رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

د. فاتن الدوسري

مساحة إعلانية

مقالات

594

د. فاتن الدوسري

الصين وحرب إيران وإسرائيل

29 يونيو 2025 , 04:17ص

مع بلوغ الحرب بين إيران وإسرائيل ذروتها التصعيدية بدخول واشنطن على الخط وضرب المنشآت النووية بقاذفات البى-2، عجت وسائل الإعلام بعناوين عريضة عن التدخل الوشيك لحلفاء طهران وخاصة روسيا والصين في خط المواجهة لحماية حليفهم الرئيس في المنطقة، وعند هذا التدخل الضروري ستكون ساعة الصفر للحرب العالمية الثالثة، وما لبث أن مر فقط 48 ساعة حتى توقفت الحرب، واتضح أن كل تلك العناوين كانت مجرد هراء فارغ.

 قبل الولوج في موقف الصين، واستحالة الانخراط في هذه الحرب تحت أية ظروف، من الجدير تسليط الضوء على عمل أو منطق التحالفات والحلفاء والذهاب للحروب.

 التحالفات ومن بينها التحالفات العسكرية جزء أصيل في السياسة الدولية منذ قرون، وتنشأ التحالفات العسكرية لمواجهة تهديد قائم وردعه والدخول معه في حرب في الضرورة، وللتحالفات العسكرية أنماط متعددة، أبرزها النمط التقليدي الجماعي مثل حلف الناتو، ونمط تحالفات الحماية وهو الشائع ويكون بين دولة عظمى أو إقليمية ومجموعة من الدول الصغيرة، أو دولة واحدة ليست قوية، وأبرز مثال على ذلك التحالف الأمريكي مع اليابان، والأمريكي مع فيتنام، والفلبين. 

 الشاهد في الأمر من كل أنماط التحالفات أمران رئيسيان، أولهما أن تجمع مجموعة دول في تحالف عسكري يكون لمواجهة تهديد خطير يهدد مصلحة حيوية مشتركة تجمعهم، وبالتالي فالانجرار للحرب يكون قراراً مصيرياً خطيراً لا بديل غيره لحماية تلك المصلحة. والثاني، أن القوى العظمى في تحالفات الحماية قد مضت في التحالف لحماية مصلحة شديدة الحيوية لها، وبالتالي أيضا لن تنجر في الحرب لأجل حماية حلفائها بل ذلك مجرد ذريعة لتقويض التهديد الخطير لمصلحتها.

 هذا هو واقع ومنطق التحالفات العسكرية، لا شيء مجاني خاصة إذا تعلق الأمر بالذهاب للحرب، وسوابق التحالفات العسكرية مليئة بتلك المفارقات المصلحية، ففرنسا وألمانيا على سبيل المثال رفضتا مشاركة واشنطن في حرب العراق رغم أنهما عضوان في الناتو، في حين ترددت إدارة أوباما أسابيع قبل التدخل في ليبيا للإطاحة بالقذافي رغم مشاركة الناتو السريعة. وفى مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، قادت واشنطن تحالفا أوروبيا لدعم أوكرانيا عسكريا لأن روسيا أصبحت تهديداً خطيراً للنظام الدولي الليبرالي ذاته وليس أمن أوروبا فقط.

 في المقام الأول لا ترتبط الصين بأية تحالفات عسكرية أو اتفاقات دفاع مشترك مع طهران، يربط فقط بين الجانبين علاقات استراتيجية واسعة قوامها الاقتصاد وبخاصة النفط، وفي 2021 تم التوقيع على اتفاق التعاون الاستراتيجي الشامل لمدة 25 عاما ارتكز على توطيد التعاون الاقتصادي مع توسيع التعاون الأمني.

 لكن هذا لا يعكس جوهر موقف الصين من الحرب، بقدر ما يعكس موقف الصين العام من الحروب والصراعات، وحساباتها الاستراتيجية الكبرى ومنطق الانخراط في الحروب في إطار هذه الحسابات.

 ترتكز السياسة الخارجية الصينية على عدة مبادئ رئيسية ومنها الحياد الإيجابي وعدم التدخل في الصراعات، إقامة علاقات متوازنة مع الجميع. ومنذ تولي الرئيس شي جين بينج السلطة عملت الصين على ترسيخ وضعها في النظام الدولي كـ «قوى مسؤولة» تسعى جاهدة لنشر السلام ومنع اندلاع الصراعات وأولوية الدبلوماسية والحلول السلمية. وهذا من حيث المبدأ يبرر انحصار دور الصين في الحرب في الجانب الدبلوماسي ووسط هذا الجانب تبدى الموقف التقليدي الحيادي للصين الداعم لإنهاء الحرب والتعقل ودعوة الأطراف للحوار ونزع جذور الصراع. 

 لأن الصين من موقعها كقوى مسؤولة لا يمكن تصور تبنيها موقفا منحازاً خاصة لإيران رغم أهميتها الاستراتيجية لها، بعكس روسيا التي أطلقت تحذيرات مباشرة لأمريكا وإسرائيل بشان تدمير البرنامج النووي، واغتيال المرشد الأعلى، وهي مجرد تصريحات إعلامية لا أكثر. وعلى الجانب العملي البرجماتي حافظت الصين على الحياد الإيجابي الذي أفاد الصين فوائد جمة، فالصين ترتبط بعلاقات استراتيجية واسعة مع إسرائيل ومعظم خصوم إيران.

 ما سبق كفيل وحده لتبرير استحالة تدخل الصين في الحرب لمساندة طهران؛ لكن ثمة حسابات استراتيجية أوسع تعكس الصورة كاملة.

 من حيث المبدأ، إن فكرة انخراط الصين في حرب لصالح طرف آخر أو حليف استراتيجي غير واردة تماما عند الصين، لأن تلك الحروب ستعطل مسيرتها للقيادة الدولية، وتضرب الاقتصاد الصيني في مقتل العمود الفقري لصعودها. علاوة على ذلك، حددت الصين في عقيدتها الاستراتيجية حتمية خوض الحروب في حالات الضرورة القصوى للدفاع عن مصالحها الأساسية وخصوصاً تايوان وبحر الصين الجنوبي، والعدو المحتمل المهدد لتلك المصالح هو واشنطن.

 وعلى الجانب الآخر، أن سقوط النظام الإيراني على أسوأ افتراض سيضر الصين ومصالحها بلا شك، لكن ذلك ليس مبررا كافيا أو تهديدا خطيرا يستدعي الانجرار في حرب قد تتوسع لحرب عالمية ثالثة.

مساحة إعلانية