أعلنت هيئة الأشغال العامة أشغال عن إغلاق كلي مؤقت لشارع الكورنيش أمام القادمين من تقاطع ميناء الدوحة القديم باتجاه تقاطع شرق في كلا...
رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
الولي مأمور من جهة الثيب ومستأذن للبكر يجوز للبالغ العاقل أن يوكل غيره في تزويجه الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف: د. يوسف القرضاوي الحلقة: الثالثة عشرة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به، ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21).. فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معاً، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعِّبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم واحتفالات الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات.. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك".. "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". والزواج ـ إذ يُيَسِّر أسباب الحلال ـ يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35). مقدمات الزواج وقال الإمام الشوكاني في "نيل الأوطار": ((ظاهر الأحاديث أن البكر البالغة إذا تزوَّجت بغير إذنها لم يصح العقد. وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعِتْرة والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم)).. وقبل الشوكاني قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتاويه: ((إن استئذان البكر البالغة واجب على الأب وغيره، وإنه لا يجوز إجبارها على النكاح، وإن هذا هو الصواب، وهو رواية عن أحمد واختيار بعض أصحابه، وهو مذهب أبي حنيفة وغيره.. وقال: إن جعل البَكارة موجبة للحَجْر، مخالف لأصول الإسلام، وتعليل الحجر بذلك تعليل بوصف لا تأثير له في الشرع.. قال: والصحيح أن مناط الإجبار هو الصِّغَر، وأنِّ البِكْر البالغ لا يُجبرها أحد على النكاح؛ فإنه قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر". فقيل له: "إن البكر تستحي؟". فقال: "إذنها صمتها". وفي لفظ في الصحيح: "البكر يستأذنها أبوها". فهذا نهي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تُنكح حتى تستأذن. وهذا يتناول الأب وغيره، وقد صرَّح بذلك في الرواية الأخرى الصحيحة؛ وأن الأب نفسه يستأذنها. وأيضًا فإن الأب ليس له أن يتصرَّف في مالها إذا كانت رشيدة إلا بإذنها، وبُضْعها أعظم من مالها، فكيف يجوز أن يتصرف في بُضعها مع كراهتها ورُشدها؟.. وأيضًا: فإن الصِّغَر سببُ الحجر بالنصِّ والإجماع، وأما جعل البكارة موجبة للحجر فهذا مخالف لأصول الإسلام؛ فإن الشارع لم يجعل البكارة سببًا للحَجْر في موضع من المواضع المجمع عليها، فتعليلُ الحجر بذلك تعليلٌ بوصف لا تأثير له في الشرع. وأيضًا: فإن الذين قالوا بالإجبار اضطربوا فيما إذا عيَّنتْ كفئًا، وعيَّن الأب كفؤاً آخر: هل يؤخذ بتعيينها؟ أو بتعيين الأب؟ على وجهين في مذهب الشافعي وأحمد. فمَن جعل العِبرة بتعيينها نقض أصله، ومن جعل العِبْرة بتعيين الأب كان في قوله من الفساد والضرر والشر ما لا يخفى؛ فإنه قد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "الأيم أحق بنفسها من وليِّها، والبكر تستأذن، وإذنها صماتها". وفي رواية: "الثيب أحق بنفسها من وليها". فلما جعل الثيب أحق بنفسها؛ دل على أن البكر ليست أحق بنفسها؛ بل الولي أحق، وليس ذلك إلا للأب والجد. هذه عمدة المُجبرين، وهم تركوا العمل بنص الحديث وظاهره، وتمسَّكوا بدليل خطابه، ولم يعلموا مراد الرسول صلى الله عليه وسلم . وذلك أن قوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها". يعمُّ كل ولي، وهم يخصُّونه بالأب والجد. والثاني قوله: "والبكر تُستأذن". وهم لا يوجبون استئذانها؛ بل قالوا: هو مستحبٌّ، حتى طرد بعضهم قياسه؛ وقالوا: لما كان مستحبًّا اكتُفي فيه بالسكوت. وادعى أنه حيث يجب استئذان البكر فلا بد من النطق. وهذا قاله بعض أصحاب الشافعي وأحمد.. وهذا مخالف لإجماع المسلمين قبلهم، ولنصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه قد ثبت بالسنة الصحيحة المستفيضة واتفاق الأئمة قبل هؤلاء: أنه إذا زوَّج البكرَ أخوها أو عمُّها؛ فإنه يستأذنها، وإذنها صماتها. البكر والثيب وأما المفهوم: فالنبي صلى الله عليه وسلم فرَّق بين البكر والثيب، كما قال في الحديث الآخر: "لا تُنكح البكر حتى تُستأذن، ولا الثيب حتى تُستأمر". فذكر في هذه لفظ (الإذن)، وفي هذه لفظ (الأمر). وجعل إذن هذه الصمات، كما أن إذن تلك النطق. فهذان هما الفَرقان اللذان فرق بهما النبي صلى الله عليه وسلم بين البكر والثَّيِّب، لم يفرِّق بينهما في الإجبار وعدم الإجبار؛ وذلك لأن (البكر) لما كانت تستحِي أن تتكلم في أمر نكاحها لم تُخطب إلى نفسِها، بل تُخطب إلى وليِّها، ووليُّها يستأذنها، فتأذن له؛ لا تأمره ابتداء: بل تأذن له إذا استأذنها، وإذنها صِمَاتها. وأما الثيِّب فقد زال عنها حياء البِكْر، فتتكلم بالنكاح، فتُخطب إلى نفسها، وتأمر الوليَّ أن يزوِّجها. فهي آمِرة له، وعليه أن يُطيعها فيزوِّجها من الكفء إذا أمرته بذلك، فالولي مأمور من جهة الثيب، ومستأذن للبكر. فهذا هو الذي دل عليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم . وأما تزويجها مع كراهتها للنكاح: فهذا مخالف للأصول والعقول، والله لم يسوِّغ لوليِّها أن يُكرهها على بيع أو إجارة، إلا بإذنها، ولا على طعام أو شراب أو لباس لا تريده، فكيف يكرهها على مُباضعة (أي: جماع) من تكره مُباضعتَه، ومعاشرة من تكره معاشرتَه؟! والله قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فإذا كان لا يحصل إلا مع بُغضها له، ونفورها عنه؛ فأي مودة ورحمة في ذلك؟!)) اهـ. وقال الإمام ابن القيم في "زاد المعاد" بعد ذِكْر ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم من وجوب استئذان البكر: ((وموجِب هذا الحكم ألَّا تُجبرَ البكرُ البالغ على النكاح، ولا تزوَّج إلا برضاها، وهذا قول جمهور السلف، ومذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات عنه، وهو القول الذي ندين لله به، ولا نعتقد سواه، وهو الموافق لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره ونهيه، وقواعد شريعته ومصالح أمته..)) وأفاض في بيان ذلك رضي الله عنه. وهذا أيضًا ما أدين الله به، ولا أعتقد سواه، وإن قال من قال بخلاف ذلك. رأي الشافعية رأى الشافعية أن للأب والجد دون غيرهما من الأولياء أو الأوصياء إجبارَ البِكر البالغة الرشيدة على الزواج بغير رضاها، وسجلت كتبهم لذلك شروطًا منها: ألا يكون بينه وبينها عداوة ظاهرة، كطلاق أمِّها.. أو نحو ذلك. أن يزوِّجها من كُفْء. أن يزوِّجها بمهر مثلها. ألا يكون الزَّوْج معسِرًا بالمهر. ألا يزوِّجها بمن تتضرَّر بمعاشرته كأعمى وشيخ هَرِم.. إلخ. وفي هذه الشروط تخفيف لبعض آثار الإجبار، ولكنها لا تحُلُّ المشكلة من جذورها. ومن الإنصاف للمجتهدين أن نضع آراءهم في إطارها التاريخي، فإن المجتهد ابن بيئته وزمنه، ولا يمكن إغفال العنصر الذاتي للمجتهد. وقد عاش الإمام الشافعي في عصر، قلَّما كانت تعرف الفتاة عمَّن يتقدم لخطبتها شيئًا، إلا ما يعرفه أهلها عنه، لهذا أعطى والدَها، خاصَّة حق تزويجها، ولو بغير استئذانها؛ لكمال شفقته عليها، وافتراض نضجه وحسن رأيه في اختياره الكفء المناسب لها، وانتفاء التُّهمة في حقِّه بالنسبة لها. ومَنْ يدري؟ لعل الشافعي رضي الله عنه، ومن وافقه لو عاشوا إلى زماننا، ورأوا ما وصلت إليه الفتاة من ثقافة وعلم، وأنها أصبحت قادرة على التمييز بين الرجال الذين يتقدَّمون إليها، وأنها إذا زُوِّجت بغير رضاها تتحوَّل حياتُها الزوجية إلى جحيم؛ عليها وعلى زوجها، لعلهم لو رأوا ذلك لغيَّروا رأيهم، فقد غيَّر الشافعي رأيه في أمور كثيرة. فمن المعلوم أنه كان له مذهبان أحدهما: قديم قبل أن يرحل إلى مصر، والثاني: جديد بعد أن انتقل إلى مصر واستقر فيها، ورأى فيها ما لم يكن قد رأى، وسمع فيها ما لم يكن يسمع، وأصبح من المعروف في كتب الشافعية: قال الشافعي في القديم، وقال الشافعي في الجديد. الوكالة في النكاح اتفق الفقهاء على أنه يجوز للبالغ العاقل أن يوكل غيره في تزويجه، كما يجوز له تزويج نفسه، فكما ينعقد الزواج منه أصالة ينعقد من وكيله. واستدلوا على ذلك بحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: "أترضى أن أزوِّجَك فلانة؟". قال: نعم. وقال للمرأة: "أترضين أن أزوجك فلانًا؟". قالت: نعم. فزوَّج أحدهما صاحبه. وبحديث أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم، وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل بن حَسنة. قال الشوكاني: ((فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج، لمن يقبل عنه النكاح، وكانت أم حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم)).
6985
| 17 يونيو 2016
"فقه الأسرة وقضايا المرأة أحدث إصدارات الشيخ القرضاوي" الزواج الوسيلة التي بها بقاء النوع الإنساني ويقوى الأواصر بالمصاهرة من يريد الزواج يفتح عيني بصيرته عند اختيار من يريدها شريكة حياته السلف حذر من المرأة الحسناء في المنبت السوء النسل من الغريبة أقوى وإنجابه من أعظم مقاصد الزواج استبداد الأهل بالرأي ليس وراءه في النهاية إلا تعاسة الأبناء والبنات الكتاب: فقه الأسرة وقضايا المرأة المؤلف : الشيخ يوسف القرضاوي الحلقة: السادسة الأسرة أساس المجتمع، وهي اللبنة الأولى من لبناته، التي إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت فسد المجتمع كله، وعلى أساس قوة الأسرة وتماسكها، يقوم تماسك المجتمع وقوته؛ لذا فقد أولى الإسلام الأسرة رعايته وعنايته. وقد جعل القرآن تكوين الأسر هو سنة الله في الخلق، قال عز وجل: "وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ" (سورة النحل:72). بل جعل الله نظام الأسرة، بأن يكون لكل من الرجل والمرأة زوجٌ يأنس به ويأنس إليه، ويشعر معه بالسكن النفسي والمودة والرحمة، آية من آيات الله، قال سبحانه: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(سورة الروم:21). فالحياة الأسرية في الإسلام وعلاقة كل من الزوجين تجاه الآخر، ليست شركة مالية تقوم على المصالح المادية البحتة، بل هي حياة تعاونية يتكامل فيها الزوجان، ويتحمَّلان مسؤولية إمداد المجتمع بنسل يعيش في كنف أسرة تسودها المحبة والمودَّة، ولا يظلم أحد طرفيها الآخر، بل يدفع كل واحد منهما عن شريكه الظلم والأذى، ويحنو عليه. وفلسفة الإسلام الاجتماعية تقوم على أن الزواج بين الرجل والمرأة هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا، ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخِّره، من غلاء مهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. ويحث على اختيار الدين والخلق في اختيار كلٍّ من الزوجين: "فاظفر بذات الدين تربت يداك". "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرض وفساد عريض". وهو — إذ يُيَسِّر أسباب الحلال — يسدُّ أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرُّج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولا سيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً"، (البقرة: 19). "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، (البقرة: 228). ويجيز الطلاق عند تعذُّر الوفاق، كعملية جراحية لا بد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم، الذي أمر به الإسلام أمراً محكماً صريحاً، وإن أهمله المسلمون تطبيقاً: "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً"، (النساء: 35) حكم الزواج: الأصل في حكم الزواج عند جمهور العلماء أنه سنة مؤكدة( )، لما ذكرناه من الأدلة القرآنية والنبوية التي ترغب في الزواج وتدعو إليه، ولفعله صلى الله عليه وسلم، بل هو سنة المرسلين كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً}[الرعد:38]. ولما يترتب على الزواج من المصالح ومن الآثار الطيِّبة التي ذكرناها، من السكون والمودة والرحمة، ومن تقوية الأواصر بالمصاهرة، وقرة العين بالذرية، وتكثير عدد الأمة، وكونه الوسيلة التي بها بقاء النوع الإنساني.. إلخ. ولهذا وجه النبي صلى الله عليه وسلم نداءه إلى الشباب، فقال: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج"( ). وقال: "إني أتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني"( ). لكن قد توجد ملابسات في الشخص تنقل حكم الزواج من السنية والاستحباب إلى الوجوب أو الحرمة. الزواج الواجب: يكون الزواج واجبًا على من قدر على تكاليفه، وكان قوي الشهوة، بحيث يخاف على نفسه العنت، والسقوط في هاوية الزنى المحرم؛ لأنه طريق إلى إعفاف نفسه، وصونها عن الحرام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وأما العاجز عن أعباء الزواج، فقد قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النور:33]. الزواج المحرَّم: يكون الزواج حراما إذا كان الرجل غير قادر على أعبائه الجنسية، فيتزوج المرأة وهو عاجز عن القيام بحق الزوجية، وبهذا تتعرض المرأة للمآسي التي لا تحتاج منا إلى التوضيح، إذ التلميح إليها يغني عن التصريح. وكذلك إذا كان الرجل قادرا من الناحية الجنسية، لكنه عاجز ماديا لا يستطيع الإنفاق على المرأة وقد ينجب، فيجني على زوجته وأولاده،وهو ما لخصه الفقهاء بقولهم: العجز عن الإحصان والإنفاق. ويكون الزواج حرامًا إذا كان الرجل متزوِّجًا، ويريد أن يتزوج أخرى، ولا يثق من نفسه بالعدل، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]. قال الإمام القرطبي: ((متى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها، أو شيء من حقوقها الواجبة عليه، فلا يحل له أن يتزوجها حتى يبيِّن لها، أو يعلم من نفسه القدرة على أداء حقوقها، وكذلك لو كانت به عِلَّة تمنعه من الاستمتاع كان عليه أن يبيِّن، كيلا يغُرَّ المرأة من نفسه.. وكذلك يجب على المرأة إذا علمت من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج، أو كان بها علة تمنع الاستمتاع من جنون أو جذام أو برص أو داء في الفرج، لم يجز لها أن تَغُرَّهُ، وعليها أن تبيَّن له ما بها من ذلك). اختيار الزوجة: الزوجية علاقة قدسية، ورابطة وثيقة العُرا، دائمة الأثر، فعلى المسلم الذي يريد الزواج أن يفتح عيني بصيرته عند اختيار من يريدها شريكة حياته وربة بيته، وأم أولاده. وقد نبَّه الدين الإسلامي على جملة أوصاف في المخطوبة يُسنُّ مراعاتها قدر الإمكان، منها: أن تكون ذات دين؛ فإن دينها يمنعها من فعل ما لا ينبغي، وطلب ما ليس لها بحق، ويدفعها إلى أداء ما عليها من واجب، قال تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}[النساء:34]. وقال: "تُنكح المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". وأن تكون عاقلة حسنة الطباع، مهذَّبة الأخلاق، فحُسنُ الأخلاق دليل التديُّن الصادق وثمرته، وفي الحديث: "فخُذْ ذات الدين والخُلُق تربت يَمِينك". وفي الحديث: "تزوَّجوا الودود الولود". والودود هي التي تتحبَّبُ إلى زوجها، وذلك من حسن طبعها وعقلها، والحمقاء لا تطيب العشرة معها. أن تكون من بيت طيِّب، وأسرة فاضلة معروفة بالدين والصلاح، وشرف النفس، فإن الولد يرث الصفات العقلية والنفسية، من أمه وأهلها، كما يرث من أبيه وعصبته. ولهذا جاء في الحديث: "تخيَّروا لنطفكم فإن العرق دسَّاس". وقد حذَّر السلف من المرأة الحسناء في المنبت السوء. ويستحب أن تكون بِكْرًا، ما لم يكن له مصلحة من وراء التزوُّج بالثيِّب، كملاءمة سنها له، أو إشرافها على أولاد له، أو قلة مهرها.. أو نحو ذلك، وإلا فالبكر أفضل، وخاصة للشاب البِكْر، وفي الحديث أن النبي قال لجابر بن عبد الله: "هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك". وأن تكون ولودًا؛ لأن إنجاب النسل من أعظم مقاصد الزواج، ولهذا قال تعالى: "تزوجوا الودود الولود". ويعرف كون البكر ولودًا إذا كان نساؤها — الأم والعمة والخالة ونحوها — يعرفن بكثرة الأولاد، وهذا ما لم يكن له ولد من غيرها، وحينئذ فلا شيء عليه إذا تزوَّج عقيمًا. وأن تكون على قدر من الجمال يُرضي نفسه، ويحجزه عن التطلُّع إلى غيرها، فإن جمالها أسكن لنفسه، وأغض لبصره، وأكمل لمودَّته، وأتم لسروره بها. وفي الحديث: قيل: يا رسول الله، أيُّ النساء خير؟ قال: "التي تسرُّه إذا نظر، وتُطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره". ويُفضَّل ألَّا تكون ذات قرابة قريبة، لما في زواج البعيدة من توسيع دائرة التعارف والتآلف؛ ولأن الخلاف لا يُؤمَن، فيؤدي مع القرابة إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها، وقد قيل: إن النسل من الغريبة أقوى، وولدها أنجب. اختيار الزوج: وعلى أبي الفتاة أو وليِّها أن يختار لها من يطمئنُّ إلى دينه وخلقه وحسن عشرته، فهو جدير أن يقف معها عند حدود الله، فإن عاشرها عاشرها بمعروف، وإن فارقها فارقها بمعروف، وفي الحديث: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"( ). قال رجل للحسن: إن لي بنتًا، فمن ترى أن أزوِّجها له؟ قال: زوِّجها من يتقي الله، فإن أحبَّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلِمْها. وقال الشعبيُّ: من زوَّج ابنته من فاسق، فقد قطع رحمها. ورغَّب القرآن الأولياء في تزويج الصالحين من الرجال، دون نظر إلى الغِنَى والفَقْر، فإن صلاح المرء يبقى، أما غناه وفقره فلا يدوم ولا يبقى. قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]. إن الذي يحرص عليه الإسلام بالنسبة للزوج أو الخاطب هو: الدين والخلق — أو الصلاح كما سمته الآية الكريمة — وهما أهم مقومات الشخصية المسلمة. وأُحِبُّ هنا أن أنبِّه أولياء الأمور إلى أن يضعوا في اعتبارهم رأي الفتاة وعواطفها وميلها، وألا يستبدُّوا بالأمر دونها؛ لأن استبداد الأهل بالرأي، والصمم عن الاستماع لنبضات قلبي الفتى والفتاة، وتغليب اعتبارات الرياء الاجتماعي، والمفاخرات الجاهلية بالأنساب والأحساب، ليس وراءه في النهاية إلا تعاسة الأبناء والبنات، أو دفعهم ودفعهن إلى التمرد على التقاليد التي تجاوز أكثرها الزمن، وغدت من مخلفات عصور الانحطاط، وأصبح (نسب) عصرنا هو العلم والعمل والنجاح.
3662
| 10 يونيو 2016
مساحة إعلانية
أعلنت هيئة الأشغال العامة أشغال عن إغلاق كلي مؤقت لشارع الكورنيش أمام القادمين من تقاطع ميناء الدوحة القديم باتجاه تقاطع شرق في كلا...
22248
| 01 أكتوبر 2025
أعلنت قطر للطاقة، اليوم الثلاثاء، أسعار الوقود في دولة قطر لشهر أكتوبر المقبل 2025، حيث شهدت زيادة في أسعار الجازولين 91 ممتاز، وسعر...
8570
| 30 سبتمبر 2025
أصدرتوزارة التربية والتعليم والتعليم العالي جداول اختبارات منتصف الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2025-2026 م ، للاختبارات الشفوية والعملية للصفوف من الصف الأول...
8172
| 01 أكتوبر 2025
أصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي تعميماً إلى المدارس الحكومية، حصلت الشرق على نسخة منه، بشأن ضمان توفير جميع المستلزمات التعليمية اللازمة للطلبة...
7810
| 30 سبتمبر 2025
تابع الأخبار المحلية والعالمية من خلال تطبيقات الجوال المتاحة على متجر جوجل ومتجر آبل
- رؤيتنا تقوم على الاستثمار المستدام وتقديم منتجات عقارية متميزة بمرافق متكاملة أعلنت مجموعة إزدان القابضة المتخصصة في بيع العقار من أجل الاستثمار،...
5958
| 01 أكتوبر 2025
كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان اليوم الأربعاء، أنّ الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، خرج صباح أمس الاول الإثنين من مستشفى بضواحي العاصمة الروسية...
4630
| 01 أكتوبر 2025
أهابت وزارة الداخلية بجميع المواطنين الذين لديهم أسلحة غير مرخصة، سواء آلت إليهم عن طريق الإرث، أو الوصية، أو أي سبب آخر، وكذلك...
3226
| 01 أكتوبر 2025