رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
الحلقة الثالثة: التأمين الإسلامي التكافلي
لقد تناولنا في الحلقات السابقة موضوعين مهمين في العملية التأمينية حيث ناقشنا تاريخ التأمين وهيكلته في السوق القطري، ومفهوم إعادة التأمين، واستمرارا لجهودنا في إنارة الرأي العام والمهتمين بصناعة التامين وإزالة لأي لبس أو سوء فهم قد يحصل نتيجة لقلة الخبرة في هذا القطاع الحيوي نواصل هذه الحلقات، حيث نتناول اليوم موضوعا مهما وحيويا وهو التأمين الإسلامي التكافلي، حيث إن صناعة التأمين بشكل عام تعد إحدى الدعامات الأساسية في الاقتصاد القومي لأي مجتمع إنساني وبشكل خاص التأمين الإسلامي التكافلي، لكون غالبية المجتمعات الإسلامية رغم الحاجة الملحة لوجود تغطيات تأمينية ضرورية لتوفير الحماية الاقتصادية لمختلف المشروعات والممتلكات إضافة إلى المسؤوليات الناجمة عن ذلك النشاط تصطدم مع الفطرة الإسلامية التي تتفادى كل ما هو مخالف لمبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء، من هنا كانت محاولات علماء الدين وفقهاء الشريعة الإسلامية لإيجاد البديل الإسلامي المقبول شرعاً والمتوافق مع الأسس العلمية لصناعة التأمين ولذلك توالت الفتاوى الشرعية من المجامع الفقهية بحرمة التأمين التجاري ومشروعية التأمين التعاوني التكافلي الذي سمي التأمين الإسلامي وأهما القرار الصادر عن المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الأولى عام 1398هـ المؤكد لقرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته العاشرة في الرياض في 04/04/1397هـ وقرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 9 بمشروعية التأمين التعاوني التبادلي والاجتماعي القائم على التعاون والتبرع وليس على أساس المعاوضة والغرر ونص على (أن العقد الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون) إذ إن عقد المعاوضة كما أوضح فضيلة الأستاذ الدكتور العلامة /علي محي الدين القرة داغي في كتاب "التأمين الإسلامي" يقوم على أن المستأمن يدفع أقساط التأمين في مقابل مبلغ التأمين وإن نية التبرع معدومة لأن المؤمن ملزم بدفع مبلغ التأمين من خلال العقد عند تحقق الخطر المؤمن له فالمعاوضة عقد ملزم للطرفين بحيث لا يحق لأحدهما الانفكاك عما التزم به بينما الغرر فهو عقد احتمالي حيث لا يعلم المتعاقدان مقدار الكسب أو الخسارة وإن التزامات كلا الطرفين أو أحدهما تتوقف في وجودها أو في مقدارها على حادثة محتملة من حيث هي أو من حيث زمنها فأصل الغرر هو الذي لا يدري هل يحصل أم لا كالطير في الهواء. ولذلك كان الأصل في فتوى جواز التأمين الإسلامي التعاوني هو أنه قائم على التبرع والتعاون لدرئ الأخطار.
ما هو التأمين الإسلامي التكافلي؟
التأمين الإسلامي هو اتفاق مجموعة من المشتركين (حملة الوثائق) على تحمل آثار الأخطار الناجمة عن الحوادث وذلك من خلال التبرع بأقساط لتعويض من يقع عليه الضرر منهم طبقاً لنظام معين قد يسمى التكافل أو التأمين التكافلي الإسلامي.
فلسفة وآلية التأمين الإسلامي التكافلي:
في كتابه (التأمين الإسلامي) أوضح فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور/ علي محي الدين القرة داغي في شرح معنى التكييف الفقهي للتأمين الإسلامي أنه يقوم على أساس الالتزام بالتبرع لمصلحة وحماية مجموع المشاركين في محفظة التأمين (صندوق التأمين) التي تديرها الشركة على أساس الوكالة وتقوم باستثمار أقساط التأمين (الاشتراكات) على أساس المضاربة أو الوكالة بالاستثمار مع استحقاق المشتركين ما قد يحصل من الفائض والتزامهم بتحمل ما قد يقع من عجز بمقتضى النظم واللوائح المعتمدة ووفقاً لفضيلته فإنه يتم الفصل في حسابات الشركة بين حسابات المؤمن لهم أو المشاركين في التغطيات التأمينية التكافلية والتي تتضمن إجمالي أقساط التأمين (الاشتراكات) وعوائدها إضافة إلى الاحتياطيات التراكمية والفنية الخاصة بعمليات صندوق التأمين التكافلي وحسابات المؤسسين (الشركة) والتي تتضمن رأس المال المسدد وعوائده وأجر الوكالة المحدد مقابل إدارة صندوق التأمين (الشركة) إضافة إلى العوائد المحققة من المضاربة في إجمالي الاشتراكات نيابة عن حملة الوثائق أو المشاركين في التغطيات التأمينية التكافلية.
الفروق الجوهرية بين التأمين التعاوني الإسلامي التكافلي والتأمين التجاري التقليدي: -
ولقد أوجز فضيلته في كتاباته المتعددة وشرحه عن التأمين الإسلامي التكافلي وضروراته - جزاه الله عنا جميعاً خير الجزاء- الفروق الجوهريه الملموسة بين التأمين الإسلامي التكافلي والتأمين التجاري التقليدي كما يلي:
التأمين التعاوني الإسلامي التكافلي التأمين التجاري
1 التأمين الإسلامي يقوم على التعاون وعلى مبادئ الشريعة، وليس فيه ربا وغيره من المحظورات الشرعية، ولذلك فهو حلال حسب قرارات المجامع الفقهية. التأمين التجاري لا يخلو من الربا. والغرر والجهالة والمقامرة. ولذلك قال الفقهاء بحرمته.
2 يقوم التأمين الإسلامي على أساس الفصل بين أموال المساهمين (الشركة) وأموال المؤمن لهم، حيث يودع كل واحد منهما في حساب خاص بهم، حيث تصرف مصاريف التأمين وحوادثه. التأمين التجاري يقوم على عدم الفصل، وأن الأموال التي يدفعها المؤمن لهم هي ثمن التأمين، وبالتالي فهي للشركة (المساهمين).
3 من حيث الشكل فالتأمين الإسلامي يكون المؤمن والمؤمن له بمثابة جهة واحدة، لأن الأموال منهم. وتصرف لصالحهم (فمنهم وإليهم). في التأمين التجاري الشركة المؤمنة هي جهة مستقلة عن المؤمن لهم.
4 من حيث الهدف. فالهدف في التأمين التعاوني الإسلامي هو التعاون وليس الربح. الهدف في التأمين التجاري هو الاسترباح.
5 وضعت في التأمين الإسلامي آلية لالتزام الشركة بأحكام الشريعة الإسلامية من خلال هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لها. لا يوجد الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية في شركات التأمين التجاري.
6 أصل قيمة القسط المدفوع يعود إلى المؤمن لهم مع استقطاع حصتهم من التعويضات والمصاريف وإعادة التأمين. وهو ما يسمى بالفائض الذي يعود إليهم. لا يعود أصل أو جزء من قيمة القسط المدفوع بأي حال من الأحوال للمؤمن لهم.
7 عوائد استثمارات أصول الأقساط لأصحابها المستأمنين بعد استقطاع حصة الشركة كمضارب. عوائد استثمارات أصول الأقساط لصالح الشركة التجارية فقط دون غيرها بإضافة استثمارها بطرق قد تكون ربوية.
8 تهدف الشركة في المقام الأول إلى زيادة تعاون أفراد المجتمع. ولا تستهدف الاسترباح من حيث المبدأ، تهدف الشركة إلى تحقيق أعلى ربحية ممكنة لأصحابها.
9 أرباح الشركة ناتجة عن استثماراتها لأموالها الذاتية وحصتها كمضارب في عوائد الاستثمارات لصالح المؤمن لهم،أرباح الشركة ناتجة عن عملياتها سواء من أموالها الذاتية أو الأقساط المتبقية ومن فوائدها الربوية.
الفائض التأميني الموزع على حملة الوثائق:
يعد المعيار الحقيقي للتطبيق الفعلي والمثالي للتأمين الإسلامي التكافلي هو توزيع الفائض التأميني المحقق فعلياً من عمليات التأمين الإسلامي التكافلي والذي يعد هو صافي العمليات العائدة لحملة الوثائق بعد استقطاع جميع المصروفات والتعويضات إضافة إلى الاحتياطيات الفنية والقانونية المختلفة المقترنة بصناعة التأمين حفاظاً على حقوق حملة الوثائق من عملياتهم التأمينية وفي التجربة العملية نجد أن الشركة الإسلامية القطرية للتأمين والتي أسست في العام 1995 كأول شركة تأمين إسلامية تكافلية بدولة قطر والثانية خليجياً تعد هي الأولى وقد تكون الوحيدة في العالم التي حافظت على معدل توزيع سنوي للفائض التأميني على حملة الوثائق ولمدة الأربع السنوات الأخيرة وهو 20%من صافي العمليات الفنية العائدة لحملة الوثائق وتعمل دائماً وتحت الإشراف المباشر من هيئة الرقابة الشرعية والتي يترأسها فضيلة العلامة الأستاذ/ علي محي الدين القرة داغي لتصويب المسار دائماً والوصول إلى تحقيق المثالية في التطبيق العملي لمعنى التأمين الإسلامي التكافلي.
لقد حاولت من خلال هذه السلسلة من المقالات تقديم إيجاز شامل كمقدمة لفهم صناعة التأمين من جميع جوانبها المهمة بشكل عام وأعتقد أنه من الصعب جدا فهم هذه الصناعة الدقيقة والهامة في اقتصادنا القومي دون التطرق إلى المحاور التي قمنا بتغطيتها، وفي الحلقة القادمة سندخل في المناطق الشائكة في هذه الصناعة والتي تتشابك وتؤثر على حياتنا اليومية وهي بداية تأمين السيارات والمركبات.
تعد الأسرة البيئة الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتلقى منها أولى خبراته الاجتماعية والنفسية. ويتأثر الطفل بدرجة كبيرة... اقرأ المزيد
321
| 10 أكتوبر 2025
لديَّ هواية قراءة الشعر العراقي وأحببت أن أشارككم تجربتي في وضع أبيات باللهجة العراقية أشتكي فيها ضيم المرض... اقرأ المزيد
78
| 10 أكتوبر 2025
(سافرت القضيةَ تَعرضُ شكواها في رُدهةِ المحاكم الدولية، وكانت الجمعيةَ قد خَصصت الجلسةَ للبحث في قضيّةِ القضيّةَ، وجاءَ... اقرأ المزيد
36
| 10 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8454
| 09 أكتوبر 2025
كثير من المراكز التدريبية اليوم وجدت سلعة سهلة الترويج، برنامج إعداد المدربين، يطرحونه كأنه عصا سحرية، يَعِدون المشترك بأنه بعد خمسة أيام أو أسبوع من «الدروس» سيخرج مدربًا متمكنًا، يقف على المنصة، ويُدير القاعة، ويعالج كل التحديات، كأن التدريب مجرد شهادة تُعلق على الجدار، أو بطاقة مرور سريعة إلى عالم لم يعرفه الطالب بعد. المشكلة ليست في البرنامج بحد ذاته، بل في الوهم المعبأ معه. يتم تسويقه للمشتركين على أنه بوابة النجومية في التدريب، بينما في الواقع هو مجرد خطوة أولى في طريق طويل. ليس أكثر من مدخل نظري يضع أساسيات عامة: كيف تُصمم عرضًا؟ كيف ترتب محتوى؟ كيف تُعرّف التدريب؟. لكنه لا يمنح المتدرب أدوات مواجهة التحديات المعقدة في القاعة، ولا يصنع له كاريزما، ولا يضع بين يديه لغة جسد قوية، ولا يمنحه مهارة السيطرة على المواقف. ومع ذلك، يتم بيعه تحت ستار «إعداد المدربين» وكأن من أنهى البرنامج صار فجأة خبيرًا يقود الحشود. تجارب دولية متعمقة في دول نجحت في بناء مدربين حقيقيين، نرى الصورة مختلفة تمامًا: • بريطانيا: لدى «معهد التعلم والأداء» (CIPD) برامج طويلة المدى، لا تُمنح فيها شهادة «مدرب محترف» إلا بعد إنجاز مشاريع تدريبية عملية وتقييم صارم من لجنة مختصة. • الولايات المتحدة: تقدم «جمعية تطوير المواهب – ATD» مسارات متعددة، تبدأ بالمعارف، ثم ورش تطبيقية، تليها اختبارات عملية، ولا يُعتمد المدرب إلا بعد أن يُثبت قدرته في جلسات تدريب واقعية. • فنلندا: يمر المدرب ببرنامج يمتد لأشهر، يتضمن محاكاة واقعية، مراقبة في الصفوف، ثم تقييما شاملا لمهارات العرض، إدارة النقاش، والقدرة على حل المشكلات. هذه التجارب تثبت أن إعداد المدرب يتم عبر برامج متعمقة، اجتيازات، وتدرّج عملي. المجتمع يجب أن يعي الحقيقة: الحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع أن TOT ليس نقطة الانطلاق، بل الخطوة المعرفية الأولى فقط. المدرب الحقيقي لا يُصنع في أسبوع، بل يُبنى عبر برامج تخصصية أعمق مثل «اختصاصي تدريب»، التي تغوص في تفاصيل لغة الجسد، السيطرة على الحضور، مواجهة المواقف الحرجة، وبناء الكاريزما. هذه هي المراحل التي تُشكل شخصية المدرب، لا مجرد ورقة مكتوب عليها «مدرب معتمد». لكي نحمي المجتمع من أوهام «الشهادات الورقية»، يجب أن يُعتمد مبدأ الاختبار قبل الدخول، بحيث لا يُقبل أي شخص في برنامج إعداد مدربين إلا بعد اجتياز اختبار قبلي يقيس مهاراته الأساسية في التواصل والعرض. ثم، بعد انتهاء البرنامج، يجب أن يخضع المتدرب لاختبار عملي أمام لجنة تقييم مستقلة، ليُثبت أنه قادر على التدريب لا على الحفظ. الشهادة يجب أن تكون شهادة اجتياز، لا مجرد «شهادة حضور». هل يُعقل أن يتحول من حضر خمسة أيام إلى «قائد قاعة»؟ هل يكفي أن تحفظ شرائح عرض لتصير مدربًا؟ أين الارتباك والتجربة والخطأ؟ أين الكاريزما التي تُبنى عبر سنوات؟ أم أن المسألة مجرد صور على إنستغرام تُوهم الناس بأنهم أصبحوا «مدربين عالميين» في أسبوع؟ TOT مجرد مدخل بسيط للتدريب، فالتدريب مهنة جادة وليس عرضا استهلاكيا. المطلوب وعي مجتمعي ورقابة مؤسسية وآليات صارمة للاجتياز، فمن دون ذلك سيبقى سوق التدريب ساحة لبيع الوهم تحت عناوين براقة.
5463
| 06 أكتوبر 2025
تجاذبت أطراف الحديث مؤخرًا مع أحد المستثمرين في قطر، وهو رجل أعمال من المقيمين في قطر كان قد جدد لتوّه إقامته، ولكنه لم يحصل إلا على تأشيرة سارية لمدة عام واحد فقط، بحجة أنه تجاوز الستين من عمره. وبالنظر إلى أنه قد يعيش عقدين آخرين أو أكثر، وإلى أن حجم استثماره ضخم، فضلاً عن أن الاستثمار في الكفاءات الوافدة واستقطابها يُعدّان من الأولويات للدولة، فإن تمديد الإقامة لمدة عام واحد يبدو قصيرًا للغاية. وتُسلط هذه الحادثة الضوء على مسألة حساسة تتمثل في كيفية تشجيع الإقامات الطويلة بدولة قطر، في إطار الالتزام الإستراتيجي بزيادة عدد السكان، وهي قضية تواجهها جميع دول الخليج. ويُعد النمو السكاني أحد أكثر أسباب النمو الاقتصادي، إلا أن بعض أشكال النمو السكاني المعزز تعود بفوائد اقتصادية أكبر من غيرها، حيث إن المهنيين ورواد الأعمال الشباب هم الأكثر طلبًا في الدول التي تسعى لاستقطاب الوافدين. ولا تمنح دول الخليج في العادة الجنسية الكاملة للمقيمين الأجانب. ويُعد الحصول على تأشيرة إقامة طويلة الأمد السبيل الرئيسي للبقاء في البلاد لفترات طويلة. ولا يقل الاحتفاظ بالمتخصصين والمستثمرين الأجانب ذوي الكفاءة العالية أهميةً عن استقطابهم، بل قد يكون أكثر أهمية. فكلما طالت فترة إقامتهم في البلاد، ازدادت المنافع، حيث يكون المقيمون لفترات طويلة أكثر ميلاً للاستثمار في الاقتصاد المحلي، وتقل احتمالات تحويل مدخراتهم إلى الخارج. ويمكن تحسين سياسة قطر لتصبح أكثر جاذبية ووضوحًا، عبر توفير شروط وإجراءات الإقامة الدائمة بوضوح وسهولة عبر منصات إلكترونية، بما في ذلك إمكانية العمل في مختلف القطاعات وإنشاء المشاريع التجارية بدون نقل الكفالة. وفي الوقت الحالي، تتوفر المعلومات من مصادر متعددة، ولكنها ليست دقيقة أو متسقة في جميع الأحيان، ولا يوجد وضوح بخصوص إمكانية العمل أو الوقت المطلوب لإنهاء إجراءات الإقامة الدائمة. وقد أصبحت شروط إصدار «تأشيرات الإقامة الذهبية»، التي تمنحها العديد من الدول، أكثر تطورًا وسهولة. فهناك توجه للابتعاد عن ربطها بالثروة الصافية أو تملك العقارات فقط، وتقديمها لأصحاب المهارات والتخصصات المطلوبة في الدولة. وفي سلطنة عمان، يُمثل برنامج الإقامة الذهبية الجديد الذي يمتد لعشر سنوات توسعًا في البرامج القائمة. ويشمل هذا النظام الجديد شريحة أوسع من المتقدمين، ويُسهّل إجراءات التقديم إلكترونيًا، كما يتيح إمكانية ضم أفراد الأسرة من الدرجة الأولى. وتتوفر المعلومات اللازمة حول الشروط وإجراءات التقديم بسهولة. أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فهناك أيضًا مجموعة واضحة من المتطلبات لبرنامج التأشيرة الذهبية، حيث تمنح الإقامة لمدة تتراوح بين خمس و10 سنوات، وتُمنح للمستثمرين ورواد الأعمال وفئات متنوعة من المهنيين، مع إمكانية ضم أفراد الأسرة. ويتم منح الإقامة الذهبية خلال 48 ساعة فقط. وقد شهدت قطر نموًا سكانيًا سريعًا خلال أول عقدين من القرن الحالي، ثم تباطأ هذا النمو لاحقًا. فقد ارتفع عدد السكان من 1.7 مليون نسمة وفقًا لتعداد عام 2010 إلى 2.4 مليون نسمة في عام 2015، أي بزيادة قدرها 41.5 %. وبلغ العدد 2.8 مليون نسمة في تعداد عام 2020، ويُقدَّر حاليًا بحوالي 3.1 مليون نسمة. ومن المشاكل التي تواجه القطاع العقاري عدم تناسب وتيرة النمو السكاني مع توسع هذا القطاع. فخلال فترة انخفاض أسعار الفائدة والاستعداد لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022، شهد قطاع البناء انتعاشًا كبيرًا. ومع ذلك، لا يُشكل هذا الفائض من العقارات المعروضة مشكلة كبيرة، بل يمكن تحويله إلى ميزة. فمثلاً، يُمكن للمقيمين الأجانب ذوي الدخل المرتفع الاستفادة وشراء المساكن الحديثة بأسعار معقولة. إن تطوير سياسات الإقامة في قطر ليكون التقديم عليها سهلًا وواضحًا عبر المنصات الإلكترونية سيجعلها أكثر جاذبية للكفاءات التي تبحث عن بيئة مستقرة وواضحة المعالم. فكلما كانت الإجراءات أسرع والمتطلبات أقل تعقيدًا، كلما شعر المستثمر والمهني أن وقته مُقدَّر وأن استقراره مضمون. كما أن السماح للمقيمين بالعمل مباشرة تحت مظلة الإقامة الدائمة، من دون الحاجة لنقل الكفالة أو الارتباط بصاحب عمل محدد، سيعزز حرية الحركة الاقتصادية ويفتح المجال لابتكار المشاريع وتأسيس الأعمال الجديدة. وهذا بدوره ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني عبر زيادة الإنفاق والاستثمار المحلي، وتقليل تحويلات الأموال إلى الخارج، وتحقيق استقرار سكاني طويل الأمد.
4632
| 05 أكتوبر 2025