رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وقطر تسير بخطى واثقة نحو المستقبل، حتى أصبحت اليوم نموذجا يُحتذى به في جميع المجالات. لم يكن ذلك مجرد مصادفة، وإنما نتيجة رؤية واضحة، وإرادة سياسية قوية، واستثمارات استراتيجية نقلت قطر من الطموح إلى الريادة العالمية.
ما حدث في قطر لم يكن مجرد نمو طبيعي لدولة غنية بالموارد، بل كان مشروعا وطنيا متكاملا، قائما على التخطيط الاستراتيجي والاستثمار في الإنسان، مما جعلها تصنع الفارق في فترة زمنية قياسية وتتحول إلى نموذج يُحتذى به في التنمية الاقتصادية، والثقافية، والرياضية، والسياسية، لتصبح دولة تضاهي أكبر الدول في تأثيرها وحضورها الدولي.
* اعتمدت قطر على رؤيتها الوطنية 2030، التي وضعت خارطة طريق واضحة للتنمية المستدامة، فشهدت البلاد طفرة عمرانية هائلة، حيث تحولت الدوحة من مدينة هادئة إلى واحدة من أكثر العواصم تطورا وحداثة في العالم. ناطحات السحاب، والمناطق الاقتصادية، والمشاريع العملاقة مثل ميناء حمد ومطار حمد الدولي، جعلت من قطر مركزا اقتصاديا واستراتيجيا مهما في المنطقة والعالم.
قطاع الطاقة ظل العمود الفقري للاقتصاد، لكن قطر لم تكتفِ بذلك، بل سعت لتنويع مصادر دخلها من خلال الاستثمار في التكنولوجيا، والسياحة، والرياضة، ما عزز مكانتها كقوة اقتصادية مستقلة ومتطورة.
* عندما فازت قطر بحق استضافة كأس العالم 2022، واجهت تحديات ضخمة، من التشكيك في قدرتها على التنظيم، إلى ضرورة بناء بنية تحتية رياضية متكاملة في فترة قياسية. لكن الاستراتيجية القطرية كانت واضحة، لم يكن الهدف مجرد استضافة بطولة، وإنما كانت تريد تقديم تجربة استثنائية تُعيد تعريف مفهوم المونديال. لذلك قامت بما يعزز هذه التجربة من خلال الآتي:
• بناء ثمانية ملاعب عالمية بميزات فريدة.
• توفير نظام تبريد مبتكر لأول مرة في تاريخ كأس العالم، لضمان راحة اللاعبين والجماهير على حد وسواء.
• تقديم نسخة حظيت بإشادة الفيفا بأنها "الأفضل في التاريخ"، بفضل التنظيم الاحترافي الذي قامت به.
لم يكن المونديال مجرد حدث رياضي، بل كان منصة أظهرت قدرات قطر التنظيمية، ورسّخت مكانتها كدولة قادرة على تحقيق المستحيل، وسطرت اسمها في سجل الأحداث الرياضية الكبرى.
التميّز في الثقافة والتعليم:
* قطر أدركت مبكرا أن النهضة الحقيقية لا تقوم على الاقتصاد وحده، بل على بناء العقول. لذلك، أنشأت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، التي بدورها جذبت أرقى الجامعات العالمية، مثل:
جامعة جورجتاون – في مجال الدراسات الدولية والعلاقات الخارجية.
جامعة كارنيجي ميلون – في مجال علوم الحاسوب وإدارة الأعمال.
جامعة وايل كورنيل – في مجال الطب.
كلية لندن الجامعية – في مجال التراث الثقافي وعلم الآثار.
جامعة نورث وسترن – في مجال الصحافة والإعلام.
وغيرها من الجامعات والكليات العلمية العالمية، حيث تقع هذه الجامعات ضمن المدينة التعليمية في الدوحة.
هذا الاستثمار جعل قطر مركزا أكاديميا عالميا، وأسهم في إعداد أجيال من الكفاءات القادرة على قيادة المستقبل.
* أما ثقافيا: فقد أصبحت الدوحة موطنا للمتاحف والمراكز الثقافية التي تربط الماضي بالحاضر، مثل:
متحف قطر الوطني: الذي يحكي قصة تطور البلاد.
متحف الفن الإسلامي: أحد أهم المتاحف في العالم في مجاله.
الحي الثقافي كتارا: الذي يعزز الفنون والإبداع، ويستضيف فعاليات عالمية.
* على الصعيد السياسي، تحولت قطر إلى لاعب إقليمي ودولي مؤثر، بفضل سياستها المتوازنة ودبلوماسيتها الفعالة في حل النزاعات والوساطة بين الدول.
أما إعلاميا، فقد رسّخت قناة الجزيرة مكانتها كواحدة من أقوى المنصات الإخبارية عالميا، ما جعل قطر تمتلك صوتا مسموعا في القضايا الدولية.
* اليوم، عندما ينظر العالم إلى قطر، يرى دولة صنعت الفارق، ليس فقط لنفسها، بل للمنطقة بأكملها، وأصبحت نموذجا يلهم الدول الطامحة للنمو والتطوير. وبهذا الزخم، تستمر قطر في رحلتها، لتكون دائما في الصدارة، ولتثبت أن الإرادة تصنع المعجزات.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية



مساحة إعلانية
نعم، أصبحنا نعيش زمنًا يُتاجر فيه بالفكر كما يُتاجر بالبضائع، تُباع فيه الشهادات كما تُباع السلع، وتُؤجّر فيه المنصات التدريبية كما تُؤجّر القاعات لحفلات المناسبات. هو زمنٌ تحوّلت فيه «المعرفة إلى سلعة» تُسعَّر، لا رسالة تُؤدَّى. تتجلّى مظاهر «الاتّجار المعرفي» اليوم في صور عديدة، لعلّ أبرزها «المؤتمرات والملتقيات التدريبية والأكاديمية» التي تُقام بأسماء لامعة وشعارات براقة، يدفع فيها الحضور مبالغ طائلة تحت وعودٍ بالمحتوى النوعي والتبادل العلمي، ثم لا يخرج منها المشاركون إلا بأوراق تذكارية وصورٍ للمنصات! وهنا «العجيب من ذلك، والأغرب من ذلك»، أنك حين تتأمل هذه الملتقيات، تجدها تحمل أربعة أو خمسة شعارات لمؤسساتٍ وجهاتٍ مختلفة، لكنها في الحقيقة «تعود إلى نفس المالك أو الجهة التجارية ذاتها»، تُدار بأسماء متعدّدة لتُعطي انطباعًا بالتنوّع والمصداقية، بينما الهدف الحقيقي هو «تكرار الاستفادة المادية من الجمهور نفسه». هذه الفعاليات كثير منها أصبح سوقًا مفتوحًا للربح السريع، لا للعلم الراسخ؛ تُوزَّع فيها الجوائز بلا معايير، وتُمنح فيها الألقاب بلا استحقاق، وتُقدَّم فيها أوراق بحثية أو عروض تدريبية «مكرّرة، منسوخة، أو بلا أثرٍ معرفي حقيقي». وهذا الشكل من الاتّجار لا يقل خطورة عن سرقة البيانات أو بيع الحقائب التدريبية، لأنه يُفرغ الفضاء الأكاديمي من جوهره، ويُحوّل «الجهد العلمي إلى طقسٍ استعراضي» لا يصنع معرفة ولا يضيف قيمة. فالمعرفة الحقيقية لا تُشترى بتذكرة حضور، ولا تُختزل في شعار مؤتمر، ولا تُقاس بعدد الصور المنشورة في مواقع التواصل. من جهةٍ أخرى، يتخذ الاتّجار بالمعرفة اليوم وجهًا «رقميًا سيبرانيًا أكثر تعقيدًا»؛ إذ تُباع البيانات البحثية والمقررات الإلكترونية في «الأسواق السوداء للمعلومات»، وتُسرق الأفكار عبر المنصات المفتوحة، ويُعاد تسويقها تحت أسماء جديدة دون وعيٍ أو مساءلة. لقد دخلنا مرحلة جديدة من الاتّجار لا تقوم على الجسد، بل على «استغلال العقول»، حيث يُسرق الفكر ويُباع الإبداع تحت غطاء “التعاون الأكاديمي” أو “الفرص البحثية”. ولذلك، فإن الحديث عن «أمن المعرفة» و»السلامة السيبرانية في التعليم والتدريب» لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لحماية رأس المال الفكري للأمم. على الجامعات ومراكز التدريب أن تنتقل من مرحلة التباهي بعدد المؤتمرات إلى مرحلة «قياس الأثر المعرفي الحقيقي»، وأن تُحاكم جودة المحتوى لا عدد المشاركين. الاتّجار بالمعرفة جريمة صامتة، لكنها أخطر من كل أشكال الاتّجار الأخرى، لأنها «تسرق الإنسان من داخله»، وتقتل ضميره المهني قبل أن تمس جيبه. وحين تتحوّل الفكرة إلى تجارة، والمعرفة إلى وسيلة للشهرة، يفقد العلم قدسيته، ويصبح المتعلم مستهلكًا للوهم لا حاملًا للنور.
6609
| 27 أكتوبر 2025
في زمنٍ تتسارع فيه التكنولوجيا وتتصارع فيه المفاهيم، باتت القيم المجتمعية في كثيرٍ من المجتمعات العربية أقرب إلى «غرفة الإنعاش» منها إلى الحياة الطبيعية. القيم التي كانت نبض الأسرة، وعماد التعليم، وسقف الخطاب الإعلامي، أصبحت اليوم غائبة أو في أحسن الأحوال موجودة بلا ممارسة. والسؤال الذي يفرض نفسه: من يُعلن حالة الطوارئ لإنقاذ القيم قبل أن تستفحل الأزمات؟ أولاً: التشخيص: القيم تختنق بين ضجيج المظاهر وسرعة التحول: لم يعد ضعف القيم مجرد ظاهرة تربوية؛ بل أزمة مجتمعية شاملة فنحن أمام جيلٍ محاط بالإعلانات والمحتوى السريع، لكنه يفتقد النماذج التي تجسّد القيم في السلوك الواقعي. ثانياً: الأدوار المتداخلة: من المسؤول؟ إنها مسؤولية تكاملية: - وزارة التربية والتعليم: إعادة بناء المناهج والأنشطة اللاصفية على قيم العمل والانتماء والمسؤولية، وربط المعرفة بالسلوك. - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية: تجديد الخطاب الديني بلغة العصر وتحويل المساجد إلى منصات توعية مجتمعية. - وزارة الثقافة: تحويل الفنون والمهرجانات إلى رسائل تُنعش الوعي وتُعيد تعريف الجمال بالقيمة لا بالمظهر. - وزارة الإعلام: ضبط المحتوى المرئي والرقمي بما يرسّخ الوعي الجمعي ويقدّم نماذج حقيقية. - وزارة التنمية الاجتماعية: تمكين المجتمع المدني، ودعم المبادرات التطوعية، وترسيخ احترام التنوع الثقافي باعتباره قيمة لا تهديدًا. ثالثاً: الحلول: نحو حاضنات وطنية للقيم: إن مواجهة التراجع القيمي لا تكون بالشعارات، بل بإنشاء حاضنات للقيم الوطنية تعمل مثل حاضنات الأعمال، لكنها تستثمر في الإنسان لا في المال. هذه الحاضنات تجمع التربويين والإعلاميين والمثقفين وخبراء التنمية لتصميم برامج عملية في المدارس والجامعات ومراكز الشباب تُترجم القيم إلى ممارسات يومية، وتنتج مواد تعليمية وإعلامية قابلة للتكرار والقياس. كما يمكن إطلاق مؤشر وطني للقيم يُقاس عبر استطلاعات وسلوكيات مجتمعية، لتصبح القيم جزءًا من تقييم الأداء الوطني مثل الاقتصاد والتعليم. رابعا: تكامل الوزارات:غرفة عمليات مشتركة للقيم: لا بد من إطار حوكمة ؛ • إنشاء مجلس وطني للقيم يُمثّل الوزارات والجهات الأهلية، يضع سياسة موحّدة وخطة سنوية ملزِمة. مؤشرات أداء مشتركة • تُدرج في اتفاقيات الأداء لكل وزارة • منصة بيانات موحّدة لتبادل المحتوى والنتائج تُعلن للناس لتعزيز الشفافية. • حملات وطنية متزامنة تُبث في المدارس والمساجد والمنصات الرقمية والفنون، بشعار واحد ورسائل متناسقة. • عقود شراكة مع القطاع الخاص لرعاية حاضنات القيم وبرامج القدوة، وربط الحوافز الضريبية أو التفضيلية بحجم الإسهام القيمي. الختام..... من يُعلن حالة الطوارئ؟ إنقاذ القيم لا يحتاج خطابًا جديدًا بقدر ما يحتاج إرادة جماعية وإدارة محترفة. المطلوب اليوم حاضنات قيم، ومجلس تنسيقي، ومؤشرات قياس، وتمويل مستدام. عندها فقط سننقل القيم من شعارات تُرفع إلى سلوك يُمارس، ومن دروس تُتلى إلى واقع يُعاش؛ فيحيا المجتمع، وتموت الأزمات قبل أن تولد.
6483
| 24 أكتوبر 2025
تُخلّف بعض اللحظات أثرًا لا يُمحى، لأنها تزرع في القلب وجعًا عميقًا يصعب نسيانه.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا للنخبة، كانت الصفعة مدوية! الغرافة تلقى هزيمة ثقيلة برباعية أمام الأهلي السعودي، دون أي رد فعل يُذكر. ثم جاء الدور على الدحيل، الذي سقط أمام الوحدة الإماراتي بنتيجة ٣-١، ليظهر الفريق وكأنه تائه، بلا هوية. وأخيرًا، السد ينهار أمام الهلال السعودي بنفس النتيجة، في مشهد يوجع القلب قبل العين. الأداء كان مخيبًا بكل ما تحمله الكلمة من وجع. لا روح، لا قتال، لا التزام داخل المستطيل الأخضر. اللاعبون المحترفون الذين تُصرف عليهم الملايين كانوا مجرد ظلال تتحرك بلا هدف و لا حس، ولا بصمة، ولا وعي! أما الأجهزة الفنية، فبدت عاجزة عن قراءة مجريات المباريات أو توظيف اللاعبين بما يناسب قدراتهم. لاعبون يملكون قدرات هائلة ولكن يُزج بهم في أدوار تُطفئ طاقتهم وتشل حركتهم داخل المستطيل الأخضر، وكأنهم لا يُعرفون إلا بالاسم فقط، أما الموهبة فمدفونة تحت قرارات فنية عقيمة. ما جرى لا يُحتمل. نحن لا نتحدث عن مباراة أو جولة، بل عن انهيار في الروح، وتلاشي في الغيرة، وكأن القميص لم يعد له وزن ولا معنى. كم كنا ننتظر من لاعبينا أن يقاتلوا، أن يردّوا الاعتبار، أن يُسكتوا كل من شكك فيهم، لكنهم خذلونا، بصمت قاسٍ وأداء بارد لا يشبه ألوان الوطن. نملك أدوات النجاح: المواهب موجودة، البنية التحتية متقدمة، والدعم لا حدود له. ما ينقصنا هو استحضار الوعي بالمسؤولية، الالتزام الكامل، والقدرة على التكيّف الذهني والبدني مع حجم التحديات. نحن لا نفقد الأمل، بل نطالب بأن نرى بشكل مختلف، أن يعود اللاعبون إلى جوهرهم الحقيقي، ويستشعروا معنى التمثيل القاري بما يحمله من شرف وواجب. لا نحتاج استعراضًا، بل احترافًا ناضجًا يليق باسم قطر، وبثقافة رياضية تعرف كيف تنهض من العثرات لتعود أقوى. آخر الكلام: هذه الجولة ليست سوى بداية لإشراقة جديدة، وحان الوقت لنصنع مجدًا يستحقه وطننا، ويظل محفورًا في ذاكرته للأجيال القادمة.
3252
| 23 أكتوبر 2025