رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حظي الخطاب الأول لصاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، باهتمام كبير من جميع وسائل الإعلام العربية والعالمية التي تنافست على قراءة مضمون الخطاب وتحليله وتفسيره وتأويله، وقد تقاطعت تلك القراءات في بعض الأحيان وتباينت أحيانا. غير أن أهمية الخطاب تكمن في عنصرين مهمين، أولهما أنه كان بمثابة إيذان بشروق شمس القيادة الشابة من دوحة العرب لتسطع أنوارها على العالمين العربي والإسلامي، وثانيهما أنه يبلور ملامح المرحلة المقبلة لنهج الحكم الذي اختاره أمير الشباب. صحيح أن جوهر الخطاب أكد أن الثابت والراسخ في سياسة سمو الأمير المفدى أنها ستكون امتدادا لنهج سمو الأمير الوالد، خصوصا في المبادىء والثوابت والمسلمات. لكن مع التمايز في الأسلوب والتكتيك والأدوات التي تحاكي تطلعات الشباب وروح العصر.وتتجلى هذه الروح في مضمون الخطاب الذي يستخلص منه اثنتا عشرة نقطة تغطي جميع القضايا التي تهم الداخل والخارج.
لقد اختار سمو الأمير تميم أن يبدأ خطابه بالوفاء لأمير العز مشيدا بما صنعه سموه من إنجازات رائدة بلغت حد المعجزة الحقيقية في جميع المجالات، ملخصا سمات حكم صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بأنها علامة فارقة في تاريخ قطر، شهدت ثورة متدرجة وشاملة انتهت بإنجازات عملاقة، واصفا سموه بأنه شخصية فريدة تجمع الحكمة والعاطفة وحسن التخطيط والتدبير ويحظى بمحبة شعبه وله مكانة خاصة في قلوب الجميع.
هذه المكانة اكتسبها سمو الأمير الوالد لأنه ـ كما يقول سمو الأمير تميم ـ تولى القيادة في قطر حين كانت دولة عالقة في الماضي غير قادرة على النهوض والتطور، فوضع مشروعا إصلاحيا ونموذجيا تحولت معه قطر من دولة بالكاد تعرف على الخريطة إلى دولة راسخة البنيان وفاعل رئيسي في السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة على مستوى العالم. ولذلك فإن باني دولة قطر الحديثة ورائد قطر ونهضتها غادر منصبه في خطوة غير مسبوقة وهو منتصب القامة وفي قمة عطائه.
نجاح سمو الأمير الوالد بتحقيق معجزة النهضة التي أبهرت العالم، أثارت حسد الحاسدين الذين أساؤوا لقطر وأهلها. وعلى هذا الأساس جاءت النقطة الأولى في الخطاب وهي الأولوية التي حددها سمو الأمير تميم بالحفاظ على موقع قطر الذي ارتقى من دولة تصارع على بقائها ونموها إلى دولة راسخة المكانة والبنيان. وقد أوضح سموه أن الحفاظ على مكانة قطر يقوم على مبدأ تحقيق الفائدة لأهل قطر وإفادة الآخرين مع شرط بالغ الأهمية وهو تجنب الغرور لأنه يقود إلى الأخطاء بينما التواضع الذي عرف به القطرييون هو سمة الأقوياء الواثقين من أنفسهم.
وجاءت النقطة الثانية لتكون العنوان الأبرز لعهد سموه وهو العدل والإنصاف، حيث قال سموه: إن ما يصنع الولاية الرشيدة عند الأمة هو العدل والصدق والقدوة الحسنة، مستلهما من القرآن الكريم الآية الكريمة: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
أما النقطة الثالثة فكانت إعلان سمو الأمير المفدى استجابته لنداء الواجب وعزمه على حمل الراية التي سلمه إياها سمو الأمير الوالد بكل فخر واعتزاز على رفعها عاليا تماما مثل فعل الأسلاف العظام. وهو بذلك يؤكد عزيمة على إدارة شؤون البلاد بكل مسؤولية واقتدار. وجاء برنامج عمل سمو الأمير في المرحلة المقبلة في مضمون النقطة الرابعة التي تضمنها خطاب سموه وهي رؤية قطر 2030 واستراتيجياتها الوطنية وخططها التنفيذية. وهذه الرؤية تضع مصلحة قطر وشعبها على رأس سلم الأولويات التي تشمل الإنسان والمجتمع والاقتصاد والسياسة والهوية والثقافة. قد باتت الرؤية واستراتيجياتها معلومة من الجميع خصوصا وأن العمل جار على تنفيذها وفق خطط خمسية تضمن الارتقاء بجميع مقومات الدولة إلى أعلى المستويات العالمية، وتحقيق أرفع معدلات الرفاهية والنماء والازدهار للشعب القطري.
النقطة الخامسة تناولت موضوعا التبس على البعض، ولذلك كان لابد من توضيحه، وهو أن تغير شخص الأمير في دولة قطر لايعني أن التحديات والمهام قد تغيرت لأن قطر أصبحت دولة مؤسسات، وهذا معناه أن مسؤولية كل وزارة ومؤسسة وهيئة أن تقوم بواجباتها وفقا للقانون بغض النظر عن المسؤول أو الشخص الذي يديرها. وبالتالي فإن استمرار العمل وفقا للأطر القانونية، يتطلب عملا دوؤبا لمواجهة التحديات التي تشمل الاستثمار في صناعة النفط والغاز والبنى التحتية وتنويع مصادر الدخل والاستثمار الواثق لصالح الأجيال. وقد شدّد سموه على أن التحدي الأبرز يبقى تنمية الإنسان بوصفه أغلى ثروات الوطن.
وتناولت النقطة السادسة في خطاب سموه أولوية النهوض بالاقتصاد الوطني، وبناء المرافق العامة وتطوير الخدمات، وقطاع الشباب والرياضة، وإعادة هيكلة الوزارات لتقليل الازدواجية، بحيث تكون جميع المجالات العامة تحت مسؤولية وزارات واضحة ومحددة.
وفي النقطة السابعة سلّط سمو الأمير المفدى الضوء على قضية بالغة الأهمية وهي الشفافية والجودة، حيث قال سموه: "عندما يتعلق الأمر بالتنمية البشرية لايقتصر الموضوع على مفهوم النمو كزيادة في معدل دخل الفرد بل يصبح الموضوع تحسن أدائه ونبل قيِّمه وجديته وإنتاجيته في العمل وإخلاصه لوطنه". وهكذا يرسم سموه الحد الفاصل بين النمو وبين التنمية الشاملة المستندة إلى جودة العمل والإنتاج وليس تخمة الثروة. ولذلك يوضح سموه أن الثروة دون معايير للتنمية تؤدي إلى إفساد الفرد ونشوء الشخصية الاتكالية وغير المنتجة. ويحدد سموه السبيل للوصول إلى الغاية المنشودة بتطوير الاستثمار في مجالات الصحة والتعليم والثقافة والرياضة،
مشددا على النجاح ليس بحجم الاستثمار بل بالنتائج والمخرجات. وهذا الأمر يستدعي الشفافية والتوقف باهتمام كبير عند النتائج داعيا إلى عدم التهاون إذا لم تؤت الاستثمارات النتائج المطلوبة، وذلك حتى لاتتحول الفائدة المرجوة إلى ضرر.
وحتى لايبقى هذا الموضوع البالغ الأهمية موضع تأويلات ملتبسة، فقد تحدث سمو الأمير بصراحة متناهية عن سبب عدم الحصول على النتائج المرجوة وقال: لاتتحقق النتائج المرجوة إذا حصل سوء تخطيط أو سوء إدارة أي باختصار سوء أداء ورعت تقارير غير صحيحة والتستر على أمور لايجوز التستر عليها وتحتاج إلى المعالجة الفورية.
هذا الوضوح الذي يبشرنا بعصر الشفافية والجودة أضاف عليه سمو الأمير المفدى نقطة أخرى لاتقل أهمية وهي عدم المجاملة في التعيينات، حيث قال: "لايجوز أن يعتبر أحد أن له حق أن يتعيّن في منصب أو وظيفة عمومية دون أن يقوم بواجباته تجاه المجتمع والدولة".
تقوم سياسة قطر الخارجية، على احترام قطر لالتزاماتها الإقليمية والدولية بما فيها الوعود الشفوية والعقود والمعاهدات، وقد حرص سمو الأمير على تحديد ماهو أعمق من ذلك حيث قال: نحن قوم نلتزم بمبادئنا وقيمنا، لانعيش على هامش الحياة، ولانمضي تائهين بلا وجهة ولاتابعين لأحد ننتظر منه توجيها لأنه أصبح السلوك المستقل من المسلمات في قطر التي تملك رؤية واضحة.
فقد كانت بشرى لكل المظلومين والمضطهدين في العالمين العربي والإسلامي، حيث أعلن سمو الأمير المفدى أن أبواب قطر مشرعة أمام كل مظلوم وأمام كل طالب حق، مؤكدا أنها ستبقى كعبة المضيوم، مثلما قالها مؤسس الدولة الشيخ جاسم بن محمد ورددها بعده سمو الوالد، وستبقى قطر على هذا العهد في نصرة المظلومين. وعلى هذا الأساس يأتي انحياز قطر إلى قضايا الشعوب العربية والوقوف مع تطلعاتها للعيش بحرية وكرامة بعيدا عن الفساد والاستبداد.
وفي موازاة ذلك النقطة الثامنة تكرس الانفتاح والتوازن في العلاقات الدولية والإقليمية، وذلك استنادا إلى مبدأ الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في الانفتاح على دول الشرق والغرب في أمريكا وأوروبا وآسيا وإفريقيا. مع الحرص على الحفاظ على أفضل العلاقات مع جميع الحكومات والدول.
إن ما تضمنه خطاب سمو الأمير يعتبر برنامج عمل متكامل للعهد الجديد في قطر، والذي سيكون عهدا ذهبيا ساطعا بفضل روح العصر وحيوية الشباب التي أضافها سموه على النهج العريق المستمد من رؤية سمو الأمير الوالد. وسيبقى هذا الخطاب مرجعا لكل الإعلاميين والدبلوماسيين والمهتمين بالشأن القطري.
خطاب شامل ألقاه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، في الدورة الثمانين... اقرأ المزيد
102
| 25 سبتمبر 2025
• كلنا، مواطنين ومقيمين، والعالم يدرك مكانة قطر ودورها المهم، كنا ننتظر ونترقب خطاب صاحب السمو الشيخ تميم... اقرأ المزيد
96
| 25 سبتمبر 2025
جدل ونقاش كبير على صفحات ومواقع عن الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين. بعضها إيجابي يرد ذلك إلى السابع من... اقرأ المزيد
81
| 25 سبتمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2172
| 22 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير القذائف، يعلو صوت الإنسانية من غزة ليقول: “نحن هنا… ما زلنا نحلم”، إنها معاناة تُدوّنها الجدران المهدمة والبيوت التي غابت عنها الضحكات، لكن بقي فيها صدى الأمل. أهل غزة يواجهون الألم بالثبات، والدمار بالصبر، والفقدان بالإيمان بأن الغد سيكون أفضل. ورغم أن المعاناة تحاصرهم من كل جانب، فإنهم يرسلون أصواتهم إلى العالم ليُذكّرونا أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الظلم لا يمكن أن يخمد شعلة الحياة. إن بناء الأوطان لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعلم والمعرفة، وبالأمل الذي يُنير دروب المظلومين، فكما يقف أبناء غزة اليوم متحدّين رغم قسوة الظروف، فإن غدهم سيُصنع بالعلم الذي يفتح الأبواب، وبالأمل الذي يزرع في قلوبهم شجرة حياة جديدة. وبالأمل والعلم… تُبنى الأوطان ويُصنع غد أفضل، لتبقى غزة رمزًا للصمود، ورسالة أملٍ تتجاوز الألم. “صوت بين الركام” في أحد أزقة غزة الضيقة، جلست ليان الطفلة ذات التسعة أعوام بين أنقاض بيتها المهدّم. كانت تمسك بكتابٍ نجح والدها في إخراجه من تحت الركام، وقال لها وهو يربت على كتفها: “البيوت تُبنى من جديد يا ليان، لكن العقول لا تُهدم… والعلم هو ما سيبني غدك وغد وطنك.” نظرت ليان إلى السماء الملبّدة بالدخان، ثم ابتسمت رغم دمعة علقت بعينيها: “سأدرس يا أبي… حتى لو قرأت على ضوء شمعة، وحتى لو جلست بين الحجارة». مرّت ساعات، وكان الليل ثقيلاً، لكن صوت ليان وهي تقرأ دروسها وسط الخراب كان يعلو على صمت الدمار. سمعها الجيران وقال أحدهم: “انظروا… حتى بين الركام، يولد الأمل». وهكذا، في قلب غزة الجريحة، تعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بالأمل الذي يسكن القلوب، وبالعلم الذي يصنع الغد الأفضل. تلك قصة خيالية، أما القصة الحقيقية فهي للمعلمة إسراء أبو مصطفى فصل بديل على أنقاض بيتها • بعد أن دمّر القصف منزل المعلمة إسراء أبو مصطفى في خان يونس، قررت ألا تسمح للدمار أن يُبيد تعليم الأطفال. • قامت بتأسيس فصل دراسي مؤقت، تحت خيمة، على ركام بيتها، تجمع فيه الأطفال من الروضة إلى الصف السادس. • الطلاب يأتون ليلاً ونهارًا رغم الدمار من حولهم، ليحافظوا على روتينهم الدراسي وشعورهم بأن الحياة تستمر، وأنّ التعليم ليس رفاهية بل حقّ يجب أن يُمارَس. كلمة ختامية حين يتكسّر الحجر وتنهار الجدران، يبقى العلم هو الجدار الأخير الذي يحمي الإنسان من السقوط. في غزة، بين الركام والدخان، لا تُطفأ شمعة الأمل، ولا ينطفئ صوت المعرفة. ليان الصغيرة التي تقرأ على ضوء شمعة، والمعلمة إسراء التي حوّلت أنقاض بيتها إلى فصل دراسي، هما صورتان ناصعتان لوطنٍ ينهض رغم الجراح. إن الرسالة التي يبعثها أبناء غزة إلى العالم واضحة: قد يدمّر العدوان البيوت، لكنه لا يستطيع أن يدمّر العقول. وقد يسلبون الأرض، لكنهم لن يسلبوا الحلم. فالعلم هو السلاح الأقوى، والأمل هو الزاد الأبقى. ومع كل طفل يفتح كتابًا، وكل معلم يصرّ على التعليم، تُزرع بذرة لغدٍ أفضل، تُبنى به الأوطان وتنتصر به الحياة أخيرا.. “قد تهدم القنابل البيوت، لكنها لا تهدم العقول. في غزة، يولد الأمل من بين الركام، ويصنع العلم غدًا لا يُهزم.
786
| 23 سبتمبر 2025
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، تأسست الجمهورية التركية على يد جنود سابقين. ومع ذلك، كان مصطفى كمال أتاتورك يرفض تدخل الجيش في السياسة، وطالب الضباط الراغبين في ممارسة السياسة بخلع زيهم العسكري. ورغم ذلك، تم تنفيذ سياسات التحديث الغربية ضمن النظام الأحادي الحزبية العلماني الذي أنشأه أتاتورك، بمساندة الجيش. بعد الحرب العالمية الثانية، في أول انتخابات عام 1945، فاز حزب الشعب الجمهوري (CHP) الذي أسسه أتاتورك بالانتخابات بطريقة مشكوك فيها، لكن في انتخابات عام 1950، حقق حزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس فوزًا كبيرًا تحت شعار «يكفي، الكلمة للشعب»، وتولى السلطة. ومن جهته، أتاح الحزب حرية التعليم الديني وعودة الأذان باللغة العربية، مع التركيز على تعزيز الديمقراطية والتواصل مع المواطنين. وبدأت تركيا، التي كانت تعاني تحت حكم الحزب الواحد، تشهد تحسنًا اقتصاديًا وسياسيًا وراحة نسبيّة لشعبها. أجرت حكومة مندريس إصلاحات اقتصادية مهمة، إذ ركزت على إدخال الميكنة في الزراعة لزيادة الإنتاج، وبدأت خطوات واضحة نحو التصنيع. كما أولت اهتمامًا بتشييد الطرق، وتوسعة الموانئ، وبناء السدود، مما أسهم في تعزيز البنية التحتية ودفع عجلة التنمية. وفي المدن، توفرت فرص عمل جديدة، وتحسنت خدمات الصحة والتعليم، وهو ما ساعد على تشجيع الهجرة من القرى إلى المراكز الحضرية. أصبح مندريس أكثر انفتاحًا في سياسته الخارجية، فعمل في ظل أجواء الحرب الباردة على توطيد علاقاته بالولايات المتحدة والغرب لمواجهة الخطر السوفييتي، وأرسل قوات تركية للمشاركة في الحرب الكورية من أجل تمهيد الطريق لانضمام بلاده إلى حلف الناتو. وفي الوقت ذاته سعى لتعزيز الروابط مع الدول الإسلامية، فقام بزيارات إلى لبنان والأردن والعراق وليبيا. كما ساهم بشكل فعال في تأسيس حلف بغداد لتقوية علاقات تركيا بدول المنطقة ودعم الاستقرار الإقليمي. وإلى جانب ذلك، دعم كفاح الجزائر من أجل الاستقلال عبر إرسال أسلحة سرية عن طريق ليبيا. واصل عدنان مندريس تحقيق الانتصارات في الانتخابات المتعاقبة، الأمر الذي أثار قلق النخب الأيديولوجية الموالية للغرب بشأن مستقبل النظام ومصالحهم السياسية. ومع إدراك حزب الشعب الجمهوري والجيش استحالة الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لجأوا بدعم من الغرب إلى تنفيذ انقلاب عسكري أطاح بحكم مندريس. وقد شكّل انقلاب 27 مايو 1960 محطة فارقة في التاريخ السياسي للجمهورية التركية، حيث ترك بصمات عميقة على مستقبلها السياسي والاقتصادي، وأرسى نظام الوصاية العسكرية الذي مهد لتدخل الجيش في الحياة السياسية بشكل دوري كل عقد تقريبًا. في أكتوبر 1961، جرى إعدام مندريس واثنين من وزرائه بعد محاكمة صورية، مما ترك أثرًا عميقًا في الحياة السياسية. ورغم عودة البلاد لاحقًا إلى المسار الديمقراطي، فإن مؤسسات الوصاية والنخب الأيديولوجية المعيّنة حافظت على موقع متفوق فوق الإرادة الشعبية والقيادات المنتخبة. وعلى الرغم من أن دستور 1961 تضمّن نصوصًا ذات طابع ليبرالي، إلا أنه كان خاضعًا للوصاية، ومنع قيام حكومة مدنية قوية. وقد زرع انقلاب 1960 خوف الإعدام في نفوس القادة المدنيين، وهو ما جعل شخصيات سياسية مثل سليمان دميريل ونجم الدين أربكان تعيش حالة دائمة من القلق. وفي هذا المناخ، برزت حكومات ائتلافية ضعيفة لم تتمكن من فرض إرادتها ولا من معالجة مشكلات المواطنين. بعد عام 1960، سعت الحكومات المنتخبة إلى التقدّم من خلال تبني اقتصاد مُخطط. وقد تعزّز دور الدولة في الإنتاج والتوظيف عبر المؤسسات الاقتصادية، غير أن هذا النموذج لم يحقق نجاحًا كبيرًا بسبب ضعف الإنتاجية وانعدام القدرة على المنافسة. وبما أن القطاع الخاص كان ضعيفًا جدًا، تأخر الانتقال إلى اقتصاد السوق الحرة وبالتالي إلى التصنيع. ومع حلول سبعينيات القرن الماضي، ظهرت بوضوح مشكلات البطالة المتزايدة وتفاقم الديون الخارجية، وهو ما شكّل دليلاً على الآثار السلبية طويلة المدى التي تركها انقلاب 1960 على الاقتصاد. منذ انقلاب عام 1960، تحول الجيش إلى لاعب أساسي في رسم ملامح الحياة السياسية في تركيا، حيث احتكر توجيه السياسات ومنع المدنيين من التأثير في تحديد أولويات الأمن والسياسة الخارجية حتى وصول أردوغان. كما استندت المؤسسة العسكرية إلى ذريعة الإرهاب والتهديدات الخارجية لتكريس وصايتها، وضمان استحواذها على النصيب الأكبر من ميزانية الدولة. وقد حاولت القوات المسلحة عرقلة صعود أردوغان في عامي 2007 و2016 عبر تدخلات عسكرية، غير أنه استطاع، بفضل الدعم الشعبي المرتكز على مشروع الديمقراطية والتنمية، أن يضع حدًا نهائيًا لهيمنة الجيش على السياسة.
729
| 22 سبتمبر 2025