رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
جاءتنى مكالمة تليفونية من أحد القراء الشباب الصغار – وهو حفيد أحد أصدقائى – يطلب فيها زيارتى .. وفى الموعد فوجئت به يسألنى عن معنى المصطلح السياسى " الفوضى الخلاقة " .. ولأن صديقى الشاب الصغير هذا من محبى اللغة العربية وقراءة القرآن الكريم مع محاولاته الدائمة لفهم معانى الكلمات والآيات الكريمة .. ويجد فى ذلك متعة كبيرة ولذة فائقة حتى تكونت لديه حاسة تذوق معانى ما يصادفه من عبارات وجمل عربية .. ولأنه – حسبما قال – أنه يعرف أن الفوضى لابد أن تكون " هدامة " .. فكيف تكون هناك فوضى خلاقة وخاصة أن ذلك يقترن بإسم إحدى أكثر وزراء الخارجية الأمريكية السابقين شهرة وهى السيدة كونداليزا رايس .. واضاف صديقى الشاب أنه لم يستطع أن يتذوق هذا الكلام وبالتالى لم يتمكن من إستيعابه .. وطلب منى المعونة بالرأى .
وفى هذا الصدد أقول لصديقى هذا وللأحباء من القراء أنه كثيرا ما يصادفنا بعض العبارات أثناء قراءة الصحف أو الإستماع إلى وسائل الإعلام ولكننا لا نتوقف أمامها كثيرا .. إما لعدم الإهتمام أو إعتمادا على أن " الأمور سوف تفسر بعضها " حسب التعبيرات الشائعة والمنتشرة بين الشباب فى هذه الأيام .. ولكننى أكبرت هذا النهج فى هذا الصديق الصغير فى السن والذى يتمتع بهذه الصفات التى يندر أن نجدها فى الكثير من الكبار .. وبدأت فى الشرح بقدر ما أسعفتنى به الذاكرة .. فقلت لصديقى الذى جلس أمامى واضعا رأسه على كفيه وهو ينصت بإهتمام بالغ .
ولكى نعرف أصل هذه الفوضى فإننا لابد أن نعود إلى نهايات الدولة العثمانية وتزايد النشاط الصهيونى فى المنطقة بعد عزل السلطان عبد الحميد عام 1908 .. وبسبب تفشى الفساد والرشوة فى الإدارة العثمانية والذى أدى إلى الإنهيار الكامل للدولة العثمانية فى نهاية الحرب العالمية الأولى .. وكان قد سبق ذلك عقد الإتفاقية الشهيرة " سايكس بيكو " بين بريطانيا وفرنسا وبمباركة روسيا القيصرية والتى تنص على تقسيم منطقة " الهلال الخصيب " بحيث تحصل فرنسا على سوريا ولبنان والموصل من العراق وتحصل بريطانيا على باقى بلاد الشام بالإضافة إلى بغداد والبصرة .
ووجدت صديقى الشاب يسألنى عن معنى كلمة " سايكس بيكو " هذه قبل أن نستأنف الحديث .. ولقد كنت أتوقع هذا السؤال على أية حال .. فقلت له أنها مركبة من إسم الدبلوماسى الفرنسى فرانسوا بيكو والدبلوماسى البريطانى مارك سايكس .
وكان كل ما سبق من بنود الإتفاقية يجب أن يظل سرا لأن ذلك سيسير بالتوازى مع التمهيد لقيام دولة يهودية على أرض فلسطين وهو ما سنتناوله الآن ولكن بعد أن نوضح أن الله خيب رجاء أصحاب الإتفاقية أو بالأحرى مؤامرة سايكس بيكو الهدامة وذلك بقيام الثورة البلشفية فى روسيا القيصرية عام 1917 حيث تم نشر بنود المؤامرة المشئومة على الملأ .
أما عن قيام دولة الكيان الصهيونى فقد تواكب ذلك مع زيادة النشاط الصهيونى فى فلسطين بالرغم من أن عدد السكان من اليهود لم يكن يتجاوز خمسة فى المائة .. ومع هذا فقد أعطى بلفور وزير خارجية بريطانيا وعده المعروف بإسمه " وعد بلفور " بتأييد بريطانيا بإنشاء وطن قومى لليهود على أرض فلسطين .. وهو ما ينطبق عليه تماما القول المعروف ب " وعد من لا يملك لمن لا يستحق " .. وكان ذلك قبل شهر واحد من إحتلال بريطانيا لفلسطين .
ولو أننا نظرنا إلى المنطقة العربية فى تلك الفترة لوجدنا نموذج الفوضى فى كل البلاد من شرقها إلى غربها حيث تم إقتسام المنطقة الواقعة شرق المتوسط كما أسلفنا بالإضافة إلى وقوع مصر والسودان تحت الإحتلال البريطانى .. ودول المغرب العربى ( تونس والجزائر والمغرب ) تحت الإحتلال الفرنسى .. وحتى إيطاليا لم تشأ أن تقف موقف المتفرج فقامت بإحتلال ليبيا بموجب معاهدة لوزان عام 1912 .
ولعل ما سبق يفسر ما سبق أن كتبناه فى بداية هذا المقال من أن الفوضى الخلاقة بدأت قبل كوندليزا رايس بسنوات طويلة .. لقد كان التخطيط يهدف إلى تقسيم المنطقة أو بالأحرى تفتيتها حتى يسهل إبتلاعها والسيطرة عليها من كافة النواحى وخاصة الفكرية والإقتصادية .
ونتوقف هنا برهة بناء على إستفسار وتعجب من صديقى القارئ الشاب الصغير .. فقد قال أنه يفهم السيطرة الإقتصادية بنهب الموارد المالية وخاصة البترول ومشتقاته .. فماذا عن السيطرة الفكرية .. ولا أخفى عليكم إعجابى بطرح السؤال عن السيطرة الفكرية والتى تعنى التدخل فى إعادة تشكيل وجدان الشعوب المحتلة عن طريق نواح عدة مثل الأدب والموسيقى والفن بشكل عام فضلا عن فرض الأفكار والبديهيات فى العملية التعليمية وهى من أشد الأسلحة فتكا فى إعادة تشكيل وجدان الشعوب .. وهذا الأمر يستحق منا أن نفرد له مقال خاص .
ولأن الأمة العربية دائما زاخرة بأفضل العناصر البشرية المخلصة والمؤمنة بالله وقضايا الأوطان فقد جاهد الكثير من أبنائها فى سبيل تحريرها والتخلص من تلك السيطرة الإستعمارية فنجد قيام الثورة المصرية يوليو 1952 على يد نفر من أفضل رجال الجيش فى مصر يتقدمهم الضابط الشاب جمال عبد الناصر ومجموعة من الضباط الأحرار ونجحت هذه المجموعة فى إجبار ملك مصر على التنازل عن العرش كما هو معروف .. وكان أفضل ثمرات هذه الثورة هى جلاء آخر جندى بريطانى عن مصر فى 1954 .. كما نجح السودان فى نيل الإستقلال عام 1956 .. وكذلك سوريا فى أبريل 1956 .. وتبعتها لبنان فى ديسمبر من نفس العام .. ولم يتوقف المد الثورى عند هذا الحد بل إمتد إلى دول المغرب العربى لتحصل تونس والمغرب على الإستقلال فى 1956 وتعقبهما الجزائر فى 1962 .. وهنا لابد أن نسوق ما أقره المؤرخون عن دور مصر فى تفجير ثورات العالم العربى فى الخمسينيات والستينيات ضد كل هذه القوى المحتلة حتى رحلت عن الدول التى تحتلها .. فهل كان هذا نهاية المطاف ؟ كلا والله .. لقد قامت تلك القوى الآثمة بتسليح إسرائيل وتقويتها عسكريا .. وكانت نكسة 1967 التى نجم عنها إحتلال سيناء .. وجميعنا يعرف ما أعقب ذلك من إعادة تأهيل الجيش المصرى والذى كان نصر أكتوبر 1973 هى أهم ثماره وما تلا ذلك من إتفاقية السلام التى إستعادت فيها مصر كامل أرضها لتبدأبعد ذلك التفرغ لإعادة بناء الوطن .
ولكن هل كان ذلك كافيا لتتوقف تلك القوى وهذه الدول (بريطانيا وفرنسا ) عن مؤامراتهما .. والإجابة لا .. لا كبيرة .. كيف ؟
لقد عادتا – وهذه المرة بقيادة أمريكية – إلى التدخل الناعم الطويل الأمد وذلك بإنشاء كيانات إرهابية مسلحة تطلق على نفسها أسماء إسلامية مثل القاعدة وداعش وغيرها .. وهى بهذا تهدف إلى إضعاف دول المنطقة واستنزاف قواها ونشر " الفوضى " فى أرجائها .. الفوضى هنا أصبحت مسألة نسبية .. فهى من وجهة نظرهم وبالنسبة لأهدافهم وتحقيقها " فوضى خلاقة " .. تساعد على تحقيق مصالهم .. ولكنها بالنسبة لنا ليست فقط هدامة .. بل ومدمرة أيضا .
وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال حتمى .. لم تطلق هذه الجماعات الإرهابية والممولة من تلك القوى على نفسها أسماء إسلامية ؟ وستكون الإجابة بسيطة وحتمية أيضا .. وهى أنهم يسيطرون على عقول الشباب بالأفكار الناعمة الخاطئة والتى لا تهدف إلا للإساءة لصورة الإسلام أمام العالم وهو هدف عظيم بالنسبة لهم يبذلون من أجله كل غال ونفيس .
وفى هذا الصدد فإننا نسوق ما قاله الحكماء قديما " من يربى الثعابين لا يسلم من لدغها " .. وهذا القول نراه يتحقق على أرض الواقع عندما نرى التفجيرات الإرهابية فى المدن الأوروبية وتحديدا البريطانية منها والفرنسية وهم الذين قاموا بتربية الثعابين الإرهابية لإزعاج وتفتيت الدول العربية والإسلامية وإضعافها ليسهل إبتلاعها .. والأهم من كل هذا – بالنسبة لهم – هو الإساءة للدين الإسلامى نتيجة لما يرتكبه هؤلاء الذين تم غسيل أدمغتهم لتحقيق هذا الهدف .. وهكذا لم يسلم هؤلاء من لدغ الثعابين التى قاموا بتربيتها .
ونتوقف عند هذا الحد آملين أن نكون قد إستطعنا أن نلقى بعض الضوء على ما طلبه منا صديقى القارئ الشاب الصغير المثقف والذى أصبح من الواضح لدينا أن مداركه الذهنية تفوق ما يمكن أن نتوقعه ممن هم فى مثل عمره .
ونأمل أن نلتقى فى موضوع جديد ومقالنا القادم بحول الله .
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2226
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
1710
| 25 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير القذائف، يعلو صوت الإنسانية من غزة ليقول: “نحن هنا… ما زلنا نحلم”، إنها معاناة تُدوّنها الجدران المهدمة والبيوت التي غابت عنها الضحكات، لكن بقي فيها صدى الأمل. أهل غزة يواجهون الألم بالثبات، والدمار بالصبر، والفقدان بالإيمان بأن الغد سيكون أفضل. ورغم أن المعاناة تحاصرهم من كل جانب، فإنهم يرسلون أصواتهم إلى العالم ليُذكّرونا أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الظلم لا يمكن أن يخمد شعلة الحياة. إن بناء الأوطان لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعلم والمعرفة، وبالأمل الذي يُنير دروب المظلومين، فكما يقف أبناء غزة اليوم متحدّين رغم قسوة الظروف، فإن غدهم سيُصنع بالعلم الذي يفتح الأبواب، وبالأمل الذي يزرع في قلوبهم شجرة حياة جديدة. وبالأمل والعلم… تُبنى الأوطان ويُصنع غد أفضل، لتبقى غزة رمزًا للصمود، ورسالة أملٍ تتجاوز الألم. “صوت بين الركام” في أحد أزقة غزة الضيقة، جلست ليان الطفلة ذات التسعة أعوام بين أنقاض بيتها المهدّم. كانت تمسك بكتابٍ نجح والدها في إخراجه من تحت الركام، وقال لها وهو يربت على كتفها: “البيوت تُبنى من جديد يا ليان، لكن العقول لا تُهدم… والعلم هو ما سيبني غدك وغد وطنك.” نظرت ليان إلى السماء الملبّدة بالدخان، ثم ابتسمت رغم دمعة علقت بعينيها: “سأدرس يا أبي… حتى لو قرأت على ضوء شمعة، وحتى لو جلست بين الحجارة». مرّت ساعات، وكان الليل ثقيلاً، لكن صوت ليان وهي تقرأ دروسها وسط الخراب كان يعلو على صمت الدمار. سمعها الجيران وقال أحدهم: “انظروا… حتى بين الركام، يولد الأمل». وهكذا، في قلب غزة الجريحة، تعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بالأمل الذي يسكن القلوب، وبالعلم الذي يصنع الغد الأفضل. تلك قصة خيالية، أما القصة الحقيقية فهي للمعلمة إسراء أبو مصطفى فصل بديل على أنقاض بيتها • بعد أن دمّر القصف منزل المعلمة إسراء أبو مصطفى في خان يونس، قررت ألا تسمح للدمار أن يُبيد تعليم الأطفال. • قامت بتأسيس فصل دراسي مؤقت، تحت خيمة، على ركام بيتها، تجمع فيه الأطفال من الروضة إلى الصف السادس. • الطلاب يأتون ليلاً ونهارًا رغم الدمار من حولهم، ليحافظوا على روتينهم الدراسي وشعورهم بأن الحياة تستمر، وأنّ التعليم ليس رفاهية بل حقّ يجب أن يُمارَس. كلمة ختامية حين يتكسّر الحجر وتنهار الجدران، يبقى العلم هو الجدار الأخير الذي يحمي الإنسان من السقوط. في غزة، بين الركام والدخان، لا تُطفأ شمعة الأمل، ولا ينطفئ صوت المعرفة. ليان الصغيرة التي تقرأ على ضوء شمعة، والمعلمة إسراء التي حوّلت أنقاض بيتها إلى فصل دراسي، هما صورتان ناصعتان لوطنٍ ينهض رغم الجراح. إن الرسالة التي يبعثها أبناء غزة إلى العالم واضحة: قد يدمّر العدوان البيوت، لكنه لا يستطيع أن يدمّر العقول. وقد يسلبون الأرض، لكنهم لن يسلبوا الحلم. فالعلم هو السلاح الأقوى، والأمل هو الزاد الأبقى. ومع كل طفل يفتح كتابًا، وكل معلم يصرّ على التعليم، تُزرع بذرة لغدٍ أفضل، تُبنى به الأوطان وتنتصر به الحياة أخيرا.. “قد تهدم القنابل البيوت، لكنها لا تهدم العقول. في غزة، يولد الأمل من بين الركام، ويصنع العلم غدًا لا يُهزم.
837
| 23 سبتمبر 2025