباهه من الدهاة: هل يسمى الداهية منهم عاقلًا أو لا؟ فقال بعضهم: أسميه عاقلًا؛ لوجود العقل فيه؛ وقال آخرون: لا أسميه عاقلًا حتى يكون خيِّرا ديِّنًا؛ لأن الخير والدين من موجبات العقل؛ فأما الشرير فلا أسميه عاقلًا، وإنما أسميه صاحب رَوِيَّة وفِكْر. وقد قيل: العاقل من عقل عن الله أمرَه ونهيَه، حتى قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه فيمن أوصى بثلث ماله لأعقل الناس: إنه يكون مصروفًا في الزهاد؛ لأنهم انقادوا للعقل، ولم يغتروا بالأمل.
4905
| 01 يوليو 2014
من المهم هنا أن نتحدث عن كلمة (الأدب) في تراثنا الديني والشرعي، فلا ريب أن الكلمة قد عرفت عندهم كما عرفت عند غيرهم، بل إن القرون الأولى كان الجانب الديني فيها أظهر من غيره، كما يظهر ويتجلى ذلك للدارسين والباحثين. ولقد ظهر لنا في بحث رجال اللغة: أنهم وجدوا الحديث الذي نسبوه إلى الرسول الكريم: "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي". وهو حديث معروف عند علماء الدين، وإن لم يبلغ درجة الصحة المعروفة عندهم، ولكنهم تقبَّلوه، وتحدثوا عنه، وشرحوه، وخصوصًا المتأخرين منهم، كالعلامة المصري المُناوي (ت 1031ه) شارح (الجامع الصغير) للحافظ السيوطي، قال: " أدبني ربي ". أي علَّمني رياضة النفس، ومحاسن الأخلاق الظاهرة والباطنة. والأدب ما يحصل للنفس من الأخلاق الحسنة، والعلوم المكتسبة. وفي شرح النوابغ: هو ما يؤدي بالناس إلى المحامد. أي: يدعوهم. "فأحسن تأديبي". بإفضاله عليَّ بالعلوم الكسبية والوهبية، بما لم يقع نظيره لأحد من البشر. قال بعضهم: أدَّبه بآداب العبودية، وهذَّبه بمكارم أخلاق الربوبية. ولما أراد إرساله ليكون ظاهر عبوديته مرآة للعالم؛ كقوله: " صلوا كما رأيتموني أصلي". وباطن حاله مرآة للصادقين في متابعته، وللصِّدِّيقين في السير إليه؛ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. وقال القرطبي: حفظه الله من صغره، وتولى تأديبه بنفسه، ولم يكله في شيء من ذلك لغيره، ولم يزل الله يفعل به، حتى كرَّه إليه أحوال الجاهلية، وحماه منها، فلم يجر عليه شيء منها، كل ذلك لطفٌ به، وعطفٌ عليه، وجمع للمحاسن لديه. وفي هذا من تعظيم شأن الأدب ما لا يخفى. ومن ثَمَّ قالوا: الأدب صورة العقل، فصوِّرْ عقلَك كيف شئتَ. وقالوا: الفضل بالعقل والأدب، لا بالأصل والنسب؛ لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن ضل عقله ضل أصله. وقالوا: زكِّ قلبك بالأدب، كما تزكَّى النارُ بالحطب. وحسن الأدب يستر قبيح النسب). كلمة الإمام القرافي ذكر الإمام الفقيه الأصولي المالكي شهاب الدين القرافي (ت 684هـ)، في كتابه (الفروق) وهو يتحدث عن موقع الأدب من العمل، وبيان أنه مقدَّم في الرتبة عليه: (واعلم أن قليل الأدب، خير من كثير من العمل، ولذلك قال رُويم العالم الصالح لابنه: يا بُنيَّ اجعل عملك مِلْحًا، وأدبَك دقيقًا. أي استكثر من الأدب حتى تكون نسبته في الكثرة؛ نسبة الدقيق إلى الملح في العجين، وكثير من الأدب مع قليل من العمل الصالح، خير من العمل الصالح مع قلة الأدب!. وقبل ذلك قال الإمام الغزالي (ت 505هـ) في موسوعته (إحياء علوم الدين): (فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن، وحركات الجوارح ثمرات الخواطر، والأعمال نتيجة الأخلاق، والآداب رشحُ المعارف، وسرائر القلوب هي مغارس الأفعال ومنابعها، وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها، وتبدِّل بالمحاسن مكارهَها ومساوئَها. ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه. ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية، لم يُفِضْ على ظاهره جمالُ الآداب النبوية. ولقد كنتُ عزمتُ على أن أختم ربعَ العادات من هذا الكتاب بكتابٍ جامعٍ لآداب المعيشة، لئلَّا يشُقُّ على طالبها استخراجُها من جميع هذه الكتب، ثم رأيتُ كلَّ كتاب من ربع العادات قد أتى على جملة من الآداب، فاستثقلت تكريرها وإعادتها، فإن طلبَ الإعادة ثقيل، والنفوس مجبولة على معاداة المُعادَات، فرأيت أن أقتصر في هذا الكتاب على ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلاقه المأثورة عنه بالإسناد، فأسردها مجموعة فصلًا فصلًا، محذوفة الأسانيد، ليجتمع فيه مع جميع الآداب: تجديد الإيمان، وتأكيده، بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى، وأعلاهم رتبة، وأجلُّهم قدرًا، فكيف مجموعها؟ ثم أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكرَ خِلْقَته، ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار، ليكون ذلك مُعْرِبًا عن مكارم الأخلاق والشِّيَم، ومُنْتَزِعًا عن آذان الجاحدين لنبوته صمامَ الصَّمَم. والله تعالى وليُّ التوفيق للاقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال، وسائر معالم الدين، فإنه دليل المتحيرين، ومجيب دعوة المضطرين. وقال في (العوارف): بالأدب يفهم العلم، وبالعلم يصلح العمل، وبالعمل تُنال الحكمة. ولما ورد أبو حفص النيسابوري العراق، جاءه الجُنَيد، فرأى أصحابه وقوفًا على رأسه يأتمرون بأمره، فقال: أدَّبْتَ أصحابَك آداب الملوك. قال: لا، ولكن حسن الأدب في الظاهر، عنوانُ حُسن الأدب في الباطن. وقال العارف ابن سلام: مددتُ رجليَّ تجاه الكعبةِ، فجاءتني امرأة من العارفات، فقالت: إنك من أهل العلم، لا تجالسْه إلا بالأدب، وإلا مُحِيَ اسمُك من ديوان القُرب. وقال السَّقَطِي: مددت رجلي ليلة في المحراب، فنوديت: ما هكذا يُجالَس الملوكُ؛ فقلتُ: وعزتِكَ، لا مددتها أبدًا. فلم يمدَّها ليلًا ولا نهارًا. قال في العوارف: وكل الآداب متلَقَّياتٌ عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنه مَجْمَعُها ظاهرًا وباطنًا. وقال بعضهم: قد أدَّب الله تعالى رُوح نبيِّه صلى الله عليه وسلم ورباها في محل القُرْب، قبل اتصالها ببدنه الظاهر باللُّطف والهِبَة، فتكامل له الأنسُ باللُّطْف، والأدب بالهَيْبة، واتصلت بعد ذلك بالبدن، ليخرج باتصالها كمالاتٌ أخرى، من القوة إلى الفعل، وينال كلٌّ من الرُّوح والبدن بواسطة الأخرى، من الكمال ما يليق بالحال، ويصير قدوة لأهل الكمال. والأدب: استعمال ما يحمد قولًا وفعلًا. وقيل: الأخذ بمكارم الأخلاق. وقيل: الوقوف مع المستحسنات. وقيل: تعظيم مَن فوقَه، مع الرِّفْق بمن دُونَه. وقيل: غير ذلك. قال الحرَّاني: والربوبية إقامة المَرْبوب لما خُلِق وأريد له، فرَبُّ كلِّ شيء مُقيمُه بحسَب ما أبداه وجودُه، فربُّ المؤمن رَبَّهُ وربَّاه للإيمان، وربُّ الكافر رَبَّه وربَّاه للكُفران. ورَبُّ محمدٍ صلى الله عليه وسلم رَبَّه وربَّاه للحمد، وربُ العالمين ربَّ كُلَّ عالَمٍ لِمَا خُلق له، {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50]. فالربوبية بيانٌ في كل رتبةٍ بحسَب ما أظهرته آية مربوبة، من عرف نفسه فقد عَرَف ربَّه) فضل الأدب والتأديب عند ابن مفلح الحنبلي: قال العلامة ابن مفلح الحنبلي المقدسي في فصل (في فضل الأدب والتأديب) من كتابه المعروف (الآداب الشرعية): (قال في (الغُنْية) — بعد أن ذكر جملة من الآداب —: ينبغي لكل مؤمن أن يعمل بهذه الآداب في أحواله. رُوِيَ عن عمر رضي الله عنه قال: تأدَّبوا، ثم تعلَّموا. وقال أبو عبد الله البَلْخِي: أدبُ العلمِ أكثر من العلم. وقال ابن المبارك: لا ينْبُل الرجل بنوعٍ من العلم ما لم يُزين عِلْمه بالأدب، رواه الحاكم في (تاريخه). ورُوِيَ عنه أيضًا: طلبتُ العلمَ فأصبتُ فيه شيئًا، وطلبت الأدب فإذا أهله قد ماتوا. وقال بعض الحكماء: لا أدب إلا بعقل، ولا عقل إلا بأدب، كان يقال: العون لمن لا عون له: الأدبُ. وقال الأحنف: الأدب نور العقل، كما أن النار في الظُّلمة نور البصر. كان يقال: الأدب من الآباء، والصلاح من الله. كان يقال: من أدَّب ابنَه صغيرًا، قرَّت به عينه كبيرًا. وقال بعضهم: من لم يؤدِّبْه والداه أدَّبه الليلُ والنهار. وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]. قال: أدِّبوهم وعلِّموهم. وقال بعضهم: قد ينفع الأدب الأحداث في صِغَر وليس ينفع عند الشِّيبةِ الأدبُ إن الغصــــــــونَ إذا قوَّمتها اعتدلَتْ ولا تلينُ إذا قوَّمتـــــــــها الخُشُبُ قيل لعيسى عليه السلام: من أدَّبك؟ قال: ما أدَّبَني أحد، رأيتُ جهلَ الجاهل فاجتنبتُه. وقال محمد بن سيرين: كانوا يقولون: أكرمْ ولدَك، وأحسنْ أدبه. وقال الحسن: التعلم في الصغر كالنقش في الحجر. وقال لقمان: ضربُ الوالد للولد كالسِّماد للزرع. ذكر ذلك ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس. وقال ابن المبارك: قال لي مَخْلدة بن الحسين: نحن إلى كثير من الأدب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من الحديث. وعن سعيد بن العاص مرفوعًا: "ما نَحَلَ والدٌ ولدًا أفضلُ من أدب حسن". وعن جابر بن سمرة مرفوعًا: "لَأَنْ يؤدبَ الرجل وَلَده خيرٌ من أن يتصدق بصاع". رواهما الترمذي، وقال في كل منهما: غريب. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ومن لم يذق مُرَّ التعلُّم ساعةً تجرَّعْ ذلَّ الجهل طولَ حياتهِ ومن فاته التعليم وقت شبابه فكَبِّر عليه أربعًــــــــــــــــــا لوفاتهِ حياةُ الفتى واللهِ بالعلمِ والتُّقَى إذا لم يكونا لا اعتبار لذاتهِ ومن هنا كان حرصهم على التعلم في وقت الصغر، والذاكرة قوية، ومشغوفة بالتقاط المعارف، وفارغة من المواد المتزاحمة. ولهذا قال الحكيم: من لم يتعلم في صغره لم يتقدم في كبره، والعلم في الصغر، كالنقشِ على الحجرِ؛ فقيل له: إن الكبير أوفر عقلًا؟ قال: ولكنه أكثر شغُلًا). ومن أجل هذا أنشَأَت الأمم الراقية المدارس والكتاتيب والخلاوي، لتعليم الأولاد في فترة الصبا والصغر، ولئلا يُضيعوا هذه الفترة في اللعب وحده، ولكن ليكون اللعب وسيلة للتعلم، ومعينًا على التعلم. وكثيرًا ما تُنشأُ مدارس للأذكياء يودعون فيها من صغرهم، ويتعلمون فيها اللغات والمهارات والكمبيوتر وغيرها، ويظهر فيها نوابغ وعباقرة، ويجب الاستفادة مما وصلوا إليه في التعليم العام عندنا. قيل لأحد الملوك: لماذا تحترم معلمك أكثر من أبيك؟ قال: لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومعلمي سبب حياتي الباقية؛ يعني حياة الفكر والضمير والروح. وقال الشاعر معبرًا عن هذا المعنى: فهذا مربي الروح، والروح جوهرٌ وذاك مربي الجسم، والجسم كالصَّدَف! وقد قرأتُ قديمًا هذه الحكمة: من أراد أن يكون أديبًا فليعرف شيئًا عن كل شيء، ومن أراد أن يكون عالمًا (أي: متخصصًا) فليعرف كل شيء عن شيءٍ. وهو ما يحاول بعضهم الآن أن يفرق به بين المثقِّف والعالم، فالمثقَّف من يعرف كثيرا من الأشياء؛ كيف يأخذ من كل علم قطرة أو شَربة أو رَشفة، والعالم: من يرتوي من أحد العلوم، ويتخصص فيه. أدب المسلم مع العلم والعلماء والتعلم والتعليم أول ما يحرص المسلم عليه، ويطلبه: هو العلم، الذي به يعرف نفسه، ويعرف ربه، ويعرف أصله، ويعرف الكون الذي يعيش فيه، والكائنات التي يتعامل معها، وخصوصًا من بني جنسه. وبهذا العلم تتكشَّف له الحقائق، وتُزاح عنه الأباطيل. وعن هذا العلم الأول، تتفرع علوم شتَّى، منها ما يتعلق بالدين، ومنها ما يتصل بالدنيا، ما ينزل بالمرء إلى أعماق الدنيا، ومنها ما يعلو به إلى آفاق الآخرة. وكل هذه العلوم مطلوبة، ولها وسائلها ومصادرهها، ولها شيوخها ومعلِّموها. ولابد لكل إنسان أن يطلب منها على قدر ما يتسع واديه، ولهذا كان أول ما نزل من القرآن على قلب محمد رسول الإسلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5 — 1]. ويسرُّني أن أبدأ هنا بما قاله أبو عمر أحمد بن محمد بن عَبْد ربِّه الأندلسي، في مقدمة كتاب (الياقوتة في العلم والأدب)، من كتابه الكبير (العقد الفريد)، وهو من الكتب العربية الأدبية الأصلية، قال: (ونحن قائلون بحمد الله وتوفيقه في العلم والأدب، فإنهما القُطبان اللذان عليها مَدار الدين والدنيا، وفَرْقُ ما بين الإنسان وسائر الحيوان، وما بين الطَّبيعة المَلَكية والطبيعة البهيمية، وهما مادَّة العقل وسراج البدن، ونُور القَلب، وعماد الرُّوح، وقد جَعل الله بلطيف قُدْرته، وعظيم سُلطانه، بعضَ الأشياء عَمَدًا لبعض، ومُتولِّدًا من بعض، فإجالة الوَهم فيما تُدْركه الحواسُّ تَبعث خواطر الذِّكر، وخواطر الذكر تنبه رويَّة الفِكْر، ورويَّة الفِكْر تثير مكامِن الإرادة، والإرادة تُحْكِم أسباب العمل، فكلُّ شيء يقوم في العقل، ويُمَثَّل في الوهم، يكون ذِكْرًا، ثم فِكْرًا، ثم إرادة، ثم عملًا. والعقل متقبِّل للعِلْم، لا يعمل في غير ذلك شيئًا. والعلم عِلمان: علم حُمِل، وعلم استُعمل، فما حُمل منه ضرَّ، وما استُعمل نَفع. (ويقصد بما حُمل: أنه لم يعمل به، كمثل الحمار يحمل أسفارا). والدليل على أن العقل إنما يعمل في تقبل العُلوم كالبصر في تقبل الألوان، والسمع في تقبل الأصوات: ان العاقل إذا لم يُعلَّم شيئًا كان كمن لا عقل له، والطِّفل الصغير لو لم تُعرِّفه أدبًا، وتُلقِّنه كتابًا، كان كأبلهِ البهائم، وأضلِّ الدوابِّ. قيل للمُهلَّب: بِمَ أدركتَ ما أدركتَ؟ قال: بالعِلم. قيل له: فإن غيرك قد عَلِم أكثر مما عَلِمتَ، ولم يُدرك ما أدركت!! قال: ذلك عِلم حُمِل، وهذا علم استُعْمل. وقد قال الحُكماء: العِلمُ قائد، والعَقل سائق، والنَّفس ذَوْد، فإذا كان قائد بلا سائق هلكت (الماشية)، وإن كان سائق بلا قائد أخذتْ يمينًا وشمالًا، وإذا اجتمعا أجابت طَوْعًا أو كَرْهًا.
2918
| 30 يونيو 2014
الحلقة الثانية في هذا الكتاب وفي سلسلة كتابنا - أو كتبنا- (تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء الكتاب والسنة)، نحاول أن نضع أمام المسلم، رجلاً كان أو امرأة، في الشرق أو في الغرب، من العرب أو من العجم: (فقه الآداب الإسلامية)، التي هي جزء أساس من الفقه الإسلامي المطلوب للمسلم وللحياة الإسلامية. ولهذا سميناه (أدب المسلم)، وهو أدب عُنِيَ به الإسلام، في قرآنه وسنته، وعُنِيَ به الصحابة وتابعوهم بإحسان، رضي الله عنهم، وعُنِيَ به علماء الأمة على اختلاف تخصصاتهم، فقهاءً ومفسرين ومحدِّثين ومتصوفة، وإن لم يفردوا هذه الآداب بصورة واضحة، وبلون مكشوف في الفقه الإسلامي، ولكنهم ذكروا أجزاءً منها في كتب الفقه، في أبوابها المتفرقة، وبعضها جمعوها في أبواب خاصة. وبعضها ألَّفوه في كتب مستقلة، تشمل الآداب خاصة، كما فعل الإمام محمد بن مُفلح الحنبلي (ت 762هـ)، الذي قال فيه ابن القيم: لا يوجد تحت قبة الفلك، أعلم منه بمذهب أحمد. وفي ذلك ألفَّ كتابه الشهير في (الآداب الشرعية)، ونشره العلامة السلفي المجدد الشيخ محمد رشيد رضا، ثم نشرته دار الرسالة في بيروت بتحقيق الشيخين العلمين: شعيب الأرناؤوط، وعبد القادر الأرناؤوط. الأدب عند المتصوفين وعلماء اللغة وقد بدأنا كتابنا هذا بتمهيد طويل عن (الأدب) الذي هو موضوع هذا الكتاب، الذي اهتم به أولا علماء الحديث، وجعلوا في كتبهم: كتاب الأدب؛ كما في البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وألَّف الإمام البخاري كتابًا خاصا سماه (الأدب المفرد)، وكانت بدايتهم من الحديث المشهور: "أدَّبَنِي ربي فأحسن تأديبي"، وحوله دندنوا. كما عني المتصوفة بالأدب، وتحدثوا عنه في كتبهم ومؤلفاتهم الخاصة، وصنفوه ضمن (منازل السائرين) إلى مقامات (إياك نعبد وإياك نستعين)، كما فعل الإمام الهروي (ت 481هـ) في رسالته التي شرحها الإمام ابن القيم (ت 751هـ)، على منهج شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728)، في كتابه: (مدارج السالكين)، وقد استفدنا منه، ومن كتب ابن القيم كلها، ومن مدرسة ابن تيمية، وعلمائها الأفذاذ. وكذلك عني علماء اللغة العربية وآدابها، وانتقلت الكلمة إليهم، لتضيف لهم علمًا كبيرًا واسعًا، يسمى: (علم الأدب). وقد أُلِّفَتْ فيه الموسوعات الأدبية قديمًا وحديثًا، من شعر ونثر ورسائل، ووصايا وقصص، وروايات ومقامات، مما قدُم وما حدُث. وما لا يزال يتصبب علينا سيولاً وأغادير، منها ما يروي، ومنها ما يغرق، ومنها ما يصفو، ومنها ما يكدر. أنواع أدب المسلم في هذا الكتاب تحدثنا عن جملة كبيرة من الآداب المهمة، التي تدخل في أدب المسلم، وأطلنا في الحديث عنها حتى نوفِّيها حقَّها. فإن كل أدب منها يستحق أن يؤلف فيه كتاب خاص، فلا تعجب من تطويلنا فيها، فهي تستحق. فتحدثنا في الآداب المذكورة في آيات الحقوق العشرة، وأولها وذروتها: الأدب مع الله تعالى، وأضفنا إليه الأدب مع رسوله، فهو ملحق به، وتتمة له، والأدب مع كتابه (القرآن) فهو تكملة للأدب معه تعالى. أدب البر والإحسان بالوالدين ثم تحدثنا عن أدب البر والإحسان بالوالدين، الذي يذكره القرآن بعد حق الله تعالى. ثم عن أدب ذوي القربى، ثم الأدب مع اليتامى والمساكين وابن السبيل وما ملكت الأيْمان. ثم عن الجار ذي القربى والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وهو ما يتعلق بآداب وحقوق الزوجية. ثم تحدثنا عن الآداب الكبيرة التي لها وزنها وثقلها في حياة المجتمعات والأمة، مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأدب الصحبة والصداقة، وأدب الكسب والمعاش، وأدب السفر والارتحال. ثم تحدثنا عن الآداب الاجتماعية المعروفة بين الناس، مثل أدب الطعام والشراب، وأدب اللباس والزينة، وأدب التحية، وأدب المجالس، وأدب التبصر في تكوين الرأي، وأدب التمسك بالحق والثبات عليه. ولا نعد أنفسنا قد استوفينا جميع الآداب التي تلزم المسلم في حياته، ولكن حسبنا أننا وضعنا أمامه أهم هذه الآداب، ليتأدب بها، ويتعلم منها، ويتخذها نبراسًا لحياته، حتى يفلح سعيه، ويصلح عمله، وتربح تجارته في الدنيا والآخرة. كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)، "فاطر: 29-30". وهكذا نرى المسلم في حضره وسفره، وفي يقظته ونومه، وجوعه وشبعه، وفي ضحكه وبكائه، وفي فرحه وحزنه، وفي تعبده الديني، وفي عمله الأسري، وعمله الثقافي، وعمله الاجتماعي، وعمله السياسي، له أدب مع ربه في كل حالة، يحفظه ويردده بلسانه وقلبه، ويقوم به بجوارحه وعقله، سائلًا ربه المغفرة والرحمة، وطالبًا منه النصرة والمعونة، (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ* رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ)، "إبراهيم: 40-41". "الأدب" في تراثنا العربي والإسلامي كتابنا هذا عن أدب المسلم مع الله ومع الناس ومع الحياة. ولذا يلزمنا أن نعرف معنى كلمة (أدب) في تراثنا العربي والإسلامي. معنى كلمة (أدب) في القاموس وشرحه: (الأَدَبُ – مُحَرَّكَةً -: الذي يَتَأَدَّبُ به الأَديبُ من الناس، سُمّيَ به؛ لأَنه يَأْدِبُ الناسَ إلى المَحَامدِ، وَيَنْهَاهُم عن المَقَابِحِ. وأَصلُ الأَدَبِ: الدُّعَاءُ. وقال شيخنا ناقلًا عن تقريراتِ شيوخه: الأَدَبُ مَلَكَةٌ تَعْصِمُ مَنْ قامت به عمَّا يَشِينُه. وفي (المصباح): هو تَعَلُّم رِيَاضَةِ النَّفْسِ ومَحَاسِن الأَخْلاَقِ. وقال أَبو زيد الأَنصاريّ: الأَدبُ: يَقَع على كل رِيَاضَةِ مَحْمُودَةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإِنسانُ في فَضِيلَةِ من الفَضَائِلِ. ومثله في (التهذيب) وفي (التوشيح): هو استعمالُ ما يُحْمَدُ قَوْلًا وفِعْلًا, أَو الأَخْذُ أَو الوُقُوفُ مع المُسْتَحْسَنَات, أَو تَعْظِيمُ مَنْ فوقَك والرِّفْق بمَنْ دُونَكَ. ونَقَل الخَفَاجِيُّ في (العِنَايَة) عن الجَوَالِيقي في (شرحِ أَدَبِ الكَاتِبِ): الأَدَبُ في اللغة: حُسْنُ الأَخلاق وفِعْلُ المَكَارِم, وإِطلاقُه على عُلُومِ العَرَبِيَّة مُوَلَّدٌ، حَدَثَ في الإِسلام. وقال ابنُ السِّيدِ البَطَلْيَوْسِيُّ: الأَدَبُ أَدَبُ النَّفْسِ والدَّرْسِ. والأَدَبُ: (الظَرْفُ) بالْفَتْح و(حسْنُ التَّنَاوُلِ)، وهذا القَوْلُ شَاملٌ لغَالبِ الأَقْوَالِ المذكورة، ولذا اقْتَصَرَ عليه المُصَنِّف. وقال أَبو زيد: (أَدُبَ) الرَّجُلُ (كَحسُنَ) يَأْدُبُ أَدَبًا فهو أَديبٌ ج: (أُدباءُ) وقال ابنُ بُزُرْج: لَقَدْ أَدُبْت (آدُبُ) أَدَبًا حسَنًا وأَنْت أَدِيبٌ, و(أَدَّبَه)، أَي: (عَلَّمه فَتَأَدَّب) تعلَّم، واستَعْمَلَهُ الزجَّاجُ في الله عزَّ وجَلَّ فقال: والحَقُّ في هذا ما أَدَّبَ اللهُ تعالى به نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم. (و) فُلاَنٌ قَدِ (اسْتَأْدَبَ) بمعْنى تَأَدَّبَ, ونقل شيخنا عن (المصباح): أَدَبْتُه أَدْبًا، مِنْ بابِ ضَرَب: عَلَّمْتُه رِيَاضَةَ النَّفْسِ ومَحَاسِن الأَخلاق، وأَدَّبْتُه تَأْدِيبًا مُبَالَغَةٌ وتَكْثِيرٌ، ومنه قيل: أَدَّبْتُه تَأْدِيبًا، إذا عَاقَبْتَه على إِسَاءَته، لأَنه سبَبٌ يدعو إلى حَقِيقَةِ الأَدَبِ. وقال غيرُه: أَدَبَه, كضَرَبَ وأَدَّبَه: راضَ أَخْلاَقَه وعَاقَبَه على إِساءَته، لِدُعَائِه إِيَّاهُ إلى حَقِيقَةِ الأَدَب, ثم قال: وبه تَعْلَمُ أَنَّ في كلام المصنف قُصُورًا من وَجْهَيْنِ. (والأُدْبَةُ بالضَّمِّ والمَأْدُبَةُ)، بضم الدال المهملة، كما هو المشهور، وصَرَّح بأَفْصَحيَّته ابنُ الأَثِير وغيرُه (و) أَجَازَ بعضُهم (المَأْدَبَة) بفتحها، وحكى ابن جِنِّي كَسْرَها أيضًا، فهي مُثَلَّثَةُ الدالِ، ونصُّوا على أَن الفَتْحَ أَشْهَرُ من الكَسْرِ: كلُّ (طَعَام صُنِعَ لِدُعْوَة)، بالضم والفتح، (أَوْ عُرْس) وجَمْعُه المآدِبُ, قال صَخْرُ الغَيِّ يصف عُقَابًا( ): كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ في قَعْرِ عُشِّهَا نَوَى القَسْبِ مُلْقًى عِنْدَ بَعْضِ المَآدبِ قال سيبَوَيْه: قَالُوا: المَأْدَبَةُ, كما قالوا: المَدْعاةُ, وقيل: المَأْدَبَةُ من الأَدَب, وفي الحديث عن ابن مسعودٍ( ): "إنَّ هذَا القُرْآنَ مَأْدَبَةُ اللهِ في الأَرْضِ، فَتَعَلَّمُوا مِنْ مَأْدَبَتِهِ". يَعْني مَدْعَاتَه. قال أَبُو عُبَيْدٍ, يُقَالُ: مَأْدُبَةٌ ومَأْدَبَةٌ, فمَنْ قال مَأْدُبَةٌ أَرَادَ بِه الصَّنِيعَ يَصْنَعُهُ الرَّجُلُ فَيَدْعُو إليه النَّاسَ, شَبَّهَ القُرْآنَ بصَنِيعٍ صَنَعَه اللهُ للنَّاس, لهم فيه خَيْرٌ وَمَنَافِعُ, ثم دَعَاهم إليه. ومَنْ قَالَ مَأْدَبَةٌ جَعَلَه مَفْعَلَةً من الأَدَبِ. وكَان الأَحْمَرُ يَجْعَلُهَا لُغَتَيْنِ مَأْدُبَة ومَأْدَبَة بمَعْنًى وَاحدٍ. وقال أَبو زيد: آدَبْتُ أُودِبُ إيدَابًا, وأَدَبْتُ آدِبُ أَدْبًا, والْمَأْدُبَةُ للطعام, فرَّقَ بينَها وبين المَأْدَبَة للأَدَب. وآدَبَ البلاَدَ يُؤدِبُ (إِيدَابًا: مَلأَهَا) قِسْطًا و(عَدْلًا)، وآدَبَ القَوْمَ إلى طَعَامِه يُؤْدِبُهُمْ إِيدَابًا، وأَدَبَ: عَملَ مَأْدَبَةً). استعمال كلمة (أدب) في اللغة العربية: كتب الأستاذ الدكتور شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأستاذ الأدب العربي المتخصص، في مقدمة كتابه عن (الشعر الجاهلي) مقدمة نفيسة عن استعمال كلمة (أدب) في اللغة العربية, في عصر الجاهلية, والعصر الإسلامي بعهوده المختلفة؛ من العصر النبوي والراشدي والأموي والعباسي وما بعدها. ولخَّص منها تلخيصًا جيدًا ما انتهى إليه الرأي والبحث في هذه القضية, فقال: (كلمة (أدب) من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة الأمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار الحضارة. وقد اختلفت عليها معان متقاربة, حتى أخذت معناها الذي يتبادر إلى أذهاننا اليوم، وهو الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين, سواء أكان من الشعر أم من النثر. الادب في العصر الجاهلي وإذا رجعنا إلى العصر الجاهلي ننقب عن الكلمة فيه, لم نجدها تجري على ألسنة الشعراء؛ إنما نجد لفظة (آدِب) بمعنى الداعي إلى الطعام؛ فقد جاء على لسان طرفة بن العبد: نحن في المَشْتاةِ ندعو الجَفَلَى لا ترى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ( ) ومن ذلك (المأدُبة) بمعنى الطعام الذي يُدعى إليه الناس، واشتقوا من هذا المعنى أَدُبَ يأدُب, بمعنى صنع مأدبة أو دعا إليها. وليس وراء بيت طرفة أبيات أخرى, تدل على أن الكلمة انتقلت في العصر الجاهلي من هذا المعنى الحسي إلى معنى آخر, غير أننا نجدها تُسْتَخْدم على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في معنى تهذيبي خلقي, ففي الحديث النبوي: "أدَّبني ربي فأحسن تأديبي"( ). ويستخدمها شاعر مخضرم يسمى سهم بن حنظلة الغَنَوي بنفس المعنى إذ يقول: لا يمنعُ الناسُ منِّي ما أردت ولا أعطيهمُ ما أرادوا حُسْنَ ذا أدبا وربما استخدمت الكلمة في العصر الجاهلي بهذا المعنى الخُلُقي, غير أنه لم تصلنا نصوص تؤيد هذا الظن. ولا نمضي في عصر بني أمية حتى نجد الكلمة تدور في المعنى الخُلُقي التهذيبي، وتضيف إليه معنى ثانيًا جديدًا، وهو معنى تعليميٌّ؛ فقد وُجِدت طائفة من المعلِّمين تسمى بـ(المؤدبين)، كانوا يعلمون أولاد الخلفاء ما تطمح إليه نفوس آبائهم فيهم من معرفة الثقافة العربية؛ فكانوا يلقِّنونهم الشعر والخطب وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم في الجاهلية والإسلام، وأتاح هذا الاستخدام الجديد لكلمة (الأدب) أن تصبح مقابلة لكلمة (العِلْم)، الذي كان يطلق حينئذ على الشريعة الإسلامية وما يتصل بها من دراسة الفقه والحديث النبوي وتفسير القرآن الكريم. وإذا انتقلنا إلى العصر العباسي؛ وجدنا المعنيين التهذيبي والتعليمي يتقابلان في استخدام الكلمة؛ فقد سمَّى ابن المُقَفَّع رسالتين له تتضمنان ضروبًا من الحكم والنصائح الخُلُقية والسياسية باسم (الأدب الصغير) و(الأدب الكبير). وبنفس هذا المعنى سمى أبو تمام المتوفى سنة 232هـ/846م الباب الثالث من ديوان الحماسة، الذي جمع فيه مختارات من طرائف الشعر، باسم (باب الأدب). وينطبق هذا المعنى تمام الانطباق على كتاب (الأدب) الذي عقده البخاري المتوفى سنة 256هـ/870م في مؤلفه المشهور في الحديث، والمعروف باسم (الجامع الصحيح)، كما ينطبق على كتاب (الأدب) الذي صنفه ابن المعتز المتوفى سنة 296هـ/908م. وفي هذه الأزمنة - أي في القرنين الثاني والثالث للهجرة وما تلاهما من قرون - كانت الكلمة تطلق على معرفة أشعار العرب وأخبارهم، وأخذوا يؤلفون بهذا المعنى كتبًا سموها كتب (أدب) مثل (البيان والتبيين للجاحظ) المتوفى سنة 255هـ، وهو يجمع ألوانًا من الأخبار والأشعار والخطب والنوادر، مع ملاحظات نقدية وبلاغية كثيرة. ومثله كتاب (الكامل في اللغة والأدب للمُبَرِّد)، المتوفى سنة 285هـ، وقد وجَّه اهتمامه إلى اللغة، لا إلى البلاغة والنقد, كما صنع الجاحظ، وقدم فيه صورًا من الرسائل النثرية التي ارتقت صناعتها في تلك العصور، جاء في مقدمته: (هذا كتاب ألفناه يجمع ضروبًا من الآداب ما بين كلام منثور, وشعر مرصوف, ومَثَلٍ سائرٍ, وموعظة بالغة, واختيار من خطبة شريفة, ورسالة بليغة). ومما أُلِّف في الأدب بهذا المعنى كتاب (عيون الأخبار) لابن قتيبة المتوفى سنة 276هـ، و(العقد الفريد) لابن عبد ربه المتوفى سنة 328هـ، و(زهر الآداب) للحصري المتوفى سنة 453هـ). %MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%%MCEPASTEBIN%
1482
| 29 يونيو 2014
الحمد لله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، وأزكى صلوات الله وتسليماته على من لا نبي بعده، الذي أخلص لله عمله وقصده، وبذل في الدعوة إلى الله جُهده، وتحمل في الثبات على الحق جَهْده، فأعد العدة، وعقد العقدة، ووفى العهدة، وأعطى الزبدة، وعلى آله وصحبه الذين حفظوا عهده، وذكروا وُدّه، وآتاهم الله رشده، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين. الإسلام يصحب الكائن الإنساني في أطواره كلها من مهده حتى وفاته.. هناك أحكام شرعية تتعلق بالإنسان قبل أن يولد ويعرف له اسمالكتابكتابنا هذا في فقه الآداب الشرعية، الذي سميناه: (أدب المسلم مع الله والناس والحياة) وهو جزء من كتابنا الكبير: (تيسير الفقه للمسلم المعاصر في ضوء القرآن) والسنة، وهو جزء من الكتاب الأكبر (في فقه الإسلام) كله: عقيدة وشريعة، وفقها للسلوك، أو الطريق إلى الله. الذي يصور شمول المنهج الإسلامي وتنوعه وتوسعه، كما يصور توازنه وتكامله، ووسطيته واستقامته التي أشار إليها القرآن الكريم بقوله: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ* أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ* وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ) "الرحمن: 7- 9".شمول الإسلامومن يقرأ ما كتبناه عن أدب المسلم أو عن الآداب الإسلامية المتكاملة، وارتباطها بسائر أنواع السلوك؛ يتبين له بحق: أن الإسلام هو المنهج الذي رسمه اللهُ للمسلمين: أفرادًا وأسرًا وجماعات وأمة، ليسيروا عليه في حياتهم كلها. حياتهم الفردية، وحياتهم الاجتماعية. حياتهم الدينية والروحية، وحياتهم المادية الدنيوية. والذي طلب الله تعالى من المسلم أن يسأل ربه في كل يوم سبع عشرة مرة على الأقل، أن يهديه إليه حين يقرأ الفاتحة في صلواته الخمس: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ* صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، "الفاتحة:6 - 7".هذا الصراط - أو هذا المنهج - يصحب المسلم في رحلة الحياة كلها، من بدايتها إلى نهايتها، مِن لحظة الميلاد إلى ساعة الوفاة، ولهذا وجدنا في الإسلام تشريعاتٍ وتوجيهات، تتعلق بالمولود منذ رؤيته لنور الحياة، مثل: الفرح به، وحمد الله على ولادته بسلام، وتسميته، واختيار أحسن الأسماء له، والاحتفال به، والذبح عنه، وهو ما يُعرف باسم (العقيقة)، وغير ذلك من أحكام، جمعها ابن القيم في رسالة سمَّاها: (تحفة المودود في أحكام المولود). بل هناك أحكام شرعية تتعلق بالإنسان، وهو جنين في بطن أمه، أي قبل أن يولد ويعرف له اسم، كالأحكام التي تتعلق بالمرأة الحامل، والمحافظة على الجنين وعلى حياته، فلا يجوز لها أن تجهض حملها عمدًا، ولو جاء من حرام، فهو لا ذنب له، وإن كان صوم رمضان يضرها أو يضره؛ فلا يجوز لها أن تصوم إلى غير ذلك من الأحكام.الامتداد الطولي للمنهج الإسلاميويظل الإسلام يصحب الكائن الإنساني في أطواره كلها: في مهده ورضاعه وفطامه، وتربيته وتعليمه وتغذيته، وإلهامه وإمداده، وتدريبه في صباه وشبابه، ويفاعته ورجولته، وكهولته وشيخوخته، بما فيها زواجه وإنجابه، ومعاشه وعمله الاجتماعي والاقتصادي، والثقافي والسياسي، حتى يدخل القبر.والأحكام التي تتعلق بالمرض والوفاة معروفة لدى عامة المسلمين، وهي التي تُعرض في الفقه الإسلامي تحت عنوان: (أحكام الجنائز).الامتداد العرضي والأفقي للمنهج الإسلاميوكما يصحب الإسلامُ المسلمَ طُوليًّا، أو رأسيًّا، أو زمنيًّا، عمرَه كله، يصحبه عَرْضيًّا، أو أفقيَّا، أو مكانيًّا– في مجالات حياته كلها كذلك. في البيت، وفي المسجد، وفي المدرسة والجامعة، وفي السوق، وفي المزرعة، وفي المصنع، وفي المكتب، وفي المتجر، يصحبه حين ينام، وحين يستيقظ، وحين يعمل ويكد لدنياه، وحين يلهو ويروِّح عن نفسه، حين يتعبد لربه، وحين يتعامل مع خلقه، وحين يتعلم ويتثقف، وحين يغدو ويروح، وحين يتعب، وحين يستريح. يشعر في ذلك كله أنه ملتزم بمنهج لا يجوز له التخلِّي عنه، أو الانفلات منه، بل يتلو دائمًا قول ربه: (قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، "الأنعام:161- 162".الامتداد العمقي للمنهج الإسلاميوكما يمتدُّ الإسلام في حياة المسلم طُولًا وعرْضًا، يمتدُّ فيها عُمْقًا، فهو مع المسلم في كل شؤونه وأحواله، المادية والروحية، والفكرية والاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، إنه مع المسلم بأوامره ونواهيه، وتشريعاته ووصاياه، في تفكيره وثقافته، وفي عواطفه ومشاعره، في أكْلِه وشُربه، وفي ملْبَسه وفي زِينته، وفي مِشيته وجِلسته، وفي فرَحه وحُزنه، وفي ضَحِكه وبكائه، وفي نومه ويقظته، وفي جِدِّه وهزْله، وفي خَلوته وجَلوته. لا يغفل الإسلام أن الإنسان مخلوق ركبه الله تركيبًا عجيبًا، فهو مخلوق من طين، والطين لا يخلو من الكدر، ولكن الله سوَّاه ونفخ فيه من روحه، حين طلب من الملائكة أن تسجد تحية له، وطرد إبليس من حضرته حين رفض ذلك. وقال تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ* قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ* وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ* قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ* إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ* قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ* قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ)، "الحجر: 28- 41".إنه مع المسلم في علاقته بنفسه، وفي علاقته بربه، وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وفي علاقته بأسرته، وفي علاقته بجيرانه وعشرائه، وفي علاقته بمجتمعه وأمته، وفي علاقته بأهل مِلَّته، وفي علاقته بمخالفيه في دينه، وبعلاقته بالعالم من حوله، مسالمين ومحاربين، وبالكون كله أرضه وسماءه، ما يُرى وما لا يرى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، "النساء:1".إن هذا الدين هو منهج الله للإنسان، أي: للإنسان كله، ما نبصره منه وما لا نبصره.. الإنسان روحًا، والإنسان جسمًا، والإنسان عقلًا، والإنسان وجدانًا، والإنسان إرادة. الإنسان فردًا، والإنسان في أسرة، والإنسان في جماعة، والإنسان في دولة، والإنسان في أمة، والإنسان في محيطه العالمي. فهو يشرِّع له ويوجِّهه في كل أحواله، وفي كافَّة أموره؛ حتى لا يتِيهَ في الدرب، ولا تتفرَّق به السُّبل، كما قال تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، "الأنعام:153".المسلم مقيد بشرع الله في كل حياتهإن المسلم مقَّيد بحدود الله وأحكامِه وتعليماته، في حياته كلها: في ثقافة فكره، وعواطف قلبه، وسلوك جوارحه، وبعبارة أخرى: في اعتقاداته وأفكاره، وشعائر عباداته، وحلاله وحرامه، ومشاعره وأقواله، وأعماله وأخلاقه، في حبه أو كرهه، في سلمه أو حربه، فهو إذا تعلَّم أو فكَّر أو تعامل بعواطفه: مُقيَّد بأمر الله ونهْيه، أي: بشرع الله. قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، "الأحزاب:36".وهو إذا أحبَّ أو كرهَ، رضِيَ أو سخط، فرح أو حزن، قبل أو رفض: مقيَّد بشرع الله، ولهذا جاء في الحديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به". وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كُنَّ فيه، وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يقذف في النار".وهو إذا عبَّر عن فكره أو شعوره، بلسانه أو قلمه، بشعره أو نثره أو رسمه: مقيد بشرع الله.فشرع الله تعالى، أي أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، يحكمه في حياته كلها، منفردًا أو مجتمعًا، لا ينفصل هذا الشرع عنه، ولا ينعزل هو عن هذا الشرع؛ لأن الله معه دائمًا، ولا يغيب عنه، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، "البقرة:115".وإن شرَّق المرء المسلم أو غرَّب، فالشريعة معه توجِّهُه حيثما توجَّه، وتحكمه أينما سار، يمنة أو يسرة، كما قال تعالى لرسوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ* هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، "الجاثية:18- 20". الإسلامُ يصحب المسلمَ زمنيًّا ومكانيًّا ورأسيًا وأفقيًا.. يمتدُّ الإسلام في حياة المسلم طُولًا وعرْضًا وعُمْقًا وهو معه في كل شؤونه وأحوالهربط المسلم بربه دائمًاومن خصائص المنهج الإسلامي: أنه يقصد ويعمل على ربط المسلم بربه في كل حين، وفي كل حال، في كل قول أو عمل، فإذا كان كل شيء، في هذه الدنيا خلق من أجل الإنسان، ومنفعة الإنسان، (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، "البقرة:29"، فالإنسان كله قد خلق لله سبحانه وتعالى، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ* مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ* إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)، "الذاريات:56- 58".فلذلك تتميز الآداب الإسلامية كلها: في الطعام والشراب، واللباس والتزيُّن والزواج، والبيع والشراء، والصحبة والسفر، وفي كل شؤون الحياة، بالمعاني الربانية المرتبطة بها.ولذلك نجد في كل هذه الألوان من الحياة الفردية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، أذكارًا مأثورة، تصل المرء بربه، وترطب لسانه بذكره، وقلبه بمحبته.فهو يبدأ طعامه باسم الله، ويُنهيه بالحمد لله، وكذلك شرابه، وكذلك لباسه وتجملُّه، يبدأ بذكر الله تعالى المناسِب له، الذي ينبغي أن يحفظه ويذكره في كل مناسبة له، كما ذكر لنا القرآن نموذجًا، فقال: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ* لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)، "الزخرف:12- 14". فهو إذا ركب الراية أو السفينة ذكر الله، وكذلك إذا ركب السيارة أو القطار أو الطائرة، أو ما هو أسرع ذكر الله.الإسلام هو دين الله الواحدوالإسلام هو دين الله تعالى الواحد، الذي أنزل به كتبه، وبعث به رسله، حسب حاجة الخلق، منذ خلق الله آدم أبا البشر، إلى أن ختم رسله بمحمد عليه وعليهم الصلاة والسلام. اتفقت رسل الله وأنبياؤه جميعًا على أصوله العقدية والأخلاقية، وجعل لكل منهم شرعة ومنهاجًا، كما قال تعالى في كتابه الخالد، الذي أنزله على نبيه الخاتم: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)، "الشورى:13". وقال تعالى في سورة أخرى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، "المائدة:48".لهذا كانت عقائد الأنبياء، وقيمهم الأخلاقية واحدة، وإنما تختلف شرائعهم، ولذا قال المسيح لليهود: (وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ)، "آل عمران:50".وجاء الإسلام بالشريعة العامة الخالدة، التي نسخت كل الأحكام المرحلية، التي جاءت بها الشرائع السابقة، وكل الأحكام التي كان تشريعها لظروف خاصة، كالمحرمات التي حرمت على اليهود، جزاءً على ظلمهم وبغيهم، كما قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا* وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِل)، "النساء:160- 161".ولهذا أعلن عن شريعة محمد في كتب الأقدمين، من قبل أن يبعث، بما وصفه القرآن: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، "الأعراف:157".هذا الإسلام العظيم، الذي حُفِظَ كتابُه المُبين: القرآن الكريم، فبقي كما أنزله الله تعالى (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)، "هود:1". وتكفل الله سبحانه بحِفْظِه، فقال: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، "الحجر: 9".وامتنَّ سبحانه به على الأمة فقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، "المائدة:3".قال أُنَاس من اليهود: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا. فقال عمر: أيَّةُ آيةٍ؟ فقالوا: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، "المائدة: 3". فقال عمر: إني لأعلم أيَّ مكان أُنزلت؟ أُنزلت ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم واقفٌ بعرفة. أيْ: أنزلت في يوم العيد، ومكانِ العيد.أَعْلَنَ القرآنُ أن كل الرسل والأنبياء من قبلُ كانوا مسلمين.فشيخ المرسلين نوح قال لقومه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، "يونس:72".وإبراهيم قال الله في شأنه: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)، "آل عمران:67"، (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)، "البقرة:131".ويعقوب مع إبراهيم وبنيه مسلمون: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، "البقرة:132".ويوسف قال لربه: (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)، "يوسف:101".وموسى قال لقومه: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)، "يونس:84".والمسيح قال لقومه: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)، "آل عمران:52".والأنبياء في العصور كافة كانوا يدعون الناس إلى الإسلام، لا إلى أنفسهم، أو أقوامهم، أو مصالحهم، هذا هو شأن كل نبي: (وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، "آل عمران:80".ولذا أعلن الله عز وجل في هذه السورة هذه الحقيقة الناصعة، التي أصبحت قاعدة عامة للبشرية كافة: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)، "آل عمران:19".كما قال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، "آل عمران:85". المسلم مقَّيد بحدود الله وأحكامِه في ثقافة فكره وعواطف قلبه وسلوك جوارحهوإذا كان الناس في عصورهم المختلفة، قد بدا لهم أن يغيروا في حقائق هذا الدين الواحد، بما فيه من معتقدات ومفاهيم، وعبادات ومعاملات وتشريعات، وأخلاقيات، فقد أذن الله لخاتم رسله محمد أن يبعثه ويختم به الرسل، ليجدد هذا الدين الواحد - الإسلام الذي بعث به كل الرسل - ويُجلِّي أصوله، ويُرسِي قواعده، ويشرح أهدافه، ويُقِيم أمتَه، ويُعلِي حُجَّتَه، ويرفع رايته، (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)، "الأنبياء:92".
4336
| 28 يونيو 2014
التقى العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اليوم الأربعاء، الشيخ خالد سيف الله الرحماني رئيس المجمع الفقهي بالهند والوفد المرافق. وشرح الرحماني ما يقوم به المجمع من ندوات حول الموضوعات التي تهم الأمة الإسلامية، وما قاموا به من ترجمة لأكثر من عشرة كتب من مؤلفات الشيخ القرضاوي، مؤكداً أنهم بصدد وضع اللمسات الأخيرة على إنشاء مركز القرضاوي للوسطية بالهند. وأثنى الشيخ القرضاوي على الدور الكبير الذي يقوم به مجمع الفقه الإسلامي بالهند، وما قامت به المدارس الفقهية والفكرية المختلفة بشبه القارة الهندية، والدور الكبير الذي قام به علماء الهند الكبار ومفكروه وشعراؤه. وأكد فضيلته على أهمية الدور الذي قام به علماء الهند من خلال مدارسه الكبرى منوها باهمية العمل على وحدة المسلمين، وأن المسلمين يستمدون قوتهم من هذه الوحدة التي تجمع المسلمين: وحدة العقيدة ووحدة العبادة، ووحدة القبلة، ووحدة الثقافة.
564
| 18 يونيو 2014
أصدر 201 عالم من مختلف الدول الإسلامية فتوى بتحريم المشاركة في الانتخابات المصرية المقررة غدا الاثنين وبعد غد الثلاثاء. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفيا، عقدته "اللجنة التنسيقية لفتاوى الأمة الإسلامية" في مدينة إسطنبول، وتلت فيه نص الفتوى، التي حملت عنوان، "تحريم الإقرار بالانقلاب والمشاركة فيه"، في إشارة إلى عزل الرئيس السابق محمد مرسي إثر احتجاجات شعبية واسعة ضد حكمه. ووقَّع على الفتوى 201 عالم من مختلف البلاد الإسلامية، تحت اسم "اللجنة التنسيقية لفتاوى الأمة"، تلاه كل من عضو البرلمان المصري المنحل وعضو "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، "نزار غراب"، و مستشار وزير الأوقاف المصري السابق "سلامة عبد القوي"، و"إسلام الغمري" أحد علماء الأزهر. المشاركة في الانتخابات وحرَّم العلماء، في فتواهم، على المصريين المشاركة في الانتخابات، وعلى الموظفين المساهمة به وعلى القضاة إصدار أي أحكام تتعلق به، مبينين أنَّ الرئيس (المعزول) "محمد مرسي" هو الرئيس الشرعي لمصر بحسب انتخابات ديمقراطية "أجمعت عليها الأمة وأقر بشرعيتها حتى المعارضون له". واستدلوا على صحة فتواهم من الناحية الشرعية بقول الخليفة "عثمان بن عفان" لمن خرج عليه يريد عزله "لن أخلع لباساً ألبسنيه الله عز وجل"، وفتوى الإمام أحمد بن حنبل بأنَّ "حياكة ملابس الظالمين هي عون لهم". ودعا المشاركون، في المؤتمر، المصريين إلى مقاطعة الانتخابات، وأبناء الأمة الإسلامية للوقوف إلى جانب قضية الشعب المصري، مبينين أنَّ مرشح الرئاسة وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي، "سنَّ سنة سيئة في الأمة الإسلامية باستخدام منصبه للوصول إلى السلطة"، متهمين إياه "بإعمالِ القتل والتشريد في مصر وتقسيمهم إلى إرهابي وغير إرهابي". ومن أبرز الموقعين على الفتوى رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "يوسف القرضاوي" والداعية المصري "عبد الرحمن عبد الخالق" والنائب في مجلس الأمة الكويتي "وليد الطبطبائي" والداعية الكويتي "نبيل العوضي" وغيرهم. فتوى الأزهر وتأتي تلك الفتوى في مقابل فتاوى أخرى صدرت عن مؤسسات وعلماء دين بمصر تدعو إلى المشاركة "بقوة وإيجابية" في الانتخابات، معتبرة أن الفتاوى التي تدعو لمقاطعتها "مرفوضة"، و"مخالفة للشرع". وفي تصريحات له اليوم قال شوقي علام، مفتي مصر، إن "نجاح الانتخابات الرئاسية مطلب وطني ملح"، مشددا علي أهمية ابتعاد الناخبين عن الابتذال والجدال والمشاحنات، وأن يعلوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبارات بأن يحكم كل منهم ضميره ليختار من يراه صالحًا لخير البلاد والعباد. وفي بيان سابق للأزهر اعتبر الفتاوى التي خرجت بتحريم المشاركة في الانتخابات، "شاذة ومغرضة"، وإنما هو أمر ديني وواجب وطني على كافة المصريين مسلمين ومسيحيين. وفي بيان سابق، رفض وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، دعوات المقاطعة للانتخابات معتبرا إياها "فتوى ضالة"، وشدد على أن "المشاركة الإيجابية واجب وطني".
547
| 25 مايو 2014
أفتى الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بتحريم انتخابات الرئاسة المصرية المُقبلة المقرر إجرائها يومي 26 و27 مايو الجاري، والتي يتنافس فيها المشير عبدالفتاح السيسي وحمدين صباحي. وبحسب وكالات الأنباء فإنه رداً على سؤال عما إذا كان يفتي بتحريم الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر؟.. قال "القرضاوي" خلال مشاركته في ندوة "القدس والأقصى بين المؤامرة والمواجهة": "طبعاً" لأن "السيسي" "استولى على الحكم"، بحسب قوله. وذكرت وكالة "رويترز" أن "القرضاوي" وصف "السيسي" بأنه "مصيبة" على البلاد، مُؤكداً خلال الندوة التي نظمها الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة، أمس الأحد، أن إسرائيل تدعم "المشير"، الذي أعلن في الثالث من يوليو الماضي عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، في خطوة تباينت حولها الآراء الرسمية والشعبية في العالم، حيث اعتبرها البعض "انقلاباً عسكرياً"، فيما يراها آخرون بأنها "ثورة" على الإخوان. ورأى أن "السيسي" رجل إسرائيل، قائلاً: "إيهود باراك (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) والجماعة دول (هؤلاء) بيقولوا لنا أيّدوا السيسي. السيسي ده راجلنا السيسي ده بتاعنا. ده سيسيهم وليس سيسينا"، مُضيفاً: "من يوم ما جالنا (السيسي) ما شوفناش (لم نشهد) غير الدماء والاعتقال وهتك الأعراض وكل شيء سيء" وأن "مصر تخسر كل شيء.... هذه مصيبة كبرى". وفي آخر تغريدات له بحسابه على موقع "تويتر"، جدد الدكتور القرضاوي تأكيداته بأنه "مع كل عمل ضد الانقلاب في مصر يوحد الصفوف ولا يفرقها، ويجمع الجهود ولا يشتتها، ويزرع الثقة ولا يبددها يبني ولا يهدم، يقاوم ولا يستسلم!". وخاطب "القرضاوي" المعارضين للمشير السيسي، قائلاً: "لعل الجميع قد وعى الدرس بعد الانقلاب وعلم أن مصر لا تنهض من كبوتها إلا بتلاحم أبنائها وتجردهم من حظوظ النفس ونعرات الاستعلاء!"، داعياً "أبناء الحركات الثورية الصادقة بتياراتها المختلفة أن ينفتح بعضهم على بعض وأن يصطفوا جنبا إلى جنب وأن يقفوا وقفة تناسب تحديات مصر".
327
| 12 مايو 2014
استقبل فضيلة العلامة يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الأستاذ محمد سيد إسماعيل أحد قادة المسلمين في أفريقيا الوسطى، اليوم السبت. وشرح إسماعيل أسباب مأساة المسلمين في أفريقيا الوسطى، وأكد أن المسلمين لا تعوزهم القدرة في الدفاع عن أنفسهم، لولا تدخل القوات الفرنسية، التي تمنع المسلمين من امتلاك وسائل الدفاع المشروعة عن النفس، بينما تغض الطرف عن ذلك بالنسبة للعصابات من غير المسلمين. وأشار إلى تواطؤ القوات الفرنسية ضد المسلمين هناك، حيث جردت المسلمين من وسائل الدفاع عن أنفسهم، بينما تركت الفرصة سانحة أمام خصومهم ليعتدوا عليهم، ويرتكبوا المذابح المروعة في حق المسلمين العزل، وقد شاهد العالم كله ذلك على موقع اليوتيوبوغيره. وأكد الشيخ القرضاوي على أهمية تآزر مسلمي جنوب أفريقيا ومن حولهم من المسلمين لدفع هذا العدوان، مُشدداً على أهمية مواجهة هؤلاء، والدفاع عن الأنفس والمقدسات، والأعراض والأموال، وأن هذا ما شرعه الله للمسلمين لدفع الاعتداء لا الابتداء به، قال سبحانه: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ). وهو الأمر الذي تكفله الدساتير والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان في العالم. وتساءل فضيلته عن دور منظمة التعاون الإسلامي التي تضم أكثر من خمسين دولة في عضويتها، وعن دور حكومات العالم الإسلامي والعربي، ومنظمات حقوق الإنسان؟ وأحرار العالم مما يجري للمسلمين في أفريقيا الوسطى؟، مؤكداً على اهتمامه شخصياً، واهتمام الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بما يجري للمسلمين هناك. وفي بانغي قتل مسلحون خمسة مدنيين مسلمين ومثلوا بجثثهم، كما أعلن اليوم مصدر أمني في افريقيا الوسطى، قائلاً: "ثلاثة مسلمين كانوا متوجهين الى مطار بانغي مبوكو على متن سيارة لأمن المطار تعرضوا لهجوم شنه اشخاص مسلحون في حي كومباتان لدى حصول عطل في سيارتهم. وقتل الاشخاص الثلاثة بالرصاص وتم التمثيل بجثثهم". ويعد حي كومباتان القريب من المطار حيث تتمركز قوات سنغاريس الفرنسية والقوة الافريقية (ميسكا)، احد اخطر الاحياء في عاصمة افريقيا الوسطى. وتهاجم عصابات قطاع الطرق وعناصر ميليشيات انتي بالاكا الذين يشكل المسيحيون اكثريتهم، باستمرار المسلمين الذين يمرون في هذا الحي. وأضاف المصدر الأمني: "من جهة أخرى، هاجم أفراد مُسلماً رابعاً يسكن في حي ماليماكا الواقع في الدائرة الخامسة وانهالوا عليه بالضرب وقطعوه بالهراوة. وحمل شبان بعض اطراف جسمه وجالوا بها في الشارع". وجمع الصليب الأحمر في أفريقيا الوسطى جثث الضحايا ونقلها إلى مسجد علي بابورو في بي-كاي 5، كما أوضح مصدر قريب من المجموعة الاسلامية. وتضاف هذه الواقعة إلى حصيلة مجزرة وقعت في وقت سابق أمس، حيث قتل أربعة مسلمين كانوا على متن سيارة لأمن المطار. المسلمون الأربعة وهم تجار تشاديون، كانوا ينوون العودة إلى العاصمة التشادية نجامينا، إلاّ أنّهم اكتشفوا لدى وصولهم المطار عدم وجود أماكن شاغرة على متن الرحلة المتوجّهة نحو موطنهم، وهو ما أجبرهم على مغادرة المطار. في الطريق، تمّت مهاجمتهم من طرف عناصر "أنتي بالاكا". الميلشيا المسيحية سرعان ما تعرّفت على هوية الركاب بحكم خصوصية السيارة التي تقلهم (اللون الأصفر والتسجيل الرسمي)، لتتعالى أصواتهم هاتفة "إنهم تشاديون، إنّهم تشاديون".
392
| 08 مارس 2014
أعرب د. يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن استعداده للمثول أمام أي محكمة لمحاسبته عن ما يقوله من آراء، وأكد أنه لا يقول إلا الحق وليس حاقدا على أحد. وقال في خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب انه لا يعادي دولة من الدول ولا شخصا من الاشخاص حتى ولو كان كافرا وليس بينه وبين احد عداوة وان ما يهمه هو أمر الإسلام والمسلمين فقط وان يجمع الامة .. وقال إنه قد بلغ من العمر 88 عاما ولا يريد شيئا من الدنيا. وقال في الخطبة أن أحوال المسلمين تسوء كل حبيب وتسر كل عدو ، مشيرا الى ان المسلم كلما استمع الى الأخبار فإنه لا يرى شيئا يسره إلا القليل من أمور أمة الإسلام لأن كل ما يأتي من بلاد المسلمين لا يملأ القلوب إلا حسرة وحزنا على مايجري فيها . واشار الى ان الشعوب العربية في 4 دول إنتصرت و بقيت الدولة الخامسة والتي كاد حكامها الظلمة ان ينهزموا لولا ان أهل الباطل سرعان ما تأمروا على هذه الصحوة المنتصرة . وقال ان مصر لم يبقى رئيسها المنتحب في الحكم سوى اقل من عام ثم اخذوه واختطفوه ووضعوه حيث يريدون، مشيرا الى ان القوة المسلحة إنتصرت على الشعب و أعادت الأمة الى حيث كانت وكأن هذا الشعب لم يقدم المئات والالاف من اجل نيل حريته . واضاف : نحن نقول للذين غدروا بمحمد مرسي ومكروا به وافتروا عليه انهم لن يفلحوا ابدا . وانتقل الدكتور القرضاوي للحديث عن الأوضاع في افريقيا الوسطى، فأشار الى ان المسلمين هناك اقلية حيث يمثلون اكثر من 15 % من عدد السكان ولكن اهل البلاد هناك أبوا ان يبقى هؤلاء في افريقيا الوسطى وفعلوا بهم الأفاعيل والفظائع التي ليس بها أي شئ من الرحمة والإنسانية مما اضطر المسلمون هناك الى ان يهجروا العاصمة بل وخرجوا من البلاد بالكامل ولجأوا الى البلدان المجاروة في الكاميرون وتشاد والنيجر ونيجريا والسنغال . وتعجب د. القرضاوي من ان هناك من المسلمين في بلاد العرب من فكر ودبر وانفق المليارات لكي يتم قتل اناس بغير حق و يتم إزاحة حاكم إختاره الشعب بحريه ويأتي بدلا منه بالحكم العسكري الذي ليس هو الحكم الذي تريده الشعوب التي تريد ان تحكم نفسها بنفسها . وتساءل " أين الجامعة العربية وأين منظمة التعاون الإسلامي وأين الامم المتحدة مما يحدث في مصر؟، مشيرا الى انه في دولة اوكرانيا تم قتل أعداد بالعشرات في المظاهرات الشعبية التي اندلعت هناك فثار العالم الغربي بأكمله رغم انه هناك آلاف تم قتلهم في رابعة العدوية وغيرها من انحاء مصر بخلاف الأضعاف المضاعفة التي تم أخذها الى السجون وكذلك ما يحدث في افريقيا الوسطى ومع ذلك لم يثر احد من المسلمين مثلما ثارا هؤلاء لإخوانهم لأن أمة الإسلام اصبحت أمة متفرقة" . وحذر المسلمون من خطورة التفريط في المسجد الأقصى قائلا : حرام عليكم ايها المسلمون ان تفرطوا في الاقصى وعلكيم ان تنتبهوا الى الكارثة المحيطة بكم في كل وقت ، رغم انها غافلة عن ذلك وقال ان الامة لو ظلت على حالها فإنه سوف تفأجئ ذات يوم بدخول جنود الإحتلال الى المسجد وساعتها لن نملك سوى البكاء والصياح ، حيث لا ينفع القول في ذلك الوقت، ودعا امة الاسلام الى القيام بما عليها من واجبات. وكان د. يوسف القرضاوي قد استهل خطبته بالإشارة إلى سبب غيابه عن الخطابة على مدى الاسابيع الثلاثة الماضية قائلا : صار لي 3 اسابيع لم اخطب وقد اعتذرت في احد الأسابيع عن الخطابة غير انه في الاسبوعين الاخرين اقعدني المرض الذي يقعد الناس في هذه الفترة من الزمن من الشتاء التي يصاب فيها الناس بما يصابون به . واشار الى ان الكذابين يستغلون ذلك الغياب ويقولون ما يقولون وخاطب هؤلاء قائلا : إني ما دمت إن شاء الله ما دمت حيا وما دام لدي عقل يفكر ولسان ينطق وجسم يتحرك فسوف أظل اخطب واقول كلمة الحق التي يرضى بها من يرضى ويغضب بها من يغضب فلا يهمني رضا الراضين ولا غضب الغاضبين إنما يهمني رضا الله تبارك وتعالى، مؤكدا ان رضا الناس غاية لا تدرك.
346
| 21 فبراير 2014
قال الدكتور يوسف القرضاوي ان الشدائد التي أصابت الأمة الإسلامية لن تستمر لافتا أن المداولة بين الناس سنة إلهية فهي لا تقف على صورة واحدة، منوها أن الثورات العربية اختارت الإسلام وارتضته قانوناً ودستورا. وأكد فضيلته في ختام الموسم الأول لسلسلة محاضرات رياض الجنة والتي تُقام مساء كل أربعاء في جامع "كتارا"، أن الأسلام سينتصر وستزول الغمة وسيجعل الله بعد العسر يسرا فلا يغلب عسرا يسرا مرتين كما في قوله تعالى: (إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا). واختتم حديثة مبشرًا الحضور ان الغد أفضل من اليوم وان الحياة ستستمرمن الحسن للأحسن وإن بعد الضيق الفرح وأن الإسلام سينتصر كما قال صلى الله عليه وسلم. وألقى فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي محاضرة بعنوان " أمتنا بين الأمل والألم" تحدث فيها عن ثلاث كلمات هي الأمة والأمل والألم مٌعرفًا كلمة الأمة وإنها شاملة فالحديث عن الأمة ليس كلامًا عن الإنسان أو الفرد أو الأسرة والمجتمع، فهناك خليط متنوع من المجتمعات التي تختلف في أجناسها وأعراقها فهناك مجتمات تركية وهندية وأندنوسية وغيرها من مجتمعات العُرب والعجم ، ولكن عندما نقول أُمة فنحن نعني أمة الإسلام،أمة القرآن أمة محمد صلى الله عليه وسلم، هذا مايفهمه الخاص والعام وكلمة أمتنا هي الأمة الكبرى . أمة الخير وأكد فضيلته أن أمة الإسلام أمة لم تخرج لوحدها فهي نبات رباني زرعه الله وتولاه برعايته مبينا أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل أمة الإسلام خير الأمم عبثًا، فهي أُمة أُخرجت للناس ولم يُخرجها لنفسها فهي لا تعش لنفسها بل لإسعاد الناس ونفعهم في الدنيا والآخرة. وأشار الدكتور القرضاوي أن القرآن خص هذه الأمة بالفلاح الذي تكتسبه من دعوتها إلى الحق والخير والمعروف، وقسم الله سبحانه وتعالى الفلاح على قدر العمل. الأمل والألم وأوضح الشيخ القرضاوي أن الأمة بين الأمل والألم تدور كما هي طبيعة الحياة فهي بين الآمال والآلام تمضي،فهذه الدنيا لا تسير على وتيرة واحدة ولا يوجد أمل من غير ألم. وتتنوع الآلام بين الحسية والمعنوية وهكذا تعيش الأفراد والمجتمعات. وأكد أن الأمة الإسلامية تتألم وكذلك الكفار يتألمون ولكن هناك فرق بينهما لأن المسلم يرجو من الله ما لا يرجو الكافر وقال أنه لابد من الإبتلاء حتى نتعلم من مدرسة الحياة وسنة الله فيها و حتى يٌطهرنا الله و يُميز من هو الصادق والمنافق من المؤمنين وغير المؤمنين،وأكد أن الابتلاء للمؤمن أشد من غيرهم فهم أصحاب دعوة ورسالة فالاسلام دين عالمي فلابد أن يكلفوا اكثر من غيرهم. وعرّج الدكتور القرضاوي على قصص الأنبياء وما واجهوه من ابتلاءات ومصائب ، وصبروا واحتسبوا الله وأبدل الله تلك المصائب بالفرج واليسر لافتا أن المؤمن لا تزلزله الحوادث ولا تُرعبه المحن . و قال سعادة الدكتور خالد بن إبراهيم السليطي المدير العام للمؤسسة العامة للحي الثقافي "كتارا" : بانتهاء الموسم الأول من محاضرات رياض الجنة نستطيع أن نقول بأننا أنجزنا خطوة هامة لجذب الناس نحو هذه المحاضرات فقد لمسنا التجاوب الكبير من زوار الحي الثقافي والذي يزداد في كل مرة . وأضاف: جامع "كتارا" يستضيف خيرة العلماء وأبرزهم في خطوة تهدف لتعزيز القيم الإنسانية التي يأخذ فيها المسجد دورًا أساسيًا، فالمسجد هو البيئة الصحيحة التي يستقي منها الإنسان تعاليم الدين القويم وتزيد من أواصر المحبة بين الناس وتقوي صلتهم ببعضهم ، داعيا الجميع للإستفادة من هذه المحاضرات بالمواظبة على حضورها وتبليغ الأهل والأصحاب عنها حتى تعم الفائدة على الجميع.
564
| 20 فبراير 2014
يلقي فضيلة الشيخ القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خطبة الجمعة من مسجد عمر بن الخطاب بالدوحة يوم الجمعة، ويواصل فضيلته رحلته حول موضوعات القرآن الكريم مع التعليق على أحداث العالم الإسلامي. ويعود فضيلته إلى منبره الأسبوعي بجامع عمر بن الخطاب بعد تعافيه من نزلة برد ألمت به منعته من اعتلاء المنبر ثلاثة أسابيع متواصلة.
757
| 19 فبراير 2014
نفى الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ما تم تداوله بمواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام من أنباء تزعم منعه من إلقاء خطبة الجمعة. ونشر الحساب الرسمي لـ"القرضاوي" بموقع "تويتر"، تغريدة، اليوم السبت، أكد خلالها أنه "لا صحة لما تردد عن منع فضيلة الشيخ القرضاوي من خطبة الجمعة، وإنما اعتذر الشيخ لإصابته بنزلة برد". الدكتور يوسف القرضاوي الشيخ القرضاوي ينفي منعه من خطبة الجمعة
257
| 08 فبراير 2014
قال فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إن التفجيرات الأخيرة التي حدثت في بني سويف والدقي ومديرية أمن القاهرة بمصر دبرتها الشرطة نفسها لأنه ليس من المعقول أن تترك هذه المقرات الأمنية دون حراسات كافية في هذه الظروف والتهديدات التي تمر بها البلاد ليحدث ما يحدث، مشيرا إلى أنهم يسهلون ارتكاب مثل هذه الجرائم ليتهموا بها الإسلاميين السلميين من الإخوان الذين قال مرشدهم "ثورتنا سلمية وستظل سلمية، سلميتنا أقوى من الرصاص". ودعا الدكتور القرضاوي في خطبة الجمعة اليوم بجامع عمر بن الخطاب جموع المصريين وأبناء ثورة 25 يناير في ذكراها الثالثة من جميع الفئات الرجال والنساء الشيوخ والأطفال والشباب الفقراء والأغنياء العمال والفلاحين والإسلاميين والليبراليين أن يعودوا إلى الميادين لإنقاذ ثورتهم بالخروج ضد الانقلاب وأن يجلسوا مع بعضهم ويستمعوا لبعضهم ويتصالحوا مع أنفسهم بهدف إخراج الناس من البلوى التي يعيشون فيها منذ انقلاب 30 يونيو بعيدا عن العنف والقوة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر في خطبة الوداع من أن يضرب المسلمون رقاب بعض لأن المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضا ، فلابد من التكاتف والتآزر في مواجهة من يسيرون البلاد حسب هواهم، فضيعوا مصر وثورتها المباركة وذهبت البلاد أدراج الرياح فقد ضاعت الحرية والديمقراطية والاقتصاد والإنتاج فهم يأخذون المليارات من العرب ليقتلوا بها الآلاف وأدخلوا البلاد في مصائب سوداء. مؤكدا أن الله سينتقم ممن سرق مصر وشعبها وسينصر أهل الإيمان على أهل الكفر وأهل الإحسان على أهل الطغيان فمنذ 7 أشهر لم تنتج مصر شيئا ولم يستر الحكام عورة ولم يطعموا لقمة والأموال تضيع على هذا الشعب العظيم الذي لا يستحق ما يحدث له. ووجه الدكتور القرضاوي الشكر لقطر على مساندتها للثورات العربية من أول يوم بمالها ورجالها وإمكاناتها قائلا: هذا البلد سيذكره التاريخ وسيذكره الله على مواقفه البطولية في مناصرته للثورات ورغبات الشعوب.. في الوقت الذي كانت معظم الدول العربية الأخرى تحاول وأد هذه الثورات والقضاء عليها في مهدها وإفشالها بكل الوسائل.. فسخرت الإذاعة والتليفزيون وشبكة الجزيرة في خدمة هذه الأعمال النبيلة ومناصرة الشعوب على الحكام المستبدين. وتحدث القرضاوي عن اختيار الشعب لمحمد مرسي حيث كان الإخوان لا يحبون أن يكون الرئيس منهم فعرضوا الأمر على عدد منهم فرفضوا فخاف الإخوان أن يتولى الأمر رجل غير صالح ولا صاحب دين أو أخلاق واختاروا خيرت الشاطر للمهمة ثم أدخلوا مرسي وقد اخترته كي لا أختار أحمد شفيق لأنني لم أكن أعرفه وانتصر مرسي ورأى الناس رئيسا يطلق لحيته ويحفظ القرآن ويقيم الليل ويتعهد بطاعة الله ويؤم الناس بالصلاة وهذا ما أزعج أمريكا وإسرائيل وأوروبا وغيرها من البلاد الصليبية والصهيونية التي تخاف من الإسلام جهلا به فهو الذي يساوي بين الناس ويقيم العدل ويحيي الأرض بعد موتها ويصلحها بعد خرابها. فأضمر له الجميع الشر وحاكوا المؤامرات ضد رجل صالح يخاف الله وعنده ضمير ووازع ديني. وعرض القرضاوي لعدد من أخطاء الرئيس المعزول محمد مرسي قائلا منها أنه تمسك برئيس الوزراء رغم رفض الشارع والناس له لكن عذره في ذلك أن الكثير ممن عرض عليهم المنصب اعتذروا ، ثانيا أنه لم يشرك غير الإخوان معه في تولي المسؤولية ومصر بلد كبير وبها مشاكل عظيمة وقديمة ولا يستطيع فصيل النهوض بها بمفرده لكنه في مقابل ذلك لم يجد تعاونا من أحد وتخلى عنه الناس رغم أنه قام بأعمال جيدة واستطاع التغلب على مشاكل البترول والقمح وشرع في مشروع محور قناة السويس لكن الدولة العميقة لم تمهله فوقفت ضده من أول يوم. وعاد خطيب مسجد عمر بن الخطاب بالذاكرة إلى ثلاث سنوات مضت حين قامت في أكبر بلد عربي ثورة عظيمة استعاد الناس فيها حرياتهم وحقوقهم وكرامتهم وتنفسوا الصعداء وشكروا وحمدوا الله أن أعادهم لأنفسهم وأعاد أنفسهم إليهم بأن حقق لهم الثورة التي كانوا يتشوقون إليها وينتظرونها بينما كان الحكام يريدون التضييق على خناقهم ويكبسون على أنفاسهم فأرادوا بالظلم والطغيان أن يظل الشعب مخنوقا.. وظل رغم الآلام والمحن والابتلاء أكثر من 60 عاما صابرا على السجون والتعذيب والاعتقال ومصادرة الأموال والظلم الواضح البين من الذين لا يخافون الله .
293
| 24 يناير 2014
منعت سلطات مطار القاهرة الدولي اليوم الأربعاء، نجل الشيخ يوسف القرضاوي المتواجد في مصر ممن السفر خارج البلاد لوجود أسمه على قوائم الممنوعين من السفر. وقال مصدر أمنى، إن جوازات المطار أبلغت عبدالرحمن نجل الشيخ يوسف القرضاوي بمنعه من السفر وهو في طريقه إلى نيويورك. وأفاد المصدر أن عبدالرحمن مطلوب بشأن إحدى القضايا التي يتم التحقيق فيها.
502
| 15 يناير 2014
دعا د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين جموع الشعب المصري، المسلمين والمسيحيين، الرجال والنساء ، الشيوخ والأطفال، في جميع أنحاء مصر وخارجها، الى أن يقاطعوا الاستفتاء على الدستور الساقط الذي تقدمت به الحكومة غير الشرعية. وقال في خطبة الجمعة بجامع عمر بن الخطاب ان الدستور عمل باطل وميت لا يجوز له أن يعيش وتجب مقاومته ورفضه ومقاطعته مع الوقوف ضد الطغاة المفسدين الظلمة الذين لا يخافون الله عز وجل. ودعا القرضاوي الجنود المصريين مجددا أن يرفضوا قتل المصريين الأبرياء لأنه لا يجوز لهم ذلك وسوف يسألهم الله عن أعمالهم.. فعليهم أن يخشوا ربهم العظيم والوقوف أمامه يوم لا نصير ولا ولي. مؤكدا أن الشعب المصري الحر الأبي سوف ينتصر لكن عليه بالصبر لأن الحق لا ينصر إلا بالصبر. وقال إن دستور 2012 هو أعظم دستور كتب في مصر فقد تمت كتابته في أكثر من 6 أشهر من قبل لجنة منتخبة تم اختيارها من أعضاء مجلس الشعب المنتخبين واستفتي عليه الناس ورغم ذلك أكد الرئيس مرسي أنه سيوجه بتعديل المواد المختلف عليها وأخذ الملاحظات التي يريدها الناس في الاعتبار وهذا هو الإنصاف والعدل.. وقال: إن مرسى قال له أن بيديه ملفات فساد تفضح مصر. وأضاف: في هذا الاستفتاء يريد الانقلابيون من الشعب أن يبارك جرائمهم ويشاركهم فيها بعد أن قتلوا الآلاف من الأبرياء الأتقياء الأطهار وأفضل من في مصر في حادث المنصة والحرس الجمهوري ورابعة العدوية والنهضة وسجنوا الفتيات والنساء والأطفال بغير الحق والله يغضب للحق وسوف ينتقم من هؤلاء الظلمة.
231
| 10 يناير 2014
مساحة إعلانية
أعلنت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عن فتح باب التقديم لأكثر من 100 فرصة وظيفية في عدة مجالات حيوية ومتخصصة بهدف استقطاب الكفاءات والمواهب...
42356
| 21 سبتمبر 2025
اقترح ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي تخفيف ساعات العمل للموظفات الأمهات القطريات وأمهات الأبناء القطريين في الجهات الحكومية، بناءً على التجربة الناجحة في...
13806
| 23 سبتمبر 2025
استقبلت وزارة المواصلات وفدًا من مملكة البحرين، قام بزيارة تجريبية إلى ميناء الرويس، وذلك في إطار مشروع الربط البحري بين البلدين. وأوضحت وزارة...
6624
| 22 سبتمبر 2025
أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة شؤون الحج والعمرة، عن فتح باب التسجيل لموسم حج 1447هـ، وذلك اعتبارًا من يوم الأربعاء...
5466
| 21 سبتمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ممثلة في إدارة شؤون الحج والعمرة، عن فتح باب التسجيل لموسم حج 1447هـ، وذلك اعتبارًا من يوم الأربعاء...
3444
| 21 سبتمبر 2025
أعلن الديوان الملكي السعودي، الثلاثاء، وفاة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل...
2374
| 23 سبتمبر 2025
أهابت وزارة العمل بجميع المنشآت ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة في ظل الظروف الجوية الاستثنائية المتوقعة. كما أكدت الوزارة عبر حسابها بمنصة اكس،...
2000
| 24 سبتمبر 2025