رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
وأخيراً انكشف الغطاء(وهو مكشوف أصلاً لكن البعض لا يرى!) عن زيارة الرئيس أوباما لكل من إسرائيل ورام الله والأردن،والتي جاءت في 98% منها تأييداً لإسرائيل. ولأطروحاتها. ولرؤاها التسوية سواء مع الفلسطينيين أو العرب.بداية:أذكر تلك الحالة الأيفورية(الانبساط والفرح الشديدين) التي تلبّست العديدين من السياسيين والكتّاب والصحافيين العرب(بمن فيهم الفلسطينيين) في لصق الأوصاف المتفائلة كثيراً بأوباما بعد فوزه في ولايته الأولى في عام 2008.هؤلاء تفاءلوا واعتقدوا:أن أمريكا في عهده ستُنصف الفلسطينيين والعرب،وأنه سيتصدى للوبي الصهيوني في أمريكا. وأنها ستبدأ عهداً جديداً في العلاقات مع قضايا العالم، ووصل الأمر ببعضهم إلى إطلاق اسم أبو حسين عليه(تيمناً باسم والده) وأن أوباما أصلاً من إفريقيا ومن المسحوقين،وأن الدولة الفلسطينية ستقام في عهده،حتى إن الرئيس عباس اعتبر موضوع إقامتها(ديناً في عنق أوباما-في مخاطبته له في واشنطن في الأمم المتحدة وفق مقاييس الشهامة العربية!) والبعض صوّر أوباما(بالمسلم رغم اعتناقه للمسيحية!).
ترافق ذلك. وإمعاناً في الديماغوجية:أن الولايات المتحدة زادت من مراكز أبحاثها للدراسات التي تتناول العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية والإسلامية،ودعت الكثيرين من النشطاء العرب(خاصة من الشباب) لزيارتها...كل ذلك كان بهدف:الاقتراب من جواب السؤال:لماذا يكرهوننا؟أسهمت كلمتا الرئيس أوباما في أنقرة وفي جامعة القاهرة وتلفظه ببعض الكلمات العربية،واستشهاده بمعاني بعض الآيات القرآنية، وإصراره على وقف إسرائيل للاستيطان في الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية كشرط رئيسي لإعادة المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية....كل ذلك وغيره من السياسات المزيّفة أسهم في ازدياد حدة حالة(الانبساط الشديد) لدى أولئك المتفائلين. إلى الحد الذي أسقطوا فيه رغباتهم الشخصية على سياسات الرئيس أوباما.من جهة فالوقائع في منتهى الوضوح لمن يريد رؤيتها على حقيقتها دون تزويق ودون رتوش.من جهة أخرى:فإن بعض الحقائق من المفترض أن تصل إلى حدود اليقينيات العقلية والذهنية. فهي أصبحت بمثابة القوانين غير المكتوبة ومنها:أن الإدارات الأمريكية المختلفة لكافة الرؤساء الأمريكيين هي بمثابة الواجهات(ليس إلاّ) لصاحب الحكم الفعلي في أمريكا وهو:المجمع الصناعي العسكري بالتحالف مع رأس المال المالي على صعيد السياسات الخارجية ومنها:العلاقة مع إسرائيل.لذلك نرى أن كل إدارة أمريكية في عهد مطلق رئيس تطمح الوصول إلى مركز"الأشد إخلاصاً لإسرائيل".من جانبه يحاول كل رئيس أمريكي الوصول إلى هذه الصفة.لذا فإن محللينا يصفون كل إدارة أمريكية لأي رئيس جديد(بأنها الأخلص لإسرائيل)!في الحقيقة أن كافة الإدارات الأمريكية تُعتبر:(الأكثر إخلاصاً لإسرائيل).
لقد أجرت صحيفة"ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة"هآرتس"الإسرائيلية مؤخراً إحصاءات اقتصادية عن المساعدات المالية الأمريكية لإسرائيل على مدى63 عاماً، وخلصت إلى نتيجة مفادها:أن حجم المساعدات المالية الأمريكية على مدى هذه الفترة تساوي 113 مليار دولار (تساوي في الزمن الحالي 234 مليار دولار)،إضافة إلى أكثر من 19 مليار دولار كضمانات مالية أمريكية كي تنجح إسرائيل في تحصيل قروض في العالم.هذا عدا عن المساعدات العسكرية والتكنولوجية والعينية الأخرى. بالنسبة لزيارة أوباما،عكست الصحافة الإسرائيلية على مدى يومين حجم التأييد الأمريكي لإسرائيل، سواء في عناوين ومحتويات أعمدة الكتّاب:زلمان شوفال عنون مقالته:زيارة أوباما:الأمن الإسرائيلي قبل التنازلات(صحيفة إسرائيل هيوم 20/3/2013).تسفي برئيل كتب في نفس الصحيفة والتاريخ مقالةً بعنوان:"جاء ليقول سلاماً لا ليفعل".نداف إيال كتب في صحيفة"معاريف"(20/3/2013) مقالاً يقول فيه:"ثمة كتّاب أمريكيون هامون يقولون إن أوباما جاء إلى المنطقة كسائح.احترامهم محفوظ،ولكن بتواضع شرق أوسطي نقول:لا يمكن لرئيس أمريكي أو أي زعيم دولي أن يأتي كسائح إلى إسرائيل،فلا يمكنه أن يكون سائحاً عندما تطأ قدمه أرض إسرائيل(تصورا الغرور).عوزي رابي في موقع إلكتروني إسرائيلي(21/3/2013) وصف زيارة أوباما بأنها"صحوة أمريكية"،جدعون ليفي في صحيفة"هآرتس"(21/3/2013) وصف أوباما بــ"المسيح المخلّص".إبراهام بن تسفي كتب في صحيفة"إسرائيل هيوم"(21/3/2013)مقالة بعنوان:إسرائيل جزيرة استقرار: قال فيها:كان كلام أوباما في أثناء المراسم في مطار بن غوريون يشبه توبة وإصلاحاً حينما وسّع الحديث عن تراب الشعب اليهودي القديم وعن الجذور التاريخية العميقة للصلة بأرض الآباء.يأمل أوباما أن تجعل هذه الإستراتيجية الجديدة،إسرائيل أكثر ارتياحاً وسكوناً فيما يتعلق بالتزام أمريكا: أن تواجه بكامل الحزم جملة الأخطار والتحديات الإقليمية التي تتعرض لها إسرائيل".
أوردت ببعض التوسع ما عكسه الكتّاب الإسرائيليون في مقالاتهم عن نتائج زيارة أوباما الفعلية والتي تتلخص في جملة واحدة:المزيد من التأييد لإسرائيل في كافة المجالات:الأمن. القوة العسكرية والتسليحية. التقدم التكنولوجي.حق إسرائيل في"يهودية دولتها"الالتزام الكامل بوجود إسرائيل، وأن على الدول العربية أن تقوم بالتطبيع مع إسرائيل حتى في ظل استيطانها. الذي لا يعتبر وقفة شرطاً لإعادة التفاوض الفلسطيني معها.على الفلسطينيين والعرب الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل.حركتا حماس وحزب الله هما فصيلان إرهابيان.وغير ذلك من أقوال التأييد الكامل لإسرائيل.زيادة في رجحان كفة الميزان في التأييد لإسرائيل: حرص أوباما على حل الخلاف التركي – الإسرائيلي فقد اتصل من هاتفه الخاص بأردوغان ليحثه على إعادة أفضل العلاقات مع الدولة الصهيونية ثم ناول الهاتف لنتنياهو بعد أن شجّعه على تقديم اعتذار شكلي لتركيا. وبالفعل عادت العلاقات بين البلدين(والتي لم تنقطع يوما) إلى شكل أفضل من السابقة. لمن لا يعرف: هذا هو حرص أوباما على إسرائيل عكسا لما يسمى بوجود(تناقضات!) بين أوباما ونتنياهو.
هناك فرق جوهري بين الكتّاب الإسرائيليين والبعض من الكتّاب العرب. المتفائلين في الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية وعموم القضايا العربية، بينما الإسرائيليون يرون الواقع كما هو وعلى حقيقته.نقول ذلك لأن موجة التفاؤل عادت إلى الأذهان لدى العديدين: من خطاب أوباما بمناسبة بداية ولايته الثانية، إذ بدأ الحديث عن تحرره من ضغوط اللوبي الصهيوني، وعن تناقضه مع نتنياهو، وعن إستراتيجية أمريكية جديدة ونهج سياسي جديد تخطته الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة إن بالنسبة للوطن العربي أو بالنسبة للقضايا الدولية. ماذا أثبتت زيارة أوباما لإسرائيل؟ كشفت حقيقة عن تطابق السياستين الإسرائيلية والأمريكية فيما يتعلق بالنسبة للمشروع النووي الإيراني. وفيما يتعلق بالموقف من سوريا.أوباما كان واضحاً في مؤتمره الصحفي مع نتنياهو عندما قال:إن سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران هي في منعها من امتلاك السلاح النووي وليس احتواءه(والفرق كبير بين التعبيرين) وأن كل الخيارات مطروحة بما فيها:الخيار العسكري. نعم هناك اختلاف في التقييمات بين السياسيين الإسرائيليين وبعض أمثالهم من الفلسطينيين والعرب.فأولئك يبتزون أي رئيس أمريكي. يقولون له: نعم ولكنهم يطالبونه بالمزيد من الخطوات ولو عن طريق الابتزاز،فما يفعله الرئيس الأمريكي دائماً"ليس كافياً"أما بعض سياسيينا فيراهنون على كل همسة من مسؤول أمريكي، ويبنون أحلاماً وتوقعات غير حقيقية عليها:الرئيس الفلسطيني قام بتأجيل طرح عضوية المراقب الدولة فلسطين في الجمعية العامة لما بعد الانتخابات الأمريكية بطلب من أوباما،أملاً في كسب الموافقة الأمريكية على الطلب الفلسطيني...ولكن خاب ظنه.كذلك قام بتأجيل إقامة حكومة مؤقتة وتحديد موعد انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية وذلك وفقاً لاتفاق القاهرة الأخير مع حماس إلى ما بعد انتهاء زيارة أوباما!
أوباما زار مناطق السلطة لبضع ساعات فقط(الزيارات جاء رفع عتب) ولم يزر ضريح عرفات. مع أنه زار ضريح هرتزل ورابين(شريك عرفات في اتفاقيات أوسلو) وزار المتحف اليهودي(رغم سرقة مخطوطات فلسطينية هي الآن موجود فيه) وزار نصب(محرقة اليهود-إياد فاشيم) ولم ير التمييز العنصري ضد الفلسطينيين! ورفض استقبال عائلات أسرى فلسطينيين في السجون والمتعقلات الصهيونية.كلامه عن دولة فلسطينية كان حديثاً عاماً. وهو يدرك أنها لن تقوم! فلقد سبق لبوش الابن وكلينتون أن: وعدا بإقامتها ولم تقم، وراهن الحالمون على وعودهما. تماماً مثلما يراهنون على وعود أوباما.ولكن الكل خيّب آمالهم وتوقعاتهم.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6510
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3435
| 12 أكتوبر 2025