رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كنا قد بدأنا الحديث في الحلقتين السابقتين من سلسلة "خمس سنين في مدينة النبي الأمين" عليه أكمل الصلاة والتسليم عن شيوخنا، وفي هذه الحلقة أتحدث عن شيخي الثالث والذي تعرفت عليه في مزرعة الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ في "المندسة" ، فأثناء زيارتنا المعتادة للشيخ في مزرعته وجدناه قد دعا أحد الضيوف من المشايخ وعندما دخلنا سلمنا على الشيخ حسين وبعدها سلمنا على ضيفه الذي سلم علينا بحرارة وابتسامة ظلت لا تفارق محياه طوال الجلسة مع ما يظهر على هيئته من سمت العلماء وتنسك أهل الزهد.
إنه الشيخ العالم العامل المربي الفرضي الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الشمسان من علماء منطقة القصيم بالسعودية.
كان حديث مجلسه غالبه نقاش ومذاكرة في مسائل العلم مع الشيخ حسين والشيخ الطويان لا يقطع ذلك إلا بعض الحديث عن الذكريات حتى جاء وقت العشاء فأقيمت الصلاة وصلى الشيخ حسين بنا في ساحة الاستراحة وبعد الصلاة رفع الشيخ الشمسان صوته بالذكر ولم يرفع الشيخ حسين فبعد انتهاء الشيخين من الأوراد بادر الشيخ حسين الشيخ ابن شمسان بالسؤال عن دليل رفع الصوت بالذكر عقب الصلاة غير حديث ابن عباس فقال الشيخ ابن شمسان وهل حديث ابن عباس لا يكفي فحصلت مناقشة لطيفة تعرفك فيها علم الشيخين.
تاقت نفسي للأخذ عن الشيخ عبدالرحمن بن شمسان فسألته عن دروسه فأخبرني أنه قدم للمدينة لكي يدرس في دورة علم الفرائض في جامع البلوي بالفيصلية والتي تعقد بعد صلاة الفجر إلى الشروق فحضرت في اليوم الأول ولكني لم أستطع الحضور في الأيام التي تلتها لأنني أقرأ على الشيخ حسين في المزرعة بعد العشاء ولا نرجع إلى البيت إلا منتصف الليل فطلبت من الشيخ عبدالرحمن أن يعطينا وقتا آخر للقراءة عليه فوافق جزاه الله خيرا وحدد لنا موعدا بعد العصر في الحرم النبوي عند كرسي الشيخ أبوبكر جابر الجزائري.
ونظرا لما فتح الله على الشيخ في كتب العقيدة فقد طلبت منه القراءة عليه في متن من مختصرات العقيدة فقال لا نبدأ إلا بالأصول الثلاثة للإمام محمد بن عبدالوهاب وكان الدرس خاصا لي وللشيخ عبدالعزيز فلما جاء وقت الدرس ذهبت لوحدي في اليوم الأول نظرا لوعكة صحية ألمت بالشيخ عبدالعزيز جعلته لا يقوى على الخروج معها، فلما جاء الشيخ سألني وقال أين عبدالعزيز فقلت مرض ولم يستطع على القيام فتأثر الشيخ وجلس يدعو له بالشفاء وقال سم فاستفتحت وصليت على النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ودعوت للشيخ وقرأت قطعة من أول الكتاب وبعدها شرع الشيخ في الشرح، وفي اليوم الثاني جاء عبدالعزيز فلخص الشيخ درس البارحة قبل الشروع في الدرس الثاني.
كان درس الشيخ من أفضل الشروح وأكثرها بركة وفائدة لأنه يجمع بين العلم والتربية إلا أنه لم يتيسر لنا إتمام المتن عليه في المدينة فرحلنا إلى الشيخ في القصيم بعدها وقرأنا عليه "الأصول الثلاثة" و"القواعد الأربع" وأردنا قراءة "نواقض الإسلام" كما هي عادة النجدين في التحصيل فكان رأي الشيخ أن النواقض تقرأ بعد "كتاب التوحيد" فقرأنا عليه في كتاب التوحيد وكذلك الطحاوية كاملة ولله الحمد وكنا نزور الشيخ كل فصل دراسي مدة أسبوع للقراءة عليه.
ونصحنا الشيخ على القراءة على العالم الزاهد العابد الشيخ محمد السليمان العليط ويقول اقرأوا عليه في الزهد، وقد عملنا بوصيته فقرأنا على الشيخ محمد السليمان في الزهد لوكيع.
والشيخ محمد السليمان رجل بكاء من خشية الله لا نكاد نستفتح القراءة بذكر الباب عن ما جاء في البكاء مثلا إلا يسمع بكاءه، وسأفصل الكلام عن الشيخ في مقال لاحق بإذن الله.
ويعرف الشيخ ابن شمسان بالكرم الحاتمي فما نزور الشيخ إلا ويدعونا للغداء والفطور والعشاء وقهوة بعد العصر.
كما أن الشيخ كان ممن له الفضل بعد الله في حثنا على تدريس ما درسته، ويقول: درس الأصول الثلاثة وبعدها التوحيد وبعدها الواسطية ويقول هكذا يثبت العلم وينتشر ويحث على الصبر على تعليم الناس والجلوس لطلبة العلم ولو كان الحضور واحدا، وكان يضرب المثل بالشيخ ابن عثيمين رحمه الله ـ ويقول جلس قرابة الخمسين عاما ليس عنده سوى طالب واحد حتى فتح الله عليه.
ولما سألت الشيخ عبدالرحمن عن حلمه ورحابة صدره؟ قال: استفدت ذلك من شيخي صالح بن بليهي فقد كان يرحب بطلبة العلم، وإذا انقطع بعض الطلبة عن الدروس ثم رجع لم يعنفه الشيخ ولم يغضب منه. وكذلك أقول عن شيخي الشيخ عبدالرحمن بن شمسان فلقد جمع بين العلم والتربية والتزكية أحسبه كذلك، ولا أزكي على الله أحدا.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
هناك لحظات في تاريخ الدول لا تمرّ مرور الكرام… لحظات تُعلن فيها مؤسسات الدولة أنها انتقلت من مرحلة “تسيير الأمور” إلى مرحلة صناعة التغيير ونقل الجيل من مرحلة كان إلى مرحلة يكون. وهذا بالضبط ما فعلته وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في السنوات الأخيرة. الأسرة أولاً… بُعدٌ لا يفهمه إلا من يعي أهمية المجتمع ومكوناته، مجتمعٌ يدرس فيه أكثر من 300 ألف طالب وطالبة ويسند هذه المنظومة أكثر من 28 ألف معلم ومعلمة في المدارس الحكومية والخاصة، إلى جانب آلاف الإداريين والمتخصصين العاملين في الوزارة ومؤسساتها المختلفة. لذلك حين قررت الوزارة أن تضع الأسرة في قلب العملية التعليمية هي فعلاً وضعت قلب الوطن ونبضه بين يديها ونصب عينيها. فقد كان إعلانًا واضحًا أن المدرسة ليست مبنى، بل هي امتداد للبيت وبيت المستقبل القريب، وهذا ليس فقط في المدارس الحكومية، فالمدارس الخاصة أيضًا تسجل قفزات واضحة وتنافس وتقدم يداً بيد مع المدارس الحكومية. فمثلاً دور الحضانة داخل رياض الأطفال للمعلمات، خطوة جريئة وقفزة للأمام لم تقدّمها كثير من الأنظمة التعليمية في العالم والمنطقة. خطوة تقول للأم المعلمة: طفلك في حضن مدرستك… ومدرستك أمانة لديك فأنتِ المدرسة الحقيقية. إنها سياسة تُعيد تعريف “بيئة العمل” بمعناها الإنساني والحقيقي. المعلم… لم يعد جنديًا مُرهقًا بل عقلاً مُنطلقًا وفكرًا وقادًا وهكذا يجب أن يكون. لأول مرة منذ سنوات يشعر المُعلم أن هناك من يرفع عنه الحِمل بدل أن يضيف عليه. فالوزارة لم تُخفف الأعباء لمجرد التخفيف… بل لأنها تريد للمعلم أن يقوم بأهم وظيفة. المدرس المُرهق لا يصنع جيلاً، والوزارة أدركت ذلك، وأعادت تنظيم يومه المدرسي وساعاته ومهامه ليعود لجوهر رسالته. هو لا يُعلّم (أمة اقرأ) كيف تقرأ فقط، بل يعلمها كيف تحترم الكبير وتقدر المعلم وتعطي المكانة للمربي لأن التربية قبل العلم، فما حاجتنا لمتعلم بلا أدب؟ ومثقف بلا اخلاق؟ فنحن نحتاج القدوة ونحتاج الضمير ونحتاج الإخلاص، وكل هذه تأتي من القيم والتربية الدينية والأخلاق الحميدة. فحين يصدر في الدولة مرسوم أميري يؤكد على تعزيز حضور اللغة العربية، فهذا ليس قرارًا تعليميًا فحسب ولا قرارًا إلزاميًا وانتهى، وليس قانونًا تشريعيًا وكفى. لا، هذا قرار هوية. قرار دولة تعرف من أين وكيف تبدأ وإلى أين تتجه. فالبوصلة لديها واضحة معروفة لا غبار عليها ولا غشاوة. وبينما كانت المدارس تتهيأ للتنفيذ وترتب الصفوف لأننا في معركة فعلية مع الهوية والحفاظ عليها حتى لا تُسلب من لصوص الهوية والمستعمرين الجدد، ظهرت لنا ثمار هذا التوجه الوطني في مشاهد عظيمة مثل مسابقة “فصاحة” في نسختها الأولى التي تكشف لنا حرص إدارة المدارس الخاصة على التميز خمس وثلاثون مدرسة… جيش من المعلمين والمربين… أطفال في المرحلة المتوسطة يتحدثون بالعربية الفصحى أفضل منّا نحن الكبار. ومني أنا شخصيًا والله. وهذا نتيجة عمل بعد العمل لأن من يحمل هذا المشعل له غاية وعنده هدف، وهذا هو أصل التربية والتعليم، حين لا يعُدّ المربي والمعلم الدقيقة متى تبدأ ومتى ينصرف، هنا يُصنع الفرق. ولم تكتفِ المدارس الخاصة بهذا، فهي منذ سنوات تنظم مسابقة اقرأ وارتقِ ورتّل، ولحقت بها المدارس الحكومية مؤخراً وهذا دليل التسابق على الخير. من الروضات إلى المدارس الخاصة إلى التعليم الحكومي، كل خطوة تُدار من مختصين يعرفون ماذا يريدون، وإلى أين الوجهة وما هو الهدف. في النهاية… شكرًا لأنكم رأيتم المعلم إنسانًا، والطفل أمانة، والأسرة شريكًا، واللغة والقرآن هوية. وشكرًا لأنكم جعلتمونا: نفخر بكم… ونثق بكم… ونمضي معكم نحو تعليم يبني المستقبل.
2730
| 20 نوفمبر 2025
وفقًا للمؤشرات التقليدية، شهدت أسهم التكنولوجيا هذا العام ارتفاعًا في تقييماتها دفعها إلى منطقة الفقاعة. فقد وصلت مضاعفات الأرباح المتوقعة إلى مستويات نادرًا ما شوهدت من قبل، لذلك، لم يكن التراجع في التقييمات منذ منتصف أكتوبر مفاجئًا. وقد يعكس هذا الانخفاض حالة من الحذر وجني الأرباح. وقد يكون مؤشرًا على تراجع أكبر قادم، أو مجرد استراحة في سوق صاعدة طويلة الأمد تصاحب ثورة الذكاء الاصطناعي. وحتى الآن، لا يُعدّ الهبوط الأخير في سوق الأسهم أكثر من مجرد "تصحيح" محدود. فقد تراجعت الأسواق في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها سجلت ارتفاعًا طفيفًا خلال الأسبوع الذي بدأ يوم الاثنين 10 من الشهر نفسه، لكنها عادت وانخفضت في نهاية الأسبوع. وما تزال السوق إجمالاً عند مستويات مرتفعة مقارنة بشهر أبريل، حين شهدت انخفاضًا مرتبطًا بإعلان الرئيس دونالد ترامب بشأن الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال: تراجعت أسهم شركة إنفيديا بنحو 10% في الأسبوع الأول من نوفمبر، لكنها بقيت أعلى بنحو 60% مقارنة بما كانت عليه قبل ستة أشهر فقط. مؤشر S&P 500 انخفض إلى 6700 في الرابع عشر من نوفمبر، مقارنة بذروة بلغت 6920، وما زال أعلى بنحو سبعين بالمئة مقارنة بنوفمبر 2022. هيمنة شركات التكنولوجيا الكبرى على القيمة السوقية الإجمالية أصبحت واضحة. فمع نهاية أكتوبر، ورغم ارتفاع المؤشر طوال العام، باستثناء التراجع في أبريل، شهدت نحو 397 شركة من شركات المؤشر انخفاضًا في قيمتها خلال تلك الفترة. ثماني من أكبر عشر شركات في المؤشر هي شركات تكنولوجية. وتمثل هذه الشركات 36% من إجمالي القيمة السوقية في الولايات المتحدة، و60% من المكاسب المحققة منذ أبريل. وعلى عكس ما حدث لشركات الدوت كوم الناشئة قبل 25 عامًا، تتمتع شركات التكنولوجيا اليوم بإيرادات قوية ونماذج أعمال متينة، حيث تتجاوز خدماتها نطاق الذكاء الاصطناعي لتشمل برمجيات تطبيقات الأعمال والحوسبة السحابية. وهناك حجّة قوية مفادها أن جزءًا كبيرًا من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي يأتي من شركات كبرى مربحة تتمتع بمراكز نقدية قوية، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل عرضة للمخاطر مقارنة بموجات الحماس السابقة في قطاع التكنولوجيا. غير أن حجم الاستثمارات المخطط لها في مراكز البيانات أثار مخاوف لدى بعض المستثمرين. كما أن هناك 10 شركات ناشئة خاسرة متخصصة في الذكاء الاصطناعي تقدر قيمتها مجتمعة بنحو تريليون دولار. وهناك ايضاً تراجع صدور البيانات الاقتصادية الأمريكية بسبب الإغلاق الحكومي الذي دخل شهره الثاني، فلم تُنشر أي بيانات وظائف رسمية منذ 5 سبتمبر، ما دفع المحللين للاعتماد على بيانات خاصة. هذه البيانات أظهرت أعلى مستوى لتسريح الموظفين منذ 2003 في أكتوبر. كما جاءت نتائج أرباح بعض الشركات التقليدية مخيبة، حيث هبط سهم مطاعم تشيبوتلي بنحو 13% في نهاية أكتوبر بعد إعلان نتائج دون توقعات السوق.
2454
| 16 نوفمبر 2025
يحتلّ برّ الوالدين مكانة سامقة في منظومة القيم القرآنية، حتى جعله الله مقرونًا بعبادته في قوله تعالى: ﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، فجمع بين التوحيد والإحسان إليهما في آية واحدة، ليؤكد أن البرّ بهما ليس مجرّد خُلقٍ اجتماعي، بل عبادة روحية عظيمة لا تقلّ شأنًا عن أركان الإيمان. القرآن الكريم يقدّم برّ الوالدين باعتباره جهادًا لا شوكة فيه، لأن مجاهد النفس في الصبر عليهما، ورعاية شيخوختهما، واحتمال تقلب مزاجهما في الكبر، هو صورة من صور الجهاد الحقيقي الذي يتطلّب ثباتًا ومجاهدة للنفس. قال تعالى: ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ [لقمان: 15]، فحتى في حال اختلاف العقيدة، يبقى البرّ حقًا لا يسقط. وفي الآية الأخرى ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24]، يربط القرآن مشاعر الإنسان بذاكرته العاطفية، ليعيده إلى لحظات الضعف الأولى حين كان هو المحتاج، وهما السند. فالبرّ ليس ردّ جميلٍ فحسب، بل هو اعتراف دائم بفضلٍ لا يُقاس، ورحمة متجددة تستلهم روحها من الرحمة الإلهية نفسها. ومن المنظور القرآني، لا يتوقف البرّ عند الحياة، بل يمتدّ بعد الموت في الدعاء والعمل الصالح، كما قال النبي ﷺ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... « وذكر منها «ولد صالح يدعو له» (رواه مسلم). فالبرّ استمرارية للقيم التي غرساها، وجسر يصل الدنيا بالآخرة. في زمن تتسارع فيه الإيقاعات وتبهت فيه العواطف، يعيدنا القرآن إلى الأصل: أن الوالدين بابان من أبواب الجنة، لا يُفتحان مرتين. فبرّهما ليس ترفًا عاطفيًا ولا مجاملة اجتماعية، بل هو امتحان للإيمان وميزان للوفاء، به تُقاس إنسانية الإنسان وصدق علاقته بربه. البرّ بالوالدين هو الجهاد الهادئ الذي يُزهر رضا، ويورث نورًا لا يخبو.
1386
| 14 نوفمبر 2025