اقترح ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي تخفيف ساعات العمل للموظفات الأمهات القطريات وأمهات الأبناء القطريين في الجهات الحكومية، بناءً على التجربة الناجحة في...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
الكتاب: في الطريق إلى الله المراقبة والمحاسبة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الثانية مقدمة: "{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ويقول جل وعلا : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5]. هو القائم على كل نفس بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، إنْ خيرا فخير، وإنْ شرا فشر: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:8،7]، وقال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. الحياة الربَّانيَّة والعلم، والنيَّة والإخلاص، والتوكل، والتوبة، والورع والزهد، وهذا الكتاب ( المراقبة والمحاسبة) أمور لا بد للناس منها، وأن يكتبها العلماء الراسخون، العارفون بخبايا الأنفس وشوائبها، والذين يستقي منهم العلماء في سائر البلاد، وفيما يأتي من الزمان . وأرجو الله أن يوفقني للكتابة فيما بقي من أعمال القلوب أو في فقه السلوك" . المراقبة أن يحيا الإنسان بقلبٍ يَقظ شرَّ ما يُصاب به الناس هو الغفلة القوانين وحدها لا تصنع إنسانًا صالحًا، ولا مجتمعًا صالحًا رقابة الإنسان الذاتية لنفسه أهم من القوانين التي يصنعها الناس غياب الضمائر المؤمنة والقلوب الحية هو ما جرَّ الفساد على دنيا المسلمين ما المراقبة؟ (المراقبة) أصلها اللغوي من فَعَل: رَقَبَ يرقُب، رقابة، بمعنى لحظ وتابع. ومنه نشأت المراقبات المختلفة في حياة الناس: المراقبة المالية، والمراقبة الإدارية، والمراقبة القانونية، والمراقبة التشريعية، والمراقبة على الصحف، والمراقبة الأمنية على حدود الأوطان .. وغير ذلك. وفي عصرنا نشأت رقابة جديدة، تعرف باسم (الرقابة الشرعية) على المصارف والشركات، والمؤسسات المالية الإسلامية، وهي التي تلتزم في قانونها الأساسي بالرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية في كل معاملاتها. ومن هذه المادة اشتُقت صفة (رقيب)، وهو الذي يرقُبُ الأشياء ويتابعها بدقَّة. من أسماء الله الحسنى : الرقيب ومن المعلوم أنَّ من أسماء الله الحسنى: (الرقيب)؛ لأنه يراقب أعمال عباده كلها، ظاهرها وباطنها، حسنها وسيئها، صغيرها وكبيرها، ولا يخفى عليه خافية منها، ولذا قال في كتابه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب:52]، ومن هذه المادة أيضًا اشتقَّ الفعل الرباعي: رَاقَبَ يراقب مُرَاقَبَة. فكلمة (المراقبة) هي مصدر قياسيٌّ لفعل (راقَبَ يراقب)، وهو مأخوذ من مادة رَقَبَ. المراقبة الذاتيَّة من داخل الإنسان: والمراقبة التي نتحدَّث عنها هنا ليست إدارة في وزارة أو مؤسسة، بل نعني بها (المراقبة الذاتية) من داخل الإنسان نفسه، فهو المراقب لها، وهو الرقيب عليها، وهو المتابع الملاحظ المُدقِّق لحركاتها وسكناتها، وغدواتها ورَوْحاتها، ما كبُرَ منها وما صغُر، ما ظهَرَ منها وما بطَن، ما استقام منها وما انحرف. آفة الغفلة : فالمراقبة أن يحيا الإنسان بقلبٍ يَقظ، لا بقلب غافل، فإنَّ شرَّ ما يُصاب به الناس هو: الغفلة، الغفلة عن أنفسهم، الغفلة عن ربِّهم، الغفلة عن مصيرهم، وأن يعيشوا لدنياهم ولا يتفكروا في آخرتهم، وأن لا يذكروا الجنة ولا النار، أن لا يذكروا إلا حظوظ أنفسهم، غافلين عن حقِّ ربهم عزَّ وجلَّ. وقد جعل الله أصحابها حطب جهنم، وَوَقود النار، وجعلهم أضل من الأنعام سبيلاً: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. أهمية الرقابة الذاتية: هذه الرقابة الداخلية هي أهم من أيِّ رقابة إداريَّة، أو رقابة ماليَّة، أو رقابة قانونيَّة، لأن الإنسان يجعل من نفسه رقيبًا على نفسه، رقابة ذاتية، والإنسان في حقيقته إنما يقاد من داخله لا من خارجه، من باطنه لا من ظاهره، من قلبه لا من جوارحه، من عقله لا من أذنه. هذه القيادة إنما تأتي من هذه الرقابة الذاتية الناشئة من الإيمان واليقين والتقوى والحياء من الله . والقوانين وحدها لا تستطيع أن تصنع إنسانًا صالحًا، ولا مجتمعًا صالحًا. كم من أناس تحايلوا على القوانين، بل إنَّ بعض من يضعون القوانين هم أول مَن يخرقونها. وماذا يصنع القانون فيمن يملك القوة، ويستطيع أن يسخِّر القانون لمصلحته؟! هناك من هو أعلى من القانون: القانون من داخل النفس، القانون الذي يجعل الإنسان يترك كلَّ شيء، وهو قادر على أن يفعله، يترك الحرام خشية الله، بل يترك الشبهات، استبراءً لدينه وعرضه، بل يترك المكروهات، بل يترك بعض المباحات، حتى لا يقع فيما هو شرٌّ منها "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين، حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به بأس"( ). هذه الرقابة أهم من هذه القوانين التي يصنعها الناس. وأعظم العلل التي تفطم النفس عن شهواتها، وتلجم الإنسان بهذا اللجام الذي يمنعه عن كل شر هو: مراقبة الله تبارك وتعالى وتقواه. هذا أعظم من كل قوانين يفكر فيها الناس. انظر هل يقدم من تلامس هذه المراقبة قلبَه على غشِّ الناس ومُخادعتهم؟ هل يسهل عليه أن يراه الله آكلا لأموالهم بالباطل؟ هل يحتال على الله تعالى في منع الزكاة، وهدم هذا الركن الركين من أركان دينه؟ هل يحتال على أكل الربا؟ هل يقترف المنكرات جهارا؟ هل يجترح السيِّئات ويسدل بينه وبين الله ستارا؟ كلا. إن صاحب هذه المراقبة لا يسترسل في المعاصي؛ إذ لا يطول أمد غفلته عن الله تعالى، وإذا نسي وألمَّ بشيء منها يكون سريع التذكر، قريب الفيء والرجوع بالتوبة الصحيحة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف:201]( ). رقابة الله سبحانه على خلقه: المؤمن يراقب نفسه من حيث إنَّ الله جلَّ جلاله يراقبها قبله، ويرى ظواهرها وخوافيها، ولا يغيب عنه شيء من دقائقها، كما قال تعالى: {وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]، وقال عزَّ وجل: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:13،14]، إنه يعلم ما في الصدر، ما يكنُّه القلب، فكيف لا يعلم ما يظهر اللسان وإن كان بصوت خافت؟! المؤمن الحق يراقب الله: ولهذا فهو يراقب الله قبل أن يراقب الناس. ولا يكون كشأن المنافق الذي يراقب الناس ولا يراقب ربَّ الناس. المؤمن يراقب ربه في كلِّ كبيرة وصغيرة، في كلِّ حركة وسكنة، لا يغفل عن ربه طرفة عين، لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفل عنه. المراقبة التي تصنع القلب الحي: إذا نظرت إلى شيء، فاعلم أنَّ نظر الله إلى ما تنظر إليه أسبق من نظرك. لا بد أن تستحضر في نفسك هذه المراقبة. هذه المراقبة هي التي تصنع القلب الحي، تصنع ما يسمُّونه اليوم (الضمير). الضمير هو ذلك القلب الحسَّاس المرهف الحس، الذي يرعى الله تبارك وتعالى ويراقبه في كل أمر من الأمور. ما الذي ينقص الدنيا اليوم؟ ينقصها هذه الضمائر المؤمنة، هذه القلوب الحية. ما الذي جرَّ الفساد على دنيا المسلمين؟ أنه لا توجد هذه القلوب. وجدت قلوب غافلة عن الله، وعن المصير، وعن الحساب والجزاء، وعن الجنة والنار. ولهذا تمرَّغوا في أوحال الشهوات، وفي نجاسات الذنوب، ومشوا وراء الدنيا لا يبالون أكلوا من حلال أم من حرام. استحلَّ الناس الحرام وأصبح المعروف منكرًا والمنكر معروفًا، وسار الناس في ركاب الظلمة والطاغين، لأن الناس فقدوا رقابة الله عزَّ وجلَّ.
2856
| 27 مايو 2017
القرضاوي تقدم مشيعي جثمانه منوها بإثرائه المكتبة الاسلامية الصديق رحل وآخر كلماته تبشر بعودة الأقصى ودعت قطر واحدا من شعرائها الشاعر الشيخ أحمد محمد الصديق الذي رحل عن عالمنا عن 76 عاما بعد رحلة طويلة مع الفكر والادب الاسلامي، حيث أثرى المكتبة الاسلامية والمحافل الادبية بروائع من الشعر دار معظمه حول الاقصى. وقد تقدم فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي مشيعي جثمانه في مقبرة مسيمير اول امس حيث ووري الثرى. ونعى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشاعر أحمد الصديق وقال في بيان: تلقينا بقلوب مفعمة بالرضا بقدر الله وفاة الشاعر والداعية الإسلامي أحمد محمد الصديق -رحمه الله- عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وقد فقدت الأمة الإسلامية واحدا من أبنائها المخلصين الأفاضل، نسأل الله العلى القدير أن يغفر له ويرحمه رحمة واسعة ويعفو عنه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويدخله جنة الفردوس، وأن يلهم أهله وذويه، وأهله ومحبيه وزملاءه الصبر والسلوان إنه نعم المولى ونعم المجيب. د القرضاوي تقدم مودعي الصديق ولد الصديق في "شفا عمرو" على مقربة من عكا بفلسطين سنة 1941م. - درس المرحلة الابتدائية في مدرسة شفا عمرو - درس في حيفا سنتين بعد الابتدائية- درس في مدرسة كفر ياسيف سنة واحدة - التحق بالمعهد الديني في قطر، حيث التقى بخيرة الأساتذة والعلماء، وتخرج فيه عام 1966م - ثم درس الشريعة في جامعة أم درمان الإسلامية في السودان ونال شهادة الليسانس عام 1970م - حصل على الماجستير في الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر الشريف - وحصل على الدبلوم العام في التربية بجامعة قطر. وتحدث البيان عن حياته العملية حيث بدأ بنشر قصائده في الصحف اليومية في فلسطين المحتلة أيام دراسته الإعدادية والثانوية قبل خروجه منها عام 1956م. وشارك هناك بشعره في مهرجانات ومناسبات وطنية عديدة، وكان له نشاط طلابي ملحوظ. ونشرت له مجلة الأمة القطرية ومجلتا المجتمع والوعي الإسلامي الكويتيتان، ومجلة البعث الإسلامي في الهند ومجلة الشهاب اللبنانية. - شهدته الندوات الشعرية في الدوحة ، وجمعيات الإصلاح في الإمارات والكويت والبحرين شاعرا كبيرا لايشق له غبار، ودخلت بعض قصائده ضمن المقررات في مناهج اللغة العربية بدولة قطر ودولة الإمارات، وفي المدارس الفلسطينية في لبنان. أنشد الراحل الكثير من قصائده الدينية والوطنية والاجتماعية، وانتشرت أشرطته المسجلة على نطاق واسع وكان له في السودان نشاط شعري كبير في الاحتفالات والندوات وفي الصحف والمجلات، وأشهر المجلات التي نشرت له مجلة الميثاق الإسلامي. . اتحاد العلماء ينعى شاعر الأقصى أحمد الصديق واستعرض الاتحاد إنتاج الراحل الأدبي: - نداء الحق، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1977م. - الإيمان والتحدي، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م. - قصائد إلى الفتاة المسلمة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1984م. - جراح وكلمات، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م. - هكذا يقول الحجر/ (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1990م. - قادمون مع الفجر، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1987م. - أناشيد للصحوة الإسلامية، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1985م. - أناشيد للطفل المسلم، (ديوان شعر) (ثلاثة أجزاء) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1988م. - طيور الجنة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في الدوحة. - يا سراييفو الحبيبة، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م. - ملحمة الشيشان، (ديوان شعر) صدرت طبعته الأولى في عمان عام 1997م. - هو الله، (صياغة شعرية لأسماء الله الحسنى) صدرت طبعته الأولى في الدوحة عام 1998م.. وقد درست حياته وفنيات شعره في عدة دراسات أكاديمية بعدد من الجامعات العربية. وقال عنه د. يوسف القرضاوي في تقديمه لديوان نداء الحق وهو أول دواوينه الشعرية: "وشعر (الصديق) يدور حول محورين أساسيين: (دينه، ووطنه)، ودينه هو الإسلام، ووطنه هو فلسطين، فحولهما يدندن، ولهما أو عليهما يغني أو يبكي.. فهو شادي الأفراح و (ندبة) الأحزان، ولكنه استطاع أن يحول الحزن من سكب الدموع، وإطلاق العويل، إلى ثورة على الباطل، ودعوة إلى الحق، يجتمع فيها الشتات، ويحيا الموات، وتعلوا راية الله، يحملها رجال مؤمنون، يعيدون من جديد "صلاح الدين" ويحيون ذكرى (حطين).. وقال إن إسلاميات الصديق في ديوانه تستغرق معظم قصائده، فقد آمن بالإسلام، عقيدة وشريعة، عبادة وقيادة، دينا ودولة، حضارة وأمة، مصحفا وسيفا، أخلاقا وجهادا، وهذا الإيمان الواعي الشامل، نجد صورته ماثلة في شعره، من قصائده تتغلغل في أعماق النفس، أو تسبح في آفاق الوجود، على أخرى تبين محاسن الشريعة أو تذود عنها، إلى ثالثة تتحدث عن قضايا الإسلام من المحيط إلى المحيط، إلى رابعة تحيي ذكريات الإسلام وبطولاته وأمجاده على امتداد أربعة عشر قرنا.
3140
| 16 مايو 2017
السوريون ثاروا بلا حجر ولا سكين طلبا للحرية القره داغي: قطر البيئة الحاضنة وفرت للقرضاوي كافة أسباب التميز نظم مركز الحضارة للبحوث والدراسات في إسطنبول بتركيا احتفالية ضخمة، بمناسبة مرور 90 عاما على ميلاد فضيلة الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي وللوقوف على أهم محطات حياته. حملت الفعالية التي استمرت يومين عنوان "يوسف القرضاوي إمام الوسطية والتجديد"، وفي معرض حديثه حول الوضع في سوريا، عبر رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن دعمه للثورة السورية، وشد على أيدي بواسل الثورة "الذين يقاتلون الطاغوت وحدهم"، وقال: "لو كان لدي قدرة لذهبت مع الذاهبين، وقاتلت مع المقاتلين" في حلب.. وقال: "لابد أن نعترف بأن الشعب السوري قام في أول الأمر بثورة لا حجر فيها ولا سكين، خرج يريد الحياة والحرية وحسب، وظل يقاتل وهو لا يملك أي شيء أمام نظام يملك الجيش والشرطة والسلاح والبراميل المتفجرة والكيماوي". وتابع: "انظروا إلى حلب التي ظننا أنها انتصرت، لا يزالون مصرين على قتل أهلها، لو كان لدي قدرة لذهبت مع الذاهبين وقاتلت مع المقاتلين هناك، الذين يقاتلون الطاغوت وحدهم". الشعوب لا تهزم من ناحية أخرى أشار الشيخ القرضاوي إلى أنه "حينما جاء الربيع العربي وانتصرت تونس (2011) في بادئ الأمر، وهرب ذلك الرجل (زين العابدين بن علي) بما هرب به من مليارات، تحرر الشعب ونال حريته.. وكانت بعدها ثورة مصر فحاول الرئيس المصري أن يستولي ومن معه على عشرات المليارات، لكنهم ومع ذلك لم يستطيعوا -مع كل وسائلهم- أن يخمدوا ثورة الشعب، فالشعوب لا تهزم بهذه الطريقة". واستطرد: "أمة الإسلام يقدرونها بمليار و700 مليون، وتزداد يومًا بعد يوم، لكن الأصل ليس بكثرة العدد ولكن ما في هذا العدد من عبادة وعمل وإخلاص وتضامن، وهذا ما يجب أن تكون عليه الأمة بمفهومها الشامل، لأنه ومهما قلنا أن مكوناتنا عرب وعجم وأتراك وهنود وأجناس وأقوام، إلا أننا نستمد روح الجمع من الإسلام". ولفت إلى أن "البعض يعتقد أن الدين أتى ليعيش الناس في زهد، لكن مفهوم الزهد أن تملك الشيء وتزهد فيه، لكن من لديهم ما يزهدون فيها أصلا، عم يزهدون! الإسلام أراد التكافل للجميع". وأضاف فضيلته: "أول كتاب كتبته كان فقه الزكاة، لأن الأمة لا تستوي إذا ما عاش الفقير دون عطاء الغني، وإذا ما عاش الضعيف دون القوي، ومن ثم فقه الجهاد، حتى يعيش الناس في حياتهم أقوياء، بالإيمان والمال والجهاد، لا يستطيع أحد أن يفرض عليهم أن يعيشوا كما يريد هو، ولكن كما يريدون هم، أمة تخرج صرخاتها من جوفها ومن قلبها". وشكر الشيخ القرضاوي المحتفين به قائلًا: "كلما أرى الأمة تحتفي بالحق وبالمدافعين عن الحق وبمن على استعداد على أن يموتوا دفاعا عن هذا الحق، ازددت اطمئنانا". وخلال حفل التكريم عرض فيلم عن حياة الشيخ ومقتطفات من خطبه، أهمها تلك المتعلقة بثورات الربيع العربي (التي بدأت عام 2011). حضر الفاعلية ممثلون من عدد من الكيانات العربية والتركية من بينهم نور الدين نباتي نائب بالبرلمان التركي، ومحمد وليد المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، وأسعد هرموش نائب سابق بالبرلمان اللبناني، إضافة إلى عشرات من أبناء الجاليات العربية في مدينة إسطنبول التركية. وهدفت الفعالية إلى التعريف بالسيرة الذاتية للشيخ القرضاوي ونشاطه الدعوي وقراءة في فكره السياسي والاقتصادي، إضافة إلى عرض رؤيته في القضايا الفقهية المعاصرة، وموقفه من ثورات الربيع العربي. ظل وفيا لدينه وأمته وفي كلمة له، قال الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فضيلة الشيخ د.علي القره داغي، إن "القرضاوي ظلّ وفيًا لدينه وأمته وجهاده، وقائدا ثائرا في الجهاد ضد المحتلين والطغاة ومقاومة فكر الغلاة، وهو الذي عاش لأمته من أقصاها إلى أدناها". وتابع: "القرضاوي عاش للقضية الفلسطينية، ووقف مع ثورات الربيع العربي، ولو قرأنا كافة كتب وبحوث الشيخ لوجدناها تبحث عن النهوض بالأمة الإسلامية، وتحصين الأمة من الغزو الفكري والثقافي".. وأضاف: في كلمة له باسم الاتحاد، أنه "في هذه المناسبة لا يمكننا أن ننسى البيئة الحاضنة التي وفرت للشيخ القرضاوي كافة أسباب التميّز، وهي دولة قطر شعبًا وقيادة". وقدّم الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في نهاية كلمته، مجموعة من الرسائل المستوحاة من كتب الشيخ المحتفى به، موضحا "الأولى هي للأمة الإسلامية بأن تراجع أحوالها ومشاكلها، كما أنها مطالبة بمراجعة تاريخها المشرف، والثانية هي لجمع الكلمة القائمة على العدل والإنصاف، فأمة التوحيد اليوم أمة ممزقة ومفرقة، والثالثة هي وجوب العمل وضرورة الكفاح ضد الظلم والطغيان والجهل والفساد".أما الرابعة، إلى العلماء بضرورة الاجتهاد والتجديد، والخامسة للشباب بأن تتجه الطاقات نحو البناء وليس الهدم والفناء، والأخيرة هي رسائل البشائر، فالشيخ القرضاوي مؤمن حق الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى سينصر الأمة الإسلامية، بحسب القره داغي.
382
| 11 ديسمبر 2016
قام فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسليمن، بزيارة لمعرض الدوحة الدولي للكتاب. واطلع فضيلته على أحدث الإصدارات التي تضمنتها أجنحة المعرض المختلفة، وحرص عدد كبير من الزائرين على توجيه التحية لفضيلته، والتقاط الصور التذكارية معه. ومن جانبه، قام حساب المعرض على مواقع التواصل الاجتماعي بتوثيق زيارة العلامة الكبير الدكتور يوسف القرضاوي لأجنحة المعرض، وسط حفاوة زائريه.
377
| 03 ديسمبر 2016
قام رئيس الشؤون الدينية التركية، محمد غورماز بزيارة مقر الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين بالدوحة. وتأتي الزيارة في إطار زيارته الرسمية للدوحة بدعوة من وزارة الأوقاف. والتقى المسؤول التركي خلال زيارته رئيس الاتحاد د. يوسف القرضاوي؛ وأمينه العام علي القرة داغي؛ وعددا من العلماء. وقال غورماز، في كلمة له أثناء الزيارة، إن "العالم الإسلامي فقد مراكز هامة كمصر وسوريا والعراق بما فيها من أوضاع". وأكد أن "هناك حاجة كبيرة للتواصل الحقيقي بين العلماء المسلمين فهم بوصلة مهمة في إصلاح أوضاع العالم الإسلامي". ورافق رئيس الشؤون الدينية، نائبه ياووز أونال، ومفتي إسطنبول رحمي ياران، ومفتي صقاريا إلياس سينرلي، ومفتي ديار بكر بورهان إشليان، وعضو الهيئة الدينية العليا بنيامين أرول.
479
| 17 نوفمبر 2016
دعا رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ يوسف القرضاوي، المسلمين إلى "الدفاع عن مدينة حلب السورية، ونصرتها ضد الهجمة الشرسة" التي تتعرض لها منذ نحو ثلاثة أسابيع. جاءت دعوة الشيخ القرضاوي، في تصريحات أدلى بها للأناضول، خلال تواجده في مدينة إسطنبول التركية، للمشاركة في أعمال الدورة الـ 26 للمجلس الأوروبي للافتاء والبحوث. ومنذ إعلان النظام السوري انتهاء الهدنة في 19 سبتمبر الماضي، بعد وقف هش لإطلاق النار لم يصمد لأكثر من 7 أيام، تشنّ قواته ومقاتلات روسية، حملة جوية عنيفة متواصلة على أحياء حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، تسببت بمقتل وإصابة مئات المدنيين، بينهم نساء وأطفال. وشدّد القرضاوي، على ضرورة "أن يقف كل المسلمين على قلب رجل واحد للدفاع عن مدينة حلب"، وأن يتوحدوا من أجل نصرتها. وأضاف "لا يجوز للأمة أن تتبعثر، وأمامها بلد (مدينة) مثل حلب يأكل لحمها من هنا وهناك، نأمل أن نجد نهضة مقابل هذه الهجمة الشرسة المتوحشة الكبيرة على هذه المدينة الصابرة، وأن تتوحد الأمة وتعرف أن مصير المسلمين واحد". وقال إن "قضية حلب وما أصابها وما يصيبها وما زال يخطط لها، قضية كبيرة، اشترك بها أعداء الإسلام من كل ناحية، من نصارى وشيوعيين ومبتدعين". وأكد الشيخ القرضاوي، على أن "المسلمين في أنحاء العالم لا يحبون سفك الدماء ولا القتال أو الحروب ولا يعادون أحدا باستثناء من يعتدي عليهم".
383
| 08 أكتوبر 2016
وجه الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين انتقادات حادة لمؤتمر عقد في الشيشان تحت عنوان (من هم أهل السنة والجماعة؟)، مشيرا على ان البيان الختامي للمؤتمر جاء معبرا عن هوة سحيقة يحياها المؤتمرون والرعاة لهذا المؤتمر البائس، فبدلا من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة صفا واحدا أمام الفرق المنحرفة عن الإسلام، المؤيدة سياسيا من العالم، والمدعومة بالمال والسلاح، إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين من (الوهابيين). وأكد القرضاوي في بيان أصدره اليوم ووصل "بوابة الشرق" نسخة منه أن الوهابيين "هم مكون رئيسي من مكونات أهل السنة والجماعة". واعرب القرضاوي عن استغرابه من "مؤتمر ينعقد برعاية رئيس الشيشان التابع لحكومة روسيا،في الوقت الذي تقتل فيه الطائرات والصواريخ الروسية إخواننا السوريين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم بدعوى محاربة الإرهاب، الذي هم صانعوه، وهم أحق بهذا الوصف، وهو أليق بهم"، وفيما يلي نص البيان. إن العلماء ورثة الأنبياء، وهم أمناء الله ، {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة:44]. وقد قرر الله تعالى أن من صفات العلماء الصادقين خشية الله في السر والعلن، وفي المنشط والمكره. قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]. وحذرهم وحذر المؤمنين من خشية أحد سواه: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا} [المائدة:44]، فضلا عن أن تنحني لهم قامة، أو تلين لهم قناة أمام الظالمين والمتكبرين في الأرض بغير الحق، ووصف سبحانه العلماء الربانيين بقوله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [الأحزاب:39]. وقد تناقلت وسائل الإعلام خبر انعقاد مؤتمر إسلامي، يعقد في جروزني عاصمة الشيشان إحدى الولايات التابعة لروسيا الاتحادية، يحمل عنوان: (من هم أهل السنة والجماعة؟). وقد أزعجني هذا المؤتمر بأهدافه وعنوانه، وطبيعة المدعوين إليه والمشاركين فيه، كما أزعج كل مخلص غيور من علماء الإسلام وأمته، فرأيت أن أصدق ما يوصف به أنه مؤتمر ضرار. فالله تعالى يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. وهؤلاء ما تعاونوا على بر أو تقوى. كالذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين. مؤتمر ينعقد برعاية رئيس الشيشان التابع لحكومة روسيا،في الوقت الذي تقتل فيه الطائرات والصواريخ الروسية إخواننا السوريين، وتزهق أرواحهم، وتدمر بيوتهم فوق رؤوسهم بدعوى محاربة الإرهاب، الذي هم صانعوه، وهم أحق بهذا الوصف، وهو أليق بهم. ثم جاء البيان الختامي معبرا عن هوة سحيقة يحياها المؤتمرون والرعاة لهذا المؤتمر البائس، فبدلا من أن يسعى لتجميع أهل السنة والجماعة صفا واحدا أمام الفرق المنحرفة عن الإسلام، المؤيدة سياسيا من العالم، والمدعومة بالمال والسلاح، إذا به ينفي صفة أهل السنة عن أهل الحديث والسلفيين من (الوهابيين)، وهم مكون رئيسي من مكونات أهل السنة والجماعة؛ وكأنه قد كتب على أمتنا أن تظل في هذه الدائرة التي لا تنتهي، ينفي بعضنا بعضا، في الوقت الذي يتعاون فيها أعداؤنا، ومن هم خارجون عن ملتنا وعقيدتنا،ليوقعوا ببلاد المسلمين بلدا تلو أخرى. وإن أمة الإسلام- وهم أهل السنة-هم كل من يؤمن بالله وكتابه ورسوله .. من لا يقر ببدعة تكفيرية، ولا يخرج عن القرآن الكريم وعن السنة الصحيحة. وهم كل المسلمين إلا فئات قليلة، صدت عن سبيل الله. إن أمتنا التي تمددت جراحاتها، وتشعبت آلامها، لم يعد لديها من رفاهية الوقت، لإعادة الخلافات التاريخية القديمة بين مكونات أهل السنة والجماعة جذعة، في الوقت الذي تئن مقدساتها، وتستباح حرماتها، وتسيل دماؤها في فلسطين وسوريا واليمن، وغيرها. لقد تجاوز الزمن تلك الخلافات العلمية الفرعية في مسائل العقيدة: مسائل الصفات، والتأويل، والتفويض، والتي تبحث في بطون الكتب، وقاعات الدراسة في جو علمي وخُلُق راق، فإذا بهؤلاء الذين يعيشون خارج العصر يريدون إثارتها وتأجيجها من جديد، وشغل الأمة بماضيها عن حاضرها، وبأمسها عن يومها ومستقبلها، وتمزيق الأمة أحزابا وشيعا، في الوقت الذي يجتمع عليها أهل الشرق والغرب، وينسق فيه أعداء الأمس، لينقصوا بلادهم من أطرافها. لم نسمع ممن نصبوا أنفسهم ممثلين لأهل السنة والجماعة كلمة اعتراض على ما تقوم به إيران وأذنابها، من ميليشيات حزب الله في سوريا، والحوثيين في اليمن من قتل واستباحة وتدمير، وبعث الدعاة في أقريقيا وآسيا لتضليل أهل السنة. ولا كلمة إنكار لما تقوم به روسيا، ومن يدور في فلكها، ولا عجب. وقد تصدر المؤتمر علماء السلطان، وشيوخ العار، الذين سكتوا عن دماء المسلمين المراقة ظلما وعدوانا من روسيا وأذنابها، والذين هللوا للمستبدين في عالمنا العربي، وحرضوهم على سفك الدماء، فأيدوا السيسي في مصر، وبشار في سوريا، وعلي عبد الله صالح والحوثيين في اليمن، وإن جملوا مؤتمرهم – للأسف - ببعض الطيبين من أهل العلم من هنا وهناك. ولنا أن نتساءل: ماذا بعد تحديد أهل السنة والجماعة؟! هل سنسمع لكم صوتا ضد الشيعة والنصيرية في سوريا واليمن والعراق؟! وإننا نحمد الله تعالى على وعي جماهير الأمة الإسلامية وشبابها، فقد أرادوا مؤتمرهم حربا على صحيح الإسلام ونور الحق ودعاة الحرية، فأخزاهم الله، وتبرأ من بيانه الختامي كبيرهم، فولد المؤتمر ميتا، {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]. وأحب أن أؤكد أنني قد جاءني وفد يمثل علماء الشيشان في سنة 2010م، ودعوني لمؤتمر يعقد في الشيشان بعنوان (الإسلام دين السلام والمحبة)، فاعتذرت، وأخبروني أنهم يريدون فيه جمع الجهود، وإحلال السلام والمصالحة، وأن المؤتمر يقام تحت رعاية رئيس الجمهورية، وأثنوا عليه، وطلبوا مني أن أسجل كلمة لهذا المؤتمر، وأن أذكر رئيسهم في كلمتي، فذكرته بما حدثوني عنه. ولم يكن حينها على أرض الشيشان أي نوع من أنواع الجهاد، ليقول الأفاكون:إنني خذلت المجاهدين على أرض الشيشان بكلمتي، ولم تكن سوريا الجريحة تعاني ما تعاني من القصف الروسي المتواصل، الذي أعلن هؤلاء المسؤولون في الشيشان عن تأييده. ثم وجهت لي أكثر من مرة دعوة مفتوحة في أي وقت لزيارة الشيشان وروسيا والجهوريات الإسلامية هناك، على متن طائرة خاصة يرسلها رئيس الشيشان، ولكني أبيت، والحمد لله على توفيقه. {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:286] . { رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4-5].
2060
| 01 سبتمبر 2016
بعث فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين رسالة تضامن وتأييد لفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان جاء فيها:"الله معك وشعوب العرب والمسلمين معك، وكل الأحرار في العالم معك، ونحن علماء الأمة الإسلامية في المشارق والمغارب معك.. وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير".أضاف فضيلته في رسالته قائلا للرئيس أردوغان: "كلنا معك؛ لأنك مع الحق ضد الباطل، ومع العدل ضد الظلم، ومع الشعوب ضد المستبدين، ومع الحرية ضد الجلادين، ومع الشورى والديمقراطية ضد الذين يسوقون الشعوب بالسوط، ويقهرونها بالعنف".وختم رسالته قائلا: "أيها الرئيس الكريم.. سر في طريقك المستقيم؛ لتبني تركيا كما تريد، وكما نريد، تقود الناس إلى الحق، وتدعوهم إلى الرشد، وتنصر المستضعفين، وتؤيد المضطهدين. ونحن معك.. نشد أزرك، ونساندك مع حزبك وأنصارك. والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}.كما أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا لأمينه العام الشيخ الدكتور علي القرة داغي ندد بمحاولة الانقلاب العسكري الغاشم والذي قامت به بعض القوات المنتمية إلى الجيش التركي، في الوقت الذي رفضت فيه قيادات عسكرية تركية رفيعة هذا الانقلاب مؤكدة أنه لا يمثل الجيش وتوجهاته، فلها كل التقدير على موقفها هذا.كما أكد الشيخ القرة داغي أن الاتحاد يعتبر هذا الانقلاب هو خروج على الولاية الشرعية التركية المنتخبة وأنه حرام شرعي بل ومن الكبائر، إضافة إلى كونه عملاً غير حضاري ويضر بالواجهة الحضارية للجمهورية التركية وسمعتها.وأشاد الشيخ القرة داغي بالجماهير التركية الغفيرة التي نزلت إلى الشوارع والميادين في أنقرة وإسطنبول وغيرهما دعماً للرئيس التركي أردوغان والحكومة التركية المنتخبة في مظهر إنما يدل على وعي شعبي بالمكتسبات التي تحققت في تركيا ولا يمكن التراجع عنها لأجل مصالح شخصية زائلة لمجموعة انقلابيين فاشلين، مطالباً تلك الجموع بالاستمرار في الدعم حتى تفشل محاولة الانقلاب تماماً ويلقى المنقلبون جزاءهم على فعلتهم المشينة.ودعا الشيخ القرة داغي الله العلي القدير أن يحمي الجمهورية التركية شعباً وقيادة وحكومة وسائر بلاد المسلمين من الفتن والانقلابات والشرور.
545
| 16 يوليو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة : التاسعة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) أنواع النفقات قال في الانتصار: ومذهب الشافعي، لا تجب أجرة الحمَّام وثمن الأدوية وأجرة الطبيب؛ لأن ذلك يراد لحفظ البدن، كما لا يجب على المستأجر أجرة إصلاح ما انهدم من الدار. وقال في الغيث: الحجة أن الدواء لحفظ الروح، فأشبه النفقة. انتهى. قلت: هو الحق لدخوله تحت عموم قوله: "ما يكفيكِ". وتحت قوله: {رِزْقُهُنَّ}. فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ (ما)، والثانية عامة، لأنها مصدر مضاف، وهي من صيغ العموم واختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق)). انتهى كلام الإمام الشوكاني، وقد نقله السيد صديق حسن خان في (الروضة الندية). هل يدخل علاج الزوجة ضمن النفقة؟ من الفتاوى ما يحمل طابع زمانه؛ لأن الإنسان وإن كان من الفقهاء لا يستطيع أن يتحرَّر من تأثير زمانه ومكانه، إلا نادرًا، ولهذا قرر المحقِّقون من علمائنا: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال. وهو ما يلحظه كل دارس للفقه وأثر هذا التغير فيه. وهو ما جعلنا نصدر كتابنا (موجبات تغير الفتوى في عصرنا). وأوردنا فيه عشرة موجبات في عصرنا لتغير الفتوى. ومن ذلك: ما قرره الفقهاء حول دخول المداواة والعلاج في (نفقه المرأة) الواجبة على الزوج، والتي ينبغي أن تدخل ضمن المعاشرة بالمعروف، التي أمر بها القرآن في قوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]، وليس من المعروف أن يراها الزوج تتلوى أمامه من الألم، لوجع في الكلية او المثانة أو الضرس، ولا يُحضر لها الدواء اللازم لها، أو يعرضها على الطبيب الذي يشخِّص الداء ويصف الدواء. وهذا يتنافى مع ما شرعه الإسلام من الرحمة بالضعفاء، والمريض منهم: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". بل هذا يتفق مع القسوة التي ذمَّ الله أصحابها، كما قال مخاطبًا بني إسرائيل: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}[البقرة:74]. {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً}[المائدة:13]. ثم هناك قاعدة فقهية متَّفق عليها، وهي: لا ضرر ولا ضرار. وهي قاعدة قطعية عامة، مقتبسة من نص حديث نبوي، وهي كذلك مقتبسة من جملة آيات صريحة من القرآن في منع الضرر والضرار. ومنها أخذت قواعد فرعية، مثل قاعدة: الضرر يزال بقدر الإمكان. ولا ريب أن المرض ضرر بصاحبه، وخصوصًا إذا كان مؤلِمًا لصاحبه، وإذا كان علاجه معروفًا. مال الزوج ليس للمرأة الحق في التصرف بمال زوجها إلا بإذنه، حتى الصدقة لا يجوز لها أن تتصدق إلا بإذنه، فإذا أذن لها إما بالكلام أو بدلالة الحال فيها، وإلا فليس لها أن تفعل، خاصة إذا علمت أنه يغضب لهذا، أو إذا نهاها أن تفعل، فعندئذ لا يجوز لها أن تخالف وتفعل بماله ما لم يأذن به. الحقوق الجنسية بين الزوجين إن العلاقة الجنسية بين الزوجين أمر له خطره وأثره في الحياة الزوجية، وقد يؤدي عدم الاهتمام بها، أو وضعها في غير موضعها، إلى تكدير هذه الحياة، وإصابتها بالاضطراب والتعاسة. وقد يفضي تراكم الأخطاء فيها إلى تدمير الحياة الزوجية والإتيان عليها من القواعد. وربما ظن بعض الناس أن الدين أهمل هذه الناحية برغم أهميتها، وربما توهم آخرون أن الدين أسمى وأظهر من أن يتدخل في هذه الناحية بالتربية والتوجيه، أو بالتشريع والتنظيم، بناء على نظرة بعض الأديان إلى الجنس على أنه ((قذارة وهبوط حيواني)). والواقع أن الإسلام لم يغفل هذا الجانب الحسَّاس من حياة الإنسان وحياة الأسرة، وكان له في ذلك أوامره ونواهيه، سواء منها ما كان له طبيعة الوصايا الأخلاقية، أم كان له طبيعة القوانين الإلزامية. وأول ما قرره الإسلام في هذا الجانب هو الاعتراف بفطرية الدافع الجنسي وأصالته، وإدانة الاتجاهات المتطرفة التي تميل إلى مصادرته، أو اعتباره قذرًا وتلوثًا.. كما قرَّر بعد الزواج حق كل من الزوجين في الاستجابة لهذا الدافع، ورغب في العمل الجنسي الحلال إلى حد اعتباره عبادة وقربة إلى الله ولكن الإسلام راعى أن الزوج بمقتضى الفطرة والعادة هو الطالب لهذه الناحية والمرأة هي المطلوبة. وأنه أشد شوقًا إليها، وأقل صبرًا عنها، على خلاف ما يشيع بعض الناس أن شهوة المرأة أقوى من الرجل، فقد أثبت الواقع خلاف ذلك.. وهو عين ما أثبته الشرع. ولهذا أوجب على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها إلى فراشه، ولا تتخلف عنه كما في الحديث: "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته، فلتأته وإن كانت على التَّنُّور" وحذرها أن ترفض طلبه بغير عذر، فيبيت وهو ساخط عليها، وقد يكون مفرِّطًا في شهوته وشبقه، فتدفعه دفعًا إلى سلوك منحرف أو التفكير فيه، أو القلق والتوتر على الأقل: "إذا دعا الرجل امرأته، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح". وهذا كله ما لم يكن لديها عذر معتبر من مرض أو إرهاق، أو مانع شرعي، أو غير ذلك. وعلى الزوج أن يُراعي ذلك، فإن الله سبحانه — وهو خالق العباد ورازقهم وهاديهم — أسقط حقوقه عليهم إلى بدل أو إلى غير بدل، عند العذر، فعلى عباده أن يقتدوا به في ذلك. وتتمة لذلك نهاها أن تتطوع بالصيام، وهو حاضر إلا بإذنه؛ لأن حقه أولى بالرعاية من ثواب صيام النافلة، وفي الحديث المتفق عليه: "لا تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه". والمراد صوم التطوع بالاتفاق كما جاء في ذلك حديث آخر، بخلاف صوم رمضان، فهو فرض عليها، فلا يحق له أن يلزمها بالفطر. والإسلام حين راعى قوة الشهوة عند الرجل، لم ينس جانب المرأة، وحقها الفطري في الإشباع بوصفها أنثى. ولهذا قال النبي لمن كان يصوم النهار ويقوم الليل من أصحابه مثل عبد الله بن عمرو: "إن لبدنك عليك حقًّا، وإن لأهلك (أي امرأتك) عليك حقًا" ومما لفت الإسلام إليه النظر: ألا يكون كل هم الرجل قضاء وطره هو دون أي اهتمام بأحاسيس امرأته ورغبتها. ولهذا روي في الحديث الترغيب في التمهيد للاتصال الجنسي بما يشوِّق إليه من المداعبة والقبلات ونحوها، حتى لا يكون مجرد لقاء حيواني محض، كل همه أن يفرغ ماءه فيها ويستريح. ولم يجد أئمة الإسلام وفقهاؤه العظام بأسًا أو تأثيمًا في التنبيه على هذه الناحية التي قد يغفل عنها بعض الأزواج. خلاصة القول إن الإسلام عُنِي بتنظيم الناحية الجنسية بين الزوجين، ولم يهملها حتى ان القرآن الكريم ذكرها في موضعين من سورة البقرة التي عنيت بشؤون الأسرة: أحدها: في أثناء آيات الصيام وما يتعلق به حيث يقول تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا}[البقرة:187]. وليس هناك أجمل ولا أبلغ ولا أصدق من التعبير عن الصلة بين الزوجين من قوله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187] بكل ما توجبه عبارة "اللباس" من معاني الستر والوقاية والدفء والملاصقة والزينة والجمال. الثاني: قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ * نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ}[البقرة:222، 223]. وقد جاءت الأحاديث النبوية تفسِّر الاعتزال في الآية الأولى بأنه اجتناب الجماع فقط دون ما عداه من القبلة والمعانقة والمباشرة ونحوها من ألوان الاستمتاع، كما تفسِّر معنى {أَنَّى شِئْتُمْ} بأن المراد: على أي وضع أو أي كيفية اخترتموها ما دام في موضع الحرث، وهو القُبُل، كما أشارت الآية الكريمة. وليس هناك عناية بهذا الأمر أكثر من أن يذكر قصدًا في دستور الإسلام وهو القرآن الكريم.
4318
| 03 يوليو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الثامنة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) حقوق عامة بين الزوجين والزواج — كما أسلفنا — عهد وثيق، ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كل منهما يسمى بعده (زوجًا) بعد أن كان (فردًا)، هو في العدد فرد، وفي ميزان الحقيقة (زوج)؛ لأنه يمثل الآخر، ويحمل في حناياه آلامه وآماله معًا. وقد صوَّر القرآن الكريم مبلغ قوة هذا الرباط بين الزوجين فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187]. وهو تعبير يُوحي بمعاني الاندماج والستر، والحماية والزينة، والغطاء والدفء، يحققها كل منهما لصاحبه. ولهذا كان على كلٍّ من الزوجين حقوق لصاحبه، لا بد أن يرعاها، ولا يجوز له أن يفرِّط فيها، وهي حقوق متكافئة، إلا فيما خصت الفطرة به الرجال، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]. وهي درجة القوامة والمسؤولية. من حقوق الزوجة على زوجها: وقد سأل رجلٌ النبيَّ فقال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الـوجـه، ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت". فلا يحل للزوج المسلم أن يهمل النفقة على زوجته وكسوتها، وفي الحديث النبوي: "كفى إثمًا أن تحبس عمن تملك قوته"، وفي رواية: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يقوت". ولا يحل له أن يضرب وجه زوجته، لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان، ومن خطر على هذا العضو الذي يجمع محاسن الجسم. وإذا جاز للمسلم عند الضرورة أن يؤدِّب زوجته الناشزة المتمرِّدة، فلا يجوز له أن يضربها ضربًا مُبرِّحًا، أو ضربًا يصيب وجهها أو مقاتلها. كما لا يحل للمسلم أن يُقبِّح زوجته، بأن يؤذيها بلسانه، ويُسمعها ما تكره، ويقول لها: قبحك الله، وما يشابهها من عبارات تثير النفور. من حقوق الزوج على زوجته ومن حق الزوج على الزوجة ألا تهجر له فراشًا، قال رسول الله : "إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ". وألا تُدخِل أحدًا بيته دون علمه وإذنه، ولهذا قال : "ولكم عليهن أن لا يوطِئْن فرشكم أحدًا تكرهونه". والظاهر من كلمة (أحدًا) في الحديث هو الرجل. وعند أحمد وغيره حديث: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ". على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته، إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها باعتبارها إنسانًا، ويعرف لـهـا حسناتـهـا بجانب أخطائها، ومزاياها إلـى جـوار عيوبها. وفـي الحديث: "لا يَفْرَك — أي لا يُبغض — مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر". وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19]. وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته، أُمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها، بما عندها من قدرة وسحر، وحذَّرها أن تبيت وزوجها غاضب عليها. وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمَّ قومًا وهـم لـه كـارهـون، وامـرأة باتت وزوجـها عليـها سـاخـط، وأخـوان متصارمـان". أي: متخاصمان. حق الزوجة في النفقة الملائمة لحالها وحال زوجها ولم يحدِّد الشرع في النفقة على المرأة مقدارًا معينًا من الدراهم أو غيرها، بل الواجب هو تلبية حاجتها بالمعروف، والحاجة تختلف من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن وسط لآخر، ومن رجل لآخر، فالمدنية غير الريفية، والحضرية غير البدوية، والمثقفة غير الأمية، والناشئة في بحبوحة النعيم غير الناشئة في خشونة الشظف، وزوجة الثري غير زوجة المتوسط غير زوجة الفقير وفي متعة المطلقة نبَّه على هذا المعنى فقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:236]. وقيل: كان لعلي أربع نسوة، فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحمًا بدرهم. وقال ابن سيرين: يستحبُّ للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة (نوعًا من الحلوى))). قال الغزالي: ((وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات، ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة. ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب، فلا يطعمهم منه، فإن ذلك مما يوغر الصدور، ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان مزمعًا على ذلك، فليأكل بخُفية، بحيث لا يعرف أهله، ولا ينبغي أن يصف عندهم طعامًا لا يريد إطعامهم إياه. وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته..)). نفقة المرأة بقدر كفايتها ولكن ما الذي يفرضه الشرع للزوجة من النفقة ومطالب المعيشة؟ لنسمع ما يقوله في ذلك الفقه المستند إلى الكتاب والسنة.. قال شيخ الإسلام ابن قدامة الحنبلي في كتابه (الكافي): ((يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف، لقول النبي لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". ولأن الله قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:233]. والمعروف: قدر الكفاية؛ لأنها واجبة لدفع الحاجة. فتقدَّرت بالكفاية كنفقة المملوك، فإذا ثبت أنها غير مقدَّرة، فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم (أي القاضي) فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأُدْم. ويجب لها في القوت الخبز؛ لأنه المُقتات في العادة. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة:89] الخبز والزيت. وعن ابن عمر: الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز والتمر. ومن أفضل ما تطعمهم: الخبز واللحم. ويجب لها من الأُدْم بقدر ما تحتاج إليه من أُدْم البلد: من الزيت والسِّيرج (دهن السمسم) والسمن واللبن واللحم، وسائر ما يؤتدَم به؛ لأن ذلك من النفقة بالمعروف، وقد أمر الله تعالى ورسوله به. ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره، لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7] ويعتبر حال المرأة أيضًا، لقول النبي : "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". فيجب للموسِرة تحت الموسِر من أرفع خبز البلد وأُدْمه بما جرت به عادة مثلها ومثله، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأُدْمه على قدر عادتهما، وللمتوسطة تحت المتوسط (يعني: أوسط ذلك). وإذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا، ما بينهما كل على حسب عادته؛ لأن إيجاب نفقة الموسرين على المعسر، وإنفاق الموسر نفقة المعسرين، ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه. وتجب الكسوة للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمته كالنفقة. ويجب للموسرة تحت الموسر من رفيع ما يُلبس في البلد من الإبريسم والخز (نوعان من الحرير) والقطن والكتان، وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان، وللمتوسطة تحت المتوسط. وإذا كان أحدهما موسرًا، والآخر معسرًا، ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس، كما قلنا في النفقة. ويجب لها مسكن؛ لأنها لا تستغني عنه للإيواء، والاستتار عن العيون، للتصرف والاستمتاع، ويكون ذلك على قدرهن، كما ذكرنا في النفقة. وإن كانت ممن لا يخدم نفسها، لكونها من ذوات الأقدار، أو مريضة، وجب لها خادم، لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]. وإخدامها من العِشرة بالمعروف، ولا يجب لها أكثر من خادم؛ لأن المستحق خدمتها في نفسها، وذلك يحصل بخادم واحد، ولا يجوز أن يُخدِمها إلا امرأة، أو ذو رحم محرم، أو صغير)). وقال صاحب (الروضة الندية) في بيان ما يجب للزوجة على الزوج من النفقة: ((هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، فنفقة زمن الخَصْب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب. نفقة أهل البوادي ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن. وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على اختلاف طبقاتهم، غير المعروف من نفقة الفقراء، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف، غير المعروف من نفقة أهل الوَضَاعات. فليس المعروف المشار إليه في الحديث، هو شيء متَّحد، بل مختلف باختلاف الاعتبار))( )اهـ. وذكر الإمام الشوكاني في كتابه (الفتح الرباني) اختلاف المذاهب في تقدير النفقة بمقدار معين، وعدم التقدير، فذهب جماعة من أهل العلم، وهم الجمهور، إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية، وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء القائلين بالتقدير، فقال الشافعي: على المسكين المتكسب مُدٌّ، وعلى الموسر مُدَّان، وعلى المتوسط مُدٌّ ونصف. وقال أبو حنيفة: على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر، وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة. قال بعض أصحابه: هذا التقدير في وقت رخص الطعام، وأما في غيره فيعتبر بالكفاية.
2276
| 02 يوليو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: السابعة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) * ما يترتب على عقد الزواج الصحيح رتب الشرع على عقد النكاح الصحيح، عدة أمور بعضها يكون بمجرد العقد، وبعضها يجب بالبناء بالزوجة: 1- ثبوت حرمة المصاهرة: فيحرم على الزوج بمجرد العقد أم زوجته وإن علت على التأبيد، سواء دخل بها، أم لم يدخل بها، وسواء طلقها قبل الدخول أم توفيت قبل الدخول، وكذا يحرم عليه أن يجمع بينها وبين عمتها وخالتها حتى تموت أو يطلقها، وكذا يحرم على الزوجة المعقود عليها أصول العاقد وفروعه، لكن لا تحرم بنت المعقود عليها إلا بالدخول بالأم لقوله تعالى في آية المحرمات: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء:23]. وقد فصلنا القول في ذلك في أثناء حديثنا عن المحرمات من النساء. 2- المهر: المهر أو الصداق، وهو ما يعطى من الرجل للمرأة عند الزواج ثابت بالكتاب والسنة وبالإجماع، استقر العمل عليه، وعرفه الخاص والعام من أبناء المسلمين فأصبح من المعلوم من الدين بالضرورة. أما الكتاب فقوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:24]. وقال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}[النساء:4]. وأما السنة، فلحديث المرأة التي وهبت نفسها للنبي، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله، إن لم يكن لك بها حاجةٌ فزوِّجنِيها. فقال: "فهل عندك من شيء؟". فقال: لا والله يا رسول الله. فقال: "اذهب إلى أهلِك فانظر: هل تجِدُ شيئًا؟". فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله، ما وجدت شيئًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظُرْ ولو خاتَمًا من حديد". فذهب، ثم رجع فقال: "لا، والله يا رسول الله، ولا خاتَمًا من حديد، ولكن هذا إزاري، فلها نصفه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصنع بإزارك؟ إن لَبِستَهُ لم يكن عليها منه شيء، وإن لبِسَتْهُ لم يكن عليك منه شيء". فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مُوَلِّيًا، فأمر به فَدُعِيَ، فلما جاء قال: "ماذا معك من القرآن؟". قال: معي سورة كذا، وسورة كذا - عَدَّدها - قال: "تقرؤهنَّ عن ظهر قلبك؟". قال: نعم. قال: "اذهب، فقد ملَّكْتُكَها بما معك من القرآن"( ). وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة سلفا وخلفا على مشروعية الصداق. ولا يحل للزوج أن يمطل زوجتها مهرها إذا طلبته، أو يسترده منها- كله أو بعضه- بعد دفعه لها، قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}[النساء:20، 21]. إلا أن تختلع هي من غير مضارة من الزوج، لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}[البقرة:229]. فإذا تنازلت له عن شيء منه راضية غير مكرهة فلا بأس بأخذه، لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}، وإذا رضي الزوج بالزيادة على ما تراضيا عليه فلا حرج في ذلك. قال تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ}. والحكمة من وراء شرعية هذا المهر عدة أمور: أ- تكريم المرأة بأن تكون هي المطلوبة لا الطالبة، والتي يسعى إليها الرجل لا التي تسعى إلى الرجل، فهو الذي يطلب ويسعى ويبذل، على عكس الأمم التي تُكلِّف المرأة أن تبذل هي للرجل من مالها، أو مال أهلها، حتى يقبل الزواج منها. وهذا عند الهنود وغيرهم، حتى إن المسلمين في باكستان والهند ما زال فيهم رواسب من هذه الجاهلية الهندوسية إلى اليوم، مما يكلف المرأة وأهلها شططًا، ويرهقهم عسرًا، إلى حد أن بعض الأسر تبيع ما تملك لتزوج بناتها، ويا ويل أبي البنات الفقير، وأم البنات الأرملة المسكينة! ب- إظهار الرجل رغبته في المرأة ومودته لها، فهو يعطيها هذا المال نحلة منه، أي عطية وهدية وهبة منه، لا ثمنًا للمرأة كما يقول المتقولون.. وفي ذلك يقول القرآن بصريح العبارة: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة}[النساء:4]. ج- الإشعار بالجدية، فالزواج ليس ملهاة يتسلى بها الرجال، فيتزوج الرجل المرأة ويربطها به، ثم لا يلبث أن يدعها ليجد أخرى.. وهكذا. وقد اتفق الفقهاء على وجوب المهر كاملًا للمدخول بها، فإذا لم يسم لها مهرا فلها مهر المثل إن تنازعا، أو مهر المثل إن اتفقا على ذلك. ويجب للمعقود عليها نصف المهر المُسمَّى إن طلقت قبل الدخول لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}[البقرة:237]. والمتوفى عنها قبل الدخول لها المهر كاملا، بالإجماع، تستحقه من تركته بعد تجهيزه وقبل تقسيم الميراث؛ لأنه دين. أما إذا لم يسم المهر في عقد الزواج( )، وطلقت المرأة، أو توفي عنها زوجها، فما يكون لها؟ اتفق الفقهاء على أنها إن طُلِّقت ليس لها إلا المتعة لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:236]. على خلاف بينهم في وجوبها، فإلى الوجوب ذهب جمهور الفقهاء؛ لأن الأمر يقتضي الوجوب، ولا يعارضه قوله {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} لأن أداء الواجب من الإحسان، ولأن المفوضة لم يجب لها شيء فتجب لها المتعة للإيحاش، وإلى الندب ذهب المالكية، وهو القديم عند الشافعية، لقوله تعالى: {حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ} قالوا: ولو كانت واجبة لم يخص بها المحسنون دون غيرهم، والحقيقة أن المحسنين يراد بهم المؤمنون، الذين يحرصون على الإحسان ما استطاعوا. أما موته عنها قبل الدخول، فذهب الجمهور إلى أنه إن مات الزوج عن المفوضة قبل الدخول، فلها مهر مثلها، لحديث عبد الله بن مسعود، في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق، فقال: لها الصداق كاملا، وعليها العدة، ولها الميراث. فقال معقل بن سنان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت- وكان زوجها مات ولم يدخل بها ولم يفرض لها صداقا- فجعل لها مهر نسائها لا وكس ولا شطط ( ). وذهب المالكية إلى: أنه لا صداق لها وإن ثبت لها الميراث( ). 3- التوراث بين الزوجين: رتب الإسلام على مجرد عقد النكاح الصحيح التوارث بين الزوجين، قال تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ}[النساء:12] فللزوج نصف تركة زوجته المتوفاة إن لم يكن لها ولد ذكرا كان أو أنثى، فإذا كان لها ولد كان للزوج الربع، وللزوجة الربع من تركة زوجها إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد فلها الثمن، وسواء في ذلك كون الوفاة قبل الدخول أو بعده. 4- عدة الوفاة: فتجب العدة على المتوفَّى عنها قبل الدخول وبعده، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234]. ولم يقيده بدخول ولا غيره، أما عدة المطلقة فلا تجب إلا بالدخول، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}[الأحزاب:49].
6367
| 01 يوليو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: السادسة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) * الشروط الفاسدة أما الشروط الفاسدة فهي نوعان: نوع يُبطل الزواج، ونوع لا يبطله. فأما الذي يبطله فله أقسام: الشغار: الأول: ما يعرف بـ(الشِّغَار)، ومعناه: أن يزوِّج الرجل ابنته، على أن يزوِّجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق. وقد نهى عنه النبي، ورُوِيَ عن الصحابة أنهم فرَّقوا بين الزَّوْجين. زواج التحليل الثاني: ما يعرف بزواج (التحليل)، وهو الذي يتزوج المرأة المطلَّقة من زوجها ثلاثًا، بشرط أن يطلِّقها إذا أحلَّها للأول، فهذا ليس زوجًا وإنما هو واسطة، وقد حرمه النبي ولعن فاعله. فقال: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". والسر في ذلك أن الزواج الذي شرعه الإسلام لا بد من أن تصحبه نية التأبيد، حتى يؤتي ثماره المرجوة من السكن والمودة والرحمة والنسل وغيرها. وزواج المحلَّل على غير هذه السُّنة، فإنه إنما يتزوجها ليلة أو ليلتين، أو ساعة أو ساعتين، أو أدنى من ذلك أو أكثر، لا لشيء من تلك الأغراض النبيلة، بل لمجرد أن تحلَّ للأول، وسواء اشترط ذلك باللسان أم نواه بقلبه، فهو حرام وباطل. روى نافع عن ابن عمر: أن رجلًا قال له: تزوجتها أحلُّها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم! قال: لا؛ إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها. ثم قال: وإن كنا لنعده على عهد رسول الله سفاحًا. زواج المتعة الثالث: ما يعرف بزواج (المتعة)، ومعناه: أن يتزوج الرجل امرأة لمدة يحددانها؛ نظير أجر معين. والزواج في الإسلام عقد متين، وميثاق غليظ، يقوم في الأصل على نية العِشْرة المؤبَّدة من الطرفين؛ لتتحقق ثمرته النفسية التي ذكرها القرآن — من السكن النفسي والمودة والرحمة — وغايته النوعية العمرانية، من استمرار التناسل وامتداد بقاء النوع الإنساني: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}[النحل:72]. أما زواج المتعة، فلا يتحقق فيه المعنى الذي أشرنا إليه. وقد أجازه الرسول قبل أن يستقر التشريع في الإسلام. أجازه في السفر والغزوات، لشدة حاجة الصحابة ومعظمهم شباب إليه، ثم نهى عنه وحرَّمه على التأبيد، وإن قال بعض الصحابة والتابعين ببقاء الإباحة في حالة الضرورة كأكل الميتة. وكان السِّر في إباحته أولا أن القوم كانوا في مرحلة يصح أن نسميها (فترة انتقال) من الجاهلية إلى الإسلام؛ وكان الزِّنى في الجاهلية ميسرًا منتشرًا. فلما كان الإسلام، واقتضاهم أن يسافروا للغزو والجهاد: شق عليهم البعد عن نسائهم مشقَّة شديدة، وكانوا بين أقوياء الإيمان وضعفائه؛ فأما الضعفاء، فخيف عليهم أن يتورَّطوا في الزِّنى، أقْبِح به فاحشة وساء سبيلًا! وأما الأقوياء فعزموا على أن يُخصوا أنفسهم أو يجُبُّوا مذاكيرهم، كما قال ابن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله، ليس معنا نساء، قلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. وبهذا كانت إباحة المتعة رخصة لحل مشكلة الفريقين من الضعفاء والأقوياء، وخطوة في سير التشريع إلى الحياة الزوجية الكاملة، التي تتحقَّق فيها كل أغراض الزواج، من إحصان واستقرار وتناسل، ومودة ورحمة، واتساع دائرة العشيرة بالمصاهرة. وكما تدرَّج القرآن بهم في تحريم الخمر، وتحريم الربا — وقد كان لهما انتشار وسلطان في الجاهلية — تدرج النبي بهم كذلك في تحريم الفروج، فأجاز عند الضرورة المُتعة، ثم حرم هذا النوع من الزواج، كـمـا روى ذلك عنه عليٌّ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن سبرة الجهني: أنه غزا مع النبي في فتح مكة، فأذن لهم في متعة النساء، قـال: فلم يخرج حـتـى حـرَّمـهـا رسول الله، وفي لفظ من حديثه: "وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة". ولكن هل هذا التحريم باتٌّ كزواج الأمهات والبنات، أو هو تحريم مثل تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، فَيُباح عند الضرورة وخوف العَنَت؟ الذي رآه عامة الصحابة أنه تحريم باتٌّ حاسم، لا رخصة فيه بعد استقرار التشريع. وخالفهم ابن عباس وأصحابه، فرأوا أنها تُبَاح للضرورة، فقد سأله سائل عن متعة النساء، فرخص له. فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديدة، وفـي النساء قلة أو نحوه؟ قال ابن عباس: نعم. ثم لما تبيَّن لابن عباس رضي الله عنه أن الناس توسَّعوا فيها، ولم يقتصروا على موضع الضرورة، أمسك عن فتياه ورجع عنها. واستمر بعض أصحابه كعطاء وسعيد بن جبير وطاوس يفتون بجوازها. وهو ما استأنسنا به ونحن نفتي بعض الشباب المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب في أوربا وأمريكا لدراسة الماجستير وأحيانا البكالوريوس، ولم يتمكن من الزواج قبل الذهاب أن يتزوج من بعض الفتيات مدة دراسته، ويطلقها بعد ذلك، وقد يعجبه طيب أخلاقها وحسن سلوكها، وقد تتأثر بدينه وأخلاقه، فتغير دينها إلى دينه، وتربط حياتها بحياته، فيبقيها زوجة لها، وبذلك ينقلب الزواج إلى زواج إسلامي دائم، قائم على الأهداف الشخصية والعائلية والاجتماعية. من سنن عقد النكاح ومستحباته يسن في عقد الزواج أن يكون في المسجد، ويسن إعلانه وإعلام الناس به، لحديث: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف". كما يُسَنُّ أن يصحبه شيء من اللهو والغناء المباح، لما في ذلك من إشاعة السرور، وتمام الإعلان، روى البخاري عن عائشة: أنها زفَّت امرأةً إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله: "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟!". أما الأغاني الخليعة والاختلاط العابث؛ فحرام بالإجماع. ومن السنن: الوليمة، وذلك أن يعد الزوج طعامًا لأحبائه وأصدقائه على قدر طاقته، {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق:7]. وقد قال عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة". ولما تزوج النبي زينب بنت جحش أوْلَمَ بشاة. وأولم على بعض نسائه بمُدَّيْن من شعير. ومن دُعِي إلى هذه الوليمة، فواجب عليه أن يجيب، لحديث: "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". وذلك ما لم يكن عذر، أو يعلم بوجود منكر كالخمر والتماثيل واللهو المحرم، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر". ويستحب من الحضور الدعاء للزوجين أو لأحدهما بعد العقد بالبركة والسعة وحسن العشرة، ويندب تهنئة الزوجين وإدخال السرور على كل منهما، أو عليهما. والسنة أن يقال للزوج: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفَّأ إنسانًا إذا تزوج قال: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير". ويستحب أن يُبدأ عقد النكاح بخطبة يبين فيها مكانة الزواج في الإسلام، وحقوق كل من الزوجين، ويوصيهما بحسن العشرة. ويستحب للعروس إذا زفت إليه زوجته أول مرة أن يأخذ بناصيتها، ويدعو أن يبارك الله لكل منهما في صاحبه، "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا، فليقل: اللهم إني أسالك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه، وليقل مثل ذلك". ويسن في الزواج تخفيف المهر، لما فيه من القصد والبعد عن الإسراف، والترغيب في الزواج، وفي الحديث: "خير الصداق أيسره". وقال عمر: "لا تغالوا في صدقات النساء". ومن يسر المؤنة: الاعتدال في الجهاز، فإن الله لا يحب المسرفين. والمغالاة في المهور إحدى المشاكل التى تواجه الشباب، وتؤخر إتمام الزواج. أيسر المهور الواقع أن هذه تعقيدات من الناس على أنفسهم، شددوا فيما يسره الله تعالى عليهم، لقد قال النبي في الزوجات: "أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة". والنبي حينما زوج بناته زوجهن بأيسر المهور، لم يشترط لهن المئات ولا الآلاف، وإنما أخذ أيسر المهور، وكذلك السلف الصالحون، لم يكونوا يبحثون عن مال الرجل، وماذا يدفع؛ لأن البنت ليست سلعة تباع، إنما هي إنسان، فليبحث لها الأب أو الولي عن إنسان مثله، إنسان كريم، كريم الدين، كريم الخلق، كريم الطباع، ولهذا جاء في الحديث عن النبي : "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". فالمهم، والذي يجب أن يطلبه الأب أو الولي هو الدين والخلق، قبل كل شيء. فماذا يغني الفتاة أن تتزوج ويُدفع لها مهر كبير، إذا تزوَّجت من لا خُلُق له، ولا دين له؟ ولهذا قال السلف: إذا زوجت ابنتك فزوِّجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. لأن دينه يمنعه، وخلقه يردعه، حتى في حالة الكراهية، كما قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19].
3607
| 30 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الحلقة الخامسة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) لا يجوز الزواج من الكتابية في عصرنا إلا لحاجة ملحَّة، ومن هنا نعلم أن الزواج من غير المسلمات في عصرنا — وخصوصا الأجنبيات — ينبغي أن يُمنع سدًّا للذريعة إلى ألوان شتى من الضرر والفساد، ودرء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحَّة، والضرورة تقدر بقدرها، كما قعَّد الفقهاء. ولا ننسى هنا أن نذكِّر أنه مهما ترخَّص المترخِّصون في الزواج من غير المسلمة، فإن مما لا خلاف عليه أن الزواج من المسلمة أولى وأفضل من جهات عدة، فلا شك أن توافق الزوجين من الناحية الدينية أعون على الحياة السعيدة، بل كلما توافقا فكريًّا ومذهبيًّا كان أفضل. وأكثر من ذلك أن الإسلام لا يكتفي بمجرد الزواج من أية مسلمة، بل يرغب كل الترغيب في الزواج من المسلمة المتدينة، فهي أحرص على مرضاة الله، وأرعى لحق الزوج، وأقدر على حفظ نفسها وماله وولده، ولهذا قال الرسول، في الحديث الصحيح: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". حرمة زواج المسلمة من غير المسلم: إذا كان الإسلام قد أباح للمسلم أن يتزوج من امرأة كتابية، بالقيود التي ذكرناها، فإنه حرَّم على المسلمة أن تتزوَّج غير مسلم، كتابيًّا أو غير كتابي، ولا يحل لها ذلك بحال. وقد ذكرنا قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}[البقرة:221]. وقال في شأن المؤمنات المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة:10]. ولم يرد نص باستثناء أهل الكتاب من هذا الحكم، فالحرمة مُجمَع عليها بين المسلمين. الحكمة من تحريم زواج المسلمة من غير المسلم: وإنما أجاز الإسلام للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية، ولم يُجز للمسلمة أن تتزوَّج بأحدهما؛ لأن الرجل هو رَبُّ البيت، والقوَّام على المرأة، والمسؤول عنها. والإسلام قد ضمن للزوجة الكتابية في ظل الزوج المسلم حرية عقيدتها، وصان لها بتشريعاته وإرشاداته حقوقَها وحرمتها. ولكن دينًا آخر كالنصرانية أو اليهودية لم يضمن للزوجة المخالِفة في الدين أي حرية، ولم يَصُن لها حقها، فكيف يغامر الإسلام بمستقبل بناته، ويرمي بهن في أيدي من لا يرقبون في دينهن إلًّا ولا ذِمَّة؟! وأساس هذا: أن الزوج لا بد أن يحترم عقيدة زوجته؛ ضمانًا لحسن العشرة بينهما، والمسلم يؤمن بأصل اليهودية والنصرانية دينين سماويين — بغض النظر عما حُرِّف منهما — ويؤمن بالتوراة والإنجيل كِتَابَيْن في الأصل من عند الله، ويؤمن بموسى وعيسى رسولَيْن من عند الله من أولي العزم من الرسل. فالمرأة الكتابية تعيش في كَنَف رجل، يحترم أصل دينها وكتابها ونبيها، بل لا يتحقق إيمانه إلا بذلك. أما اليهودي أو النصراني، فلا يعترف أدنى اعتراف بالإسلام، ولا بكتاب الإسلام، ولا برسول الإسلام. فكيف يمكن أن تعيش في ظلِّه امرأة مسلمة يطالبها دينها بشعائر وعبادات، وفروض وواجبات، ويشرع لها أشياء، ويحرم عليها أشياء؟! من المستحيل أن تبقى للمسلمة حرية عقيدتها، وتتمكن مـن رعاية دينها، والرجل القوَّام عليها يجحده كل الجحود!! ولا سيما أن الإسلام يطلب من كل مسلم ومسلمة مطالب كثيرة، كالصلوات اليومية الخمس، وصيام رمضان، وزكاة المال والفطر، وحج البيت، بالإضافة إلى الواجبات الاجتماعية الكثيرة. ومن هنا كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه، حين حرَّم على الرجل المسلم أن يتزوج وثنية مشركة؛ لأن الإسلام ينكر الشرك والوثنية كل الإنكار، فكيف يتحقق بينهما السكون والمودة والرحمة؟! بطلان زواج المسلمة من شيوعي: إذا كان الإسلام لم يُجِز للمسلمة أن تتزوج بأحد من أهل الكتاب — نصراني أو يهودي — مع أن الكتابي مؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر في الجملة، فكيف يجيز أن تتزوج رجلًا لا يدين بألوهية ولا نبوة ولا قيامة ولا حساب؟ إن الشيوعي الذي عُرفت شيوعيته يعتبر في حكم الإسلام مارقًا مرتدًّا زنديقًا، فلا يجوز بحال أن يقبل أبٌ مسلم زواجَه من ابنته، ولا أن تقبل فتاة مسلمة زواجها منه وهي ترضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، وبالقرآن إمامًا. وإذا كان متزوجًا من مسلمة وجب أن يُفرَّق بينه وبينها، وأن يحال بينه وبين أولاده، حتى لا يُضِلَّهم، ويُفسِد عليهم دينهم. وإذا مات هذا مصرًّا على مذهبه، فليس بجائز أن يُغَسَّل، أو يصلَّى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين. وبالجملة يجب أن تطبق عليه في الدنيا أحكام المرتدِّين والزنادقة في شريعة الإسلام، وما ينتظره من عقاب الله في الآخرة أشد وأخزى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 217]. زواج المسلمة من البهائي وإذا كان زواج المسلم من بهائية باطلًا بلا شك، فإن زواج المسلمة من رجل بهائي باطل من باب أولى، إذ لم تجز الشريعة للمسلمة أن تتزوج الكتابي، فكيف بمن لا كتاب له؟ ولهذا لا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم وبهائية أو بين مسلمة وبهائي، لا ابتداء ولا بقاء، وهو زواج باطل، ويجب التفريق بينهما حتمًا. وهذا ما جرت عليه المحاكم الشرعية في مصر في أكثر من واقعة، وللأستاذ المستشار علي علي منصور حكم في قضية من هذا النوع قضى فيه بالتفريق، بناء على حيثيات شرعية فقهية موثَّقة، وقد نُشر في رسالة مستقلة، فجزاه الله خيرًا. الشروط المقترنة بعقد الزواج مثلما عُني فقهاء الإسلام بتفصيل الشروط في البيوع والمعاملات المالية، ما يعتبر منها وما لا يعتبر، وما يفسد العقد وما لا يفسده، حرصًا على مصلحة المتعاقدين، ورفعًا للضرر والحرج عنهما، ورغبة في استقرار التعامل بين الناس — عُنوا كذلك بأحكام الشروط في عقد الزواج، لما له من أهمية وقدسية، ولما يترتب عليه من آثار هي أعمق وأعظم من آثار بيع دابة، أو إجارة مسكن، أو نحوهما، آثار في حياة الزوجين، وحياة أسرتيهما، وحياة المجتمع كله. ولهذا قال الرسول: "إن أحق الشروط أن يوفَّى به، ما استحللتم به الفروج". وقت اعتبار الشرط: والمعتبر من الشروط ما كان في صلب العقد، أو اتفقا عليه قبله، أما إذا وقع الشرط بعد لزوم العقد، فالوفاء به غير لازم. الشروط المقترنة بعقد الزواج قسمان ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض صحيح، ولا ينافي مقتضى العقد. وهو لازم للزوج لا يملك فكَّه، كما إذا اشترطت الزوجة — أو وليها — عليه ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو ألا يفرِّق بينها وبين أولادها من غيره، أو بينها وبين أبويها، أو أن ترضع ولدها من غيره.. أو نحو ذلك؛ لأن لها في هذه الشروط قصدًا صحيحًا، فوجب اعتباره؛ لأن الشارع أمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط أمرًا عامًّا، فيتناول كل ما ذُكِر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]. وفي الحديث: "أحق الشروط أن توفُّوا به ما استحللتم به الفروج". وفي الحديث الآخر: "المسلمون على شروطهم". ووقع في عهد عمر رضي الله عنه: أن رجلًا تزوَّج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصمه أهلها إلى عمر، فقال: لها شرطُها. فقال الرجل: إذن يُطَلِقْنَنا!! يعني: النساء. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. فإذا لم يفِ الزوج للزوجة بما شرط، فلها أن تفسخ العقد على التراخي؛ لأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته، ولا يسقط حقها في الفسخ إلا بما يدل على رضاها: من قول صريح، أو تمكين له من نفسها، مع علمها بعدم وفائه بالشرط، لما في التمكين مع العلم من الدلالة على الرضا. وباعتبار الشريعة الإسلامية لهذه الشروط التي للمرأة قصد صحيح فيها، يكون الإسلام قد وقف إلى جانب المرأة، ومكَّنها أن تأخذ لنفسها من الضمانات ما تراه في مصلحتها، وألزم الرجل بالوفاء، وإلا كان لها الخيار في الفسخ.
11307
| 29 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الرابعة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) الضرر المخُوف بزواج غير المسلمة يتحقق في صور كثيرة منها: 1 — أن ينتشر الزواج من غير المسلمات، بحيث يؤثر على الفتيات المسلمات الصالحات للزواج، وذلك أن عدد النساء غالبًا ما يكون مثل عدد الرجال أو أكثر، وعدد الصالحات للزواج منهن أكبر قطعًا من عدد القادرين على أعباء الزواج من الرجال. فإذا أصبح التزوُّج بغير المسلمات ظاهرة اجتماعية مألوفة، فإن مثل عددهن من بنات المسلمين سيُحرمن من الزواج، ولا سيما أن تعدد الزوجات في عصرنا أصبح في كثير من البلاد أمرًا نادرًا، بل شاذًّا، ومن المقرر المعلوم بالضرورة أن المسلمة لا يحل لها أن تتزوج إلا مسلمًا، فلا حل لهذه المعادلة إلا سد باب الزواج من غير المسلمات إذا خيف على المسلمات. وإذا كان المسلمون في بلدٍ ما، يمثِّلون أقلية محدودة، مثل بعض الجاليات في أوروبا وأمريكا وأستراليا، وبعض الأقليات في آسيا وإفريقيا، فمنطق الشريعة وروحها يقتضي تحريم زواج الرجال المسلمين من غير المسلمات، وإلا كانت النتيجة ألا يجد بنات المسلمين — أو عدد كبير منهن — رجلًا مسلمًا يتقدَّم للزواج منهن، وحينئذ تتعرض المرأة المسلمة لأحد أمور ثلاث: (أ) إما الزواج من غير مسلم، وهذا باطل في الإسلام. (ب) وإما الانحراف، والسير في طريق الرذيلة. وهذا من كبائر الإثم. (جـ) وإما عيشة الحرمان الدائم من حياة الزوجية والأمومة، وهذا من الحرج الذي رفعه الله عن شريعته. وكل هذا مما لا يرضاه الإسلام، وهو نتيجة حتمية لزواج الرجال المسلمين من غير المسلمات، مع منع المسلمة من التزوج بغير المسلم. وهذا الضرر الذي نبَّهنا عليه هو الذي خافه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فيما رواه الإمام محمد بن الحسن في كتابه (الآثار)، حين بلغه أن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان تزوَّج وهو بالمدائن امرأةً يهودية، فكتب إليه عمر مرة أخرى: أعزم عليك ألا تضع كتابي هذا حتى تُخلِّي سبيلها، فإني أخاف أن يقتدي بك المسلمون، فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن، وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين. 2 — وقد ذكر الإمام سعيد بن منصور في سننه قصة زواج حذيفة هذه، ولكنه ذكر تعليلًا آخر لمنع عمر لحذيفة، فبعد أن نفى حرمة هذا الزواج قال: ولكني خشيت أن تعاطَوْا المومسات منهن. ولا مانع أن يكون كلٌّ من العلتين مقصودًا لعمر رضي الله عنه، فهو يخشى من ناحية كسادَ سوق الفتيات المسلمات، أو كثير منهن، وفي ذلك فتنة أي فتنة! ومن ناحية أخرى يخشى أن يتساهل بعض الناس في شرط الإحصان (العفاف) الذي قيَّد به القرآن حِلَّ الزواج منهن، حتى يتعاطَوْا زواج الفاجرات والمومسات، وكلتاهما مفسدة ينبغي أن تُمنع قبل وقوعها، عملًا بسد الذرائع. ولعل هذا نفسه ما جعل عمر يعزم على طلحة بن عبيد الله إلا طلَّق امرأة كتابية تزوَّجها، وكانت بنت عظيم يهود، كما في مصنف عبد الرزاق. 3 — إن الزواج من غير المسلمة إذا كانت أجنبية غريبة عن الوطن واللغة والثقافة والتقاليد — مثل زواج العربي والشرقي من الأوروبيات والأمريكيات النصرانيات — يمثل خطرًا آخر يحس به كل من يدرس هذه الظاهرة بعمق وإنصاف، بل يراه مجسَّدًا ماثلًا للعيان. فكثيرًا ما يذهب بعض أبناء العرب المسلمين إلى أوروبا وأمريكا للدراسة في جامعاتها، أو للتدريب في مصانعها، أو للعمل في مؤسساتها، وقد يمتد به الزمن هناك إلى سنوات ثم يعود أحدهم يصحب زوجة أجنبية، دينها غير دينه، ولغتها غير لغته، وجنسها غير جنسه، وتقاليدها غير تقاليده، ومفاهيمها غير مفاهيمه، أو على الأقل تقاليدها ومفاهيمها غير تقاليد قومه ومفاهيمهم، فإذا رضيت أن تعيش في وطنه — وكثيرًا ما لا ترضى — وقُدِّر لأحد من أبويه أو إخوانه أو أقاربه، أن يزوره في بيته، وجد نفسه غريبًا. فالبيت بمادياته ومعنوياته أمريكي الطابع أو أوروبي في كل شيء، وهو بيت (المدام) وليس بيت صاحبنا العربي المسلم، هي القوَّامة عليه، وليس هو القوَّام عليها. ويعود أهل الرجل إلى قريتهم أو مدينتهم بالأسى والمرارة، وقد أحسُّوا بأنهم فقدوا ابنهم وهو على قيد الحياة!! وتشتد المصيبة حين يولد لهما أطفال، فهم يشبون — غالبًا — على ما تريد الأم، لا على ما يريد الأب إن كانت له إرادة، فهم أدنى إليها، وألصق بها، وأعمق تأثُّرًا بها، وخصوصًا إذا ولدوا في أرضها وبين قومها هي، وهنا ينشأ هؤلاء الأولاد على دين الأم وعلى احترام قيمها ومفاهيمها وتقاليدها. وحتى لو بقوا على دين الأب، فإنما يبقون عليه اسمًا وصورة، لا حقيقة وفعلًا، ومعنى هذا أننا نخسر هؤلاء الناشئة دينيًّا وقوميًّا، إن لم نخسر آباءهم أيضًا. وهذا الصنف أهون شرًّا من صنف آخر يتزوَّج الأجنبية، ثم يستقرُّ ويبقى معها في وطنها وبين قومها، بحيث يندمج فيهم شيئًا فشيئًا، ولا يكاد يذكر دينه وأهله ووطنه وأمته. أما أولاده فهم ينشأون أوروبيين أو أمريكيين، إن لم يكن في الوجوه والأسماء، ففي الفكر والخلق والسلوك، وربما في الاعتقاد أيضًا، وربما فقدوا الوجه والاسم كذلك، فلم يبق لهم شيء يذكِّرهم بأنهم انحدروا من أصول عربية أو إسلامية. ومن أجل هذه المفسدة، نرى كثيرًا من الدول تحرِّم على سفرائها وكذلك ضباط جيشها أن يتزوجوا أجنبيات، بناء على مصالح واعتبارات وطنية وقومية. تنبيه مهم وفي ختام هذا البحث، أرى لزامًا عليَّ — في ضوء الظروف والملابسات التي تتغير الفتوى بتغيرها — أن أنبِّه على أمر لا يغيب عن ذوي البصائر، وهو في نظري على غاية من الأهمية، وهو أن الإسلام حين رخص في الزواج من الكتابيات راعى أمرين: 1 — أن الكتابية ذات دين سماوي في الأصل، فهي تشترك مع المسلم في الإيمان بالله وبرسالاته، وبالدار الآخرة وبالقيم الأخلاقية والمثل الروحية، التي توارثتها الإنسانية عن النبوات — وذلك في الجملة لا في التفصيل طبعًا — وهذا يجعل المسافة بينها وبين الإسلام قريبة؛ لأنه يعترف بأصل دينها الذي تتمسك بها، وبنبيها الذي يوجب الإيمان به، ويقر بأصوله في الجملة، ويزيد عليها ويتممها بكل نافع وجديد. 2 — إن المرأة الكتابية — وهذا شأنها — إذا عاشت في ظل زوج مسلم ملتزم بالإسلام، وتحت سلطان مجتمع مسلم مستمسك بشرائع الإسلام، تصبح في دور المتأثِّر لا المؤثِّر، والقابل لا الفاعل، فالمتوقَّع منها والمرجوُّ لها أن تدخل في الإسلام اعتقادًا وعملًا. فإذا لم تدخل في عروة الإسلام — وهذا حقها، إذ لا إكراه في الدين — اعتقادًا وعملًا، فإنها تدخل في الإسلام من حيث هو تقاليد وآداب اجتماعية. ومعنى هذا أنها تذوب داخل المجتمع الإسلامي سلوكيًّا، إن لم تذب فيه عقائديًّا. وبهذا لا يُخشى منها أن تؤثِّر على الزوج أو على الأولاد؛ لأن سلطان المجتمع الإسلامي من حولها أقوى وأعظم من أي محاولة منها لو حدثت.
4918
| 28 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : د. يوسف القرضاوي الحلقة : الثالثة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) إباحة الزواج من الكتابية الأصل في الزواج من نساء أهل الكتاب عند جمهور المسلمين( ) هو الإباحة. فقد أحل الله لأهل الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم في آية واحدة من سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم. قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة:5]. رأي ابن عمر وبعض المجتهدين: وخالف في ذلك من الصحابة عبدالله بن عمر رضى الله عنهما، فلم ير الزواج من الكتابية مباحًا، فقد روى عنه البخاري: أنه كان إذا سُئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين- يعني قوله تعالى: {لَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]- ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول: ربُّها عيسى. وهو عبد من عباد الله( )! ومن العلماء من يحمل قول ابن عمر على كراهية الزواج من الكتابية لا التحريم، ولكن العبارات المرويَّة عنه تدل على ما هو أكثر من الكراهية. وقد أخذ جماعة من الشيعة الإمامية( ) بما ذهب إليه ابن عمر استدلالًا بعموم قوله تعالى في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ..}[البقرة:221]. وبقوله في سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ..}[الممتحنة:10]. ترجيح رأي الجمهور: والحق أن رأي الجمهور هو الصحيح، لوضوح آية المائدة في الدلالة على الزواج من الكتابيات، وهي من أواخر ما نزل. وأما قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ..}[البقرة:221]. وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10]. فإما أن يقال: هذا عام خصَّصته سورة المائدة. أو يقال: إن كلمة (المشركات) لا تتناول أهل الكتاب أصلًا في لغة القرآن، ولهذا يعطف أحدهما على الآخر كما في سورة البينة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ..}[البينة:1]. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا..} [البينة:6]. وفي سورة الحج يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. }[الحج:17]. فجعل الذين أشركوا صنفًا متميزًا عن باقي الأصناف، ويعني بهم الوثنيين. والمراد بـ(الكوافر) في آية الممتحنة: المشركات، كما يدل على ذلك سياق السورة. قيود تجب مراعاتها عند الزواج من الكتابية: وإذن يكون الراجح ما بيَّناه من أن الأصل هو إباحة زواج المسلم من الكتابية، ترغيبًا لها في الإسلام، وتقريبًا بين المسلمين وأهل الكتاب، وتوسيعًا لدائرة التسامح والألفة وحُسْن العشرة بين الفريقَيْن. ولكن هذا الأصل معتبر بعدة قيود، يجب ألَّا نغفلها: القيد الأول: الاستيثاق من كونها (كتابية) بمعنى أنها تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية، فهي مؤمنة في الجملة بالله ورسالاته والدار الآخرة. وليست ملحدة أو مرتدة عن دينها، ولا مؤمنة بدين ليس له نسب معروف إلى السماء. ومن المعلوم في الغرب الآن أن ليست كل فتاة تولد من أبوين مسيحيَّيْن تكون مسيحية. ولا كل من نشأت في بيئة مسيحية تكون مسيحية بالضرورة، فقد تكون شيوعية مادية، وقد تكون على نحلة مرفوضة أساسًا في نظر الإسلام كالبهائية ونحوها. القيد الثاني: أن تكون عفيفة مُحصَنة، فإن الله لم يُبِحْ كل كتابية، بل قيَّد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان، حيث قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المائدة:5]. قال ابن كثير: والظاهر أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنى، كما في الآية الأخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}[النساء:25]. وهذا ما أختاره. فلا يجوز للمسلم بحال أن يتزوَّج من فتاةٍ تُسلم زمامها لأي رجل، بل يجب أن تكون مستقيمة نظيفة بعيدة عن الشبهات. وهذا ما اختاره ابن كثير، وذكر أنه رأى الجمهور، وقال: ((وهو الأشبه، لئلَّا يجتمع فيها أن تكون ذِمِّية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصَّل زوجها على ما قيل في المثل: حَشَفًا وسوء كِيلَة!))( ). وقد جاء عن الإمام الحسن البصري أن رجلًا سأله: أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ((ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات؟! فإن كان ولا بد فاعلًا. فليعمد إليها حَصَانًا (أي محصنة) غير مسافِحة. قال الرجل: وما المسافِحة!؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتَّبعته))( ). ولا ريب أن هذا الصنف من النساء في المجتمعات الغربية في عصرنا يعتبر شيئًا نادرًا بل شاذًّا، كما تدل عليه كتابات الغربيِّين وتقاريرهم وإحصاءاتهم أنفسهم، وما نسميه نحن البكارة والعفة والإحصان والشرف.. ونحو ذلك، ليس له أية قيمة اجتماعية عندهم، والفتاة التي لا صديق لها تُعيَّر من ترائبها، بل من أهلها وأقرب الناس إليها. القيد الثالث: ألَّا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم. ولهذا فرَّق جماعة من الفقهاء بين الذميَّة والحربيَّة. فأباحوا الزواج من الأولى، ومنعوا الثانية. وقد جاء هذا عن ابن عباس، فقال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ..}[التوبة:29]. فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يُعْطِ الجزية لم يحلَّ لنا نساؤه( ). وقد ذُكر هذا القول لإبراهيم النخعي- أحد فقهاء الكوفة وأئمتها- فأعجبه( ). وفي مصنف عبد الرزاق عن قتادة قال: لا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد( ). وعن علي رضي الله عنه بنحوه( ). وعن ابن جريج قال: بلغني ألا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد( ). وفي مجموع الإمام زيد عن علي: أنه كره نكاح أهل الحرب، قال الشارح في (الروض النضير): ((والمراد بالكراهة: التحريم؛ لأنهم ليسوا من أهل ذمة المسلمين. قال: وقال قوم بكراهته ولم يحرِّموه، لعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:5]. فغلَّبوا الكتاب على الدار))( ). يعني: دار الإسلام. والذي من أهل دار الإسلام بخلاف غيره من أهل الكتاب. ولا ريب أن لرأي ابن عباس وجاهته ورجحانه لمن يتأمل، فقد جعل الله المصاهرة من أقوى الروابط بين البشر، وهي تلي رابطة النسب والدم، ولهذا قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}[الفرقان:54]. فكيف تتحقق هذه الرابطة بين المسلمين وبين قومٍ يحادُّونهم ويحاربونهم، وكيف يسوغ للمسلم أن يُصهر إليهم، فيصبح منهم أجداد أولاده وجداتهم وأخوالهم وخالاتهم؟ فضلًا عن أن تكون زوجه وربة داره وأم أولاد منهم؟ وكيف يؤمن أن تطَّلِع على عورات المسلمين وتخبر بها قومها؟ ولا غرو أن رأينا العلامة أبا بكر الرازي الحنفي يميل إلى تأييد رأي ابن عباس، محتجًّا له بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22]. والزواج يوجب المودَّة، يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21]. قال: فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظورًا؛ لأن قوله تعالى: { يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22] إنما يقع على أهل الحرب؛ لأنهم في حدٍّ غير حدِّنا( ). يؤيد ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:9]. وهل هناك تولٍّ لهؤلاء أكثر من أن يزوِّج إليهم، وتصبح الواحدة من نسائهم جزءًا من أسرته، بل العمود الفقري في الأسرة؟ استعمال المباحات كلها مقيَّد بعدم الضرر لا يجوز لمسلم في عصرنا أن يتزوَّج يهودية، ما دامت الحرب قائمة بيننا وبين إسرائيل، ولا قيمة لما يقال من التفرقة بين اليهودية والصهيونية، فالواقع أن كل يهودي صهيوني؛ لأن المكونات العقلية والنفسية للصهيونية إنما مصدرها التوراة وملحقاتها وشروحها والتلمود. وكل امرأة يهودية إنما هي جندية بروحها في جيش إسرائيل، إلا من كان منهم معاديا بوضوح لإسرائيل، ويرى أنها خطر على اليهود في العالم، ويصدرون النشرات والصحف المعلنة عن ذلك، كما رأينا بعضهم في لندن وفي قطر وفي عدد من البلاد، ويظهرون معلنين عن شخصيتهم في البرامج التليفزيونية المعروضة، كما في جماعة (حراس المدينة) أو (ناطوري كارتا). القيد الرابع: ألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ولا ضرر، محقَّق أو مرجَّح، فإن استعمال المباحات كلها مقيَّد بعدم الضرر، فإذا تبين أن في إطلاق استعمالها ضررًا عامًّا مُنعت منعًا عامًّا، أو ضررًا خاصًّا منعت منعًا خاصًّا، وكلما عظُم الضرر تأكَّد المنع والتحريم، وقد قال r: "لا ضرر ولا ضرار"( ). وهذا الحديث يمثِّل قاعدة شرعية قطعية من قواعد الشرع؛ لأنه وإن كان بلفظه حديث آحاد، إلا أنه مأخوذ من حيث المعنى من نصوص وأحكام جزئية جمَّة من القرآن والسنة، تفيد اليقين والقطع. ومن هنا كانت سلطة ولي الأمر الشرعي في تقييد بعض المباحات إذا خشي من إطلاق استخدامها أو تناولها ضررًا معينًا.
62943
| 27 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة الــ 22 الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). بطلان الزواج من البهائية الزواج من امرأة بهائية باطل، وذلك لأن البهائية إما مسلمة في الأصل، تركت دين الله الحنيف إلى هذا الدين المصطنع، فهي في هذه الحال مرتدة بيقين، وقد عرفنا حكم الزواج من المرتدة، وسواء ارتدت بنفسها أم ارتدت تبعًا لأسرتها، أو ورثت هذه الردة عن أبيها أو جدها، فإن حكم الردة لا تفارقها. وإما أن تكون غير مسلمة الأصل، بأن كانت مسيحية أو يهودية أو وثنية أو غيرها، فحكمها حكم المشركة، إذ لا يعترف الإسلام بأصل دينها وسماوية كتابها، إذ من المعلوم بالضرورة أن كل نبوة بعد محمد مرفوضة، وكل كتاب بعد القرآن باطل، وكل من زعم أنه صاحب دين جديد بعد الإسلام، فهو دجال مفترٍ على الله تعالى، فقد ختم الله النبوة، وأكمل الدين، وأتم النعمة: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:85]. د- مطلقته ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره لقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}[البقرة:229-230]. فمن طلَّق زوجته ثلاثًا لا يجوز له أن يبني بها من جديد إلا بعد أن تتزوج من آخر زواجًا شرعيًّا، ويطلقها زوجها الثاني، ويشترط في النكاح الذي تحل به المطلقة ثلاثًا للزوج الأول أن يكون صحيحًا ظاهرًا وباطنًا، بأن يكون مستوفيًا لشروطه وأركانه، وأن يكون المقصود منه إقامة البيت، وتحقيق أغراض الزواج في الإسلام، لا التحليل للزوج الأول، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له"( ). في حديث آخر أنه سماه "التيس المستعار"، فقال: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: هو المحلِّل، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". واشترط جمهور الفقهاء الوطء، فلا يكفي مجرد العقد الصحيح، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنهم: أن رفاعة القرظي تزوج امرأة ثم طلَّقها، فتزوجت آخر، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مثل هُدْبة الثوب، فقال: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك". ه- الجمع بين أكثر من أربع نسوة ويحرم على المسلم أن يجمع في عصمته بين أكثر من أربع نسوة، فقد كان الناس قبل الإسلام يتزوَّجون ما شاؤوا من النساء بغير قيد ولا شرط، وكان كثير من الأمم والملل يبيحون التزوج بالجم الغفير من النساء، قد يبلغ العشرات، وقد يصل إلى المائة وأكثر، دون اشتراط لشرط، ولا تقيُّد بقيد. وقد ذكر (العهد القديم) أن داود كان عنده ثلاثمائة امرأة، وأن سليمان كان عنده سبعمائة، ما بين زوجة وسُرِّية. فلما جاء الإسلام وضع لتعدد الزوجات قيدًا وشرطًا. فأما القيد: فجعل أقصى العدد أربعًا لا يُزاد عليهن بحال: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء:3]. وقد أسلم غَيْلان بن سلمة وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن". وكذلك مَن أسلم عن ثمان وعن خمس، أمره الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يمسك منهن إلا أربعًا. وأما الشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات، فهو ثقة المسلم في نفسه، أن يعدل بين زوجتيه، في المأكل والمشرب والملبس، والمسكن والمبيت والنفقة، فمَن لم يثق من نفسه بالقدرة على هذه الحقوق بالعدل والسويَّة، حَرُم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}[النساء:3]. وقال عليه الصلاة والسلام: "مَن كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجرُّ أحد شقيه ساقطًا" أو: "مائلًا". والميل الذي حذَّر منه هذا الحديث، هو الجَوْر على حقوقها، لا مجرد الميل القلبي، فإن هذا داخل في العدل الذي لا يُستطاع، والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه، قال سبحانه وتعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ}[النساء:129]، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل فيما يقدر عليه، ويقول: "اللَّهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تلُمْني فيما تملك ولا أملك". يعني بما لا يملكه أمر القلب والميل العاطفي إلى إحداهن خاصة. تحريم الزواج من الزانيات إذا لم يتبن والمراد بالزانيات هنا البغايا اللاتي يجاهرن بالزنى أو يتكسبن به، وقد ورد أن مَرْثد بن أبي مرثد استأذن النبي أن يتزوج بغيًّا كانت له بها علاقة في الجاهلية- واسمها عَناق- فأعرض النبي عنه، حتى نزل قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور:3]. فتـلا النبي عليه الآية وقال لـه: "لا تنكحها". ذلك أن الله تعالى، إنما أباح زواج المحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب، فقال: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة:5] والمحصنات: هن العفيفات. وكذلك أحل للرجال الزواج بشرط أن يكونوا محصنين غير مسافحين، فقال بعد ذكر المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}[النساء:24]. فمن لم يقبل هذا الحكم من كتاب الله، ولـم يلتزمـه؛ فـهـو مشرك، لا يرضى بنكاحه إلا من هو مشرك مثله. ومن أقر بهذا الحكم وقبله والتزمه، ولكنه خالفه ونكح ما حرم عليه من النكاح يكون زانيًا. وهذه الآية ذكرت بعد آية الجلد في سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2]. فهذه عقوبة بدنية، وتلك عقوبة أدبية، فإن تحريم زواج الزَّاني والزانية يُشبه التجريد من شرف المواطنة، أو إسقاط الجنسية، أو الحرمان من حقوق معينة في العرف الحديث. قال ابن القيم رحمه الله بعد أن بين معنى الآية {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً..}: ((وكما أن هذا الحكم هو موجَب القرآن وصريحه، فهو موجَب الفطرة، ومقتضى العقل، فإن الله سبحانه حرم على عبده أن يكون قَرنانًا ديوثًا، زوجَ بَغِيٍّ، فإن الله فطر الناس على استقباح ذلك واستهجانه، ولهذا إذا بالغوا في سبِّ الرجل قالوا: زوج قَحْبَة. فحرَّم الله على المسلم أن يكون كذلك.
1578
| 26 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة: الواحدة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). * المحرمات تحريما مؤقَّتًا بعد هذا الاستطراد في الرضاع، وما يحرِّم منه وما لا يحرِّم، نعود إلى موضوعنا الأصلي وهو (المحرمات من النساء)، ونفصل القول في المحرمات من النساء تحريما مؤقتا: أ — زوجة الغير ودليلُ ذلك قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}[النساء:24]، فالمرأة المتزوِّجة ما دامت في عصمة زوجها لا يحل لها الزواج بآخر. ولكي تحل لزوج آخر لا بد من شرطين: أن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق أو فسخ أو خلع، وأن تستوفي العدة التي أمر الله بها وجعلها وفاء للزوجية السابقة وسياجا لها، وقد فصلنا ذلك في أثناء حديثنا عن الخطبة المحرمة. ب — الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقد حرم الإسلام على المسلم، وكان مشروعا في الجاهلية: أن يجمع بين الأختين، فإن الرابطة بين الأختين التي يحرص الإسلام على دوامها، ينافيها أن تكون إحداهما ضَرَّة للأخرى. وقد صرح القرآن بتحريم الجمع بين الأُختين، وأضاف الرسول إلى ذلك قوله: "لا يُجمع بين المرأة وعمَّتِها، ولا بين المرأة وخالتها". كما في الصحيحين وغيرهما. وقال: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم". والإسلام يؤكِّد صلة الأرحام، فكيف يشرع ما يؤدي لتقطيعها؟! وإذا زال سبب التحريم، وهو الزواج من الأخت أو بنتها أو بنت الأخ أو العمَّة أو الخالة، بموت أو طلاق، فهنا يجوز للرجل أن يتقدم لخطبة أخت مطلقته أو زوجته المتوفاة أو عمتها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها. ج — المشركات غير الكتابيات حتى يؤمن ومن المحرَّمات المؤقَّتات: المشرِكة، وهي التي تعبد الأوثان، كمشركات العرب ومن شابههن من الهندوسيات والبوذيات وغيرهن من ذوات الأديان الوثنية، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}[البقرة: 221]، فالزواج منها حرام بنص القرآن الكريم. وقال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10] وسياق الآية والسورة كلها — سورة الممتحنة — وسبب نزولها يدل على أن المراد بالكوافر: المشركات، أعني: الوثنيات. والحكمة في هذا التحريم ظاهرة، وهي عدم إمكان التلاقي بين الإسلام والوثنية، فعقيدة التوحيد الخالص، تناقض عقيدة الشرك المحض، ثم إن الوثنية ليس لها كتاب سماوي معتبر، ولا نبي معترف به، فهي والإسلام على طرفي نقيض. ولهذا علَّل القرآن النهي عن نكاح المشركات وإنكاح المشركين بقوله: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}[البقرة: 221]، ولا تلاقي بين مَن يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة. أَيُّها المنكِحُ الثُرَيّا سُهَيلًا عَمرَكَ اللَهَ كَيفَ يَلتَقِيانِ هي شامية إذا ما استقلَّت وسهيل إذا استقلَّ يمانِ( ) وهذا الحكم — منع الزواج من المشركات الوثنيات — ثابت بالنص، وبالإجماع أيضًا، فقد اتفق علماء الأمة على هذا التحريم، كما ذكر ابن رشد في (بداية المجتهد) وغيره( ). ويلحق بالمشركة الملحدة والمرتدة والبهائية. بطلان الزواج من الملحدة وأعني بالملحدة: التي لا تؤمن بدين، ولا تقر بألوهية، ولا نبوة ولا كتاب ولا آخرة، فهي أولى من المشركة بالتحريم؛ لأن المشركة تؤمن بوجود الله، وإن أشركت معه أندادًا أو آلهة أخرى اتخذتهم شفعاء يقربونها إلى الله زلفى فيما زعموا. وقد حكى القرآن عن المشركين هذا في آيات كثيرة مثل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان:25]. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:3]. فإذا كانت هذه الوثنية المعترفة بالله في الجملة قد حُرِّمَ نكاحها تحريمًا باتًّا، فكيف بإنسانة مادية جاحدة، تنكر كل ما وراء المادة المتحيِّزة، وما بعد الطبيعة المحسوسة، ولا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالملائكة ولا الكتاب ولا النبيين؟ إن الزواج من هذه حرام بل باطل يقينًا. وأبرز مثل لها: الشيوعية المصرة على شيوعيتها، التي تؤمن بالفلسفة المادية، وتزعم أن الدين أفيون الشعوب، وتفسر ظهور الأديان تفسيرًا ماديًّا على أنها إفراز المجتمع، ومن آثار ما يسوده من أحوال الاقتصاد وعلاقات الإنتاج. وإنما قلت: الشيوعية المصرَّة على شيوعيتها؛ لأن بعض المسلمين والمسلمات قد يعتنق هذا المذهب المادي، دون أن يسبر غوره، ويعرفه على حقيقته، وقد يُخدع به حين يعرضه بعضُ دعاته على أنه إصلاح اقتصادي لا علاقة له بالعقائد والأديان.. إلخ. فمثل هؤلاء يجب أن يزال عنهم اللبس، وتزاح الشبه، وتقام الحجج، ويوضح الطريق، حتى يتبين الفرق بين الإيمان والكفر، والظلمات والنور، فمن أصر بعد ذلك على شيوعيته؛ فهذا كافر مارق ولا كرامة، ويجب أن تجري عليه أحكام الكفار في الحياة وبعد الممات. والحق أن الشيوعية مذهب مادي، لا يعترف إلا بكل ما هو مادي مُحَسٌّ، ويجحد كل ما وراء المادة، فلا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالرُّوح، ولا يؤمن بالوحي، ولا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بأي نوع من أنواع الغيب، وبهذا ينكر الأديان جملة وتفصيلًا، ويعتبرها خرافة من بقايا الجهل والانحطاط والاستغلال، وفي هذا قال مؤسس الشيوعية كارل ماركس كلمته المعروفة: الدين أفيون الشعوب. وأنكر مع الماديين على الذين قالوا: إن الله خلق الكون والإنسان. فقال متهكمًا مع الذين قالوا: إن الله لم يخلق الإنسان، بل العكس هو الصواب، فإن الإنسان هو الذي خلق الله. أي اخترعه بوهمه وخياله. وقال لينين: إن حزبنا الثوري لا يمكن أن يقف موقفًا سلبيًّا من الدين، فالدين خرافة وجهل. وقال ستالين: نحن ملحدون، ونحن نؤمن أن فكرة (الله) خرافة، ونحن نؤمن بأن الإيمان بالدين يعرقل تقدمنا، ونحن لا نريد أن نجعل الدين مسيطرًا علينا؛ لأننا لا نريد أن نكون سكارى. هذا هو رأي الشيوعية وزعمائها في الدين، ولهذا لم يكن غريبًا أن نرى دستور الحزب الشيوعي ودستور الشيوعية الدولية يفرضان على كل عضو في الحركة الشيوعية أن يكون ملحدًا، وأن يقوم بدعاية ضد الدين. ويطرد الحزب من عضويته كل فرد يمارس شعائر الدين، وكذلك تنهي الدولة الشيوعية خدمات كل موظف يتجه هذا الاتجاه. ولو صحَّ جدلًا أن شيوعيًّا أخذ من الشيوعية جانبها الاجتماعي والاقتصادي فقط، دون أساسها الفكري العقائدي — كما خيل للبعض، وهو غير واقع ولا معقول — لكان هذا كافيًا في المروق من الإسلام والارتداد عنه، لأن للإسلام تعاليم محكمة واضحة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية ينكرها النظام الشيوعي إنكارًا، كالملكية الفردية والميراث والزكاة، وعلاقة الرجل بالمرأة.. إلخ. وهذه الأحكام مما علم بالضرورة أنه من دين الإسلام، وإنكارها كفر بإجماع المسلمين. هذا إلى أن الشيوعية مذهب مترابط، لا يمكن الفصل بين نظامه العملي وأساسه العقائدي والفلسفي بحال. يحرم الزواج بالمرتدة ابتداء ويبطل إذا ارتدت بعد الزواج: مثل الملحدة: المرتدة عن الإسلام والعياذ بالله. ونعني بالمرتدة والمرتد: كل من كفر بعد إيمانه كفرًا مُخرجًا من الملة، سواء أدخل في دين آخر، أم لم يدخل في دين قط، وسواء أكان الدين الذي انتقل إليه كتابيًّا أم كان غير كتابي، فيدخل في معنى المرتدين ترك الإسلام إلى الشيوعية، أو الوجودية، أو المسيحية، أو اليهودية، أو البوذية، أو البهائية، أو غيرها من الأديان والفلسفات. والإسلام لا يُكره أحدًا على الدخول فيه، حتى إنه لا يعتبر إيمان المُكْرَه ولا يقبله، ولكن من دخل فيه بإرادته الحرة لم يجُزْ له الخروج عنه. وللردة أحكام بعضها يتعلق بالآخرة، وبعضها بالدنيا. فممَّا يتعلَّق بالآخرة: أن من مات على الردة فقد حبط كل ما قدَّمه من عمل صالح، واستحقَّ الخلود في النار، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]. من تزوَّج مرتدة فنكاحه باطل من أحكام الدنيا أن المرتد لا يستحق معونة المجتمع الإسلامي ونصرته بوجه من الوجوه، ولا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم ومرتدة، أو بين مرتد ومسلمة، لا ابتداء ولا بقاءً، فمن تزوَّج مرتدة فنكاحه باطل، وإذا ارتدَّت بعد الزواج فُرِّق بينهما حتمًا، وهذا حكم متفق عليه بين الفقهاء، سواء من قال منهم بقتل المرتد رجلًا كان أو امرأة وهم الجمهور، أم من جعل عقوبة المرأة المرتدة الحبس لا القتل، وهم الحنفية. ومن قال: إن المرتد يحبس ويظل يستتاب ولو طال. ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن الحكم بالرِّدَّة والكفر على مسلم هو غاية العقوبة. لهذا وجب التحرِّي والاحتياط فيه، ما وُجد إليه سبيل، حملًا لحال المسلم على الصلاح، وتحسينًا للظن به، والأصل هو الإسلام، فلا يخرج منه إلا بأمر قطعي، واليقين لا يزُول بالشك.
7595
| 25 يونيو 2016
مساحة إعلانية
اقترح ديوان الخدمة المدنية والتطوير الحكومي تخفيف ساعات العمل للموظفات الأمهات القطريات وأمهات الأبناء القطريين في الجهات الحكومية، بناءً على التجربة الناجحة في...
27316
| 23 سبتمبر 2025
أهابت وزارة العمل بجميع المنشآت ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية اللازمة في ظل الظروف الجوية الاستثنائية المتوقعة. كما أكدت الوزارة عبر حسابها بمنصة اكس،...
5804
| 24 سبتمبر 2025
قضت محكمة الجنايات في الكويت، بإعدام الخادمة الفلبينية المتهمة بقتل طفل مخدومها الرضيع بأن وضعته داخل الغسالة، وذلك بعد ثبوت تقرير الطب النفسي...
3504
| 24 سبتمبر 2025
أعلن الديوان الملكي السعودي، الثلاثاء، وفاة المفتي العام للمملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء، الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن محمد آل...
2590
| 23 سبتمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
نشرت الجريدة الرسمية في عددها رقم 24 لسنة 2025 الصادر اليوم الخميس 25 سبتمبر نص قرار وزير العمل رقم (32) لسنة 2025 بتحديد...
2136
| 25 سبتمبر 2025
شهد مقر الأمم المتحدة حادثة طريفة، اليوم الثلاثاء، إذ أظهر مقطع “فيديو” متداول توقف السلم المتحرك الكهربائي فجأة فور صعود الرئيس الأمريكي دونالد...
1630
| 23 سبتمبر 2025
أعلنت هيئة الأشغال العامة أشغال عن تنفيذ إغلاق كامل لنفق تقاطع غرافة الريان على شارع خليفة أمام الحركة المرورية القادمة من غرافة الريان...
1488
| 23 سبتمبر 2025