أعلنت وزارة البلدية عن إغلاق 3 مطاعم في يوم واحد لمخالفة قانون تنظيم الأغذية الآدمية رقم 8 لسنة 1990 بشأن تنظيم مراقبة الأغذية...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الثامنة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) حقوق عامة بين الزوجين والزواج — كما أسلفنا — عهد وثيق، ربط الله به بين رجل وامرأة، أصبح كل منهما يسمى بعده (زوجًا) بعد أن كان (فردًا)، هو في العدد فرد، وفي ميزان الحقيقة (زوج)؛ لأنه يمثل الآخر، ويحمل في حناياه آلامه وآماله معًا. وقد صوَّر القرآن الكريم مبلغ قوة هذا الرباط بين الزوجين فقال: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}[البقرة:187]. وهو تعبير يُوحي بمعاني الاندماج والستر، والحماية والزينة، والغطاء والدفء، يحققها كل منهما لصاحبه. ولهذا كان على كلٍّ من الزوجين حقوق لصاحبه، لا بد أن يرعاها، ولا يجوز له أن يفرِّط فيها، وهي حقوق متكافئة، إلا فيما خصت الفطرة به الرجال، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]. وهي درجة القوامة والمسؤولية. من حقوق الزوجة على زوجها: وقد سأل رجلٌ النبيَّ فقال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الـوجـه، ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت". فلا يحل للزوج المسلم أن يهمل النفقة على زوجته وكسوتها، وفي الحديث النبوي: "كفى إثمًا أن تحبس عمن تملك قوته"، وفي رواية: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّع من يقوت". ولا يحل له أن يضرب وجه زوجته، لما فيه من إهانة لكرامة الإنسان، ومن خطر على هذا العضو الذي يجمع محاسن الجسم. وإذا جاز للمسلم عند الضرورة أن يؤدِّب زوجته الناشزة المتمرِّدة، فلا يجوز له أن يضربها ضربًا مُبرِّحًا، أو ضربًا يصيب وجهها أو مقاتلها. كما لا يحل للمسلم أن يُقبِّح زوجته، بأن يؤذيها بلسانه، ويُسمعها ما تكره، ويقول لها: قبحك الله، وما يشابهها من عبارات تثير النفور. من حقوق الزوج على زوجته ومن حق الزوج على الزوجة ألا تهجر له فراشًا، قال رسول الله : "إِذَا بَاتَتِ المَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا، لَعَنَتْهَا المَلاَئِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ". وألا تُدخِل أحدًا بيته دون علمه وإذنه، ولهذا قال : "ولكم عليهن أن لا يوطِئْن فرشكم أحدًا تكرهونه". والظاهر من كلمة (أحدًا) في الحديث هو الرجل. وعند أحمد وغيره حديث: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئتِ". على كل من الزوجين أن يصبر على صاحبه ويجب على المسلم أن يصبر على زوجته، إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها باعتبارها إنسانًا، ويعرف لـهـا حسناتـهـا بجانب أخطائها، ومزاياها إلـى جـوار عيوبها. وفـي الحديث: "لا يَفْرَك — أي لا يُبغض — مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر". وقال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19]. وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته، أُمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها، بما عندها من قدرة وسحر، وحذَّرها أن تبيت وزوجها غاضب عليها. وفي الحديث: "ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبرًا: رجل أمَّ قومًا وهـم لـه كـارهـون، وامـرأة باتت وزوجـها عليـها سـاخـط، وأخـوان متصارمـان". أي: متخاصمان. حق الزوجة في النفقة الملائمة لحالها وحال زوجها ولم يحدِّد الشرع في النفقة على المرأة مقدارًا معينًا من الدراهم أو غيرها، بل الواجب هو تلبية حاجتها بالمعروف، والحاجة تختلف من عصر لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن وسط لآخر، ومن رجل لآخر، فالمدنية غير الريفية، والحضرية غير البدوية، والمثقفة غير الأمية، والناشئة في بحبوحة النعيم غير الناشئة في خشونة الشظف، وزوجة الثري غير زوجة المتوسط غير زوجة الفقير وفي متعة المطلقة نبَّه على هذا المعنى فقال: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[البقرة:236]. وقيل: كان لعلي أربع نسوة، فكان يشتري لكل واحدة في كل أربعة أيام لحمًا بدرهم. وقال ابن سيرين: يستحبُّ للرجل أن يعمل لأهله في كل جمعة فالوذجة (نوعًا من الحلوى))). قال الغزالي: ((وكأن الحلاوة وإن لم تكن من المهمات، ولكن تركها بالكلية تقتير في العادة. ولا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب، فلا يطعمهم منه، فإن ذلك مما يوغر الصدور، ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان مزمعًا على ذلك، فليأكل بخُفية، بحيث لا يعرف أهله، ولا ينبغي أن يصف عندهم طعامًا لا يريد إطعامهم إياه. وإذا أكل فيقعد العيال كلهم على مائدته..)). نفقة المرأة بقدر كفايتها ولكن ما الذي يفرضه الشرع للزوجة من النفقة ومطالب المعيشة؟ لنسمع ما يقوله في ذلك الفقه المستند إلى الكتاب والسنة.. قال شيخ الإسلام ابن قدامة الحنبلي في كتابه (الكافي): ((يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف، لقول النبي لهند: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". ولأن الله قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:233]. والمعروف: قدر الكفاية؛ لأنها واجبة لدفع الحاجة. فتقدَّرت بالكفاية كنفقة المملوك، فإذا ثبت أنها غير مقدَّرة، فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم (أي القاضي) فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأُدْم. ويجب لها في القوت الخبز؛ لأنه المُقتات في العادة. وقال ابن عباس في قوله تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}[المائدة:89] الخبز والزيت. وعن ابن عمر: الخبز والسمن، والخبز والزيت، والخبز والتمر. ومن أفضل ما تطعمهم: الخبز واللحم. ويجب لها من الأُدْم بقدر ما تحتاج إليه من أُدْم البلد: من الزيت والسِّيرج (دهن السمسم) والسمن واللبن واللحم، وسائر ما يؤتدَم به؛ لأن ذلك من النفقة بالمعروف، وقد أمر الله تعالى ورسوله به. ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره، لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق:7] ويعتبر حال المرأة أيضًا، لقول النبي : "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". فيجب للموسِرة تحت الموسِر من أرفع خبز البلد وأُدْمه بما جرت به عادة مثلها ومثله، وللفقيرة تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأُدْمه على قدر عادتهما، وللمتوسطة تحت المتوسط (يعني: أوسط ذلك). وإذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا، ما بينهما كل على حسب عادته؛ لأن إيجاب نفقة الموسرين على المعسر، وإنفاق الموسر نفقة المعسرين، ليس من المعروف، وفيه إضرار بصاحبه. وتجب الكسوة للآية والخبر، ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام، فلزمته كالنفقة. ويجب للموسرة تحت الموسر من رفيع ما يُلبس في البلد من الإبريسم والخز (نوعان من الحرير) والقطن والكتان، وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان، وللمتوسطة تحت المتوسط. وإذا كان أحدهما موسرًا، والآخر معسرًا، ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس، كما قلنا في النفقة. ويجب لها مسكن؛ لأنها لا تستغني عنه للإيواء، والاستتار عن العيون، للتصرف والاستمتاع، ويكون ذلك على قدرهن، كما ذكرنا في النفقة. وإن كانت ممن لا يخدم نفسها، لكونها من ذوات الأقدار، أو مريضة، وجب لها خادم، لقوله تعالى {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[النساء:19]. وإخدامها من العِشرة بالمعروف، ولا يجب لها أكثر من خادم؛ لأن المستحق خدمتها في نفسها، وذلك يحصل بخادم واحد، ولا يجوز أن يُخدِمها إلا امرأة، أو ذو رحم محرم، أو صغير)). وقال صاحب (الروضة الندية) في بيان ما يجب للزوجة على الزوج من النفقة: ((هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال والأشخاص، فنفقة زمن الخَصْب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب. نفقة أهل البوادي ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم، وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن. وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على اختلاف طبقاتهم، غير المعروف من نفقة الفقراء، والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف، غير المعروف من نفقة أهل الوَضَاعات. فليس المعروف المشار إليه في الحديث، هو شيء متَّحد، بل مختلف باختلاف الاعتبار))( )اهـ. وذكر الإمام الشوكاني في كتابه (الفتح الرباني) اختلاف المذاهب في تقدير النفقة بمقدار معين، وعدم التقدير، فذهب جماعة من أهل العلم، وهم الجمهور، إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية، وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء القائلين بالتقدير، فقال الشافعي: على المسكين المتكسب مُدٌّ، وعلى الموسر مُدَّان، وعلى المتوسط مُدٌّ ونصف. وقال أبو حنيفة: على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر، وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة. قال بعض أصحابه: هذا التقدير في وقت رخص الطعام، وأما في غيره فيعتبر بالكفاية.
2324
| 02 يوليو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: السادسة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) * الشروط الفاسدة أما الشروط الفاسدة فهي نوعان: نوع يُبطل الزواج، ونوع لا يبطله. فأما الذي يبطله فله أقسام: الشغار: الأول: ما يعرف بـ(الشِّغَار)، ومعناه: أن يزوِّج الرجل ابنته، على أن يزوِّجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق. وقد نهى عنه النبي، ورُوِيَ عن الصحابة أنهم فرَّقوا بين الزَّوْجين. زواج التحليل الثاني: ما يعرف بزواج (التحليل)، وهو الذي يتزوج المرأة المطلَّقة من زوجها ثلاثًا، بشرط أن يطلِّقها إذا أحلَّها للأول، فهذا ليس زوجًا وإنما هو واسطة، وقد حرمه النبي ولعن فاعله. فقال: "لعن الله المحلِّل والمحلَّل له". والسر في ذلك أن الزواج الذي شرعه الإسلام لا بد من أن تصحبه نية التأبيد، حتى يؤتي ثماره المرجوة من السكن والمودة والرحمة والنسل وغيرها. وزواج المحلَّل على غير هذه السُّنة، فإنه إنما يتزوجها ليلة أو ليلتين، أو ساعة أو ساعتين، أو أدنى من ذلك أو أكثر، لا لشيء من تلك الأغراض النبيلة، بل لمجرد أن تحلَّ للأول، وسواء اشترط ذلك باللسان أم نواه بقلبه، فهو حرام وباطل. روى نافع عن ابن عمر: أن رجلًا قال له: تزوجتها أحلُّها لزوجها، لم يأمرني، ولم يعلم! قال: لا؛ إلا نكاح رغبة، إن أعجبتك أمسكتها، وإن كرهتها فارقتها. ثم قال: وإن كنا لنعده على عهد رسول الله سفاحًا. زواج المتعة الثالث: ما يعرف بزواج (المتعة)، ومعناه: أن يتزوج الرجل امرأة لمدة يحددانها؛ نظير أجر معين. والزواج في الإسلام عقد متين، وميثاق غليظ، يقوم في الأصل على نية العِشْرة المؤبَّدة من الطرفين؛ لتتحقق ثمرته النفسية التي ذكرها القرآن — من السكن النفسي والمودة والرحمة — وغايته النوعية العمرانية، من استمرار التناسل وامتداد بقاء النوع الإنساني: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً}[النحل:72]. أما زواج المتعة، فلا يتحقق فيه المعنى الذي أشرنا إليه. وقد أجازه الرسول قبل أن يستقر التشريع في الإسلام. أجازه في السفر والغزوات، لشدة حاجة الصحابة ومعظمهم شباب إليه، ثم نهى عنه وحرَّمه على التأبيد، وإن قال بعض الصحابة والتابعين ببقاء الإباحة في حالة الضرورة كأكل الميتة. وكان السِّر في إباحته أولا أن القوم كانوا في مرحلة يصح أن نسميها (فترة انتقال) من الجاهلية إلى الإسلام؛ وكان الزِّنى في الجاهلية ميسرًا منتشرًا. فلما كان الإسلام، واقتضاهم أن يسافروا للغزو والجهاد: شق عليهم البعد عن نسائهم مشقَّة شديدة، وكانوا بين أقوياء الإيمان وضعفائه؛ فأما الضعفاء، فخيف عليهم أن يتورَّطوا في الزِّنى، أقْبِح به فاحشة وساء سبيلًا! وأما الأقوياء فعزموا على أن يُخصوا أنفسهم أو يجُبُّوا مذاكيرهم، كما قال ابن مسعود: كنا نغزو مع رسول الله، ليس معنا نساء، قلنا: ألا نستخصي؟ فنهانا رسول الله عن ذلك، ورخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل. وبهذا كانت إباحة المتعة رخصة لحل مشكلة الفريقين من الضعفاء والأقوياء، وخطوة في سير التشريع إلى الحياة الزوجية الكاملة، التي تتحقَّق فيها كل أغراض الزواج، من إحصان واستقرار وتناسل، ومودة ورحمة، واتساع دائرة العشيرة بالمصاهرة. وكما تدرَّج القرآن بهم في تحريم الخمر، وتحريم الربا — وقد كان لهما انتشار وسلطان في الجاهلية — تدرج النبي بهم كذلك في تحريم الفروج، فأجاز عند الضرورة المُتعة، ثم حرم هذا النوع من الزواج، كـمـا روى ذلك عنه عليٌّ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم. ومن ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن سبرة الجهني: أنه غزا مع النبي في فتح مكة، فأذن لهم في متعة النساء، قـال: فلم يخرج حـتـى حـرَّمـهـا رسول الله، وفي لفظ من حديثه: "وإن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة". ولكن هل هذا التحريم باتٌّ كزواج الأمهات والبنات، أو هو تحريم مثل تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، فَيُباح عند الضرورة وخوف العَنَت؟ الذي رآه عامة الصحابة أنه تحريم باتٌّ حاسم، لا رخصة فيه بعد استقرار التشريع. وخالفهم ابن عباس وأصحابه، فرأوا أنها تُبَاح للضرورة، فقد سأله سائل عن متعة النساء، فرخص له. فقال مولى له: إنما ذلك في الحال الشديدة، وفـي النساء قلة أو نحوه؟ قال ابن عباس: نعم. ثم لما تبيَّن لابن عباس رضي الله عنه أن الناس توسَّعوا فيها، ولم يقتصروا على موضع الضرورة، أمسك عن فتياه ورجع عنها. واستمر بعض أصحابه كعطاء وسعيد بن جبير وطاوس يفتون بجوازها. وهو ما استأنسنا به ونحن نفتي بعض الشباب المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب في أوربا وأمريكا لدراسة الماجستير وأحيانا البكالوريوس، ولم يتمكن من الزواج قبل الذهاب أن يتزوج من بعض الفتيات مدة دراسته، ويطلقها بعد ذلك، وقد يعجبه طيب أخلاقها وحسن سلوكها، وقد تتأثر بدينه وأخلاقه، فتغير دينها إلى دينه، وتربط حياتها بحياته، فيبقيها زوجة لها، وبذلك ينقلب الزواج إلى زواج إسلامي دائم، قائم على الأهداف الشخصية والعائلية والاجتماعية. من سنن عقد النكاح ومستحباته يسن في عقد الزواج أن يكون في المسجد، ويسن إعلانه وإعلام الناس به، لحديث: "أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف". كما يُسَنُّ أن يصحبه شيء من اللهو والغناء المباح، لما في ذلك من إشاعة السرور، وتمام الإعلان، روى البخاري عن عائشة: أنها زفَّت امرأةً إلى رجل من الأنصار، فقال نبي الله: "يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟!". أما الأغاني الخليعة والاختلاط العابث؛ فحرام بالإجماع. ومن السنن: الوليمة، وذلك أن يعد الزوج طعامًا لأحبائه وأصدقائه على قدر طاقته، {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}[الطلاق:7]. وقد قال عليه السلام لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة". ولما تزوج النبي زينب بنت جحش أوْلَمَ بشاة. وأولم على بعض نسائه بمُدَّيْن من شعير. ومن دُعِي إلى هذه الوليمة، فواجب عليه أن يجيب، لحديث: "من لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله". وذلك ما لم يكن عذر، أو يعلم بوجود منكر كالخمر والتماثيل واللهو المحرم، وفي الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر". ويستحب من الحضور الدعاء للزوجين أو لأحدهما بعد العقد بالبركة والسعة وحسن العشرة، ويندب تهنئة الزوجين وإدخال السرور على كل منهما، أو عليهما. والسنة أن يقال للزوج: بارك الله لك وبارك عليك، وجمع بينكما في خير، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفَّأ إنسانًا إذا تزوج قال: "بارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما في خير". ويستحب أن يُبدأ عقد النكاح بخطبة يبين فيها مكانة الزواج في الإسلام، وحقوق كل من الزوجين، ويوصيهما بحسن العشرة. ويستحب للعروس إذا زفت إليه زوجته أول مرة أن يأخذ بناصيتها، ويدعو أن يبارك الله لكل منهما في صاحبه، "إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادمًا، فليقل: اللهم إني أسالك خيرها، وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها، وشر ما جبلتها عليه، وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه، وليقل مثل ذلك". ويسن في الزواج تخفيف المهر، لما فيه من القصد والبعد عن الإسراف، والترغيب في الزواج، وفي الحديث: "خير الصداق أيسره". وقال عمر: "لا تغالوا في صدقات النساء". ومن يسر المؤنة: الاعتدال في الجهاز، فإن الله لا يحب المسرفين. والمغالاة في المهور إحدى المشاكل التى تواجه الشباب، وتؤخر إتمام الزواج. أيسر المهور الواقع أن هذه تعقيدات من الناس على أنفسهم، شددوا فيما يسره الله تعالى عليهم، لقد قال النبي في الزوجات: "أيسرهن مهرًا أكثرهن بركة". والنبي حينما زوج بناته زوجهن بأيسر المهور، لم يشترط لهن المئات ولا الآلاف، وإنما أخذ أيسر المهور، وكذلك السلف الصالحون، لم يكونوا يبحثون عن مال الرجل، وماذا يدفع؛ لأن البنت ليست سلعة تباع، إنما هي إنسان، فليبحث لها الأب أو الولي عن إنسان مثله، إنسان كريم، كريم الدين، كريم الخلق، كريم الطباع، ولهذا جاء في الحديث عن النبي : "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه، تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". فالمهم، والذي يجب أن يطلبه الأب أو الولي هو الدين والخلق، قبل كل شيء. فماذا يغني الفتاة أن تتزوج ويُدفع لها مهر كبير، إذا تزوَّجت من لا خُلُق له، ولا دين له؟ ولهذا قال السلف: إذا زوجت ابنتك فزوِّجها ذا دين، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. لأن دينه يمنعه، وخلقه يردعه، حتى في حالة الكراهية، كما قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}[النساء:19].
3641
| 30 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الحلقة الخامسة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) لا يجوز الزواج من الكتابية في عصرنا إلا لحاجة ملحَّة، ومن هنا نعلم أن الزواج من غير المسلمات في عصرنا — وخصوصا الأجنبيات — ينبغي أن يُمنع سدًّا للذريعة إلى ألوان شتى من الضرر والفساد، ودرء المفسدة مقدَّم على جلب المصلحة، ولا يسوغ القول بجوازه إلا لضرورة قاهرة أو حاجة ملحَّة، والضرورة تقدر بقدرها، كما قعَّد الفقهاء. ولا ننسى هنا أن نذكِّر أنه مهما ترخَّص المترخِّصون في الزواج من غير المسلمة، فإن مما لا خلاف عليه أن الزواج من المسلمة أولى وأفضل من جهات عدة، فلا شك أن توافق الزوجين من الناحية الدينية أعون على الحياة السعيدة، بل كلما توافقا فكريًّا ومذهبيًّا كان أفضل. وأكثر من ذلك أن الإسلام لا يكتفي بمجرد الزواج من أية مسلمة، بل يرغب كل الترغيب في الزواج من المسلمة المتدينة، فهي أحرص على مرضاة الله، وأرعى لحق الزوج، وأقدر على حفظ نفسها وماله وولده، ولهذا قال الرسول، في الحديث الصحيح: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". حرمة زواج المسلمة من غير المسلم: إذا كان الإسلام قد أباح للمسلم أن يتزوج من امرأة كتابية، بالقيود التي ذكرناها، فإنه حرَّم على المسلمة أن تتزوَّج غير مسلم، كتابيًّا أو غير كتابي، ولا يحل لها ذلك بحال. وقد ذكرنا قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}[البقرة:221]. وقال في شأن المؤمنات المهاجرات: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة:10]. ولم يرد نص باستثناء أهل الكتاب من هذا الحكم، فالحرمة مُجمَع عليها بين المسلمين. الحكمة من تحريم زواج المسلمة من غير المسلم: وإنما أجاز الإسلام للمسلم أن يتزوج يهودية أو نصرانية، ولم يُجز للمسلمة أن تتزوَّج بأحدهما؛ لأن الرجل هو رَبُّ البيت، والقوَّام على المرأة، والمسؤول عنها. والإسلام قد ضمن للزوجة الكتابية في ظل الزوج المسلم حرية عقيدتها، وصان لها بتشريعاته وإرشاداته حقوقَها وحرمتها. ولكن دينًا آخر كالنصرانية أو اليهودية لم يضمن للزوجة المخالِفة في الدين أي حرية، ولم يَصُن لها حقها، فكيف يغامر الإسلام بمستقبل بناته، ويرمي بهن في أيدي من لا يرقبون في دينهن إلًّا ولا ذِمَّة؟! وأساس هذا: أن الزوج لا بد أن يحترم عقيدة زوجته؛ ضمانًا لحسن العشرة بينهما، والمسلم يؤمن بأصل اليهودية والنصرانية دينين سماويين — بغض النظر عما حُرِّف منهما — ويؤمن بالتوراة والإنجيل كِتَابَيْن في الأصل من عند الله، ويؤمن بموسى وعيسى رسولَيْن من عند الله من أولي العزم من الرسل. فالمرأة الكتابية تعيش في كَنَف رجل، يحترم أصل دينها وكتابها ونبيها، بل لا يتحقق إيمانه إلا بذلك. أما اليهودي أو النصراني، فلا يعترف أدنى اعتراف بالإسلام، ولا بكتاب الإسلام، ولا برسول الإسلام. فكيف يمكن أن تعيش في ظلِّه امرأة مسلمة يطالبها دينها بشعائر وعبادات، وفروض وواجبات، ويشرع لها أشياء، ويحرم عليها أشياء؟! من المستحيل أن تبقى للمسلمة حرية عقيدتها، وتتمكن مـن رعاية دينها، والرجل القوَّام عليها يجحده كل الجحود!! ولا سيما أن الإسلام يطلب من كل مسلم ومسلمة مطالب كثيرة، كالصلوات اليومية الخمس، وصيام رمضان، وزكاة المال والفطر، وحج البيت، بالإضافة إلى الواجبات الاجتماعية الكثيرة. ومن هنا كان الإسلام منطقيًّا مع نفسه، حين حرَّم على الرجل المسلم أن يتزوج وثنية مشركة؛ لأن الإسلام ينكر الشرك والوثنية كل الإنكار، فكيف يتحقق بينهما السكون والمودة والرحمة؟! بطلان زواج المسلمة من شيوعي: إذا كان الإسلام لم يُجِز للمسلمة أن تتزوج بأحد من أهل الكتاب — نصراني أو يهودي — مع أن الكتابي مؤمن بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر في الجملة، فكيف يجيز أن تتزوج رجلًا لا يدين بألوهية ولا نبوة ولا قيامة ولا حساب؟ إن الشيوعي الذي عُرفت شيوعيته يعتبر في حكم الإسلام مارقًا مرتدًّا زنديقًا، فلا يجوز بحال أن يقبل أبٌ مسلم زواجَه من ابنته، ولا أن تقبل فتاة مسلمة زواجها منه وهي ترضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد رسولًا، وبالقرآن إمامًا. وإذا كان متزوجًا من مسلمة وجب أن يُفرَّق بينه وبينها، وأن يحال بينه وبين أولاده، حتى لا يُضِلَّهم، ويُفسِد عليهم دينهم. وإذا مات هذا مصرًّا على مذهبه، فليس بجائز أن يُغَسَّل، أو يصلَّى عليه، أو يدفن في مقابر المسلمين. وبالجملة يجب أن تطبق عليه في الدنيا أحكام المرتدِّين والزنادقة في شريعة الإسلام، وما ينتظره من عقاب الله في الآخرة أشد وأخزى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 217]. زواج المسلمة من البهائي وإذا كان زواج المسلم من بهائية باطلًا بلا شك، فإن زواج المسلمة من رجل بهائي باطل من باب أولى، إذ لم تجز الشريعة للمسلمة أن تتزوج الكتابي، فكيف بمن لا كتاب له؟ ولهذا لا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم وبهائية أو بين مسلمة وبهائي، لا ابتداء ولا بقاء، وهو زواج باطل، ويجب التفريق بينهما حتمًا. وهذا ما جرت عليه المحاكم الشرعية في مصر في أكثر من واقعة، وللأستاذ المستشار علي علي منصور حكم في قضية من هذا النوع قضى فيه بالتفريق، بناء على حيثيات شرعية فقهية موثَّقة، وقد نُشر في رسالة مستقلة، فجزاه الله خيرًا. الشروط المقترنة بعقد الزواج مثلما عُني فقهاء الإسلام بتفصيل الشروط في البيوع والمعاملات المالية، ما يعتبر منها وما لا يعتبر، وما يفسد العقد وما لا يفسده، حرصًا على مصلحة المتعاقدين، ورفعًا للضرر والحرج عنهما، ورغبة في استقرار التعامل بين الناس — عُنوا كذلك بأحكام الشروط في عقد الزواج، لما له من أهمية وقدسية، ولما يترتب عليه من آثار هي أعمق وأعظم من آثار بيع دابة، أو إجارة مسكن، أو نحوهما، آثار في حياة الزوجين، وحياة أسرتيهما، وحياة المجتمع كله. ولهذا قال الرسول: "إن أحق الشروط أن يوفَّى به، ما استحللتم به الفروج". وقت اعتبار الشرط: والمعتبر من الشروط ما كان في صلب العقد، أو اتفقا عليه قبله، أما إذا وقع الشرط بعد لزوم العقد، فالوفاء به غير لازم. الشروط المقترنة بعقد الزواج قسمان ما يشترطه أحد الزوجين على الآخر مما له فيه غرض صحيح، ولا ينافي مقتضى العقد. وهو لازم للزوج لا يملك فكَّه، كما إذا اشترطت الزوجة — أو وليها — عليه ألا يخرجها من دارها أو بلدها، أو ألا يتزوج عليها، أو ألا يفرِّق بينها وبين أولادها من غيره، أو بينها وبين أبويها، أو أن ترضع ولدها من غيره.. أو نحو ذلك؛ لأن لها في هذه الشروط قصدًا صحيحًا، فوجب اعتباره؛ لأن الشارع أمر بالوفاء بالعقود والعهود والشروط أمرًا عامًّا، فيتناول كل ما ذُكِر، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة:1]. وفي الحديث: "أحق الشروط أن توفُّوا به ما استحللتم به الفروج". وفي الحديث الآخر: "المسلمون على شروطهم". ووقع في عهد عمر رضي الله عنه: أن رجلًا تزوَّج امرأة وشرط لها دارها، ثم أراد نقلها، فخاصمه أهلها إلى عمر، فقال: لها شرطُها. فقال الرجل: إذن يُطَلِقْنَنا!! يعني: النساء. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط. فإذا لم يفِ الزوج للزوجة بما شرط، فلها أن تفسخ العقد على التراخي؛ لأنه شرط لازم في عقد، فثبت حق الفسخ بفواته، ولا يسقط حقها في الفسخ إلا بما يدل على رضاها: من قول صريح، أو تمكين له من نفسها، مع علمها بعدم وفائه بالشرط، لما في التمكين مع العلم من الدلالة على الرضا. وباعتبار الشريعة الإسلامية لهذه الشروط التي للمرأة قصد صحيح فيها، يكون الإسلام قد وقف إلى جانب المرأة، ومكَّنها أن تأخذ لنفسها من الضمانات ما تراه في مصلحتها، وألزم الرجل بالوفاء، وإلا كان لها الخيار في الفسخ.
11351
| 29 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : د. يوسف القرضاوي الحلقة : الثالثة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) إباحة الزواج من الكتابية الأصل في الزواج من نساء أهل الكتاب عند جمهور المسلمين( ) هو الإباحة. فقد أحل الله لأهل الإسلام مؤاكلة أهل الكتاب ومصاهرتهم في آية واحدة من سورة المائدة، وهي من أواخر ما نزل من القرآن الكريم. قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة:5]. رأي ابن عمر وبعض المجتهدين: وخالف في ذلك من الصحابة عبدالله بن عمر رضى الله عنهما، فلم ير الزواج من الكتابية مباحًا، فقد روى عنه البخاري: أنه كان إذا سُئل عن نكاح النصرانية واليهودية قال: إن الله حرم المشركات على المؤمنين- يعني قوله تعالى: {لَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]- ولا أعلم من الإشراك شيئًا أكبر من أن تقول: ربُّها عيسى. وهو عبد من عباد الله( )! ومن العلماء من يحمل قول ابن عمر على كراهية الزواج من الكتابية لا التحريم، ولكن العبارات المرويَّة عنه تدل على ما هو أكثر من الكراهية. وقد أخذ جماعة من الشيعة الإمامية( ) بما ذهب إليه ابن عمر استدلالًا بعموم قوله تعالى في سورة البقرة: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ..}[البقرة:221]. وبقوله في سورة الممتحنة: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ..}[الممتحنة:10]. ترجيح رأي الجمهور: والحق أن رأي الجمهور هو الصحيح، لوضوح آية المائدة في الدلالة على الزواج من الكتابيات، وهي من أواخر ما نزل. وأما قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ..}[البقرة:221]. وقوله: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10]. فإما أن يقال: هذا عام خصَّصته سورة المائدة. أو يقال: إن كلمة (المشركات) لا تتناول أهل الكتاب أصلًا في لغة القرآن، ولهذا يعطف أحدهما على الآخر كما في سورة البينة: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ..}[البينة:1]. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا..} [البينة:6]. وفي سورة الحج يقول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.. }[الحج:17]. فجعل الذين أشركوا صنفًا متميزًا عن باقي الأصناف، ويعني بهم الوثنيين. والمراد بـ(الكوافر) في آية الممتحنة: المشركات، كما يدل على ذلك سياق السورة. قيود تجب مراعاتها عند الزواج من الكتابية: وإذن يكون الراجح ما بيَّناه من أن الأصل هو إباحة زواج المسلم من الكتابية، ترغيبًا لها في الإسلام، وتقريبًا بين المسلمين وأهل الكتاب، وتوسيعًا لدائرة التسامح والألفة وحُسْن العشرة بين الفريقَيْن. ولكن هذا الأصل معتبر بعدة قيود، يجب ألَّا نغفلها: القيد الأول: الاستيثاق من كونها (كتابية) بمعنى أنها تؤمن بدين سماوي الأصل كاليهودية والنصرانية، فهي مؤمنة في الجملة بالله ورسالاته والدار الآخرة. وليست ملحدة أو مرتدة عن دينها، ولا مؤمنة بدين ليس له نسب معروف إلى السماء. ومن المعلوم في الغرب الآن أن ليست كل فتاة تولد من أبوين مسيحيَّيْن تكون مسيحية. ولا كل من نشأت في بيئة مسيحية تكون مسيحية بالضرورة، فقد تكون شيوعية مادية، وقد تكون على نحلة مرفوضة أساسًا في نظر الإسلام كالبهائية ونحوها. القيد الثاني: أن تكون عفيفة مُحصَنة، فإن الله لم يُبِحْ كل كتابية، بل قيَّد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان، حيث قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}[المائدة:5]. قال ابن كثير: والظاهر أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنى، كما في الآية الأخرى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}[النساء:25]. وهذا ما أختاره. فلا يجوز للمسلم بحال أن يتزوَّج من فتاةٍ تُسلم زمامها لأي رجل، بل يجب أن تكون مستقيمة نظيفة بعيدة عن الشبهات. وهذا ما اختاره ابن كثير، وذكر أنه رأى الجمهور، وقال: ((وهو الأشبه، لئلَّا يجتمع فيها أن تكون ذِمِّية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصَّل زوجها على ما قيل في المثل: حَشَفًا وسوء كِيلَة!))( ). وقد جاء عن الإمام الحسن البصري أن رجلًا سأله: أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ فقال: ((ما له ولأهل الكتاب، وقد أكثر الله المسلمات؟! فإن كان ولا بد فاعلًا. فليعمد إليها حَصَانًا (أي محصنة) غير مسافِحة. قال الرجل: وما المسافِحة!؟ قال: هي التي إذا لمح الرجل إليها بعينه اتَّبعته))( ). ولا ريب أن هذا الصنف من النساء في المجتمعات الغربية في عصرنا يعتبر شيئًا نادرًا بل شاذًّا، كما تدل عليه كتابات الغربيِّين وتقاريرهم وإحصاءاتهم أنفسهم، وما نسميه نحن البكارة والعفة والإحصان والشرف.. ونحو ذلك، ليس له أية قيمة اجتماعية عندهم، والفتاة التي لا صديق لها تُعيَّر من ترائبها، بل من أهلها وأقرب الناس إليها. القيد الثالث: ألَّا تكون من قوم يعادون المسلمين ويحاربونهم. ولهذا فرَّق جماعة من الفقهاء بين الذميَّة والحربيَّة. فأباحوا الزواج من الأولى، ومنعوا الثانية. وقد جاء هذا عن ابن عباس، فقال: من نساء أهل الكتاب من يحل لنا، ومنهم من لا يحل لنا. ثم قرأ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ..}[التوبة:29]. فمن أعطى الجزية حل لنا نساؤه، ومن لم يُعْطِ الجزية لم يحلَّ لنا نساؤه( ). وقد ذُكر هذا القول لإبراهيم النخعي- أحد فقهاء الكوفة وأئمتها- فأعجبه( ). وفي مصنف عبد الرزاق عن قتادة قال: لا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد( ). وعن علي رضي الله عنه بنحوه( ). وعن ابن جريج قال: بلغني ألا تنكح امرأة من أهل الكتاب إلا في عهد( ). وفي مجموع الإمام زيد عن علي: أنه كره نكاح أهل الحرب، قال الشارح في (الروض النضير): ((والمراد بالكراهة: التحريم؛ لأنهم ليسوا من أهل ذمة المسلمين. قال: وقال قوم بكراهته ولم يحرِّموه، لعموم قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:5]. فغلَّبوا الكتاب على الدار))( ). يعني: دار الإسلام. والذي من أهل دار الإسلام بخلاف غيره من أهل الكتاب. ولا ريب أن لرأي ابن عباس وجاهته ورجحانه لمن يتأمل، فقد جعل الله المصاهرة من أقوى الروابط بين البشر، وهي تلي رابطة النسب والدم، ولهذا قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا}[الفرقان:54]. فكيف تتحقق هذه الرابطة بين المسلمين وبين قومٍ يحادُّونهم ويحاربونهم، وكيف يسوغ للمسلم أن يُصهر إليهم، فيصبح منهم أجداد أولاده وجداتهم وأخوالهم وخالاتهم؟ فضلًا عن أن تكون زوجه وربة داره وأم أولاد منهم؟ وكيف يؤمن أن تطَّلِع على عورات المسلمين وتخبر بها قومها؟ ولا غرو أن رأينا العلامة أبا بكر الرازي الحنفي يميل إلى تأييد رأي ابن عباس، محتجًّا له بقوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22]. والزواج يوجب المودَّة، يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}[الروم:21]. قال: فينبغي أن يكون نكاح الحربيات محظورًا؛ لأن قوله تعالى: { يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:22] إنما يقع على أهل الحرب؛ لأنهم في حدٍّ غير حدِّنا( ). يؤيد ذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:9]. وهل هناك تولٍّ لهؤلاء أكثر من أن يزوِّج إليهم، وتصبح الواحدة من نسائهم جزءًا من أسرته، بل العمود الفقري في الأسرة؟ استعمال المباحات كلها مقيَّد بعدم الضرر لا يجوز لمسلم في عصرنا أن يتزوَّج يهودية، ما دامت الحرب قائمة بيننا وبين إسرائيل، ولا قيمة لما يقال من التفرقة بين اليهودية والصهيونية، فالواقع أن كل يهودي صهيوني؛ لأن المكونات العقلية والنفسية للصهيونية إنما مصدرها التوراة وملحقاتها وشروحها والتلمود. وكل امرأة يهودية إنما هي جندية بروحها في جيش إسرائيل، إلا من كان منهم معاديا بوضوح لإسرائيل، ويرى أنها خطر على اليهود في العالم، ويصدرون النشرات والصحف المعلنة عن ذلك، كما رأينا بعضهم في لندن وفي قطر وفي عدد من البلاد، ويظهرون معلنين عن شخصيتهم في البرامج التليفزيونية المعروضة، كما في جماعة (حراس المدينة) أو (ناطوري كارتا). القيد الرابع: ألا يكون من وراء الزواج من الكتابية فتنة ولا ضرر، محقَّق أو مرجَّح، فإن استعمال المباحات كلها مقيَّد بعدم الضرر، فإذا تبين أن في إطلاق استعمالها ضررًا عامًّا مُنعت منعًا عامًّا، أو ضررًا خاصًّا منعت منعًا خاصًّا، وكلما عظُم الضرر تأكَّد المنع والتحريم، وقد قال r: "لا ضرر ولا ضرار"( ). وهذا الحديث يمثِّل قاعدة شرعية قطعية من قواعد الشرع؛ لأنه وإن كان بلفظه حديث آحاد، إلا أنه مأخوذ من حيث المعنى من نصوص وأحكام جزئية جمَّة من القرآن والسنة، تفيد اليقين والقطع. ومن هنا كانت سلطة ولي الأمر الشرعي في تقييد بعض المباحات إذا خشي من إطلاق استخدامها أو تناولها ضررًا معينًا.
62997
| 27 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة: الواحدة والعشرون الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). * المحرمات تحريما مؤقَّتًا بعد هذا الاستطراد في الرضاع، وما يحرِّم منه وما لا يحرِّم، نعود إلى موضوعنا الأصلي وهو (المحرمات من النساء)، ونفصل القول في المحرمات من النساء تحريما مؤقتا: أ — زوجة الغير ودليلُ ذلك قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}[النساء:24]، فالمرأة المتزوِّجة ما دامت في عصمة زوجها لا يحل لها الزواج بآخر. ولكي تحل لزوج آخر لا بد من شرطين: أن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق أو فسخ أو خلع، وأن تستوفي العدة التي أمر الله بها وجعلها وفاء للزوجية السابقة وسياجا لها، وقد فصلنا ذلك في أثناء حديثنا عن الخطبة المحرمة. ب — الجمع بين الأختين، وبين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها وقد حرم الإسلام على المسلم، وكان مشروعا في الجاهلية: أن يجمع بين الأختين، فإن الرابطة بين الأختين التي يحرص الإسلام على دوامها، ينافيها أن تكون إحداهما ضَرَّة للأخرى. وقد صرح القرآن بتحريم الجمع بين الأُختين، وأضاف الرسول إلى ذلك قوله: "لا يُجمع بين المرأة وعمَّتِها، ولا بين المرأة وخالتها". كما في الصحيحين وغيرهما. وقال: "إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم". والإسلام يؤكِّد صلة الأرحام، فكيف يشرع ما يؤدي لتقطيعها؟! وإذا زال سبب التحريم، وهو الزواج من الأخت أو بنتها أو بنت الأخ أو العمَّة أو الخالة، بموت أو طلاق، فهنا يجوز للرجل أن يتقدم لخطبة أخت مطلقته أو زوجته المتوفاة أو عمتها أو خالتها أو بنت أختها أو بنت أخيها. ج — المشركات غير الكتابيات حتى يؤمن ومن المحرَّمات المؤقَّتات: المشرِكة، وهي التي تعبد الأوثان، كمشركات العرب ومن شابههن من الهندوسيات والبوذيات وغيرهن من ذوات الأديان الوثنية، قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ}[البقرة: 221]، فالزواج منها حرام بنص القرآن الكريم. وقال تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ}[الممتحنة:10] وسياق الآية والسورة كلها — سورة الممتحنة — وسبب نزولها يدل على أن المراد بالكوافر: المشركات، أعني: الوثنيات. والحكمة في هذا التحريم ظاهرة، وهي عدم إمكان التلاقي بين الإسلام والوثنية، فعقيدة التوحيد الخالص، تناقض عقيدة الشرك المحض، ثم إن الوثنية ليس لها كتاب سماوي معتبر، ولا نبي معترف به، فهي والإسلام على طرفي نقيض. ولهذا علَّل القرآن النهي عن نكاح المشركات وإنكاح المشركين بقوله: {أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ}[البقرة: 221]، ولا تلاقي بين مَن يدعو إلى النار ومن يدعو إلى الجنة. أَيُّها المنكِحُ الثُرَيّا سُهَيلًا عَمرَكَ اللَهَ كَيفَ يَلتَقِيانِ هي شامية إذا ما استقلَّت وسهيل إذا استقلَّ يمانِ( ) وهذا الحكم — منع الزواج من المشركات الوثنيات — ثابت بالنص، وبالإجماع أيضًا، فقد اتفق علماء الأمة على هذا التحريم، كما ذكر ابن رشد في (بداية المجتهد) وغيره( ). ويلحق بالمشركة الملحدة والمرتدة والبهائية. بطلان الزواج من الملحدة وأعني بالملحدة: التي لا تؤمن بدين، ولا تقر بألوهية، ولا نبوة ولا كتاب ولا آخرة، فهي أولى من المشركة بالتحريم؛ لأن المشركة تؤمن بوجود الله، وإن أشركت معه أندادًا أو آلهة أخرى اتخذتهم شفعاء يقربونها إلى الله زلفى فيما زعموا. وقد حكى القرآن عن المشركين هذا في آيات كثيرة مثل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}[لقمان:25]. {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر:3]. فإذا كانت هذه الوثنية المعترفة بالله في الجملة قد حُرِّمَ نكاحها تحريمًا باتًّا، فكيف بإنسانة مادية جاحدة، تنكر كل ما وراء المادة المتحيِّزة، وما بعد الطبيعة المحسوسة، ولا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر ولا بالملائكة ولا الكتاب ولا النبيين؟ إن الزواج من هذه حرام بل باطل يقينًا. وأبرز مثل لها: الشيوعية المصرة على شيوعيتها، التي تؤمن بالفلسفة المادية، وتزعم أن الدين أفيون الشعوب، وتفسر ظهور الأديان تفسيرًا ماديًّا على أنها إفراز المجتمع، ومن آثار ما يسوده من أحوال الاقتصاد وعلاقات الإنتاج. وإنما قلت: الشيوعية المصرَّة على شيوعيتها؛ لأن بعض المسلمين والمسلمات قد يعتنق هذا المذهب المادي، دون أن يسبر غوره، ويعرفه على حقيقته، وقد يُخدع به حين يعرضه بعضُ دعاته على أنه إصلاح اقتصادي لا علاقة له بالعقائد والأديان.. إلخ. فمثل هؤلاء يجب أن يزال عنهم اللبس، وتزاح الشبه، وتقام الحجج، ويوضح الطريق، حتى يتبين الفرق بين الإيمان والكفر، والظلمات والنور، فمن أصر بعد ذلك على شيوعيته؛ فهذا كافر مارق ولا كرامة، ويجب أن تجري عليه أحكام الكفار في الحياة وبعد الممات. والحق أن الشيوعية مذهب مادي، لا يعترف إلا بكل ما هو مادي مُحَسٌّ، ويجحد كل ما وراء المادة، فلا يؤمن بالله، ولا يؤمن بالرُّوح، ولا يؤمن بالوحي، ولا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بأي نوع من أنواع الغيب، وبهذا ينكر الأديان جملة وتفصيلًا، ويعتبرها خرافة من بقايا الجهل والانحطاط والاستغلال، وفي هذا قال مؤسس الشيوعية كارل ماركس كلمته المعروفة: الدين أفيون الشعوب. وأنكر مع الماديين على الذين قالوا: إن الله خلق الكون والإنسان. فقال متهكمًا مع الذين قالوا: إن الله لم يخلق الإنسان، بل العكس هو الصواب، فإن الإنسان هو الذي خلق الله. أي اخترعه بوهمه وخياله. وقال لينين: إن حزبنا الثوري لا يمكن أن يقف موقفًا سلبيًّا من الدين، فالدين خرافة وجهل. وقال ستالين: نحن ملحدون، ونحن نؤمن أن فكرة (الله) خرافة، ونحن نؤمن بأن الإيمان بالدين يعرقل تقدمنا، ونحن لا نريد أن نجعل الدين مسيطرًا علينا؛ لأننا لا نريد أن نكون سكارى. هذا هو رأي الشيوعية وزعمائها في الدين، ولهذا لم يكن غريبًا أن نرى دستور الحزب الشيوعي ودستور الشيوعية الدولية يفرضان على كل عضو في الحركة الشيوعية أن يكون ملحدًا، وأن يقوم بدعاية ضد الدين. ويطرد الحزب من عضويته كل فرد يمارس شعائر الدين، وكذلك تنهي الدولة الشيوعية خدمات كل موظف يتجه هذا الاتجاه. ولو صحَّ جدلًا أن شيوعيًّا أخذ من الشيوعية جانبها الاجتماعي والاقتصادي فقط، دون أساسها الفكري العقائدي — كما خيل للبعض، وهو غير واقع ولا معقول — لكان هذا كافيًا في المروق من الإسلام والارتداد عنه، لأن للإسلام تعاليم محكمة واضحة في تنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية ينكرها النظام الشيوعي إنكارًا، كالملكية الفردية والميراث والزكاة، وعلاقة الرجل بالمرأة.. إلخ. وهذه الأحكام مما علم بالضرورة أنه من دين الإسلام، وإنكارها كفر بإجماع المسلمين. هذا إلى أن الشيوعية مذهب مترابط، لا يمكن الفصل بين نظامه العملي وأساسه العقائدي والفلسفي بحال. يحرم الزواج بالمرتدة ابتداء ويبطل إذا ارتدت بعد الزواج: مثل الملحدة: المرتدة عن الإسلام والعياذ بالله. ونعني بالمرتدة والمرتد: كل من كفر بعد إيمانه كفرًا مُخرجًا من الملة، سواء أدخل في دين آخر، أم لم يدخل في دين قط، وسواء أكان الدين الذي انتقل إليه كتابيًّا أم كان غير كتابي، فيدخل في معنى المرتدين ترك الإسلام إلى الشيوعية، أو الوجودية، أو المسيحية، أو اليهودية، أو البوذية، أو البهائية، أو غيرها من الأديان والفلسفات. والإسلام لا يُكره أحدًا على الدخول فيه، حتى إنه لا يعتبر إيمان المُكْرَه ولا يقبله، ولكن من دخل فيه بإرادته الحرة لم يجُزْ له الخروج عنه. وللردة أحكام بعضها يتعلق بالآخرة، وبعضها بالدنيا. فممَّا يتعلَّق بالآخرة: أن من مات على الردة فقد حبط كل ما قدَّمه من عمل صالح، واستحقَّ الخلود في النار، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:217]. من تزوَّج مرتدة فنكاحه باطل من أحكام الدنيا أن المرتد لا يستحق معونة المجتمع الإسلامي ونصرته بوجه من الوجوه، ولا يجوز أن تقوم حياة زوجية بين مسلم ومرتدة، أو بين مرتد ومسلمة، لا ابتداء ولا بقاءً، فمن تزوَّج مرتدة فنكاحه باطل، وإذا ارتدَّت بعد الزواج فُرِّق بينهما حتمًا، وهذا حكم متفق عليه بين الفقهاء، سواء من قال منهم بقتل المرتد رجلًا كان أو امرأة وهم الجمهور، أم من جعل عقوبة المرأة المرتدة الحبس لا القتل، وهم الحنفية. ومن قال: إن المرتد يحبس ويظل يستتاب ولو طال. ومما ينبغي التنبيه عليه هنا: أن الحكم بالرِّدَّة والكفر على مسلم هو غاية العقوبة. لهذا وجب التحرِّي والاحتياط فيه، ما وُجد إليه سبيل، حملًا لحال المسلم على الصلاح، وتحسينًا للظن به، والأصل هو الإسلام، فلا يخرج منه إلا بأمر قطعي، واليقين لا يزُول بالشك.
7643
| 25 يونيو 2016
أظهر مسح اجتماعي جديد انخفاض نسبة اليابانيين في العقد الثالث من العمر، الذين يرغبون في الزواج، إذ قال كثيرون إنهم يخشون ألا يرقى دخلهم السنوي إلى متطلبات النساء. وفي ظل تراجع نسبة الشابات الراغبات في الزواج أيضا والندرة النسبية لميلاد أطفال خارج إطار الزواج في اليابان، فإن النسب تشير إلى عقبة محتملة أمام سياسة رئيس الوزراء شينزو آبي الرامية إلى رفع معدل المواليد المتدني في البلاد، حسبما ذكر موقع "روسيا اليوم". وأظهر المسح أن 38.7% فقط من العزاب اليابانيين من أعمار العشرينيات، الذين تم استطلاع آرائهم، قالوا إنهم يريدون الزواج في أسرع وقت ممكن، أو يريدون الزواج في نهاية الأمر، مما يمثل انخفاضا عن نسبتهم قبل 3 سنوات البالغة آنذاك 67.1%. وأشار التقرير، الذي أجرته شركة "ميجي ياسودا" للتأمين على الحياة إلى أن "أكثر من نصف العازبات يرغبن في أن يكسب أزواجهن 4 ملايين ين في العام على الأقل "38 ألف دولار"، في حين يجني 15.2% فقط من العزاب من أعمار العشرينيات 4 ملايين ين أو أكثر. وأضاف: "يبدو أن هذه الفجوة أحد أسباب العزوف عن الزواج تماما أو تأخره". وتريد حكومة آبي رفع معدل المواليد إلى 1.8 بين النساء من 1.4، ولا يزال المعدل المنشود أقل من معدل 2.1 اللازم للحيلولة دون الانكماش السكاني. وأظهر التقرير أيضا أن معدلات الراغبين والراغبات في الزواج بين أعمار الثلاثينيات في اليابان تراجعت أيضا أكثر من عشر نقاط مئوية ووصلت إلى 40.3% و45.7% على الترتيب.
2298
| 22 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة: السابعة عشر الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أَولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به، ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21).. فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل؛ يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معاً، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعِّبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم واحتفالات الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات.. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".. "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". والزواج إذ يُيَسِّر أسباب الحلال يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). فتوى للشيخ شلتوت: وقد عرض شيخنا العلامة الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله في كتابه (الفتاوى) لمذاهب العلماء في قدر الرضاع الذي يحرِّم الزواج بين الرضيعَيْن، وكثرة اختلافهم في ذلك، تبعًا لاختلاف النظر في الآية مع الأحاديث الواردة في الموضوع، والمتعارضة في ظواهرها، وتحكيم كل فريق ما صحَّ عنده منها. ثم قال: ((ولكن لم نرَ منهم من عرَّج نحوَ دلالةِ كلمة: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ" على قدر الرضاع المحرم، ولا شكَّ أنَّ عنوان (الأمهات) يعطي أن مدة الرضاعة امتدت، حتى شعرت معه المرضعة بمعنى الأمومة للرضيع، ولا شك أن هذا الوقت الذي يتحقَّق به معنى العطف والحُنُوِّ والشوق من المرضعة للرضيع، ليس هو وقت (القطرة)، ولا هو وقت (الثلاث رضعات)، ولا هو وقت الخمس رضعات. وخاصة إذا قدرنا أن الرضاع المحرِّم هو ما يكون في حولَيْن أو أكثر، كما يذهب إليه بعض العلماء. فالخمس رضعات، أو الرضعات المعدودات، لا يمكن أن تُحدِثَ معنى الأمومة عند المرضِعة، متى لوحظ تفرُّقها على الحولين، أو أكثر منهما. وهذه ناحية أعرضها للبحث الذي يستعان فيه برأي الأطباء الواقفين على المدار الذي ينبت فيه اللحم وينشز العظم. ونرجو أن يصل العلماء إلى ما يرفع اختلاف المفتين في هذه المسألة التي كثيرًا ما رأيت بنفسي ما تُحدث عقدًا نفسية بين الزوجين، حين يجدان أن فلانة أرضعتهما. وإذا كان جمهور العلماء يفتون برأي الشافعية ـ نظرًا إلى أنه المتوسط بين الآراء ـ فإن كثيرًا من المفتين يزعجون الأسر الهادئة، بأن قليل الرضاع وكثيره سواء في التحريم. والواقع أن مسألة التحريم بالرضاع على الوجه المذكور به في كتب الفقه، في حاجة إلى التمحيص، لاختيار الأوفق والأيسر، والأبعد عما يثير في نفوس الأسر الزعزعة والاضطراب)). وقفات أمام فتوى الشيخ شلتوت وهنا لا بد لنا أن نقف وقفات أمام فتوى شيخنا رحمه الله: أولًا: لا يزال ما أنكره الشيخ منذ عدد غير قليل من السنين قائمًا، وهو اختلاف المفتين الذين يُسألون في هذه القضية، اختلافًا يدعُ السائلين من جماهير المسلمين في حيرة لا يدرون معها أي مذهب يختارون، ولم تبذل محاولة من الهيئات العلمية المرموقة، أن ترجِّح في ذلك رأيًا؛ يريح الناس من البلبلة والشك والاضطراب. ثانيًا: لا يزال الكثيرون يتبنَّون أشد الآراء في هذه المسألة، ويفتون بأن المصة الواحدة تثبت التحريم إلى الأبد، مدَّعين أن هذا رأي جمهور الأئمة، وأن ثلاثة من الأئمة الأربعة يقولون به، يعنون: أبا حنيفة ومالكًا وأحمد، هذا مع أن ظاهر مذهب أحمد عدم التحريم إلا بالخمس، كما هو مذهب الشافعي، وكمَّا نصت على ذلك كتب الحنابلة. ثالثًا: ذكر الشيخ أنه لم يَرَ من السابقين من عرَّج على دلالة كلمة "وأمهاتكم" على قدر الرضاع المحرِّم، وقد ذكرنا نقل النووي عن الشافعية اعتراضهم على مخالفيهم بدلالة ذكر (الأمومة) في الآية.. وقد عرض العلامة الآلوسي في تفسيره الشهير "روح المعاني" لذكر كلمة "أمهاتكم" في الآية، ونقل عن الحافظ السيوطي؛ أن عنده في سر ذكرها كلامًا كثيرًا، لو شاء لكتب عليه عدة مؤلفات! وأشار ضمن كلامه إلى أنه لو قيل: (واللاتي أرضعنكم) يكفي في التحريم رضعة واحدة، ولكنه قال: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ" ليرتب عليها خمس رضعات واردة.. وذكر الآلوسي خمس ملحوظات من باب الإشارة، مما يقوي الاستئناس بالآية على مذهب التحريم بالخمس. ثم نقل عن الإمام النووي ما سبق أن ذكرناه، وعقب عليه بقوله: "لم يصرح رحمه الله تعالى بأن الآية التي استدلَّ بها المالكية مُشعِرة بالخمس، بل اقتصر على أن الدلالة على الواحدة لا تحصل بها، وأراد أن ما أشرنا إليه من الإشعار القوي إلى التعدد، يأبى حمل الماهية على أقل ما تتحقَّق فيه". على أن الذين تكلَّموا من قريب أو بعيد حول دلالة كلمة "أمهاتكم اللاتي أرضعنكم"، لم ينتهوا بقيد "الأمومة" هنا إلى ما انتهى إليه الشيخ، الذي يفيد كلامه: أنه لا بد من وقت طويل حتى تتكوَّن. وقد يرد على هذا بأن التشريع لا بد أن يضع حدًّا أدنى، كما وضع حدًّا أعلى (الحولين على الصحيح)، فكانت الرضعات الخمس هي الحد الأدنى الذي يتحقق به معنى الأمومة في أقل درجاته، وهذا ما يمكن أن نسميه (نِصَاب الرضاع) كما في نظائره (نصاب الزكاة)، و(نصاب السرقة).. ونحوها. رابعًا: ما طرحه الشيخ رحمه الله للبحث الذي يشترك فيه علماء الشرع مع علماء الطب، كلٌّ فيما يخصه، لبيان قدر الرضاع الذي ينبت اللحم وينشز العظم، كما جاء في بعض الأحاديث. أقول: هذه الدعوة لم تجد صدًى لا عند الفقهاء، ولا عند الأطباء، لا بالقبول والتأييد، ولا بالرد والتفنيد، وذهبت صيحةً في واد، ونفخةً في رماد، كما يقولون.. غير أن في ثبوت هذا الحديث نفسِه كلامًا، من حيث صحَّة سنده، وإنما يستدل به مع مجموعة الأحاديث والآثار الأخرى، الدالة على اعتبار الصغر في التحريم بالرضاع. 3 ـ التضييق في مدة التحريم بالرضاع: إذا كان قيد الأمومة في الآية: "وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ"، قد أيَّد مذهب من اشترطوا العدد في الرضاع، فإن هذا القيد يقوِّي أيضًا مذهب من يرى أن الرضاع المحرِّم، ما كان في الصغر قبل الحَوْلين، وكان قبل الفطام والاستغناء عن اللبن بالطعام. فإن الأمومة تتكوَّن حقيقة في هذه السنِّ المبكِّرة، التي يعتمد الطفل فيها اعتمادًا كليًّا على مرضِعته ماديًّا وعاطفيًّا. وقد قال تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ"[البقرة:233]. فجعل تمامها في الحولين، فدل على أنه لا حكم للرضاع بعدهما، كما قال ابن قدامة. وروى الترمذي عن أم سلمة قالت: قال رسول الله : "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، في الثدي، وكان قبل الفطام". ومعنى في الثدي: أي في زمن الثدي، وهو تعبير معروف عند العرب. ومعنى (فتق الأمعاء): وسَّعها لاغتذاء الصبي به، وقت احتياجه إليه.. وفي سنن الدارقطني عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "لا رضاع إلا ما كان في الحَوْلَين". وروى البيهقي بسنده: أن رجلًا كان معه امرأته وهو في سفر، فولدت، فجعل الصبيُّ لا يمص، فأخذ زوجها يمص لبنها ويمُجَّه، حتى وجد طعم لبنها في حلقه، فأتى أبا موسى (الأشعري) فذكر ذلك له، فقال: حرُمتْ عليك امرأتُك، فأتى ابن مسعود، فقال (أي لأبي موسى): أنت الذي تفتي هذا بكذا وكذا؟! وقد قال رسول الله : "لا رضاع إلا ما شدَّ العظمَ وأنبت اللحم"؟. وفي رواية أن ابن مسعود قال لأبي موسى: أرضيع هذا؟! وأن أبا موسى قال: لا تسألوني ما دام هذا الحَبْر فيكم. الرضاع المحرِّم ما كان في الصِّغَر عن جابر مرفوعاً: "لا رضاع بعد فِصال". وقد قال القرآن الكريم: "وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ"[لقمان:14]. وعن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله وعندي رجل، فقال: من هذا؟ قلتُ: أخي في الرضاعة. قال: "يا عائشة، انظرن مَن إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة". وفي قوله: "انظرن مَن إخوانكن". أمرٌ بالتأمُّل فيما وقع من الرضاع؛ هل هو رضاع صحيح مستجمِع للشروط المعتبرة أو لا؟ وقوله: "فإنما الرضاعة من المجاعة". تعليل للباعث على إمعان النظر والتفكر، بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة، هي حيث يكون الرضيع طفلًا، يسد اللبن جوعته، وأما من كان يأكل ويشرب، فرضاعه لا من مجاعة؛ لأن في الطعام والشراب ما يسد جوعته. ومثل هذا حديث: "لا رضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم". فإن هذا إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن. وعن ابن عمر: أن امرأة من الأنصار عمدت إلى جارية لزوجها، فأرضعتها (أي بدافع الغَيْرة)، فلما جاء زوجُها، قالت: إن جاريتَك هذه قد صارت ابنتَك! فانطلق الرجل إلى عمر، فذكر ذلك له، فقال له عمر: عزمتُ عليك لَمَا رجعتَ فأصبتَ جاريتكَ، وأوجعتَ ظهر امراتك؛ فإنما الرضاعة رضاعة الصغير. وهذا هو قول ابنه عبدالله بن عمر: لا يحرم من الرضاع إلا ما كان في الصِّغَر.. فهو إذن قول عمر وابنه وابن مسعود وأبي موسى وابن عباس. قال البيهقي: ورُوِّينا هذا التحديد بالحَوْلَين، عن التابعين عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والشعبي. وهو قول جمهور الفقهاء: إن الرضاع المحرِّم ما كان في الصِّغَر. وهذا هو المعروف من شأن الرضاعة والرضيع، ولم يستطعْ المخالفون أن يردُّوا هذه الدلائل إلا بالتعسُّف في التأويل.
4220
| 21 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الرابعة عشر الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به، ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21).. فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معاً، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعِّبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم واحتفالات الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات.. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".. "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". والزواج إذ يُيَسِّر أسباب الحلال يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). وكالة المرأة في عقد النكاح: يرى جمهور الفقهاء أن المرأة بكرًا كانت أو ثيبًا لا يجوز لها أن تباشر عقد النكاح لنفسها، أو نيابة عمن هو في ولايتها، أو وكالة عن غيرها، وأجاز الأحناف أن تباشر المرأة عقد نكاح نفسها أو وكالة عن غيرها، قال القدوري: ((قال أصحابنا: يجوز للمرأة أن تعقد النكاح لنفسها، وتكون وكيلة للرجل فتعقد له وللولي. فتزوج وليته، وتزوج أمتها)). ومستندهم في ذلك أن الله أسند النكاح للمرأة في غير آية منها قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}[البقرة:230، 231]. فأضاف النكاح إليها، والمراد بالتراجع: العقد ابتداء. ولأنه عقد، فجاز أن تكون المرأة وكيلة فيه كالبيع، ولأن من جاز أن يكون وكيلا في البيع جاز أن يكون وكيلا في النكاح كالرجل، ولأنه عقد بعوض فجاز أن تعقده المرأة كالبيع. والذي أراه: أن المرأة إنسان مكتمل الإنسانية كالرجل، وهي تباشر العقود كما يباشرها الرجال، بيعًا وشراءً وإجارةً وقرضًا ووكالة وشركة ونكاحًا، ويجري عليها في هذه العقود ما يجري على الرجال، فهي مسؤولة مكلَّفة، تؤدي الفرائض، وتجتنب المحرمات، فلهذا لا أرى مانعًا أن تلتزم المرأة بما يلتزم به أخوها الرجل، ما دامت بالغة عاقلة حاملة للمسؤولية مثله، وقد قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}[البقرة:228]. لكن إن باشرت عقد نكاح نفسها فيكون ذلك بإذن الولي وعلمه. نصائح عامة بشأن موضوع الزواج 1 — ثلاثية الرضا لإتمام الزواج الزواج كما شرعه الإسلام عقد يجب أن يتم بتراضي الأطراف المعنيَّة كلها، لا بد أن ترضى به الفتاة، ولا بد أن يرضى به وليها، وينبغي أن تستشار أمها، كما وجه إلى ذلك رسول الله حين قال: "آمروا النساء في بناتهن". وقد أمر الإسلام أن يؤخذ رأي الفتاة، وألَّا تجبر على الزواج بمن تكره، ولو كانت بكرًا، فالبكر تستأذن، وإذنها صمتها وسكوتها، ما دام ذلك دلالة على رضاها — كما بينا — فلا بد أن تستشار الفتاة، وأن ترضى، وأن يعرف رأيها صراحة أو دلالة. ولا بد أن يرضى الولي وأن يأذن في الزواج، وليست المرأة المسلمة الشريفة هي التي تزوج نفسها بدون إذن أهلها. فإن كثيرًا من الشبان يختطفون الفتيات، ويضحكون على عقولهن، فلو تُركت الفتاة الغِرَّة لنفسها، ولطيبة قلبها، ولعقلها الصغير، لأمكن أن تقع في شراك هؤلاء، وأن يخدعها الخادعون، من ذئاب الأعراض ولصوص الفتيات، لهذا حماها الشرع، وجعل لأبيها أو لوليها — أيًّا كان — حقًّا في تزويجها، ورأيًا في ذلك، واعتبر إذنه، واعتبر رضاه، كما هو مذهب جمهور الأئمة. ثم إن النبي زاد على ذلك، فخاطب الآباء والأولياء فقال: "آمروا النساء في بناتهن". ومعنى: "آمروا النساء في بناتهن". أي خذوا رأي الأمهات؛ لأن المرأة أنثى تعرف من شؤون النساء والبنات ما لا يعرفه الرجال، وتهتم منها بما لا يهتم به الرجال عادة. ثم إنها أم تعرف من أمور ابنتها، ومن خصالها، ومن رغباتها، ما لا يعرفه الأب، فلا بد أن يُعرف رأي الأم أيضًا. فإذا اتفقت هذه الأطراف كلها: من الأب، ومن الأم، ومن الفتاة — ومن الزوج بالطبع — فلا بد وفق السنن أن يكون الزواج موفَّقًا سعيدًا، محقِّقًا لأركان الزوجية التي أرادها القرآن من السكن ومن المودة، ومن الرحمة، وهي آية من آيات الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[الروم:21]. 2 — حرمة تأخير زواج البنت بلا مبرر شرعى والفقه الإسلامي وإن اشترط جمهوره رضا الولي خاصة في زواج البكر، فإنه مع ذلك قد أمر بالمسارعة بتزويج البنات، وجاء في ذلك عن النبي : "ثلاث لا تؤخِّرها: الصلاة إذا أتت، والجنازة إذا حضرت، والأيِّم إذا وجدت لها كفئًا". وقال: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير". فلا يحل للأب أن يؤخِّر زواج ابنته، إذا خطبها كُفء ذو دِين وخلق. وتأخير زواج البنت بلا مبرر شرعي يُعَدُّ نوعًا من العضل الذى نهى القرآن عنه. فإذا حضر الكفء فلا ينبغي للأب أن يعوق الزواج، من أجل أنه يريد أن يقبض شيئًا أكثر، كأنها سلعة يساوم عليها، هذا هو المفروض من الآباء المسلمين، ألا يعوقوا الزواج بهذه المهور، وبهذه المغالاة فيها، فإن هذا هو أكبر عقبة في سبيل الزواج، وكلما عقدنا في سبيل الزواج، وأكثرنا من المعوقات والعقبات، يسرنا بذلك سبل الحرام، وسهلنا انتشار الفساد، وأغوينا الشباب بأن يسيروا مع الشيطان، وأن يتركوا طريق العِفَّة، وطريق الإحصان، وطريق الحلال. ما حيلة الشاب الذي يذهب ليتزوج؛ فيجد هذه الطلبات المعوِّقة أمامه؟ ماذا يصنع؟! إنه سيُعرض عن الزواج، ويبحث عن أمور أخرى، ويترتب على ذلك كساد البنات، وفساد الرجال، وفساد المجتمعات. هذه هي النتيجة الحتمية للمغالاة في المهور، وكم جاءتنى من رسائل، وكم سألني من سائل وسائلة، وكم من شاب شكا لي، ومن فتاة شكت لي ولغيري، من هذا المعوِّق الذي وضعه الناس بأيديهم، وحفروه أمام بناتهم، وأمام أبنائهم، وأمام أنفسهم، لييسروا طريق الحرام ويعوقوا طريق الحلال. المحرمات من النساء هناك عدة أصناف من النساء يحرم على المسلم الزواج بواحدة منهن، بعضها حرمته مؤقتة، وبعضها حرمته دائمة وهن المحارم. وقد فصل القرآن هذه الأصناف في سورة النساء فقال: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}[النساء:22 — 24]. وذكرت سورة البقرة صنفا آخر وهو المشركات، حيث قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[البقرة:221]، فبين حرمة زواج المسلم من المشركة حتى تؤمن بالله تعالى ربا. ثم ذكر القرآن قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ}[المائدة:5]، فبيَّن حكم الكتابيات في الآية، وأباح للمسلم أن يتزوج الكتابية المحصنة — أي العفيفة — زواجا شرعيًّا، وسكت عن حكم تحريم المسلمة على الكتابي، فبقي تحريم زواج المسلمة بغير المسلم عامًّا، سواء أكان كتابيا أم غير كتابي، وأكد ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}[الممتحنة:10]. وحرم القرآن أيضًا أن يتزوج مطلقته إذا طلقها ثلاثًا حتى تنكح زوجًا غيره، فقال بعد أن بيَّن أن الطلاق مرتان: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا}[البقرة:230]. وحرم القرآن أيضًا على الرجل أن يتزوَّج فوق أربع نسوة، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}[النساء:3]. وزادت السنة الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها، والتفريق بين الملاعِن وملاعنَته.
11882
| 18 يونيو 2016
المجتمع الشرقي وضعها في سياج من نار.. البوعينين: إنشاء صناديق لدعم المطلقات خطوة للحماية من عثرات الزمن د. اليافعي: المجتمع بحاجة إلى قوانين تحمي حقوق المطلقات هل تستوجب المرأة المطلقة هذه النظرة القاصرة والقاسية من قبل مجتمعاتنا الشرقية؟ وهل باتت المرأة المطلقة كابوساً يقض مضجع النساء المتزوجات؟ وهل يحق للمجتمع أن يضعها في سياج من نار فقط لأنها مطلقة؟ أم إنَّ هناك أبحاثا موثقة تؤكد أنَّ كل مطلقة هي سيئة السلوك والطباع ولولا تلك السلوكيات لما طَلقها زوجها؟، على اعتبار أنَّ المرأة لا تقدم على الطلاق من منطلق "ظل راجل ولا ظل حيطة"!، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل تواجه المطلقة في مجتمعنا الشرقي ضغوطا من أسرتها التي تضعها تحت المجهر إما لمراقبة سلوكياتها على اعتبارها صاحبة تجربة سابقة، أو تعتبرها عبئا وهما لاسيما إن كانت مطلقة مع أطفال ولا مصدر دخل لها لإعالة نفسها وأطفالها. وزارة التخطيط التنموي والإحصاء ذكرت في بيان لها أنها سجلت 1540 حالة طلاق بين القطريين وغير القطريين في عام 2014، و1660 حالة طلاق بين القطريين للستة أشهر الأولى من العام 2015، فيما سجلت 2981 حالة زواج بين القطريين وغير القطريين في 2014، و4265 حالة زواج بين القطريين وغير القطريين سجلت للعام 2015 للستة أشهر الأولى. تأهيل المطلقات وللحديث عن صورة المرأة المطلقة تحدثت "الشرق" مع الداعية الشيخ أحمد البوعينين -الأمين العام للاتحاد العالمي للدعاة- الذي حمل المرأة المطلقة أسباب النظرة القاصرة التي ينظر بها المجتمع لها، لاسيما وأنَّ المرأة المطلقة من وجهة نظره يجب عليها المحافظة على نفسها أكثر من البكر، أو المرأة المتزوجة، للأسباب التي يدركها الجميع في أنَّ المطلقة بنظر البعض صيد سهل، مستشهدا بقول الله -تعالى- "فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَعْرُوفًا"، مؤكدا أنَّ المطلقة مطمع أكثر من غيرها، وأنَّ معدومي الضمير من الرجال قادرون على إسقاطها في منزلق الرذيلة على اعتبارها "مطلقة" مستغلين في بعض الأحيان حاجتها للعاطفة التي فقدتها بسبب الطلاق، وأشار البوعينين إلى أن الخضوع في القول لا تستثنى منه المرأة المتزوجة أو البكر، إلا أنَّ المطلقة قد تكون عرضة له أكثر من غيرها بسبب الحالة النفسية التي قد تمر بها، وعدم توازنها إلى أن تعتاد على وضعها الجديد. وعرج الشيخ أحمد البوعينين في حديثه على أنَّ بعض الرجال قد يكونون ذئاباً، ولكن أيضا المطلقة هي من يقع على عاتقها المسؤولية، فعليها أن تضع حدودا بينها وبين الرجل الأجنبي، فهي المسؤولة عن تمتين وتقوية أسوارها، والتسلُّح بالإيمان للحفاظ على نفسها من وحل الخطيئة. وطالب البوعينين بضرورة إنشاء صناديق تخدم الفئات الأقل حظاً كالمطلقات والأرامل بصورة دائمة، ليس لمدهن بالمال بل لتأهيلهن وتدريبهن ليقفن على أقدامهن ويُعِلن أسرهن، لاسيما السيدات غير العاملات وغير الحاصلات على تعليم يؤهلهن للعمل بوظائف عليا، مستشهدا بتجربة "راف" وحملتها التي طرحت منذ قرابة العام واستهدفت المطلقات والأرامل وقامت بتأهيل وتدريب قرابة الخمسين سيدة، متطلعا إلى أن تتكرر التجربة وتكون صناديق دائمة، أو اعتماد الوقف لتمويل مشاريع صغيرة للفئات الأقل حظا ومن بينها فئة المطلقات والأرامل على غرار ما كان معمولا به في عصر النبوة. نظرة قاصرة وكان للجانب الاجتماعي رأي آخر حيث رفض الدكتور عبد الناصر اليافعي-أستاذ مشارك في الخدمة الاجتماعية ورئيس قسم العلوم الاجتماعية بجامعة قطر-تعميم فكرة النظرة القاصرة التي ينظر بها المجتمع الشرقي للمطلقة، مؤكدا أنه لا يوجد سند علمي يؤكد أنَّ المطلقة أقل من غيرها من النساء، إلا أنَّ العادات والتقاليد والأعراف هي من غذت هذه الأفكار في مجتمعنا الشرقي، المعتمد على إطلاق أحكام جزافية بعيدة كل البعد عن التحليل والدراسة العلمية، مشددا على أنَّ المطلقة لم ترتكب إثما بطلاقها بل عادة ما تكون امرأة متميزة في مجال عملها، بل وقادرة على إثبات نفسها أكثر من غيرها. ولفت الدكتور اليافعي في حديثه لـ "الشرق" إلى أننا لا نستطيع إنكار النظرة القاسية والقاصرة التي ينظر بها المجتمع للمطلقة، حتى وإن كانت ضحية زوج تستحيل معه الحياة، وبالرغم من الظروف التي قد تمر بها المطلقة والحالة النفسية التي تعتريها بسبب الطلاق، أيضا تكون تحت المجهر ومراقبة من أسرتها، مبررين هذا بأنها باتت مطمعاً، لذا عادة ما يستوجب عليها أن تكون حذرة في تعاملاتها، وسلوكياتها لاسيما إن كانت امرأة عاملة، وهذه كلها إسقاطات توارثتها الأجيال تحت مسمى "الصورة النمطية" للمطلقة بعيدا عن إثباتات علمية. وطالب الدكتور اليافعي قبل أن تنشأ صناديق لدعم المطلقات، الأَولى أن تطرح حملات لرفع وعي المجتمع، وتغيير الصورة القاسية في عقول الأغلب عن المطلقة، والعمل على تبرئة ساحتها التي تشكلت بسبب عادات وتقاليد تسهم في إزهاق روحها، مؤكدا أهمية رفع وعي وثقافة المطلقات وأن يتم إرشادهن حتى يستطعن أن يتكيفن مع وضعهن الجديد. وشدد الدكتور اليافعي على أنَّه لا توجد دراسات تؤكد أن نسب المطلقات المنزلقات بالخطيئة أكثر من غيرهن، على العكس قد يكن أكثر حرصا ودراية بسبب التجربة التي خضنها في زواجهن الأول، وحتى وإن انساق بعض المطلقات للكلام "المعسول" فهذا ليس لأنهن مطلقات بل لأنهن من جنس حواء فقط، مؤكدا أهمية صياغة قوانين تحمي المطلقات.
1764
| 17 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الثانية عشرة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). من له ولاية الإجبار اتفق من قال بتزويج الصغير والصغيرة، على أن للأب أن يزوج ابنه وابنته الصغيرين، واختلفوا في الولي غير الأب، قال النووي: ((أجمع المسلمون على جواز تزويجه بنته البكر الصغيرة لهذا الحديث() [يعني حديث عائشة الذي ذكرناه]، وإذا بلغت فلا خيار لها في فسخه عند مالك والشافعي وسائر فقهاء الحجاز، وقال أهل العراق: لها الخيار إذا بلغت. أما غير الأب والجد من الأولياء، فلا يجوز أن يزوِّجها عند الشافعي والثوري ومالك وابن أبي ليلى وأحمد وأبي ثور وأبي عبيد والجمهور، قالوا: فإن زوجها لم يصح. وقال الأوزاعي وأبو حنيفة وآخرون من السلف: يجوز لجميع الأولياء ويصح، ولها الخيار إذا بلغت، إلا أبا يوسف فقال: لا خيار لها. واتفق الجماهير على أن الوصي الأجنبي لا يزوِّجها، وجوَّز شريح وعروة وحماد له تزويجها قبل البلوغ، وحكاه الخطابي عن مالك أيضًا، والله أعلم. واعلم أن الشافعي وأصحابه قالوا: يستحب ألَّا يزوج الأب والجد البكر حتى تبلغ ويستأذنها، لئلا يوقِّعها في أسر الزوج وهي كارهة، وهذا الذي قالوه لا يخالف حديث عائشة؛ لأن مرادهم أنه لا يزوجها قبل البلوغ إذا لم تكن مصلحة ظاهرة يُخاف فوتها بالتأخير كحديث عائشة، فيستحب تحصيل ذلك الزوج؛ لأن الأب مأمور بمصلحة ولده فلا يفوتها، والله أعلم. وأما وقت زفاف الصغيرة المزوَّجة والدخول بها، فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة عُمِل به، وإن اختلفا فقال أحمد وأبو عبيد: تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها. وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: حد ذلك أن تطيق الجماع ويختلف ذلك باختلافهن ولا يضبط بسن، وهذا هو الصحيح. وليس في حديث عائشة تحديد، ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع، ولا الإذن فيمن لم تُطِقْه، وقد بلغت تسعًا، قال الداودي: وكانت عائشة قد شبَّتْ شبابًا حسنًا رضى الله عنها)). ونلاحظ من هذا النص عدة أمور ينبغي الإشارة إليها: 1 — أن جمهور الفقهاء قيدوا تزويج الصغيرة، ولم يجعلوه إلا للأب، وجعل الشافعي الجد كالأب، ومن وسَّعه وهو أبو حنيفة والأوزاعي فجعلوا لها الخيار وقت البلوغ. 2 — أنهم نظروا إلى مصلحة الصغيرة واعتبروها، وإلى كمال الشفقة في الولي. 3 — انهم وإن أباحوا زواج الصغيرة فقيَّدوا تسليمها لزوجها بالإطاقة البدنية. والذي أراه أن الإسلام إنما شرع للناس ما يصلحهم في دينهم ودنياهم، وفي حاضرهم ومستقبلهم، وهو يضع لكلٍّ ظروفه وشروطه التي لا بد منها. وهو يعرف أن النكاح — بمعنى الزواج — لا يصلح قبل البلوغ، كما قال تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ..}[النساء:6]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يحتلم.. ". ومن عادات الناس المتعارف عليها عندهم: ألا يزوِّجوا أبناءهم وبناتهم حتى يبلغوا. ومع هذا قد تحدث حالات خاصة في بعض المجتمعات يحسن فيها تزويج بعض الصغيرات لبعض الناس، ولا يرى أحد في ذلك حرجا ولا غضاضة، كما في تزويج عائشة من رسول الله وهي صغيرة بنت ست أو سبع، والدخول عليها وهي بنت تسع، وأبواها راضيان كل الرضا، والبنت راضية وفرحة، والمجتمع كله راض وسعيد وفرح، فما كان مثل هذا النوع أو قريبًا منه يجوز لظاهر ما ذكره القرآن من زواج الصغيرة في قوله تعالى في عدة المطلقات: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[البقرة:4]. وما عدا ذلكٍ فالأصل هو المنع، وخصوصًا في عصرنا الذي اضطربت فيه المعايير.هل للحاكم أو للمجتمع تحديد سن الزواج؟ زواج الصغيرة القرآن واضح في إمكان زواج الصغيرة، قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ..}[الطلاق:4]. ومعنى ذلك أن المرأة قد تتزوج قبل المحيض، وكذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم فقد تزوج من عائشة وهي بنت ست سنين أو سبع سنين، وبنى بها وهي بنت تسع، ولا دليل يدل على أن ذلك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم. والشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، وقد راعى فقهاؤنا المجيزون لزواج الصغيرة تحقق مصلحتها، فجعل جمهورهم تزويج الصغيرة للأب، وعللوا ذلك بكمال الشفقة، لكن لما شاع في كثير من المجتمعات أن البنت الصغيرة يمكن أن يظلمها أبوها، فيغلب مصلحته على مصلحتها، ولا تستطيع هي الدفاع عن نفسها، رأى كثير من الفقهاء أن نُقَيِّد هذا المباح، كما قال سيدنا عمر بن عبد العزيز: "تحدث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من فجور". ومن المعلوم فقهًا: أن من الأمور الجائزة والمباحة ما يجوز منعها بصفة كلية أو جزئية إذا ثبت أن من ورائها مفسدة أو ضررًا، فإنما أباح الله ما أباح لعباده لييسِّر عليهم ويخفِّف عنهم، كما قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة:185]. {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]. فإذا ثبت بالتطبيق أن في استعمال المباح ضررا على الناس أو أكثرهم: وجب منعه بناء على قاعدة: "لا ضرر ولا ضرار". هناك أمر آخر ينبغي أن يراعى، وهو أن الظروف تغيرت ومن حق الحاكم في ضوء قراءته الصحيحة للواقع ومحاربة مواطن الفساد أو تعسف آباء الصغيرات أن يقيد ما هو مباح.. وطاعة ولي الأمر هنا واجبة؛ لأنه لم يحلل حرامًا، ولم يحرم حلالا، وإنما قيد مباحا لما ترتب عليه من الضرر. وكلمة الحاكم هنا تعني: السلطان الشرعي، ولم يعد الحكام هم الذين يشرعون للناس، ولكن يسمحون لهم بالتشريع وفق ما تضبطه الدساتير، ولذلك تقوم المجتمعات الحديثة بإصدار القوانين المكملة للشرائع أو الضابطة لأحوال المجتمع، مع مراعاة المطلوب في ذلك. — إجبار الأب ابنتَه البالغة على الزواج بمن لا ترضاه: ومما اختلف الفقهاء فيه: هل للأب ولاية إجبار على البكر البالغة العاقلة، قال ابن رشد: ((أما البكر البالغ فقال مالك والشافعي( )، وابن أبي ليلى: للأب فقط أن يجبرها على النكاح. وقال أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأبو ثور وجماعة: لا بد من اعتبار رضاها، ووافقهم مالك في البكر المعنسة على أحد القولين عنه)). والحق أن الأدلة مع وجوب استئذان البكر، فقد صح عن النبي جملة أحاديث توجب استئمار الفتاة أو استئذانها عند زواجها، فلا تُزوَّج بغير رضاها، ولو كان الذي يزوِّجها أبوها. منها ما في الصحيحين: "لا تُنكح البكر حتى تُستأذن". قالوا: وكيف إذنها؟ قال: "ان تسكت". "البكر تُستأذن في نفسها، وإذنها صماتها" . "الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأذنها أبوها". وفي السُّنَن من حديث ابن عباس: أن جارية بِكْرًا أتت النبي ، فذكرت أن أباها زوَّجها وهي كارهة، فخيَّرها النبي صلى الله عليه وسلم .
99920
| 16 يونيو 2016
الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د.يوسف القرضاوي الحلقة: العاشرة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). المهر المقدَّم حق للخاطب: مما يترتَّب على الرجوع في الخطبة: إعادة ما دفعه الخاطب من المهر المقدَّم كاملًا؛ لأن المهر يجب بالزواج، ولا حق للمرأة فيه إلا بعقد الزواج، وما دام الزواج لم يوجد، فالمهر حقٌّ خالص للخاطب يجب رده إليه، فإن كان المهر قد استُهلك ردَّ مثله أو قيمته، وهذا باتفاق الفقهاء. ونرى أنه إذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو بعضه جهازًا، مما اتفق عليه مع خاطبها، ثم عدل الخاطب٬ فلها الخيار بين إعادة المهر٬ أو تسليم ما يساويه من الجهاز كلًّا أو بعضًا وقت الشراء مع الباقي من المهر. والذي نرجِّحه أن (الشبكة) — وهي هدية من الذهب أو الجواهر أو الماس، وفي بعض البيئات يستعاض عن ذلك بـ (خاتم سولييتير) — جزء من المهر، يجب رده إذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة. حكم الهدايا التي قدَّمها الخاطب في حال الرجوع عن الخطبة: جرى عرف الناس أن يقدِّم الخاطب لمخطوبته ولذويها بعض الهدايا، خاصة في المناسبات الاجتماعية والدينية، كأول رمضان، والعيدين وما شابه. فماذا لو فُسِخت الخطبة؟ يرى الأحناف أنه يسترد ما أهداه، قال الحصكفي في (الدر): (((خطب بنت رجل وبعث إليها أشياء ولم يزوِّجها أبوها، فما بعثَ للمهرِ يُستردُّ عينُه قائمًا) فقط، وإن تغير بالاستعمال، (أو قيمته هالكًا)؛ لأنه معاوضة، ولم تتم، فجاز الاسترداد، (وكذا) يسترد (ما بعث هديةً وهو قائم دون الهالك والمستهلك)؛ لأنه في معنى الهبة)). وحشَّى ابن عابدين على ذلك فقال: ((مثله ما إذا أبت وهي كبيرة)). أي: بالغة عاقلة. وأود هنا أن أبيِّن أن هذه المسألة عند الأحناف مبنية على مسألة أخرى عندهم، وهي أنهم يجيزون مطلقًا الرجوع في الهدية مع الكراهة، بشروط ذكروها في مذهبهم( ). فما ذكره الحصكفي وابن عابدين عامٌّ سواء كان الرجوع من قبل الخاطب أو من قبل المخطوبة، والهدايا إذا كانت متبادلة بين الخاطب والمخطوبة أو بين أهليهما بحيث تتقارب قيمة هذه الهدايا، فلا يجوز الرجوع في الهدية؛ لأنهم يشترطون للرجوع في الهدية أن لا يعوَّض المُهدي عن هديته بمثلها. وعند المالكية رأيان: الأول أنه لا يسترد شيئًا من هداياه أو ما أنفقه عليها. والثاني: التفريق بين أن يكون الرجوع منه أو منها. قال الصاوي في شرحه على الدردير: (((و) جاز (الإهداء فيها): أي في العدة [يقصد عدة المتوفى عنها زوجها إذا خطبها تعريضًا] كالخُضَر والفواكه وغيرهما، لا النفقة. فلو تزوجت بغيره، فلا رجوع له عليها بشيء. وكذا لو أهدى أو أنفق لمخطوبة غير معتدة، ثم رجعت عنه، ولو كان الرجوع من جهتها، إلا لعرف أو شرط. وقيل: إن كان الرجوع من جهتها فله الرجوع عليها؛ لأنه في نظير شيء لم يتم، واستُظْهِر))( ). والرأي الأخير هو الذي عليه الفتوى عند المالكية. وقد جاء عن الشافعية رأيان: الأول جواز استرداد الهدية مطلقًا، والثاني اعتبار التفريق بين إن كان الرجوع من طرفه أو من طرف المخطوبة، قال الجمل: ((دفع الخاطب بنفسه أو وكيله أو وليه شيئًا من مأكول أو مشروب أو نقد أو ملبوس لمخطوبته أو وليها، ثم حصل إعراضٌ من الجانبين، أو من أحدهما، أو موت لهما، أو لأحدهما؛ رجع الدافع أو وارثه بجميع ما دفعه، إن كان قبل العقد مطلقًا، وكذا بعده إن طلَّق قبل الدخول أو مات، إلا إن ماتت هي، ولا رجوع بعد الدخول مطلقًا)). وفي الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي: ((وسئل: عمن خَطَب وأُجيب، فأنفق، ثم لم يزوِّجوه، فهل يرجع عليهم بما أنفق؟ فأجاب بقوله: اختلف المتأخرون في ذلك، والذي دل عليه كلام الرافعي في الصداق أنه إن كان الرد منهم رجع عليهم؛ لأنه لم يُهدِ لهم إلا بناء على أن يزوِّجوه، ولم يحصل غرضه، فإن كان الرد منه، فلا رجوع له لانتفاء العلة المذكورة)). ونقل المرداوي رأي الحنابلة فقال: هدية الزوجة ليست من المهر، نُصَّ عليه. فإن كانت قبل العقد وقد وعدوه بأن يزوجوه، فزوَّجوا غيره: رجع بها. ونَقَل هذا الرأي عن تقي الدين ابن تيمية. والذي نراه أنه إذا فسخت الخطبة فللخاطب أن يطالب بما أهداه مما لا يُستهْلَك، سواء أكان الرجوع منه أو من طرف خطيبته، ولكن ليس له المطالبة بالأشياء التي تُستهلك، كالفواكه والحلوى والأطعمة.. وما شابه، وهو ما استقرَّ عليه المشرع المصري، يقول عبد الرزاق السنهوري باشا: ((والمفروض أن الهبات والهدايا التي يقدِّمها أحد الخطيبين للآخر، أو يقدِّمها ذوو الخطيبين لأحدهما أو لهما معًا، إنما الباعث الدافع لها إتمام الزواج. فإذا لم يتمَّ، وفُسخت الخطبة، فقد انعدم السبب، فبطلت الهبة. ومِن ثَمَّ يستطيع الواهب أن يطلب استرداد هبته من الموهوب له بعد فسخ الخطبة. ولكن يشترط في ذلك أن يكون الشيء الموهوب قائمًا، كالمجوهرات والمصوغات حتى يمكن رده بالذات. أما إذا استُهلك، كالحلوى والروائح، فالمفروض أن الواهب قد وهب الشيء على أن يُستهلك، وعلى ألا يستردَّه مهما كان مآل الخطبة، فلا يكون إتمام الزواج سببًا في مثل هذه الهبات)).
2526
| 14 يونيو 2016
الزواج أنجع الوسائل لعلاج الحب العذرى الحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية العشوائية عواقبه غير محمودة المرأة الخالية من الزواج والعِدَّة وموانع النكاح تجوز خطبتها الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: السابعة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) الحب قبل الزواج أود أن أؤكِّد أني لا أحبذ ما يقوله بعض الناس في عصرنا من ضرورة (الحب قبل الزواج)؛ لأن هذا الطريق محفوف بالخطر، محاطٌ بالشبهات. فكثيرًا ما يبدأ بداية غير سليمة ولا مستقيمة، كالحب الذي يأتي عن طريق المحادثات الهاتفية التليفونية العشوائية، التي يتسلَّى بها بعض الشباب في فترات فراغهم أو مللهم أو عبثهم، فتستجيب لهم بعض الفتيات، وهذا يحدث عادة من وراء الأهل، وبدون اختيار ولا تفكير، لا من الفتى ولا من الفتاة، فهو يبدأ — كما قالوا في التدخين — (دلعًا) وينتهي (وَلَعًا)، يبدأ هزلًا وينتهي جدًّا. وكثيرًا ما يؤدِّي إلى عواقب غير محمودة؛ لأنه يكون بعيدًا عن دائرة الضوء، مع طَيْش الشباب، وتحكم العواطف، وغلبة الهوى، وسيطرة الغرائز، ووسوسة الشياطين من الإنس والجن، وفي مثل هذا المناخ لا يبعد من الفتى والفتاة أن يقعا في الخطأ، وهما ليسا من الملائكة المطهَّرين، ولا الأنبياء المعصومين. وفضلًا عن هذا وذاك قد يكون الحب بين طرفَيْن غير متكافئَيْن اجتماعيًّا أو ثقافيًّا، فتحول دونهما الحوائل، وتقف العقبات والعوائق دون ارتباطهما بالزواج، وفي هذا ما فيه من حرج الصدر وشتات الأمر. وأرى أن أفضل الطرق للزواج هو ما تعارفت عليه مجتمعاتنا العربية والإسلامية قبل الغزوة الثقافية الغربية لأمتنا، وهو الاختيار الهادئ العاقل من كلا الطرفين لشريكة الحياة أو شريكها، بعد الدراسة المتَّزِنة لشخصية كل من الشابِّ والشابة، وملاءمة كل منهما للآخر، من الناحية الشخصية، ومن الناحية العائلية، وإمكانات النجاح لهذا الزواج من النواحي المزاجية والنفسية والعقلية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم وجود موانع وعقبات في طريق الزواج من جهة أحد الطرفين، أو أسرته، أو أعراف المجتمع أو قوانينه المرعية.. إلخ. وبعد هذه الدراسة المتَّزِنة المتأنِّية يدخل الخاطبُ البيتَ من بابه، ويتقدَّم إلى أهل الفتاة، ويُتاح له رؤيتها، كما تتاح لها رؤيته، وحبَّذا أن تكون الرؤية الأولى بغير علم من الفتاة، رعاية لمشاعرها، إذا رأها الخاطب فلم تعجبه، ولم تدخل قلبه. لم يُرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح: ومع هذا كله أرى أنه إذا (دخلت الفأس في الرأس) كما يقال، أي (وقع الحب) بالفعل، وتعلَّق كل من الشابِّ والشابَّة أحدهما بالآخر، وكان من نوع الحب الطاهر الشريف — الذي عرفه تراثنا الإسلامي باسم "الحب العُذْري" نسبة إلى بني عذرة — واستمر مدة طويلة، دلَّت على أنه لم يكن نزوة طارئة، أو (لعب عيال)؛ هنا ينبغي للأهل أن ينظروا في الأمر بعين البصيرة والحكمة، ولا يستبدُّوا بالرأي، ويرفضوا الخاطب بأدنى سبب، أو بلا سبب. وينبغي الإصغاء جيدًا لما أرشد إليه الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي أنه قال: "لم يُرَ للمتحابَّيْن مثلُ النكاح". يعني أن النكاح — أي الزواج — هو أنجع الوسائل لعلاج هذا التعلُّق العاطفي، الذي يصل إلى درجة (الحب) أو (العشق) بين قلبي رجل وامرأة، خلافًا لما كان يفعله بعض قبائل العرب في البادية من حرمان المحبِّ ممن يحبها، وخصوصًا إذا عُرف ذلك، أو قال المحب في محبوبته شعرًا، ولو كان حبه من الحب العذري الطاهر العفيف، كما فعل أهل ليلى مع قيس، حتى أصابه الجنون في قصتهما المشهورة — كما زعموا — ومن غزله الذي قال فيها: يا رَبُّ لا تَسلُبَنِّي حُبَّها أَبَدًا وَيَرحَمُ اللَهُ عَبدًا قالَ آمينَا ووصيتنا للأولياء أن يراعوا بصفة عامة رغبات الفتيات، ما دامت معقولة، فهذا هو الطريق السليم، وهو الطريق الذي جاء به الشرع، وما جاء الشرع إلا لمصلحة العباد في المعاش والمعاد. إن الإسلام شريعة واقعية، ولهذا رأى ضرورة تتويج الارتباط العاطفي بارتباط شرعي قانوني، تتكوَّن على أساسه أسرة مسلمة، يغذِّيها الحب، كما يغذِّيها الدين. هل وعد الفتاة لشخص ما بالزواج منه ملزم لها؟ قد تتصرف بعض الفتيات تصرُّفًا ليس فيه حكمة أو نضج، فتعد فتى بالزواج منه، وأنها ستنتظره حتى يتقدم لخطبتها، دون علم أهلها واستشاراتهم، وفى أثناء ذلك يتقدم لها بعض الخُطَّاب من الشباب الصالح، ويرى أهلها فيه الزوج المناسب لابنتهم، فهل يعتبر وعد الفتاة للشاب الأول ملزمًا لها؟ وهل تأثم إذا تركته ووافقت على الزواج ممن جاء يخطبها إذا رأت فيه مواصفات الزوج الصالح المناسب في ظل موافقة الأسرة ورضاهم؟ الذى أراه أنه ما دام تصرف الفتاة هذا بغير علم أهلها ومن دون علم أوليائها، فإن تصرفها باطل، ولا تخاف مما عقدته من عهد مع الفتى من وراء الأهل ومن وراء الأولياء، فعهدها هذا لا قيمة له، إذا لم يقره أولياؤها ولم يقره أهلها، فلا تخشى الفتاة من هذا العهد. الخِطْبة وأحكامها الخِطْبَة — بكسر الخاء — مصدر خَطَب، يقال: خطب المرأة خِطبةً وخَطْبًا، واختطبَها، إذا طلب أن يتزوَّجها، واختطب القوم فلانًا إذا دَعَوْه إلى تزويج صاحبتهم( )، ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، إذ هي في الاصطلاح: طلب الرجل التزوج بامرأة معينة خالية من الموانع الشرعية( ). وقد أجمع الفقهاء على أن المرأة الخالية من الزواج والعِدَّة وموانع النكاح تجوز خطبتها تصريحًا وتعريضًا، وهو ما سنفصله فيما يأتي: الخِطبة المحرَّمة: هناك أنواع من الخِطْبة حرَّم الإسلامُ إقدامَ من يفكر في الزواج عليها، وهي: 1 — خطبة المرأة المتزوجة: المرأة المتزوجة سواء أبنى بها زوجها أم لم يَبْنِ، لا يحل لها الزواج بآخر، ولا يحل لأحد من الناس أن يخطبها تصريحًا أو تلميحا؛ لأن الخطبة مقدمة للزواج؛ لقوله تعالى في سورة النساء عطفا على المحرمات من النساء: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}[النساء:24]. ولا تحل المرأة المتزوجة لرجل آخر إلا بأن تزول يد الزوج عنها بموت أو طلاق. 2 — خطبة المعتدة من طلاق أو وفاة: ويحرم على المسلم أن يتقدم لخطبة امرأة مُطَلَّقة أو متوفَّى عنـهـا زوجُها فـي عدتها؛ لأن وقت العدة حَرَمٌ للزوجية السابقة، فلا يجوز الاعتداء عليه، وله أن يُفهِم المرأة المتوفَّى عنها زوجها، وهي في العدة رغبته في زواجها بالتعريض والتلميح، لا بالإظهار والتصريح، كأن يقول: إني أريد التزوَّج، ولوددت أنه ييسر الله لي امرأة صالحة. أو: سيعوضك الله خيرا، أو ما شبه ذلك. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا}[البقرة:234 — 235]. أما المعتدة من الطلاق فلا تحل خطبتها تصريحًا أو تلميحًا، لقوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}[البقرة:228]. أي: في العدة( ). والعدة أمر الله بها وفاء للزوجية السابقة، وسياجًا لها، ومدة هذه العدة للمتوفَّى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر ليال، كما في قوله تعالى الذي ذكرناه قريبا: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا}[البقرة:234]. وعدة المطلقة المدخول بها ثلاثُ حيضات، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة:228]. وقيل: إنما جعلت ثلاثًا، للتأكد من ضمان براءة الرحم، خشية أن يكون قد علق به حمل من ماء الزوج السابق، فلا بد من هذا الاحتياط؛ منعًا لاختلاط الأنساب. والحق أن براءة الرحم تثبت بحيضة واحدة، لكن الأمر تعبد محض وربما يكون من علله إثبات عظيم خطر الزواج (أو الميثاق الغليظ كما سماه القرآن) ورفع قدره وإظهار شرفه، وتطويل زمان الرجعة للمطلِّق لعله يندم ويفيء فيصادف زمنًا يتمكن فيه من الرجعة، وكذا تراجع المرأة الأسباب التي وقع بسببها طلاق زوجها لها، وتحاول أن ترمم ما خرب من عاطفة زوجها تجاهها. فهذه الإطالة مقصودة شرعًا لتمكين الزوج من التفكير في أمره ومراجعة زوجته فيه كفاية، ويكفى لاستبراء الرحم حيضة واحدة، ولم نعلم بأن امرأة حاضت في عدتها الحيضة الأولى، ثم حدث أن حملت من علوق ماء الرجل بعد ذلك في العدة، وإذا حدث ذلك — فرضًا — فهو نادر، والنادر لا حكم له. وعدة التي يئست من المحيض والتي لم تحض ثلاثة أشهر لقوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ}[الطلاق:4]. 3 — خطبة الرجل على خطبة أخيه: ويحرم أن يخطب الرجل على خِطبة أخيه، إذا كانت الخطبة قد تمت وتم الاتفاق بين الطرفين؛ ذلك أن الخاطب قبله قد اكتسب حقًّا يجب أن يُصان؛ رعاية للعلاقة وحسن المودة بين الناس، وبُعدًا بالمسلم عن سلوك ينافي المروءة، ويشبه الاختطاف والعدوان. فإذا صرف الخاطبُ الأول نظرَه عن الخِطبة، أو أذِن للخاطب الثاني، فلا حرج حينئذ عليه. روى مسلم: أن رسول الله قال: "المؤمن أخو المؤمن، فلا يحلُّ للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خِطبة أخيه"( ). وروى البخاري أن رسول الله قال: "لا يخطب الرجل على خطبة الرجل، حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له" ().
3737
| 11 يونيو 2016
الزواج تمام الدين لأنه يغض البصر ويعف النفس ومتنفس الشهوة في الحلال في ظلال الأمومة والأبوة تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة بالزواج تكتمل شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً والمرأة زوجة وأمّاً الزواج يغلق كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذ إلى الحرام الكتاب : فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الحلقة : الثانية الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها يقوم تماسك المجتمع وقوته، لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). مقاصد الإسلام من الزواج بالزواج يحدث النسل، الذي يمتد به وجود الإنسان، فيطول عمره، ويتصل عمله، بذريته الصالحة من بعده، ولهذا امتن الله على عباده فقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}[النحل:72]. ولهذا دعا نبى الله زكريا ربه فقال: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ}[الأنبياء:89]. {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً}[مريم:5 — 6]. ودعا أبو الأنبياء إبراهيم ربه فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}[الصافات:100 — 101]. {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء}[إبراهيم:29]. وذكر القرآن من أوصاف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً}[الفرقان:74]. وبالنسل تنمو الأمة، ويكثر عددها، فتعمر أرضها، وتُستغَل كل طاقاتها، وتقوى على مجابهة أعدائها، ولا شك أن لكثرة العدد قيمة في ميزان القوى العالمية. ومن هنا امتن الله على قوم بالكثرة، فقال على لسان شعيب لقومه: {وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ}[الأعراف:86]، وقال صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى". وبالنسل يبقى النوع الإنساني كله، وتستمر حياته على الأرض إلى ما شاء الله من أجل معلوم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}[النساء:1]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:12]. والزواج من جهة أخرى تمام الدين للمرء المسلم، به يغض بصره، ويعف نفسه، ويجد متنفسا لشهوته في الحلال، فلا يفكر في الحرام، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم عن الزواج: "إنه أغض للبصر وأحصن للفرج". وقال: "من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتقِ الله في الشطر الباقى". والشطر: النصف. السعادة الدنيوية والزواج ليس حفظا للدين فقط، ولكنه أيضا من مقومات السعادة الدنيوية، التي لا يكرهها الإسلام، بل يحبها لأتباعه، ويوفِّرها لأبنائه، ليفرغهم لما هو أعظم، من السمو بالنفس، والاتصال بالملأ الأعلى، قال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة". وقال: "أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء". وعن سعد بن أبى وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة؛ من سعادة ابن آدم: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح. ومن شقاوة ابن آدم: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء". والزواج هو الطريق الوحيد لتكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع، وأساس بنائه، ولا يقوم مجتمع إنساني كريم، إلا إذا قامت قبله الأسرة، ففي ظلال الأمومة والأبوة، والبنوة والأخوة، تغرس المشاعر الطيبة والعواطف الخيرة من المحبة والإيثار والعطف والرحمة والتعاون. وبالزواج تنمو الصلات الاجتماعية، فيضم الإنسان عشيرة إلى عشيرته، وأسرة إلى أسرته، أولئك هم أصهاره وأخوال أولاده وخالاتهم. وبذلك تتسع دائرة الألفة والمودة، والترابط الاجتماعي، فقد جعل الله المصاهرة لُحْمة كلُحمة النسب، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً}[الفرقان:54]. وبالزواج تتاح الفرصة الملائمة التي تكتمل بها شخصية الرجل بتحمله المسؤولية زوجاً وأباً، وتكتمل شخصية المرأة بتحمل مسؤوليتها زوجة وأمّاً. إن كثيراً من الرجال يفرون من الزواج؛ لأنهم — كما قلنا — يريدون أن يعيشوا عمرهم أطفالاً كباراً، دون رباط يربطهم، أو بيت يضمهم، أو تبعة تلقى على كواهلهم. ومثل هؤلاء لا يصلحون للحياة، ولا تصلح بهم الحياة، أما الزواج فإنه رباط وميثاق غليظ، ومسؤولية مشتركة بين الرجل والمرأة من أول يوم، قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228]. {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ}[النساء:34]. احسان العمل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: فالرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها". "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت". "إن الله سائل كل راعٍ عمَّا استرعاه: حفظ أم ضيَّع". "إن لزوجك عليك حقّاً". وبالزواج يتفرَّغ الرجل لإتقان أعماله في خارج البيت، مطمئناً إلى أن في بيته من يدبِّر أمره، ويحفظ ماله، ويرعى أولاده. وفى هذا ما يُعينه على إحسان العمل وزيادة الإنتاج، بخلاف ذلك القَلِق المضطرب المشغول، الموزَّع بين عمله وبيته، وبين شغله في الخارج وهمِّ مطعمه ومشربه وملبسه في الداخل. وقديماً قال الشاعر: إذا لم تكن في منزل المرء حرَّةٌ تدبِّره، ضاعت مصالح دارهِ! المنافذ إلى الحرام والإسلام وهو يرغب أتباعه إلى الزواج، ويجعله هو السبيل الوحيد لقضاء الشهوة الجنسية، فإنه يغلق في وجوههم كل باب ويسد كل ذريعة قد تأخذهم إلى الحرام من الزنى واللواط، وغيرهما من طرق قضاء الشهوة خارج إطار الزواج الشرعي، ويضع ضوابط للتعامل بين الجنسين حتى لا تنجرف فتزل بعد ثبوتها، وتلتاث بعد طهارتها. حرمة الزنى وحرمة ما يؤدى إليه: الأديان السماوية كلها مُجمعة على تحريم الزنى ومحاربته، وآخرها الإسلام الذي شدَّد النهي عنه، والتحذير منه، لما يؤدي إليه من اختلاط الأنساب، والجناية على النسل، وانحلال الأسر، وتفكك الروابط، وانتشار الأمراض، وطغيان الشهوات، وانهيار الأخلاق، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}[الإسراء:32]. ومنهج الإسلام أنه إذا حَرَّم شيئاً سَدَّ الطرق المُوصِّلة إليه، وحَرَّم كل ما يُفضي إليه من وسائلَ ومقدمات. فما كان من شأنه أن يستثير الغرائز الهائجة، ويفتح منافذ الفتنة على الـرجـل أو المرأة، ويغري بالفاحشة أو يقرِّب منها، أو ييسر سبيلها، فإن الإسلام ينهى عنه ويحرمه؛ سدّاً للذريعة، ودرءاً للمفسدة.
3777
| 06 يونيو 2016
نظّم مركز الاستشارات العائلية ورشة عمل تدريبية بعنوان "المعادلة الصعبة يمكن تحقيقها" تناولت سبل تحقيق التوازن الأفضل بين العمل والمسؤوليات الأسرية. وتأتي هذه الورشة، التي تستمر يومين، في إطار خدمات التوعية المجتمعية التي يقدمها المركز والتي تهدف إلى رفع الوعي المجتمعي بقضايا الأسرة وأفرادها وتعزيز التماسك والاستقرار الأسري في المجتمع.. وقد استهدفت الورشة التي قدمها الاختصاصي النفسي بالمركز الأستاذ أشرف الريان عدداً من الموظفين والموظفات بعدة جهات في الدولة. واستهل المحاضر، الورشة بشرح تحليلي أوضح فيه أن الصراع بين العمل والحياة الأسرية يحدث عندما تتداخل تجارب العمل مع الحياة الأسرية، مثل ساعات العمل الطويلة أو غير المنتظمة أو غير المرنة وزيادة أعباء العمل وغير ذلك من أشكال ضغط العمل والصراعات بين الأشخاص في العمل. وأشار إلى أن الأسرة والعمل مهمان في حياة الإنسان ويشكلان عاملين أساسيين لسعادته ورفاهيته عندما يكونان منسجمان وتتحول حياة الإنسان للمتاعب إذا حصل بينهما صراع.. موضحا أنه كلما زاد الصراع بين العمل والمنزل قل الرضا الوظيفي والرضا عن الحياة بشكل عام والحياة الزوجية والأسرية بشكل خاص وزاد تفكير الإنسان بترك العمل. ونوّه بأن التقنية ووسائل الاتصال أزالت الحدود بين العمل والمنزل فأصبح مكتب الإنسان ينتقل معه إلى المنزل ويتداخل مع إعطاء الأسرة حقها من الاهتمام، مما فاقم من الصراع بين العمل والمنزل، وكذلك عدم ترتيب الوقت وإنجاز المهام في المكتب قبل التوجه للمنزل أو الذهاب في إجازة وكذلك عدم إجادة مهارة التفويض واعتمادية الأسرة على رب الأسرة؛ لقضاء جميع احتياجات المنزل وعدم تمكين الزوجة بأن تشارك بفاعلية في إدارة المنزل وتحميل الأبناء مسؤوليات يزيد من صراع العمل والمنزل. واستعرض خلال البرنامج عددا من الأساليب الهامة التي تقلل الصراع بين الأسرة والعمل، مؤكداً أن طرق التعامل مع صراع العمل المنزل جميعها تتطلب تغييراً في اتجاهاتنا وأسلوب حياتنا سواءً في العمل أو المنزل. ودعا المشاركين إلى أن يعملوا على تأسيس عادات عمل صحيحة في مؤسساتهم وذلك بتجنب الاتصال الهاتفي أو إرسال البريد الإلكتروني في غير أوقات العمل أو في الإجازات الأسبوعية أو الأعياد إلا عند الضرورة ومحاولة إنجاز العمل في المكتب قبل التوجه للمنزل قدر الامكان حتى لو مكثت وقتاً أطول فيه وتجنب عادة أخذ المعاملات إلى المنزل إلا في أضيق الحدود. كما طالب المحاضر من المشاركين وضع قائمة بالمهام التي يجب عملها ومن ضمنها المهام الأسرية وكذلك العملية وتسجيل مناسبات الأسرة وأنشطتها في الأجندة حتى تضمن عدم تعارضها مع الالتزامات العملية وعمل حدود فاصلة قدر الإمكان بين الحياة الأسرية والعملية وعدم التحدث مع الأسرة عن العمل ومشكلاته أثناء وجبة الغداء أو أوقات الراحة أو النزهة معاً. وقد اشتملت الورشة التدريبية على عدد من الأنشطة المصاحبة والتمارين العملية التي ساهمت في تفاعل المشاركين مع المحاور المطروحة.
350
| 23 مايو 2016
أعلن البنك التجاري عن إطلاق باقة "بشارة" لعملائه القطريين لتحقيق أحلامهم بإقامة حفل زفاف مميز. والجدير بالذكر أن "بشارة" هو المنتج الأول من نوعه وتم تصميمه خصيصا وحصريا لتلبية احتياجات العملاء القطريين، لتمكينهم من إعداد وإتمام حفل الزفاف الذي يرغبون فيه. ويتضمن هذا المنتج العديد من المزايا والخصومات تشمل عروضا على المجوهرات، وقاعات الأفراح، وتنسيق الزهور، وعطلات شهر العسل وغيرها، عبر عدد من شركاء البنك التجاري الذين تم اختيارهم بعناية لتلبية احتياجات العملاء الكرام. وفي تعليقه على إطلاق باقة "بشارة"، قال السيد دين بروكتر، مدير عام تنفيذي، ورئيس الخدمات المصرفية الاستهلاكية والخاصة لدى البنك التجاري: "نحن في البنك التجاري ندرك أن الزواج والاحتفال به مناسبة مهمة في المجتمع القطري، لذا قمنا بابتكار باقة "بشارة" وهي مجموعة من الخدمات المتميزة، والمصممة خصيصا لعملائنا من المواطنين المقبلين على الزواج لإقامة حفل زفاف مميز، ومشاركتهم في تحقيق أحلامهم. إن هذا المنتج الجديد من نوعه، يجسّد جهودنا المستمرة في تقديم أفضل الخدمات المهمة خاصة التي تلبي احتياجات مواطنينا الكرام".كما أضاف قائلا: "يتصدّر البنك التجاري سوق الخدمات المصرفية الشخصية عبر توفيره مجموعة متميزة من المنتجات والعروض ذات التنافسية العالية، وسنعمل على إطلاق كل ما هو جديد ومبتكر خلال عام 2016".
287
| 30 أبريل 2016
خلصت دراسة أمريكية، إلى أن فرص النجاة من مرض السرطان تكون أفضل بين المتزوجين مقارنة بغير المتزوجين وأن ذلك ليس له علاقة بالمال. ووجدت الدراسة أن الرجال العزاب هم أكثر عرضة للوفاة بالسرطان بنسبة 27%، وأن هذه النسبة تقل إلى 19%، لدى النساء غير المتزوجات. والمتزوجون عادة لديهم تأمينات صحية أفضل، ويعيشون في مناطق أرقى لكن المرضى غير المتزوجين يكون وضعهم هشا حتى بعد وضع هذه الميزات المالية في الاعتبار. وتفسر سكارليت لين جوميس، من جامعة كاليفورنيا ذلك قائلة "يبدو أن العامل الرئيسي المساهم في ذلك هو عزلة اجتماعية أقل ودعم اجتماعي أكبر الذي يحصل عليه المتزوجون". وأضافت في رسالة بالبريد الإلكتروني "وجود نظام دعم قوي قد يكون له تأثير كبير على فرص نجاة المريض بعد تشخيص إصابته بالسرطان". ودرس فريق الباحثين نحو 783 ألف مريض بالسرطان في كاليفورنيا من عام 2000 حتى 2009.
601
| 13 أبريل 2016
في مستهل مشاريع برنامج "فرحة ونماء"، نفذت مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية "راف" في 4 مدن يمنية مشروع زواج جماعي لصالح 100 شاب معاق، ومولت لكل منهم مشروعا تنمويا مدرا للدخل؛ بهدف مساعدته في الاعتماد على نفسه وتكوين مستقبله. تم تنفيذ المشروع بالتعاون مع مؤسسة جسور للحلول التنموية شريك "راف" في اليمن وبتكلفة قاربت 1.8 مليون ريال قطري (1.756.234 ريالا) من ريع أوقاف سعادة الشيخ ثاني بن عبدالله آل ثاني لأعمال البر والخير. وبرعاية فخامة رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي، أقامت مؤسسة جسور للحلول التنموية بمدينة عدن أواخر مارس الماضي حفل زواج جماعيا، حضره مسؤولو السلطة المحلية في المحافظة واشتمل الحفل على كلمة لمدير عام مؤسسة جسور، شكر فيها راعي الحفل المشير عبدربه منصور هادي وسعادة الشيخ ثاني بن عبدالله آل ثاني ومؤسسة راف على الدعم المتواصل لليمن والتنمية فيه. وقال الدكتور زيد النقيب، مدير عام المؤسسة إن الرعاية والاعتناء بذوي الإعاقات في واقع الأمر جزء من الفطرة السليمة والخيرة التي جبل عليها مجتمعنا وأمر بها إسلامنا؛ بغية تحقق الفرص كافة لهؤلاء الأفراد، التي يمكنها أن تحولهم إلى طاقات منتجة والى أفراد لا تحاصرهم إعاقاتهم في زوايا معتمة من الحياة، ولانتزاع ذلك الشعور الغائر في ذواتهم بأن عجزا ما أو قصورا في طاقة يحرمهم من فرص متاحة لإخوانهم الأسوياء. حق الزواج وأضاف د. النقيب أن الزواج والاستقرار وتكوين الأسرة يعد حقا من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة تماما كحقهم في المشاركة والعمل والتعليم وغيرها من حقوق الإنسان المشروعة؛ لتعزيز هذا الحق وتمكين هذه الفئة من ممارسة ما هو حق مشروع لها، وتمكينها من هذه الحقوق يعد مسؤولية وطنية والتزاما دينيا وأخلاقيا، ولهذا يعد مشروع فرحة ونماء من الواجب الوطني والالتزام الديني والأخلاقي تجاه فئة ذوي الاحتياجات الخاصة. وأشار إلى أن مشروع فرحة ونماء يهدف إلى دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع وإشراكهم في العملية التنموية، وإعانتهم على الزواج لتكوين حياة زوجية سعيدة ومستقرة، وتمكينهم من مشاريع إنتاجية صغيرة توفر لهم مصادر دخل ثابتة، تنقلهم من الاحتياج والاعتماد على الغير إلى الإنتاج والاعتماد على الذات. فرحة ونماء وكانت مؤسسة راف قد أطلقت برنامج " فرحة ونماء" لزواج المعاقين وتمكينهم اقتصاديا، لأن في ذلك حياة للكثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو الدور المهم الذي لابد على المجتمع القيام لدمجهم في شتى مجالات الحياة العامة والخاصة، ولا سيما منحهم حقهم في الزواج وإنشاء أسرة كريمة قادرة على الخوض في شتى مجالات الحياة. وأشارت المؤسسة إلى أن فرحة ونماء هو النموذج الحقيقي من المشاريع التي تعمل على تزويج المعاقين من خلال مساعدتهم على استكمال مشاريع زواجهم وتمكينهم اقتصاديا من خلال مشاريع انتاجية تملك لهم، يستطيعون من خلالها الخوض في مجريات الحياة واستقرارهم ماليا من خلال ما سيجنونه من إيرادات مشاريعهم، كما أنه مشروع نوعي يسهم في التقليل من العزوبية لدى الكثيرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، بل ويسهم بدرجة أساسية في عملية دمج المعاقين في المجتمع.
672
| 04 أبريل 2016
اكد محامون أن زيادة العمالة الوافدة خلال السنوات الأخيرة مع إرتفاع نسبة أعداد السكان ساهم في زيادة أعداد القضايا الجنائية والمدنية المتداولة في ساحات المحاكم وأمام القضاء. وأوضحوا أن قضايا الشيكات البنكية والمعاملات المالية والنصب الأكثر تداولا مقارنة بالقضايا الأخرى وهذا يرجع إلى قوة القوانين وسمة الأمن والامان الذي تتمتع بها البلاد. وأشار المحامين الي أن أكثر القضايا المنظورة امام محاكم الاحوال الشخصية والتي زادت بشكل كبير في الفترة الاخيرة هي الطلاق ثم يليها في الترتيب النفقة أما بالنسبة لقضايا الايجارات والنزاعات الايجارية فتصدرت قضايا الايجار من الباطن ثم قضايا عدم دفع الأجرة للمالك . ثقافات مختلفة واوضح محامون لـ"الشرق" الي أنه من واقع تعاملهم وخبرتهم الطويلة في المحاكم وحضورهم المستمر فقد تبين زيادة في تداول مثل هذه القضايا، مؤكدين أنه أمرا طبيعي نظرا لاختلاف الثقافات وطبيعة البيئة التي يحضر منها الوافدين الى البلد خاصة فئة العمالة ،بالاضافة الى ممارسة بعض الافراد من الجنسيات المختلفة عمليات النصب على الشركاء المواطنين في بعض الشركات التي يكون فيها الشريك قطري . وكشف المحامون أن قطر تعتبر الاقل مقارنة بالنسبة للدول المجاورة تسجيلا للجريمة وهذا يرجع الى يقظة رجال الأمن والقوانين الصارمة التي تسير عليها الدولة فضلا عن توفير الحياة الكريمة لكل من يعيش على ارض هذا الوطن المعطاء، ولكن مرتكبي هذه الجرائم مثل النصب او المعاملات المالية قد ترجع لعدة اسباب متعددة منها ما هو مرتبط بنشأة المتهم وبيئته التي ترعرع فيها ومنها ما هو خارج عن إرادته مثل الأزمات المالية المفاجئة التي يتعرض لها البعض وتسفر عن وقوع الشخص تحت طائلة القانون نظرا لعدم التزامه إو استيفائه بالواجبات المفترض القيام بها للطرف الأخر. زيادة القضايا وقال المحامي يوسف الزمان أن الطفرة العمرانية الكبيرة والمشاريع الاقتصادية العملاقة التي تنفذها الدولة حاليا قد ساهمت في جلب الكثير من الأيدي العاملة مما ترتب على ذلك زيادة في أعداد السكان حيث أن الغالبية العظمى من العمالة الوافدة تختلف ثقافاتهم وأفكارهم وطبيعة النشأة التي يحضرون منها وبالتالي فإن هذه الزيادة في أعداد السكان نتج عنها زيادة في معدلات جرائم الإحتيال والنصب والشيكات البنكية والمعاملات المالية وان هذه الزيادة خلال السنوات الأخيرة فقط، مشيرا الى أن معظم هؤلاء دخلهم المادي ضعيف وبالتالي يحاولون اللجوء إلى وسائل أخرى للكسب . واشار الزمان إلى ان المواطن القطري غالبا ما يكون ضحية النصب والاحتيال من العمالة الوافدة بشكل عام وذلك عن طريق شراكة المشاريع التي تتم بين المواطن والمقيم حيث يستحوذ القطري على 51 % بينما يحصل المقيم على 49 % وذلك عند تأسيس شركة أو مؤسسة وللأسف الشديد هناك الكثير من القطريين يضعون الثقة الكاملة في الشريك الأجنبي فيستغل الأخير هذه الثقة ويقوم بإدارة الشركة لحسابه الخاص والاستيلاء على اموال الشركة لمصلحته ويستغل شريكه القطري ولا يكتفي فقط بذلك بل يدفع المواطن الى الدخول في مساءلات قانونية قد تكون مدنية واخرى جنائية وهذا يتم عن طريق الشيكات البنكية التي يقوم الشريك القطري بالتوقيع عليها بينما يقوم الاجنبي بالاستيلاء على الاموال بالتلاعب والاحتيال ويقول المحامي الزمان أنه للأسف الشديد فقد زادت هذه النوعية من الجرائم والتي يرتكبها البعض كوسلية للتحايل ثم الوصول الى المكسب السريع ، أما بالنسبة لقضايا الشيكات البنكية بدون رصيد فقد زادت رغم وجود اجراءات التصالح فيها وقد تم تحديد دوائر متخصصة لسرعة الفصل في قضايا الشيكات وهذا في إطار سرعة التقاضي . جرائم القتل وفي المقابل فإن جرائم القتل التي تنظر داخل ساحات المحاكم قليلة للغاية وتكاد لا تتعدى اصابع اليد على مدار السنة على العكس من نسب ارتفاعها وتواجدها بشكل ملحوظ في الكثير من الدول العربية والمجاورة ونحمد الله تعالى على هذه النعمة، مشيرا الى اهمية الفصل بينها وبين قضايا القتل الخطأ أو الإهمال مثل حوادث الدهس حيث أن لها إجراءات مختلفة وخاصة عن قضايا القتل العمد ، أما بالنسبة لقضايا الرشوة فهي قليلة التداول داخل ساحات المحاكم الجنائية وهي لا تمثل ظاهرة خطيرة مثل بعض الدول الاخرى . وحول قضايا الطلاق والنفقة والحضانة أشار الزمان الى أنها ازدادت نسبة هذه النوعية من القضايا امام محاكم الأحوال الشخصية بالاضافة ايضا الى قضايا " التركة" وتم عمل دوائر مختصصة للفصل فيها وهذا لسرعة التقاضي والتخفيف على المتقاضين من طول الانتظار ، أما بالنسبة لقضايا الإيجارات فهي تخضع لقانون الإيجار وابرزها المتداول هو قضايا الايجار من الباطن دون موافقة المالك واخلاء المستأجر من العين المؤجرة لعدم سداد الايجار . الطلاق والنفقة ويشير محمد حسن التميمي المحامي الي إرتفاع نسبة قضايا الطلاق في المحاكم بشكل كبير وأنها لا ترتبط بسن معين أو أعمار محددة فهناك حالات طلاق بعد عام أو عامين وهناك حالات اخرى من الطلاق بعد 25 سنة زواج واثمرت عن وجود أبناء وأحفاد مشيرا الى أن هناك اسباب عديدة للطلاق منها عدم التفاهم او تدخل الاسرة الواضح في حياة الزوجين أو عدم وجود التقاء في الفكر بين الطرفين وهناك العديد من دعاوى الطلاق ولكن باسباب مختلفة موجها النصيحة بأنه يجب التروي قبل لجوء الزوجين الى ساحات المحاكم لطلب الطلاق. واشار التميمي الى أن زيادة أعداد العمالة الوافدة والتي تم جلبها للعمل في الشركات وغيرها صاحبها وجود تنوع في القضايا المنظورة امام القضاء فضلا عن وجود زيادة في نوعية البعض من القضايا موضحا ان قضايا النصب والتي يدخل في نطاقها الاحتيال والمعاملات المالية وايضا الشيكات البنكية تعتبر من اكثر القضايا تداولا في ساحات المحكمة الجنائية بينما تنخفض قضايا القتل بشكل كبير اما بالنسبة للخلافات المدنية والايجارية فتنحصر في النزاعات بين المالك والمستأجر وحول مسألة دفع الايجار وكذلك الايجار من الباطن وغيرها من قضايا الانواع الاخرى التي تندرج تحت بند الخلافات والنزاعات الايجارية المختلفة. وأكد التميمي انه رغم زيادة بعض القضايا والجرائم الا انها لا تمثل نسبة كبيرة مقارنة بنسب القضايا المتداولة امام القضاء في الدول الاخرى . واكد أن اختلاف الثقافات والتعليم وجهل العديد من العمالة الوافدة خاصة الاسيوية بالقراءة والكتابة تعد من الاسباب في ارتكاب بعض الجرائم وهذا يجب ان يصاحبه حملات توعية وارشاد مستمرة من قبل صاحب العمل للعمال وعدم تركهم ومداومة متابعتهم من خلال منظومة العمل الموجودة داخل الشركات الكبرى حيث ان هذا الامر سوف يساهم في تقليل نسبة الجرائم او الحوادث التي يرتكبها البعض من العمالة الوافدة والمنتشرة في انحاء مختلفة من الدولة خاصة المنطقة الصناعية . تزايد مستمر من ناحيته أكد حواس الشمري المحامي ان قضايا الايجارات في تزايد مستمر وهذا من واقع نسبة الدعاوي الايجارية التي تنظر امام المحاكم على العكس في الماضي، موضحا ان السبب في ذلك يرجع الى زيادة اعداد السكان والوافدين والعاملين في مجالات العقارات والايجارات من المقيمين. ولفت الشمري الى زيادة اعداد القضايا التي تتعلق بالمديونيات والمعاملات المالية امام المحاكم المختصة، مبينا ان اكثر قضايا الاحوال الشخصية تداولا هي قضايا الطلاق والنفقة والحضانة والتى اختلفت عن 5 او 10 سنوات مضت وذلك نظرا لقلة عدد السكان وقتها وانخفاض اعداد العمالة وقتها. اما الآن فقد اختلف الوضع نظرا للزيادة الطبيعية في اعداد السكان فضلا عن المشاريع الكثيرة التي تنشئها الدولة حاليا، مؤكدا على ضرورة توخي الحذر والدقة في اختيار العمالة للشركات وهذا يقع على عاتق رجال الأعمال واصحاب المؤسسات العقارية والإنشائية كما ان مراعاة الضمير من قبل الاشخاص سوف يساهم بشكل ملحوظ في انخفاض اعداد القضايا الايجارية. .
2968
| 29 مارس 2016
خيم السكون أرجاء الفيلا.. كان كل شيء في مكانه مرتباً.. أجواء الهدوء في أركانه.. صورة زفاف الضحية معلقة على الجدار، إلا من نبض يصارع الحياة.. آهات تشق الجدران.. وأرض شربت الدماء. أثار هذا المشهد شكوك ضباط التحقيق والأدلة الجنائية، فالضحية تتلوى من الألم غارقة في الدماء.. كدمات تعلو وجهها وجسمها.. أثاث الفيلا مرتب ومنسق.. كان الخيط الذي التقطه ضباط الأدلة الجنائية. في اليوم التالي، بدأ ضباط التحقيق والأدلة الجنائية يبحثون عن آثار تفسر سبب الجريمة. أخذ الضابط يرش مادة كيميائية في مسرح الجريمة، وهي مادة تستخدم لبيان آثار إخفاء الدماء أو أدلة اخرى. كانت المفاجأة.. أنّ المادة الكيميائية نتج عنها لون فسفوري يشع في كل مكان.. غرفة النوم والمطبخ والصالة والحمام، مما يشير إلى انّ القاتل أخفى الدماء بمسحها بالماء، وانه استغرق وقتاً في تنظيف البيت من الدماء، وأعاد كل شيء إلى مكانه حتى لا يرتاب فيه رجال الشرطة.. وكأنّ شيئاً لم يكن. دارت وقائع القتل العمد أمام الهيئة القضائية الموقرة، ترأسها القاضي المستشار عبد الله علي العمادي، وعضوية كل من القاضي المستشار أمير أبو العز، والقاضي المستشار محمد غانم الكبيسي، وبحضور وكيل النيابة العامة. تفيد مدونات التحقيقات بأنّ المتهم علم بوجود علاقة سابقة بين زوجته ورجل في بلدها قبل أن تأتي إلى الدوحة برفقة زوجها، وأنّ هذه العلاقة كانت كالجرح ما يلبث أن يندمل بعد مشادة كلامية ليفتح من جديد في مشادة جديدة. فقد كشفت التحقيقات أنّ القاتل في العشرين من العمر، ويعمل بشركة، أحالته النيابة الكلية إلى محكمة الجنايات بتهمة قتل زوجته عمداً، وأحدث بها إصابات أودت بحياتها، ويكون بذلك قد ارتكب الجناية المؤثمة بمقتضى المواد 1 و2 و300 و302 من قانون العقوبات. وقد أقدم الزوج على قتل زوجته بسكب ماء ساخن على جسدها، وضربها بسلك كهربائي وماسورة مكنسة كهربائية على رأسها وفي أنحاء متفرقة من جسدها، والذي تسبب في نزف كبير أودى بحياتها. أفاد ضابط الواقعة في شهادته بأنه ورده بلاغ عند العاشرة مساءً من غرفة العمليات، بوجود شبهة جنائية وحالة وفاة، وعند دخوله الفيلا كان كل شيء مرتباً، وكانت الضحية ممدة على ظهرها على الأرض وبها آثار إصابات وحروق في أنحاء متفرقة في جسدها. وأضاف أنّ رجال الإسعاف حملوا الضحية وكان قلبها ينبض ببطء، وتمّ نقلها على الفور للمستشفى لتلقي العلاج، ولكنها فارقت الحياة. وتابع الضابط شهادته: لقد عثرنا في الفيلا على بعض الملابس عليها بقع دماء، وكان القاتل قد غسل الثوب وعلقه على الحبل لكيلا ينكشف أمره، كما عثر على ماسورة حديد لمكنسة كهربائية ملطخة بالدماء. وفي رده على سؤال المحكمة بالوقت بين الجريمة وإبلاغ الشرطة، فقال: لقد وصلت دوريات الشرطة والإسعاف فور تلقي البلاغ، ولكن الآثار التي وجدناها في مسرح الجريمة تدل على انّ الجريمة وقعت قبل قرابة 6 ساعات قبل إبلاغ الشرطة، وأنّ القاتل استغرق وقتاً لترتيب وتنظيف الفيلا، وقام بغسل ملابس الضحية ليتخلص من الدماء. وفي شهادة الطبيب الشرعي أمام المحكمة، أفاد بأنه أجرى الكشف الطبي على الجثة، وتبين وجود إصابات وكدمات واسعة وحروق سلقية نتيجة سكب الماء الساخن عليها، وهناك تسلخ في العديد من مناطق جسم الضحية. وأضاف انّ تلك الكدمات تشكل ما بين 45% و50% من إجمالي جسم الضحية، فيما كان بقية الجسم يعاني من آثار الحروق، منوهاً بانّ فروة رأس الضحية كانت بها آثار إصابات رضية، ونزف دماء غزيرة، وتهتك في الأنسجة وهذا ناتج عن تكرار الضرب بآلة حادة على الرأس. ونفى مشاهدته أي اسعافات أولية متخصصة منوها بأنه شاهد آثار جرح عليه مادة القهوة، واصفاً إياه بأنه أسلوب بدائي منزلي للإسعاف، وأكد ان الأدوات المستخدمة عادة غير قاتلة إلا أن تكرار استخدامها وحجم الإصابات الواسعة، هي التي أدت الى الوفاة ونفى وجود أي تهتك في العظام. هذا وتعكف المحامية هند الصفار الوكيل القانوني للمتهم والسيد شاكر عبد السميع مستشارها القانوني على إعداد مذكرة دفاعية بحق موكلها، مشفوعة بالأدلة والأسانيد القانونية التي تعزز طلب البراءة.
3635
| 23 مارس 2016
أكد الدكتور حمود القشعان عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت والمستشار الأسري أن وجود الخلافات دليل صحة الحياة الزوجية، مبينا أن الأمان من الزوج والاحترام من الزوجة يقودان سفينة الأسرة إلى بر النجاة. وقال د. القشعان في محاضرة بعنوان "أمور تمنيت معرفتها قبل الزواج"، خلال احتفال مؤسسة "راف" بختام مشروع "إعفاف7" إنه ومن خلال دراسة أجراها على المجتمع القطري وجد أن المعدل الطبيعي لاستقرار الأسر قبل أن يحدث فيها أي اضطراب هو 8 سنوات، وليس صحيحا ما يشاع أن الطلاق في قطر يحدث منذ السنة الأولى. وأوضح أن دور "راف" في مشروع "إعفاف" هو إنجاز المهمة وليس إبراء الذمة، وأن مستشاري "راف" مستعدون للإجابة عن تساؤلات المشاركين في المشروع، وهم من خيرة المستشارين ولا تردد في حل مشاكلكم. كما أشاد بتوجه "راف" في إنشاء مركز "إعفاف" الأسري، لافتا إلى أهمية الخدمات التي يقدمها المركز للمتزوجين حديثا أو المقبلين على الزواج، داعيا أن يتوسع المشروع ليشمل الطلبة المغتربين وأن يتحول لمشروع وطني وليس تطوعيا. وأوضح القشعان أنه من خلال دراسة أجراها في قطر استمرت 7 أشهر، وجد أن كل مشاكل المتزوجين متشابهة، وتبين له أن الأسر السعيدة والمتصدعة تعيش نفس المشاكل، لكن الفرق بين الأسر السعيدة والتي تعاني من التعاسة والمشاكل، أن السعداء استطاعوا أن يحققوا أربعة أشياء: الصبر كصبر أيوب فثلثا النجاح في التغافل، وأن السعداء عندهم كرم "حاتم" لكن الكرم ليس كرم المال فقط بل كرم الوقت مع الأسرة، فالمطلوب دوما هو كرم الوقت وكرم المشاعر ولا نبخل به، وكما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- لما سألته عائشة -رضي الله عنها- عن كيف حبه لها قال "هو كالعقدة"، وأنه عليك تأمل حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- "فليسعك بيتك"، كذلك ما كشفته الدراسة أن الأسرة السعيدة كل من الرجل والمرأة لديهما الشجاعة التي هي القدرة على الاعتذار، وليست معناها إرغام الرجل أو المرأة، وأن ما هو شائع من مثل "يا تعسفها يا تعسفك خطأ محض"، ثم كن متنازلا كما قال سيدنا أبو هريرة لزوجته: إن رأيتني غضبان فرضيني وإن رأيتك غاضبة أرضيك وإلا لن تستقيم الحياة وتستوي. واستمر القشعان في بيان مراحل الزواج الأربع وهي: "التعارف في أول سنة من الزواج، والتعانف فليس ما يفرق السر هو وجود الخلاف ولكن آلية حل الخلاف فوجود الخلاف ضروري، التآلف حتى نصل لمرحلة التكاتف فكل البيوت لا تبنى على الحب فقط". وحذر القشعان من الطلاق العاطفي المبني على السكتة الكلامية "فإذا تباعدت المخدة ماتت المودة" وهذا أسوء أنواع الخصام، وعلى الأسر أن تحذر أن الأولاد هم مسامير الزواج بل التفاهم والتناغم، والأمان بين الزوجين ضرورة فأعط لزوجتك الأمان تعطك الوئام، فطبقا للدراسات أنه لو مرت 10 أيام فهذا علامة على السعادة، لكن لو مرت 6 أشهر دون وجود خلاف فهذا دليل على أن أحد الزوجين متنازل، ووجود الخلاف بين الزوجين ليس دليلا على سوء علاقة، فبعد حل الخلاف توجد السعادة، بل عدم وجود آليه لحل هذا الخلاف هو الدليل على سوء العلاقة، ولابد من وجود القناعة والوئام والوصول لمرحلة القناعة. وتطرق القشعان، فكيف يحصل الوئام الأسري مشبها إياه بدورة الحياة: الهواء وهو الحوار في ضوء الأمن النفسي، والتربة وهي المسؤولية الأسرية المبنية على الاحترام والأمان، والماء وهو العلاقة الجسدية العاطفية. وفصل القشعان في معمرات الزواج الخمس وهي تمثل لغات الحب بين الزوجين: "لغة التأكيد وتعني التعبير بالكلمات الحانية، ولغة الوقت النوعي فليكن لديكم يوم في الأسبوع يغلق فيه الهاتف يكون لبيتك، لغة الحب والهدية وأقل القليل، ولغة تحمل المسؤولية فلا يعالج الخطأ بخطأ، لغة الملامسة للمشاعر اتصل بزوجتك وعبر عن مشاعرك واتصلي بزوجك وعبري عن مشاعرك". وختم القشعان بالتحذير من المدمرات الخمس للحياة الزوجية في البيت القطري والتي تترتب على الخلاف المرفوض وهي: "التصعيد في الخلاف وارتفاع الصوت وإحضار الماضي وعند الانفعال إياك واتخاذ القرار، والتحقير من الآخر كالاستهزاء، ونقد الذوات وليس الأفعال والمقارنة بالغير، والهروب السلبي إياك والهجران خارج الفراش، وسوء الظن والتفسير السلبي بالتجسس وغيره من الأمور التي تزرع الشك والفراق". فالسعداء متكاملون متفاهمون متضافرون يتنازلون ويتناغمون، فالنصيحة أن حافظوا على حياتكم ولا يتحامل أحد على الآخر، وألا تمد يمينك يوما من الأيام على زوجتك، فخيركم خيركم لأهله.
2738
| 23 فبراير 2016
مساحة إعلانية
أعلنت وزارة البلدية عن إغلاق 3 مطاعم في يوم واحد لمخالفة قانون تنظيم الأغذية الآدمية رقم 8 لسنة 1990 بشأن تنظيم مراقبة الأغذية...
49862
| 09 نوفمبر 2025
أعلن مصرف قطر الإسلامي المصرف، رائد الصيرفة الرقمية في قطر، عن المليونير الجديد ضمن النسخة الثامنة من حساب مسك، مواصلاً التزامه بمكافأة التوفير...
8636
| 10 نوفمبر 2025
تقدم وزارة العمل العديد من الخدمات الإلكترونية للأفراد والشركات لتسهيل الإجراات وإنجاز المعاملات أونلاين بعد استيفاء الشروط المطلوبة، ومنها خدمةطلب ترخيص عمل إعارة...
8322
| 10 نوفمبر 2025
■ندرس تصميم نماذج مرنة للفئات الجامعية والوظيفية ■تكامل بين الخدمة الوطنية والدراسة أو العمل واستمرار الانضباط بعد التخرج ■الحرمان من التوظيف والتراخيص التجارية...
8166
| 09 نوفمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
توفي اليوم الأحد في العاصمة الأردنية عمان الداعية المصري والباحث في الإعجاز العلمي بالقرآن الكريم، الدكتور زغلول النجار، عن عمر ناهز 92 عاماً....
3012
| 09 نوفمبر 2025
تسلم سعادة الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج بجمهورية مصر العربية الشقيقة، نسخة من أوراق اعتماد سعادة الشيخ جاسم...
2990
| 11 نوفمبر 2025
أعلنت وزارة الرياضة والشباب عن تعيين السيد عبدالرحمن عبدالله حسن المالكي ، وكيل وزارة مساعد لشؤون الرياضة بوزارة الرياضة والشباب وفق قرار معالي...
2494
| 09 نوفمبر 2025