رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
«الصلحُ مُرٌّ، ولكن في عواقبهِ … شِفاءُ صدرٍ وإنقاذٌ من العطبِ»
تواجه الدول التي تشهد نزاعات مسلحة، بشكل عام، تحديات كبيرة في بناء الثقة واستعادة التماسك الاجتماعي، حيث تؤدي الحروب والنزاعات، عادة، إلى تآكل الثقة وسيادة مشاعر الخوف والكراهية بين الجماعات المتصارعة داخل الوطن. ولبناء السلام المستدام لابد من إعادة بناء الثقة واستعادة التلاحم بين المكونات الاجتماعية في البلد المعني.
شهد السودان اندلاع حرب شاملة بدأت في 15 أبريل 2023 ولا تزال مستمرة حتى كتابة هذه السطور. أدت الحرب إلى مقتل أكثر من مائة ألف شخص حسب التقارير الدولية والاقليمية، وهروب ما لا يقل عن 15 مليون فرد بين نازح الى المناطق الآمنة نسبياً داخل السودان ولاجئ الى دول أخرى، وتسببت الحرب في دمار غير مسبوق للبنية التحتية، وأوقفت الإنتاج في أنحاء مختلفة من البلاد ما زاد من معدلات الفقر والجوع، وأفضت إلى انتهاكات واسعة لحقوق الانسان، وإلى أزمات إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البلاد. من الناحية السياسية، أدت الحرب إلى انقسامات واسعة في النخبة السياسية السودانية حول الموقف من الحرب، وكيفية إنهائها، وأولويات المرحلة التي تليها، كما أثرت سلباً على علاقات السودان بمحيطه الاقليمي، حيث تدهورت علاقات السودان مع بعض دول الجوار مثل كينيا، وتشاد، وإثيوبيا، بسبب مواقفها من الحرب ومساندتها، بدوافع وطرق مختلفة لمتمردي الدعم السريع.
* ومن أخطر إفرازات الحرب هذا الانقسام الحاد في المجتمع السوداني، وتصاعد وتيرة النعرات القبلية والجهوية، وتفكك النسيج الاجتماعي، وانتشار خطاب الكراهية، وتنامي الرغبة في الانتقام لدى قطاعات واسعة من الجماعات التي تعرضت للتشريد ونهب الممتلكات والانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، ولا شك أن هذه الانتهاكات الواسعة والغريبة على الشعب السوداني تجعل المصالحة أمراً بالغ الصعوبة.
هذا الوضع المأساوي أفرز عدداً من التساؤلات عن إمكانية استعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوداني بعد الانتهاكات الواسعة التي ارتكبت بحق الكثير من المكونات الاجتماعية أثناء هذه الحرب، وعن نوع الاستراتيجيات والآليات المناسبة لاستعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوداني، وإمكانية الاستفادة من التجارب الدولية والإقليمية المشابهة في تحقيق ذلك؟
*إن استعادة الثقة بين مكونات المجتمع السوداني تمثل نقطة الانطلاق لاستعادة الحياة الطبيعية وبناء السلام المستدام، ويتطلب ذلك وضع سياسات فعالة تساهم في ترميم الشروخ التي أصابت جدار الوحدة الوطنية بسبب الحرب. لقد خلّفت الحرب السودانية آثاراً سلبية عميقة الغور ما جعل من استعادة الثقة تحدياً كبيراً يتطلب جهوداً مكثفة واستراتيجيات شاملة تتضمن حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واضحة المعالم. ولعله من المفيد الوقوف على تجارب بعض الدول التي شهدت ظروفاً مشابهة وتمكنت من تخطي تلك الظروف واستعادة الثقة بين مكوناتها الاجتماعية والسياسية بهدف الاستفادة من هذه التجارب مع مراعاة خصوصية الحالة السودانية.
يمكن القول إن من أهم التجارب الأفريقية الناجحة في هذا الصدد التجربة الرواندية. شهدت رواندا في مطلع تسعينات القرن الماضي حرباً واسعة النطاق قُتِل على إثرها حوالي 800 ألف مدني، وأدت إلى فرار مليوني رواندي من البلاد. قادت الحرب الى انعدام كامل للثقة بين المكونين الرئيسيين في البلاد (الهوتو والتوتسي) وذلك بسبب خطاب الكراهية الذي سبق اندلاع الحرب، والجرائم التي ارتكبت في أثنائها.
بعد توقف الحرب في يوليو 1994م واستيلاء الجبهة الوطنية الرواندية على الحكم حرصت القيادات الوطنية الجديدة على تشكيل حكومة تتمتع بالشرعية والمصداقية. تألفت الحكومة الجديدة من تحالف ضم ممثلين للطرفين المتحاربين (الهوتو والتوتسي). حرصت الحكومة على تعزيز وحدة الشعب وتحقيق المصالحة الوطنية، ورفعت شعار «رواندا واحدة لجميع الروانديين». عملت الحكومة الجديدة على تنظيم حوار وطني شامل. توصل الحوار إلى إنشاء لجنة وطنية للوحدة والمصالحة، وإنشاء محاكم غاشاشا (Gacaca Courts)، ومجلس الحوار الوطني، وقد لعبت هذه المؤسسات دوراً كبيراً في رسم مستقبل رواندا بعد الحرب. من جانب آخر، حرصت الحكومة على النزع القسري للسلاح بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ثم القيام بإجراءات الدمج والتسريح مع إجراء مصالحات بين المتقاتلين السابقين.
* سياسياً، تم التأكيد على الحقوق المتساوية لجميع الروانديين، ومكافحة كل أوجه التمييز العرقي والثقافي والاقتصادي، ومحاصرة خطاب الكراهية، ونشر ثقافة السلام، وتعزيز القيم الرواندية التي تدعو للتماسك الاجتماعي. كما تم حظر التسميات والهويات العرقية كالتوتسي والهوتو والتُوَّا، وأنشأت الحكومة مجموعة من المؤسسات الثقافية الداعية للتضامن مثل منظمة (أنا رواندي)، وأكاديمية التأهيل الوطني وغيرها.
بالإضافة إلى ذلك تبنت الحكومة الانتقالية سياسات لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة، كما سعت إلى إصلاح النظام التعليمي لتعزيز الهوية الوطنية وإعلاء القيم الوطنية الرواندية لتشكيل جيل جديد يتجاوز المنظور القبلي والعرقي لضمان الأمن والسلام في المستقبل.
حققت رواندا بعد الحرب نجاحات غير مسبوقة في تاريخ الحروب الاهلية، حيث حرصت على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد، وتوسيع شراكاتها الدولية، كما عملت على تمكين المرأة، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية، كما وسعت من شراكاتها الدولية وعززت علاقاتها الإقليمية، وتحولت رواندا إلى واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً في إفريقيا، حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي حوالي 7-8% سنوياً. كما انخفضت معدلات الفقر، وارتفعت مستويات المعيشة، وتحولت العاصمة كيغالي إلى واحدة من أنظف المدن وأكثرها تنظيماً في القارة الأفريقية.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8715
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
6912
| 06 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2322
| 07 أكتوبر 2025