رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

جمعان عبدالله السعدي

مساحة إعلانية

مقالات

114

جمعان عبدالله السعدي

هل نعيش اللحظة أم نصوّرها؟

31 أكتوبر 2025 , 12:41ص

في زمن السرعة والهاشتاقات، يبدو أننا وضعنا التوثيق أحيانًا قبل العيش.

صرنا نبحث عن الكاميرا قبل الإحساس، وعن الزاوية قبل الذكرى.

ندخل المطعم فنجهّز الجوال قبل أن نفتح المنيو، نرتّب الطبق، نلتقط اللقطة، ثم نأكل باردة… لكن المهم أن الصورة “طلعت فخمة”!

لقد فقدنا شيئًا ثمينًا: حرارة الطبق، بساطة النكهة الأولى، والانغماس التام في متعة اللحظة العابرة. حتى السفر تغيّر، لم يعد راحة أو اكتشافًا، بل جدول تصوير طويل من لحظة الإقلاع إلى لحظة العودة، كأن الرحلة صُممت لإرضاء المتابعين لا المسافرين.

ربما الأمر ليس مجرد صورة.

ربما هو بحث عن تقديرٍ خارجي، أو عن “لايك” يمنحنا شعورًا بأننا مهمّون، أو الأسوأ: خوفٌ من أننا لو لم نُوثق اللحظة، فكأنها لم تحدث أصلاً. وكأن اللحظة لا تكتمل إلا حين يصدقها الآخرون.

صحيح أن التوثيق بحد ذاته ليس خطأ — فهو يُبقي الذكريات حيّة، ويقرّب المسافات، ويحفظ لحظاتٍ جميلة للأحباب — لكن حين يتحوّل إلى هوس مزمن، يصبح سارقًا للّحظة التي نحاول تخليدها. أحيانًا نُضحّي بوقتنا من أجل مشهدٍ مثالي، نوقف السير لالتقاط “ستايل كوفي”، أو نُزعج غيرنا لنُثبت أننا عشنا لحظة جميلة — ولو كانت زائفة.

وحتى في لحظات الخطر، يغلب هاجس التوثيق أحيانًا على غريزة إنسانيتنا.

اقتراح عملي للتوثيق الواعي:

ربما الحل هو أن نخصص اللحظات الأولى لأي لقاء أو منظر نعيشه بكل حواسنا، ثم نلتقط صورة سريعة لنحتفظ بها، لا لنصمم بها واقعًا. بهذه الطريقة، نستعيد السيطرة على تجربتنا ونعيشها بالكامل.

ما أجمل أن نعيش اللحظة كما هي، دون مرشح أو فِلتر.

أن نحتفظ بها داخلنا لا في معرض الصور.

في ذلك الصمت الخالي من إشعارات الشاشة، سنشعر بالألوان أعمق، والنكهات أغنى، والمحادثات أصدق، والقلب أكثر هدوءًا، ونعيد اكتشاف متعة الحياة البسيطة مع الآخرين.  في النهاية، الصور تحفظ الذكريات، لكنها لا تمنح راحة البال. ماذا لو تركنا الهاتف في الجيب لعشر دقائق فقط في جلستنا القادمة؟

هل سنختار حقًا أن نعيش اللحظة كما هي، بدلاً من مجرد تصويرها؟

في تلك اللحظات، سنكتشف أن الحياة أقرب، أصدق، وألذ مما كنا نظن.

فهل نعيش اللحظة أم نصوّرها؟

مساحة إعلانية