رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
(1)
ينطلق العالم أجمع في سباق الألفية الجديدة بشكل صاروخي - ونحن في بدايات عقدها الثالث - نحو العلم والمعرفة، وإذابة الحواجز، والاستثمار الأمثل للموارد المتاحة، وفي أثناء هذا الانطلاق المتسارع قد تندثر هُويات متعددة، وتتشكَّل هُويات جديدة أقل ارتباطاً بأصولها لتتماهى (أو على الأقل تتماشى) والواقعَ الـمَعيش في زمان "الانفجار الحضاري العظيم".
والتغيير سُنَّة كونية خلق عليها الله تعالى الخلق، ووقفنا على كثير من ملامحها من خلال دراسة التاريخ البشري وما مر به من مراحل ازدهار وانحدار، ولعلنا نعيش في هذه الألفية أرقى مراحل الحضارة الإنسانية بما توصل إليه العلم والتكنولوجيا من إنجازات باهرة تكاد لا تُتصوَّر قبل عشر سنين مضت.
وهذه السُنَّة التغييرية قد تجعل البعض يتصور أن العالم أجمع ينبغي أن يذوب في هذه البوتقة الحضارية الضخمة، إلا أننا - عرباً ومسلمين - لدينا هُوية خاصة تبلورت عبر تعاليم ديننا الحنيف، وصُقلت على يد سيد البشرية ونبيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ فالعنصر الذي شكَّل هُويتنا وحاطها في آنٍ معاً، بعد الدين الإسلامي وأخلاقه السمحة، هو لغتنا العربية التي جمعت ملايين البشر على هذه البسيطة، وحظيت بحفاوة ربانية حين اختارها الله لتكون لغة كتابه العزيز الذي أنزله نوراً وهدى للعالَمين، بل للكون جميعاً.
ومن المتخيل أن تضعف اللغة العربية وغيرها من اللغات بناءً على ما أسلفنا من القول باندماج الحضارة العالمية وتماهي عناصرها المتمايزة في بعضها، تماهياً إيجابياً متوازناً، لا انسحاقاً كتبعية المغلوب للغالب. ولكننا، بالرغم من التسليم العام بهذه الفكرة (على ما يوجَّه إليها من نقد، بل و"نقضٍ" أحياناً!)، ندرك تماما أن لغتنا العربية محفوفة بعناية إلهية حيث نزل الذكر الحكيم (كما سبقت الإشارة) بها دون سواها، فقد قال تعالى: "إنا نحن نَـزَّلنا الذكر، وإنا له لحافظون" (الـحِجْـر: 9).
(2)
وقد أسهمت عناصر عديدة في إضعاف اللغة العربية، اهتم برصدها وتحليلها الباحثون في حقول اللغة والمهتمون بالسياقات الثقافية عامةً.. ونكتفي هنا ببعضها فقط؛ رعايةً للاختصار وطلباً للتركيز.
- قلة الجهود المبذولة لتطوير مناهج علوم اللغة العربية وآدابها في المدارس والجامعات بشكل عصري مواكب للتقنيات الحديثة.
- ضعف الإعداد للأَطْـقُم التدريسية القائمة على تدريس اللغة العربية، وانعدام دافعية التعلم التطويري الذاتي عند الكثير من المعلمين بسبب كثرة المهام وازدحام الوقت.
- السياسة التعليمية الخاصة في بعض المدارس ثنائية اللغة، التي تقلل من النصاب العام لتدريس اللغة العربية في الجدول الأسبوعي لحساب بقية المواد الدراسية.
- مبالغة بعض المؤسسات وجهات العمل في اشتراط إتقان اللغة الانجليزية للحصول على وظيفة عادية في المجتمعات العربية.
- بعض الأسر تعتني بتعليم الطفل اللغة الإنجليزية لغةً أولى؛ استجابة لاحتياجات سوق العمل، أكثر من العناية باللغة الأم؛ مما يضعف اللغة العربية في قاموس الطفل، حتى على مستوى الخطاب اليومي، بل وحتى على مستوى اللهجة العربية الدارجة في بعض الحالات! ولا مفرَّ من أن هذا الضعف سينسحب على أسرته المستقبلية، فتكبر "كرة الثلج" بتكرار هذه النماذج الأسرية.
- والبعض الآخر من الأسر يمارس التقليد الحضاري (أو بالأحرى: اللاحضاري!) دون وعي، معتبراً أن اللغة الإنجليزية هي لغة الوجاهة المجتمعية، فيحرص على تغذية هذه الفكرة "الاستتباعية" في محيطه ومحيط أبنائه.
والباحث في أسباب ضعف اللغة العربية قد يجد عشرات من الأسباب الظاهرة أو الكامنة، وهي تختلف (في جذورها وأبعادها وتجلياتها ونِسَبها) من مجتمع لآخر، ومن "شريحة" اجتماعية وأخرى، ولكن ما يعنينا في هذه المقالة المركزة هو سؤال العلاج والنهوض: كيف نحفظ تراثنا، المتمثل في لغتنا وهُويتنا، وننقذه من هاوية التدهور والضعف؟، وكيف ننهض من هذه الكبوة الحضارية؟.
(3)
موجز الحل، من وجهة نظري، انطلاقاً من اهتمامي القديم/ المتجدد باللغة العربية، يتمحور في مبادئ ثلاثة: الالتزام، والإلزام، والاستدامة، وقبل بسط رؤيتي ثلاثية الأبعاد هذه بشيء من التفصيل، أحدد أولًا بإيجاز وبأسهل العبارات المعنى الاصطلاحي لهذه المبادئ الثلاثة.
- الالتزام: هو تفاعل الذات الحر مع القضية أو الحدث، وتبنيهما (أو أحدِهما) عن قناعة وإرادة، وإن خالفا (أو أحدُهما) ميولَ الشخص ورغباته.
- الإلزام: هو فعل قوة خارجية عن الذات، كالسلطة الحاكمة أو التنفيذية أو التشريعية والقضائية، التي لها حق الأمر والنهي، أو التطبيق، أو المراقبة والمحاسبة.
- الاستدامة: هي الحفاظ على الاستمرارية والحياة اعتماداً على حُسن استثمار الموارد وتنميتها وتوسيعها.
أما سؤال: كيف نطبق هذه المبادئ في مجال الحفاظ على لغتنا العربية الأصيلة؟؛ فسأصوغ، بإيجاز وتكثيف أيضاً، جوابه في عدة نقاط في كل مجال على حدة.
(4)
1- الالتزام: يمكن تنمية التزام الأفراد بقضية العربية من خلال:
- التربية الوالِدية: حيث تكون العناية منذ البدء بتعزيز قيمة اللغة العربية في الأسرة، بوصفها حاضنةً للهُوية والقيم التربوية، فمثلاً يمكن أن يخصص الوالدان أوقاتاً أسرية دافئة للتحدث مع أطفالهم باللغة العربية الميسَّرة، أو قراءةِ قصص بالعربية قبل النوم، مع الحرص على مخاطبة الأطفال باللغة العربية عند تعليمهم تسمية الأشياء والأفعال بأسمائها، والتدرجِ عبر مراحل نمو الأطفال، وإدخالِ قصص التراث الإسلامي وقصص الأنبياء بصوغها العصري (والإنتاج الحديث في هذا المجال كثير ومتنوع)، وتشجيعِ الأطفال على عادة القراءة عموماً، وتعزيزِ إنجازهم وتثمينه بالتشجيع والمكافأة باستمرار، مع جعلِ هذا كله نمطاً حياتياً حياً وجذاباً بقدر الإمكان، وليس مجرد عمل يؤدى من غير روح!.
- من الممكن تنمية الالتزام كذلك عند الأسر بصورة جماعية/ اجتماعية.. حين تبادر الأسرة لدعوة بقية الأسر في الحي الواحد، أو الأسر التي ترتبط في علاقة قرابة أو زمالة لممارسة أنشطة أسبوعية كالمسابقات والفعاليات الـمَصوغة لتعزيز اللغة العربية، مع الحرص على تنوع هذه المسابقات والأنشطة بما يثري حياة الأطفال وينمي قدراتهم مع إمتاعهم وإسعادهم.
- التزام المعلمين الواعي بتشجيع استخدام العربية في الصفوف وخارجها، والتزامهم بتطوير وسائلهم التدريسية؛ لجذب الطلاب لمحتوى الدروس العربية، وخلق منافسة شيقة بين حصص اللغة العربية وغيرها من حصص اللغات الأخرى.
هذا.. مع العلم أن دائرة الالتزام دائرة "لولبية"، قابلة للتمدد والنمو،
ويظل بالإمكان إيجاد العديد من الأفكار التي تطبق على مستويات فئات المجتمع كافة، ولكننا نكتفي هنا بالأمثلة التي سقناها في هذا المجال.
(5)
2- الإلزام: يختص هذا العنصر، كما سبق، بالسلطة العليا في كل مجتمع.. حاكمةً، أو تنفيذيةً، أو تشريعيةً وقضائيةً، وبالإمكان تحقيق هذا المبدأ من خلال ما يلي:
- تبني الدولة، بوصفها سلطةً عليا، قضيةَ حماية اللغة العربية (إرثاً حضارياً، ووعاءً حاملاً وحافظاً للهُوية)، وسنَّ القوانين والتشريعات الملزمة لجميع الجهات بجعل اللغة العربية تحظى بمكانتها اللازمة، ومن الجدير بالذكر أن دولتنا الفتية قطر قامت بجهود رائدة في مجال سن قوانين حماية اللغة العربية، وجعلها اللغة الأولى في المخاطبات الرسمية والاجتماعات والمكاتبات في جميع الوزارات والهيئات والدوائر الحكومية.
- ومن مظاهر الإلزام التي ترجمت على أرض الواقع ما نجده من حرص على استخدام اللغة العربية في وسائل الإعلام المختلفة في دولة قطر، وما نرصده من برامج مرئية ومسموعة ومكتوبة مصممة بهدف رفع الوعي المجتمعي بقضية الهوية العربية المتمثلة في سلامة اللغة العربية.
- صناعة المناهج: لابد أن تنال هذه المسألة عناية القائمين على التعليم في كل مجتمع، ولابد من استثمار جانب من الموازنات المالية التي تخصصها الدولة لبندي التعليم والصحة، من أجل تطوير مناهج اللغة العربية، مع الاستفادة من الخبرات الدولية والمحلية، ودمج التكنولوجيا الحديثة بشكل تطبيقي لإحياء دروس العربية وجعلها مواكبة لروح العصر واحتياجاته، جاذبة للطلاب، وقريبة من حياتهم وخبراتهم اليومية، والمتتبع لجهود الدولة في مجال الإلزام سيجد نماذج أخرى عديدة تدل عليه واضح الدلالة.
(6)
3- الاستدامة: وهذا المبدأ الثالث مرتبط بسابقيه، ارتباطَ الصفة بالموصوف، وما فصَلناه إلا لتسهيل الطرح وفرز عناصره، والاستدامة تتأتى من خلال الآتي:
- الوعي التام من جميع أصحاب الشأن المهتمين باللغة العربية، هُويةً وطنيةً جامعةً، بأن قضية اللغة العربية ليست مجرد شعارات اجتهادية ترفع لمجرد إثبات أننا نعمل، بل لابد من أن يصاحبها إيمان حقيقي ويقيني بأهمية هذه الجهود، واعتبارها مصيرية في حفظ تراثنا لأبنائنا، وتجنيبهم ضياع الـهُوية مستقبلاً حين تزداد التيارات العالمية تماوجاً نحو "الامتزاج الشامل" على نحو ما يرى بعض المراقبين والمنظِّرين.
- لابد من إدراك أن هذه الجهود الحامية للغة العربية والـهُوية الوطنية لا سقف زمنياً لها، فلابد من استمراريتها وتغذيتها وعدم استعجال أثرها المجتمعي، فإن آثارها الإيجابية الواضحة ربما لا تظهر إلا في المدى البعيد، ومن الخطورة أن تتراجع أو تضعف، فضلاً عن أن تقف أثناء طريق العلاج والتأسيس.. وهو طريق طويل.
- لابد من تنويع مصادر دعم العربية؛ فبالإضافة للقوانين الملزمة، والبرامج الرسمية المعتمدة، والمناهج الدراسية، نحتاج إلى فعاليات واسعة، ومكررة، وجاذبة، وعصرية، موجهةً لجميع فئات المجتمع (كالتي تقدمها "مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع").
- تفعيل الترجمة الفورية باللغة العربية لجميع المؤتمرات والدورات وحلقات العمل "الوِرش" والبرامج التدريبية المقدمة بلغات أجنبية، وجعلها متاحة أمام المتلقين والمهتمين؛ لتحقيق الاستفادة الكبرى من النتاج الإنساني في شتى القطاعات.
- التركيز على التجارب العملية الناجحة وتعميمها؛ ليستفيد منها أكبر قدر ممكن من شرائح المجتمع.
- وأخيراً.. لابد من تنفيذٍ أمثلَ لرؤية قطر المتعلقة بدعم اللغة العربية وربطها بالـهُوية الوطنية، يشترك فيه خبراءُ ومختصون يحللون الواقع المجتمعي للغة العربية، ويقيِّمون أهم الجهود المقدمة من جميع القطاعات، ثم يقدمون "إستراتيجية" شاملة تضطلع بتعزيز هذه الجهود والاستفادة منها على نطاق واسع؛ لدمج المتشابه وتقويته اختزالاً للكُلفة والوقت، وتأميناً للجهود من الضياع والتلاشي، وتلافياً للتكرار وعدم الاتساق.
القمة السعودية - الأمريكية تعزز الدور الخليجي بقيادة المنطقة
برغم أن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي ليس رئيس دولة - ولكن حرص الرئيس... اقرأ المزيد
81
| 23 نوفمبر 2025
مــا كـان ومـا هو الآن فـي غزة
اقرأوا معي هذا الخبر: «ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023 إلى... اقرأ المزيد
66
| 23 نوفمبر 2025
الصراع يبدأ
قرار مجلس الأمن أوقف اطلاق النار وأوقف حرب الابادة وأوقف التهجير القسري وأوقف القتل اليومي وفتح المسار لحل... اقرأ المزيد
81
| 23 نوفمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
12423
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
في قلب الإيمان، ينشأ صبر عميق يواجه به المؤمن أذى الناس، ليس كضعفٍ أو استسلام، بل كقوة روحية ولحمة أخلاقية. من منظور قرآني، الصبر على أذى الخلق هو تجلٍّ من مفهوم الصبر الأوسع (الصبر على الابتلاءات والطاعة)، لكنه هنا يختصّ بالصبر في مواجهة الناس — سواء بالكلام المؤذي أو المعاملة الجارحة. يحثّنا القرآن على هذا النوع من الصبر في آيات سامية؛ يقول الله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ (المزمل: 10). هذا الهجر «الجميل» يعني الانسحاب بكرامة، دون جدال أو صراع، بل بهدوء وثقة. كما يذكر القرآن صفات من هم من أهل التقوى: ﴿… وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ … وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ (آل عمران: 134). إن كظم الغيظ والعفو عن الناس ليس تهاونًا، بل خلق كريم يدل على الاتزان النفسي ومستوى رفيع من الإيمان. وقد أبرز العلماء أن هذا الصبر يُعدُّ من أرقى الفضائل. يقول البعض إن كظم الغيظ يعكس عظمة النفس، فالشخص الذي يمسك غضبه رغم القدرة على الردّ، يظهر عزمًا راسخًا وإخلاصًا في عبادته لله. كما أن العفو والكظم معًا يؤدّيان إلى بناء السلم الاجتماعي، ويطفئان نيران الخصام، ويمنحان ساحة العلاقات الإنسانية سلامًا. من السنة النبوية، ورد عن النبي ﷺ أن من كظم غيظه وهو قادر على الانتقام، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فكم هو عظيم جزاء من يضبط نفسه لصالح رضا الله. كما تبيّن المروءة الحقيقية في قوله ﷺ: ليس الشديد في الإسلام من يملك يده، بل من يملك نفسه وقت الغضب. أهمية هذا الصبر لم تذهب سدى في حياة المسلم. في مواجهة الأذى، يكون الصبر وسيلة للارتقاء الروحي، مظهراً لثقته بتقدير الله وعدله، ومعبّراً عن تطلع حقيقي للأجر العظيم عنده. ولكي ينمّي الإنسان هذا الخلق، يُنصح بأن يربّي نفسه على ضبط الغضب، أن يعرف الثواب العظيم للكاظمين الغيظ، وأن يدعو الله ليساعده على ذلك. خلاصة القول، الصبر على أذى الخلق ليس مجرد تحمل، بل هو خلق كرامة: كظم الغيظ، والعفو، والهجر الجميل حين لا فائدة من الجدال. ومن خلال ذلك، يرتقي المؤمن في نظر ربه، ويَحرز لذاته راحة وسموًا، ويحقّق ما وصفه الله من مكارم الأخلاق.
1770
| 21 نوفمبر 2025