رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كان لليمن ثورة في 11 فبراير 2011 أطاحت بالرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وجرى الترتيب لرحيله وللمرحلة اللاحقة له بطريقة تجنب البلاد المزيد من الدماء والخسائر، مقابل منحه الحصانة من المساءلة، وعبر مبادرة خليجية حظيت حينها بموافقة من القوى السياسية اليمنية.
مثله مثل كافة الديكتاتوريين الآخرين حاول صالح بعد أن خرج من الباب أن يعود من الشباك مستغلا كافة الثغرات، بحكم ولاء كثير من الشخصيات العسكرية والأمنية له، وعمق جذور الدولة العميقة وتوظيف المال السياسي، وإضعاف نفوذ الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتخويف من إرهاب القاعدة.. فكان له ما أراد من خلال التحالف مع الحوثيين الذين تصدروا الواجهة قبل شهور بدعم إيراني وسيطروا على المدن والسلاح بما في ذلك صنعاء إلى أن وصلوا إلى دار الرئاسة وفرض شروطهم بالقوة، ثم ما كان من استقالة الحكومة والرئيس هادي، لتكون اليمن في مهب الريح خلال هذه الأيام.. فراغ في الدولة من أشكال القوة السيادية، وفراغ في السلطة الانتقالية، وعاصمة تعصف الرياح فيها وتصفّر.
أكثر من ذلك من الواضح أن ما حصل من قبل المخلوع صالح والحوثيين يحظى بمباركة شبه معلنة أو ضمنية من الولايات المتحدة، ومما يسمى المجتمع الدولي أيضا في إطار ترتيب إقليمي مع النظام الإيراني، والدليل على ذلك تصريح البيت الأبيض مؤخرا بأنه ليس واضحا للإدارة الأمريكية ما إن كانت لإيران سيطرة على الحوثيين من جهة، واستمرارها في التعاون مع اليمن لمحاربة الإرهاب من جهة أخرى، وسكوتها طيلة الأشهر الماضية عن تقدم الحوثيين وسيطرتهم على المحافظات اليمنية بما في ذلك العاصمة صنعاء، وعلى القرار السياسي وسلاح ومقدرات الجيش اليمني بتواطؤ من بعض قادة الأخير.
لا أحد يعرف ما إذا كانت استقالة الرئيس اليمني بمحض إرادته ليقلب الطاولة على رؤوس من أهانوا كرامته وطلبوا منه التوقيع على مراسيم سيادية، أم كتبها تحت الضغط ليصل الحوثيون ومعهم المخلوع صالح للحكم مرة أخرى، عبر مجلس رئاسي أو خلافه، مجهضين ضمنا ثورة شعب انتفض ضد الظلم والتسلط والفساد في أجهزة الدولة ونهب مقدراتها.
لكن من الثابت أن اليمن يعيش أياما عصيبة جدا، تهدده بأمور مهمة كثيرة، منها الفوضى والاقتتال الأهلي على خلفيات مذهبية وقبلية، والتمزق والتشرذم إلى دويلات وأشطار، وقد بدأت نذر هذا الأمر تلوح في الأفق، فالأقاليم تتحدى المركز، وترفض الطاعة، ويتكتل بعضها في مواجهة بعض، وبعضهم يتحدث عن نفخ الروح فيما كان يسمى باليمن الجنوبي، والتكهنات حول الوضع القادم ورسم ملامح اليمن القادم ضبابية، بل قاتمة السواد، وتنذر بما لا يحمد عقباه.
وكل ما ذكر سابقا يعتبر من أهم مهددات اليمن وأبرز التحديات القادمة التي تنتصب في وجهه، فيما يسارع كل طرف لتنفيذ أجندته، وتحقيق مآربه في ظل خلط الأوراق المتواصل، بينما يغيب تأثير القوى السياسية الكبيرة، والحضور والتأثير الخليجي في مجريات هذه التطورات المتسارعة.
قد يكون إيصال هذا الوضع إلى ما آل إليه ـ بغض النظر عن المخاطر المحدقة باليمن ـ يوافق رغبة أمريكية أو بمثابة اللحظة المناسبة لتحقيق أجندات معينة في ذهننا، أو يوافق رغبة المخلوع للعودة للحكم أو للتأثير في القرار السياسي، أو الحوثيين للوصول لحكم اليمن منفردين أو مشاركين أو لتضخيم حصتهم من كعكة المصالح، وتأمين موطئ قدم لداعميهم في خليج عدن والبحر الأحمر، وقد يوافق ذلك أو يعد ذلك اللحظة المناسبة لبعض الراغبين في تقسيم اليمن الموحّد، بعض النظر عن الدوافع التي حملتهم على ذلك. لكن اليمن الآمن المستقر الموحد كدولة مدنية تنشد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما أرادها شباب ثورة، 11 فبراير 2011، وكما يرجوه كل عاقل لبلاده قد تكون أكثر المتضررين والمتأثرين بما يحدث.
من الواضح أن هناك رفضا شعبيا لتحالف (صالح ـ الحوثي) وقد تمثل ذلك في المظاهرات الشبابية الكبيرة في صنعاء وتعز وإب وعدن وغيرها، ورفض كثير من الأقاليم تلقي الأوامر من صنعاء بعد استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي، فيما يشبه مواجهة للثورة المضادة لثورة 11 فبراير، لكن الأمر يتطلّب من كل الخيّرين والوطنيين في اليمن تواصل اليقظة والحراك الثوري ومزيدا من الإبداع في رفض ومواجهة "تحالف الثأر والانتقام"، ومن جيرانه الخليجيين والعرب أن يقفوا وقفة جادة وقوية حتى لا يبقى اليمن في التيه وينزلق إلى ما لا تحمد عقباه، خصوصا إذا كان تحرك تحالف (صالح ـ الحوثي) متواصلا بدعم إيراني وغطاء أمريكي، وفق لعبة تقاسم النفوذ والمصالح كما حدث ويحدث في العراق وسوريا وغيرها.
اليمن أمام مقتضيات لحظة تاريخية بالغة الحساسية.. والوقت محسوب بدقة، فإما أن يسارع الشعب اليمني، وفي مقدمتهم الشباب الثوار والنشطاء ومن ضمنه الفعاليات والأحزاب والنخب.. لقول كلمتهم والتعبير عن إرادتهم الرافضة لمخططات الهيمنة وإجهاض روح ثورة فبراير، أو يتأخر أو يتناحر فيما بينه ولا يلتقي على كلمة سواء فيدخل بلاده في نفق مظلم.
وكما هي لليمن فإن هذه اللحظة التاريخية مهمّة أيضا لدول الجوار (الدول الخليجية) والدول العربية، إذ ينبغي أن تقف إلى جانب أمن واستقرار ووحدة اليمن، لأن أمنها كدول ومنظومة مجتمعة من أمنها، كي لا تضيع اليمن كما ضاعت دول عربية قبلها، حينما دخلت كليا أو جزئيا في حظيرة النفوذ الإيراني والتقاسم الدولي.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
ماذا يعني أن يُفاجأ أولياء أمور بقرار مدارس أجنبية رائدة في الدوحة بزيادة تتراوح بين 30% و75% أُعلن عنها في تاريخ 20 أكتوبر الماضي ويجب تطبيقها في الفصل الدراسي الثاني على وجه السرعة؟! ماذا يعني أن يجد هؤلاء الآباء أنفسهم أمام قرار لا يساعدهم على نقل أبنائهم لمدارس أجنبية أخرى في الفصل الدراسي الثاني ومن المفترض أن يدفعوا مبلغ 17 ألف ريال قطري عوضا عن سبعة آلاف ريال كانت تدفع بجانب الكوبون التعليمي لكل طالب قطري الذي يُقدّر بـ 28 ألف ريال وباتت زيادة العشرة آلاف ريال تمثل عبئا على رب الأسرة فجأة بعد أن أصبحت 17 ألف ريال ودون إشعار مسبق؟! ولم هذا القرار والطلاب على وشك إنهاء الفصل الأول وإدارات هذه المدارس تعلم بأن الآباء سوف يمتثلون في النهاية لهذا القرار غير المبرر له لصعوبة إلحاق أبنائهم إلى مدارس أجنبية أخرى أقل في التكاليف التي زادت فجأة ودون إنذار مسبق لطلب الزيادة في مخالفة واضحة للتعميم رقم (21/2023) وكأنها تلزم الآباء إما أن تدفعوا أو اتركوا أبناءكم في البيوت في هذا الوقت الحرج مع بداية الفصل الثاني رغم أن هذه المدرسة قامت بمخالفة تنظيمية كونها لم تنشر جدول الرسوم المعتمدة للسنة الدراسية كاملة مخالفة لتعميم رقم (11/2025) وفرضت رسوما إضافية غير معتمدة عند تقديم التسجيل أو الاختبارات أو التسجيل والموارد كما فرضت رسوما غير قانونية على اختبارات قبول مرحلتي الروضة والتمهيدي مخالفة لتعميم عام 2022؟!. كل ما قيل أعلاه هي مجموعة شكاوى كثيرة وعاجلة من أولياء الأمور تقدموا بها لوزارة التربية والتعليم بعد أن قامت مدارس عالمية أجنبية في قطر بفرض هذه الزيادة في الرسوم بواقع 17 ألفا يجب أن يدفعها كل ولي أمر من حر ماله بجانب ما يُصرف للطالب من كوبون تعليمي بقيمة 28 ألف ريال بعد أن كان يدفع سبعة آلاف ريال فقط بجانب الكوبون كل عام فهل هذا معقول؟! وبات السؤال الأكبر الذي يعلق عليه أولياء الأمور هل بات التعليم مجانيا فعلا لأبنائنا في ظل هذه التجاوزات التي تمارسها إدارات المدارس الأجنبية التي تحظى بعدد كبير من الطلبة القطريين ولم اختارت أن تكون هذه الزيادة في منتصف السنة الدراسية رغم علمها بأن هذا الأمر يربك الآباء ويضعهم في دائرة سوء التخطيط من حيث إيجاد مدارس بديلة في هذا الوقت الحرج من العام الدراسي ناهيكم عن إرباكهم بدفع 17 ألف ريال لكل طالب بعد أن كانت سبعة آلاف ريال فقط بينما كان مبلغ الكوبون التعليمي من الدولة يسد بباقي الرسوم المطلوبة؟! أنا شخصيا أجد الأمر مربكا للغاية وإصرار هيئات هذه الإدارات على أنها حصلت على موافقة الوزارة على هذه الزيادات في الرسوم يزيد الحيرة لدينا أكثر خصوصا وأنه لم يخرج مصدر رسمي من الوزارة ليرد على هذه الشكاوى التي وصلت لإدارات هذه المدارس بجانب ما يتم نشره على وسائل التواصل الاجتماعي من أسئلة تنتظر إجابات من المعنيين في الوزارة وعلى رأسها سعادة السيدة لولوة الخاطر التي تلقى احتراما وتقديرا لها ولجهودها التي بذلتها منذ استلامها هذا المنصب القدير بشخصية مثلها. ولذا فإننا نأمل من سعادتها أن تجد حلا سريعا وناجعا لفحوى هذه المشكلة التي تؤرق بيوت كثير من المواطنين القطريين الذين يلتحق أبناؤهم بهذه المدارس التي تقع تحت مظلة الوزارة من قريب ومن بعيد وهي ليست بالمشكلة التي يجب أن تنتظر لأن مستقبل الأبناء يقف على قرار يطيح بقرارات الزيادة غير المسبوقة والتي لم يتم إخطار الآباء بها قبل بدء العام الدراسي لترتيب أوراق أبنائهم قبل التحاقهم بهذه المدارس الماضية في قراراتها الفجائية وغير مبالية بكم الاعتراض الذي تواجهه بصورة يومية من الآباء وعليه فإننا على ثقة بأن وزارة التربية والتعليم سوف تعطي زخما إيجابيا للشكاوى كما نأمل بإذن الله.
5955
| 11 نوفمبر 2025
ليش ما يمديك؟! بينما ممداني زهران، الشاب ذو الأصول الأوغندية، صار اليوم عمدة نيويورك. لم يولد هناك، بل جاءها مهاجرًا يحمل حلمه في حقيبة سفر، بلا جنسية ولا انتماء رسمي. حصل على الجنسية الأمريكية عام 2018، وبعد سبع سنوات فقط أصبح نائبًا في برلمان ولاية نيويورك وأحد أبرز الأصوات الشابة في المشهد السياسي الأمريكي. عمره اليوم 34 سنة فقط، لكنه أصبح نموذجًا يُثبت أن الإرادة حين تتجذر في النفس وتُروّى بالجد والاجتهاد، تصنع المعجزات.ولا حاجة لأن احكي عن معاناة شابٍ مهاجرٍ في مدينةٍ كـنيويورك، بكل ما تحمله من صعوباتٍ وتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية. والآن ماذا عنك أنت؟ ما الذي ينقصك؟ هل تفتقد التعليم؟ قطر وفّرت لك واحدًا من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط والعالم، وجلبت إليك أرقى الجامعات العالمية تخدمك من امام عتبة بيتك، بينما آلاف الشباب في نيويورك يدفعون مبالغ طائلة فقط ليحصلوا على مقعد جامعي… وربما لا يجدونه. هل تفتقد الأمان؟ قطر تُعد من أكثر دول العالم أمانًا وفقًا لمؤشرات الأمن الدولية لعام 2025، بينما تسجّل نيويورك معدلات جريمة مرتفعة تجعل من الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا. هل تفتقد جودة الحياة؟ قطر من أنظف وأجمل دول العالم، ببنية تحتية حديثة، وطرق ذكية، ومترو متطور يربط المدن بدقة ونظام. أما نيويورك، فتعاني من ازدحامٍ وضوضاءٍ وتراجعٍ في الخدمات العامة، والفرق يُرى بالعين المجردة. هل تفتقد الدعم والرعاية؟ قطر من أعلى دول العالم في متوسط دخل الفرد، بينما في شوارع نيويورك ترى المشردين والمدمنين ينامون على الأرصفة. أما في قطر، فالدعم لا يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الرعاية الصحية المتقدمة التي أصبحت من الأفضل عالميًا. فالنظام الصحي القطري يُعد من الأكثر تطورًا في المنطقة، بمستشفياتٍ حديثةٍ ومعايير طبيةٍ عالمية، ورقمنةٍ شاملةٍ للخدمات الصحية تسهّل وصول كل مواطنٍ ومقيمٍ إلى العلاج بأعلى جودة وفي أسرع وقت. وتُعد مؤسسة حمد الطبية ومستشفى سدرة للطب ومراكز الأبحاث والمراكز الصحية المنتشرة في كل مدينة نموذجًا لاهتمام الدولة بصحة الإنسان باعتبارها أولوية وطنية. إنها دولة تجعل من كرامة الإنسان وصحته وتعليمه أساسًا للتنمية، لا ترفًا أما الفرص، فحدّث ولا حرج. بلدك تستثمر في شبابها بلا حدود وتفتح لهم كل الأبواب داخلياً وخارجياً في كل مؤسسات الدولة وقطاعاتها. وهذا ليس كلاماً نظرياً بل هناك تطبيق عملي وقدوة حاضرة. فقطر أميرها شاب، ووزيرها شباب، وأركان دولتها شباب محاطون بالخبرات والكفاءات. أما هناك، في نيويورك، فالشباب يقاتلون وسط منافسة شرسة لا ترحم، فقط ليجدوا لأنفسهم مكانًا… أو فرصةً ليتنفسوا الهواء. فما هو عذرك إذًا؟ ممداني نجح لأنه عمل على نفسه، ولأن أسرته زرعت فيه حب المسؤولية والاجتهاد. أما أنت، فأنت اليوم في وطنٍ منحك ( الجنة التي في الأرض ) وكل ما يتمناه غيرك: الأمن والأمان والرغد في العيش والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية التي تُحلم بها شعوب الأرض. الفرق ليس في الظروف، بل في القرار. هو قرر أن يبدأ… وأنت ما زلت تنتظر “اللحظة المناسبة”. لا تنتظر الغد، فالغد لا يصنعه إلا من بدأ اليوم. لا تقول ما أمداني.. لأنه لن يمديك بعد هذا كله.. وإذا تقاعست نفسك تذكر ممداني الحقيقي.
4431
| 11 نوفمبر 2025
في السودان الجريح، لا تشتعل النيران في أطراف تلك الجغرافيا فحسب، بل تمتد لتأكل الكيان العربي وضميره الخامل، فهذا الوطن العريق الغني بالثروات الطبيعية والبشرية أنهكته الصراعات حتى غدت أجهزته كجسدٍ بلا رأس، تتنازعها الصراعات وتعدد الولاءات وتتقاذفها الأهواء والامزجة، ومن يتأمل المشهد اليوم يدرك أن الأزمة في السودان لم تكن وليدة صدفة، بل نتيجة حتمية لتراكم طويل من الخلل والضعف المنبثق ابتداءً من الصراعات السياسية في القرن العشرين حتى اليوم حيث الصراع بين الشرعية و قوات الدعم السريع. فالأزمة السودانية ليست خلافًا محليًا على سلطة أو موارد، بل هي صورة مكبّرة لأزمة أوسع تضرب الجسد العربي كله، فعلاً هي أزمة في العقل العربي، فما زال بعض الأطراف ذو العلاقة بالأزمة والتأثير الإقليمي يتعامل مع السودان بوصفها غنيمة، لا منظومة عربية تحتاج الى استقرار، فعندما يفشل العقل العربي الجمعي في الترويج والسعي الى بناء مؤسسات عربية حقيقية، نجد أن البعض يُقصي الكفاءات لحساب الولاءات السياسية، ويتّخذ القرار الاستراتيجي من موقع الانفعال والمزاجية والحقد الدفين لا من منطق التخطيط السليم، فإنه بذلك يزرع بذور الفوضى في كل أرض عربية، والسودان اليوم إحدى ثمار تلك البذور. لذلك فإنّ ما يحدث في السودان ليس معزولًا عن السياق العربي العام وصراعاته، بل هو امتداد لنمطٍ مألوف من الإخفاق العربي في احتواء الأزمات والسعي الى بناء الدولة وحماية السلطة والشرعية، فالأزمة هناك ليست صراعًا داخليًا فقط، بل نتاج تداخل إراداتٍ خارجيةٍ تحاول إعادة إنتاج الفوضى في السودان والعالم العربي. فلقد تحوّل السودان، في لحظةٍ مأساوية، إلى ساحة تصفية حساباتٍ إقليمية، يُدفع ثمنها من دم المدنيين وأشلاء الأبرياء، والمدافع تُطلق في السودان، لكن العقول التي تُحرّكها تقيم في عواصم أخرى، تلك التي تملك المال والإعلام والسلاح، وتتوهم أن تفكيك السودان سيمنحها دورًا أكبر في الإقليم الشرق أوسطي. ومع الأسف فإنّ بعض الأنظمة أو الإدارات العربية ما زالت غارقة في تراث الحكم الغريزي الثأري، فلا تفكر بمنطق الدولة الحديثة المبنية على تصدير الايجابي من العلاقات المثمرة مع الدول الأخرى، بل تفكر بمنطق الهيمنة القديمة، فترى في ضعف السودان فرصةً لمرادها، وفي فوضاه مجالًا لتوسيع نفوذها ولو كان ذلك بإشعال نار الفتن، وهنا تكمن المأساة الأكبر حين تتحول بعض الإدارات العربية إلى غرف تحكمٍ لأزمات الآخرين بدل أن تكون منصاتٍ للحلول وإحلال السلام والتآخي، وحين ينسى بعض القادة أن دعم الشرعية في السودان ليس خيارًا سياسيًا، بل واجب أخلاقي وإنساني لحماية فكرة الدولة العربية نفسها. والمذابح التي يشهدها السودان جريمة ضد الإنسانية، وإن الصمت العربي عنها جريمة ضد الوعي والتاريخ، لأنّ من يترك دولةً عربية تسقط دون أن يساند شرعيتها، يوقّع من حيث لا يدري على سقوط القيم العربية المشتركة. فلتكن نصرة السودان اليوم دفاعًا عن الدولة والضمير الانساني لا عن الأشخاص، ودفاعاً عن الشرعية، وعن العقل العربي الذي آن له أن يخرج من أسر الصراعات والحقد الدفين إلى وعيٍ إداريٍ جديدٍ يؤمن أن قوة الأمة العربية تبدأ من وحدة مؤسساتها لا من هدم البلاد والعباد.
2469
| 05 نوفمبر 2025