رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أعلنت الحكومة الفلبينية عن توصلها إلى اتفاق تاريخي مع جبهة مورو للتحرير الإسلامي يوم 26 يناير الجاري، ينهي الصراع المسلح المستمر منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، والذي خلف أكثر من 150 ألف قتيل. وبعد سنوات من المفاوضات تم التوصل إلى هذا الاتفاق التاريخي الذي سوف يوقع خلال الأيام المقبلة في العاصمة الفلبينية، مانيلا. وينص الاتفاق على إقامة منطقة ذاتية الحكم في جزيرة مينداناو التي تقطنها أغلبية مسلمة، وفقا لصحيفة (ذي انكيرير) المحلية.
ويعد هذا الاتفاق الذي يمثل رابع وآخر نقطة في المفاوضات المستمرة منذ 13 عاما التقدم الأكثر أهمية بعد التوصل لوقف إطلاق النار في أغسطس عام 2001، رغم عدم توقف المواجهات. وتعهدت جبهة مورو بتسليم السلاح مقابل الحكم الذاتي للمنطقة الواقعة جنوبي الفلبين، حسبما ذكر مفوضون من الجانبين يوم السبت الماضي في العاصمة الماليزية، كوالالمبور، التي تستضيف محادثات السلام بين الطرفين.
وكانت الحكومة الفلبينية وقعت مع المتمردين الإسلاميين اتفاقاً مُهِمًّا لتقاسم السلطة، وهو الاتفاق الذي مهّد الطريق للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي ينهي التمرد المستمر منذ أربعة عقود. وجاء في بيان مشترك أن المفاوضين من الجانبين وقعوا على "الاتفاق حول تقاسم السلطة بين الحكومة المركزية وحكومة باسنغسامورو (المسلمون الفلبينيون) في كوالالمبور يوم 8 ديسمبر 2013. وقالت تيريسيتا ديليس رئيسة لجنة السلام الحكومية إن "التوقيع على ملحق تقاسم السلطة يضمن تحقيق حكم ذاتي حقيقي وقابل للحياة في بانغسامورو".
وكان التوصل إلى هذا الاتفاق يشكل إحدى العقبات الرئيسية في المحادثات بين الحكومة وجبهة تحرير مورو الإسلامية التي تسعى إلى الحصول على سلطات أكبر في منطقة الحكم الذاتي المقترحة في الجنوب والتي تشمل المناطق التي يهيمن عليها المسلمون في الأرخبيل الذي يسكنه 100 مليون شخص يدين معظمهم بالمسيحية. وبموجب ذلك الاتفاق يتخلى 12 ألف عنصر من جبهة مورو الإسلامية عن سعيهم للحصول على وطن مستقل في جزيرة مينداناو الجنوبية مقابل تقاسم السلطة والثروة بشكل كبير في المنطقة الجديدة ذات الحكم الذاتي هناك.
ويعتبر ذلك الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه واحداً من أربعة اتفاقات أولية، كان يجب إبرامها قبل التوقيع على اتفاق نهائي للسلام.
في نهاية عقد التسعينيات من القرن الماضي، لعبت ليبيا دوراً مركزياً، بل مفتاح في تحقيق التسوية السياسية بين الحكومة الفلبينية وجبهة مورو الإسلامية للتحرير.
فقد جرت المحادثات في طرابلس في عام 1996 تحت رعاية الحكومة الليبية، وشارك فيها عن الحكومة نائب الرئيسة الفلبينية وزير الخارجية تيوفيستو غيغونا، وعن جبهة مورو قائدها العسكري محمد مراد، وأسفرت تلك المحادثات عن توصل الطرفين إلى اتفاق سلام ينص على وقف إطلاق النار، وتسوية سياسية للنزاع بينهما، وعلى "اختفاء أي وجود عسكري للسلطة ولثوار مورو في الجنوب"، وكذلك على "عودة اللاجئين وتحويل المعسكرات لمناطق للتنمية الاقتصادية وإعادة الإعمار في هذه المنطقة".
ومن المعروف سياسياً وتاريخياً أن جبهة مورو للتحرير الوطني، وهي حركة إسلامية انفصالية في جنوب الفلبين تأسست عام 1971 ونالت دعماً مالياً وعسكرياً من ليبيا، الأمر الذي ساعد على تكثيف وتشديد المقاومة في جنوب الفلبين وتحديداً في جزيرة منداناو ضد نظام الديكتاتوري السابق فرديناند ماركوس.
وكان قائد جبهة مورو نور ميسواري قد أقام في ليبيا لبضع من الوقت، وهو الآن حاكم جزيرة مانداناو، التي تتمتع بقدر معين من الحكم الذاتي، قد خاض حرب عصابات طويلة ضد نظام ماركوس. واضطرت حكومة الفلبين آنذاك للاعتراف بجبهة مورو للتحرير الوطني، وإلى إجراء مفاوضات معها، تمخض عنها إبرام أول اتفاق في طرابلس الغرب وبواسطة ليبية عام 1976 تعهدت ليبيا بموجبه بتقديم مساعدات مالية كبيرة لتمكين حكومة الفلبين من الالتزام بالحل الذي اتفق عليه.
وبعد أن أبرمت جبهة مورو اتفاق سلام مع حكومة مانيلا عام 1996 سبقه في ذلك إجراء استفتاء حول الحكم الذاتي، صوت له أغلبية السكان بنعم عام 1998. والحال هذه، فإن هذه "الوصاية" الليبية على جبهة مورو، قد سمحت للعقيد القذافي بأن يلعب دور الوسيط بين الإسلاميين المتمردين في جنوب الفلبين وحكومة ماركوس، المهمومة بعدم فقدان مورديها من البترول. ولعبت ليبيا بموافقة منظمة المؤتمر الإسلامي دور العراب في التوصل إلى إبرام اتفاق الحكم الذاتي، الذي تم توقيعه في ديسمبر عام 1996 في طرابلس بحضور العقيد القذافي نفسه، الذي وضع حداً لـ 26 عاماً من الحرب الأهلية، سقط خلالها أكثر من 150 ألف شخص، وأحدثت شرخاً عميقاً من الحقد الديني بين المسلمين والكاثوليك، خاصة في الجزء الجنوبي من الفلبين. ونص ذلك الاتفاق على منح أربعة عشرة إقليماً جنوبياً من أصل 23 إقليماً حكماً ذاتياً بعد استفتاء عام 1999. وتمكنت منظمة المؤتمر الإسلامي من خلال دور إندونيسي من إقناع نور يسواري بقبول الصيغة الأخيرة للاتفاق باعتبارها تشكل الحد الأقصى الذي يمكن أن توافق عليه حكومة فلبينية. هذا فيما يتعلق بالماضي.
ونظراً للعلاقة التاريخية التي تربطها بالحركة الإسلامية الفلبينية وللإمكانيات المالية التي تغذي طموحاتها, فإن ليبيا كانت هي المؤهلة أكثر من سواها من البلدان الإسلامية لكي تلعب دور الوسيط في قضية الرهائن العام 2001 وإلى تحقيق التسوية الأخيرة. وهذا الدور الذي لعبته ليبيا ينسجم كلياً مع نهج العقيد القذافي، الذي أصبح شغوفاً بلعب دور المساعي الحميدة خلال السنوات الأخيرة من حكمه، فقد لعب هذا الدور في التشاد والسودان والكونغو الديمقراطية.
ولا شك أن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار أتاح للسلطات الفلبينية التفرغ لمواجهة مجموعة "أبو سياف" في جزيرة باسيلان جنوب الفلبين.
وتمثل مجموعة "أبو سياف" انشقاقا عن جبهة مورو للتحرير الوطني، واتخذت اسم جبهة مورو الإسلامية للتحرر، ورفضت اتفاق السلام المبرم عام 1996.
لقد خرج "أبو سياف" عن الاتفاق الذي تم بين الحكومة وجبهة تحرير مورو، وفتح جبهة لحسابه في الأدغال، مواصلاً "الجهاد" ضد الطرفين معاً. وتستقطب مجموعة "أبو سياف" الشباب العاطل عن العمل، حيث تنتشر البطالة بقوة في المناطق الإسلامية التي لا تحظى باهتمام يذكر من جانب السلطة المركزية في مانيلا.
وكانت مجموعة "أبو سياف" قد تأسست في جزيرة باسيلان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي على يد الداعية الإسلامي عبد الرزاق جنجلاني أصيل سكان جزيرة جولو، لكن بعد موت هذا الأخير انقسمت المجموعة إلى أربع زمر مستقلة تحت القيادة الاسمية لقذافي جنجلاني، شقيق عبد الرزاق.
وعلى الرغم من أن مجموعة "أبو سياف" قد تقدمت بمطالبها المتعلقة بالحكم الذاتي وبمطالب شعبوية أخرى مقابل إطلاق الرهائن المحتجزين من أجل الحصول على فدية، إلا أن احتجازها للرهائن لقي استهجاناً من المسلمين في الفلبين، ومن منظمة المؤتمر الإسلامي، ليس بسبب أسلوبها المافياوي فقط، وإنما بسبب ما ألحقته بسمعة قضية تحرير جنوب الفلبين من ضرر.
أخيراً يرى المحللون الغربيون أن التوقيع على هذا الاتفاق التاريخي الأخير، سيضع حدًّا نهائياً للحرب الأهلية في الفلبين، وسيفسح المجال لتنمية منطقة الحكم الذاتي الغنية بالموارد الطبيعية، لكن سكانها يعانون من الفقر الشديد.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
7881
| 13 أكتوبر 2025
انتهت الحرب في غزة، أو هكذا ظنّوا. توقفت الطائرات عن التحليق، وصمت هدير المدافع، لكن المدينة لم تنم. فمن تحت الركام خرج الناس كأنهم يوقظون الحياة التي خُيّل إلى العالم أنها ماتت. عادوا أفراداً وجماعات، يحملون المكان في قلوبهم قبل أن يحملوا أمتعتهم. رأى العالم مشهدًا لم يتوقعه: رجال يكنسون الغبار عن العتبات، نساء يغسلن الحجارة بماء بحر غزة، وأطفال يركضون بين الخراب يبحثون عن كرة ضائعة أو بين الركام عن كتاب لم يحترق بعد. خلال ساعات معدودة، تحول الخراب إلى حركة، والموت إلى عمل، والدمار إلى إرادة. كان المشهد إعجازًا إنسانيًا بكل المقاييس، كأن غزة بأسرها خرجت من القبر وقالت: «ها أنا عدتُ إلى الحياة». تجاوز عدد الشهداء ستين ألفًا، والجراح تزيد على مائة وأربعين ألفًا، والبيوت المدمرة بالآلاف، لكن من نجا لم ينتظر المعونات، ولم ينتظر أعذار من خذلوه وتخاذلوا عنه، ولم يرفع راية الاستسلام. عاد الناس إلى بقايا منازلهم يرممونها بأيديهم العارية، وكأن الحجارة تُقبّل أيديهم وتقول: أنتم الحجارة بصمودكم لا أنا. عادوا يزرعون في قلب الخراب بذور الأمل والحياة. ذلك الزحف نحو النهوض أدهش العالم، كما أذهله من قبل صمودهم تحت دمار شارك فيه العالم كله ضدهم. ما رآه الآخرون “عودة”، رآه أهل غزة انتصارًا واسترجاعًا للحق السليب. في اللغة العربية، التي تُحسن التفريق بين المعاني، الفوز غير النصر. الفوز هو النجاة، أن تخرج من النار سليم الروح وإن احترق الجسد، أن تُنقذ كرامتك ولو فقدت بيتك. أما الانتصار فهو الغلبة، أن تتفوق على خصمك وتفرض عليه إرادتك. الفوز خلاص للنفس، والانتصار قهر للعدو. وغزة، بميزان اللغة والحق، (فازت لأنها نجت، وانتصرت لأنها ثبتت). لم تملك الطائرات ولا الدبابات، ولا الإمدادات ولا التحالفات، بل لم تملك شيئًا البتة سوى الإيمان بأن الأرض لا تموت ما دام فيها قلب ينبض. فمن ترابها خُلِقوا، وهم الأرض، وهم الركام، وهم الحطام، وها هم عادوا كأمواج تتلاطم يسابقون الزمن لغد أفضل. غزة لم ترفع سلاحًا أقوى من الصبر، ولا راية أعلى من الأمل. قال الله تعالى: “كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”. فانتصارها كان بالله فقط، لا بعتاد البشر. لقد خسر العدو كثيرًا مما ظنّه نصرًا. خسر صورته أمام العالم، فصار علم فلسطين ودبكة غزة يلفّان الأرض شرقًا وغربًا. صار كلُّ حر في العالم غزاويًّا؛ مهما اختلف لونه ودينه ومذهبه أو لغته. وصار لغزة جوازُ سفرٍ لا تصدره حكومة ولا سلطة، اسمه الانتصار. يحمله كل حر وشريف لايلزم حمله إذنٌ رسمي ولا طلبٌ دبلوماسي. أصبحت غزة موجودة تنبض في شوارع أشهر المدن، وفي أكبر الملاعب والمحافل، وفي اشهر المنصات الإعلامية تأثيرًا. خسر العدو قدرته على تبرير المشهد، وذهل من تبدل الأدوار وانقلاب الموازين التي خسرها عليها عقوداً من السردية وامولاً لا حد لها ؛ فالدفة لم تعد بيده، والسفينة يقودها أحرار العالم. وذلك نصر الله، حين يشاء أن ينصر، فلله جنود السماوات والأرض. أما غزة، ففازت لأنها عادت، والعود ذاته فوز. فازت لأن الصمود فيها أرغم السياسة، ولأن الناس فيها اختاروا البناء على البكاء، والعمل على العويل، والأمل على اليأس. والله إنه لمشهدُ نصر وفتح مبين. من فاز؟ ومن انتصر؟ والله إنهم فازوا حين لم يستسلموا، وانتصروا حين لم يخضعوا رغم خذلان العالم لهم، حُرموا حتى من الماء، فلم يهاجروا، أُريد تهجيرهم، فلم يغادروا، أُحرقت بيوتهم، فلم ينكسروا، حوصرت مقاومتهم، فلم يتراجعوا، أرادوا إسكاتهم، فلم يصمتوا. لم… ولم… ولم… إلى ما لا نهاية من الثبات والعزيمة. فهل ما زلت تسأل من فاز ومن انتصر؟
6573
| 14 أكتوبر 2025
منذ صدور قانون التقاعد الجديد لسنة 2023، استبشر الموظفون والمتقاعدون في قطر بمرحلة جديدة من العدالة الاجتماعية والتقدير العملي لعطاءاتهم الطويلة. فقد نصت المادة (31) من القانون على أن الموظف الذي أكمل أكثر من ثلاثين سنة في الخدمة يستحق مكافأة عن السنوات الزائدة، وهو ما اعتُبر نقلة نوعية في التشريعات، ورسالة وفاء وعرفان من الدولة لأبنائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة مؤسساتها. غير أن هذا التفاؤل لم يدم طويلاً، إذ جاءت اللائحة التنفيذية لتضع قيداً لم يرد في النص الأصلي، حيث حصرت استحقاق مكافأة السنوات الزائدة فيمن تجاوزت خدمته الثلاثين سنة ابتداءً من عام 2023 فقط، متجاهلة بذلك آلاف المتقاعدين الذين أنهوا خدماتهم الطويلة قبل هذا التاريخ. هذا التفسير الضيّق أثار جدلاً واسعاً بين القانونيين والمتقاعدين، لأنه خالف صراحة روح المادة (31) وأفرغها من مضمونها العادل. النص التشريعي والغاية المقصودة: لا جدال في أن المشرّع حين أقر المادة (31) كان يبتغي تحقيق مبدأ المساواة والعدل بين كل من خدم الوطن أكثر من ثلاثين عاماً، دون التفريق بين من انتهت خدمته قبل أو بعد 2023. فالقانون قاعدة عامة مجردة، ومقاصده تتجاوز اللحظة الزمنية لتغطي جميع الحالات المماثلة. فإذا جاء النص واضحاً في تقرير الاستحقاق، فإن أي تفسير لاحق يجب أن يكون شارحاً ومكملاً، لا مقيّداً أو مفرغاً من المضمون. إن حصر المكافأة بفئة زمنية محددة يتنافى مع المبادئ العامة للتشريع، ويجعل القانون غير منصف في تطبيقه. فالذين تقاعدوا قبل 2023 قدّموا جهدهم وعرقهم طوال عقود، ومن غير المنطقي أن يُحرموا من حق أثبته النص لمجرد أن توقيت تقاعدهم سبق صدور القانون الجديد. أثر التمييز الزمني على المتقاعدين: إن استبعاد فئة كبيرة من المتقاعدين من حق المكافأة يخلق شعوراً بالغبن واللامساواة، ويؤدي إلى اهتزاز الثقة في العدالة التشريعية. هؤلاء المتقاعدون خدموا في الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة، وأسهموا في بناء نهضة الدولة منذ بداياتها، وتحملوا ظروف العمل في فترات صعبة لم تكن فيها الامتيازات والرواتب كما هي اليوم. إن تجاهل هذه الفئة يرسل رسالة سلبية مفادها أن جهد العقود الطويلة يمكن أن يُطوى بجرة قلم، وأن التقدير مرهون بتاريخ تقاعد لا بعطاء حقيقي. وهذا يتناقض مع قيم الوفاء والعرفان التي اعتادت الدولة على إظهارها لأبنائها. الحديث عن مكافأة السنوات الزائدة ليس مجرد نقاش مالي أو قانوني، بل هو في جوهره قضية عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية. فالمكافأة تمثل تقديراً رمزياً لمشوار طويل من الخدمة، وتساهم في تحسين أوضاع المتقاعدين الذين يواجهون أعباء الحياة المتزايدة بعد انتهاء عملهم. ومن هنا فإن إعادة النظر في تفسير المادة (31) ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو استجابة طبيعية لقيم العدالة التي تميز نظامنا القانوني والإداري. الحق لا يسقط بالتقادم: ومن المهم التأكيد على أن الحق لا يسقط بالتقادم، خاصة إذا كان مرتبطاً بسنوات خدمة طويلة بذل فيها المواطن جهده وطاقته في سبيل وطنه. إن مكافأة السنوات الزائدة تظل حقاً أصيلاً لصاحبها، يحق له المطالبة به ولو بعد حين، ما دام القانون قد أقرّه صراحة في نصوصه. إن محاولة إسقاط هذا الحق بمرور الزمن أو تقييده بتاريخ صدور اللائحة التنفيذية أمر يتعارض مع المبادئ القانونية الراسخة ومع قواعد العدالة والإنصاف. المقارنة بتجارب خليجية سابقة: من المفيد أن نشير إلى أن دولاً خليجية أخرى اعتمدت أنظمة تقاعدية أكثر مرونة في هذا الجانب، حيث شملت مكافآت أو بدلات السنوات الزائدة جميع المتقاعدين دون تمييز زمني، إيماناً منها بأن العطاء لا يُقاس بتاريخ انتهاء الخدمة بل بعدد السنوات التي قضاها الموظف في خدمة وطنه. هذا يعكس أن المبدأ ليس غريباً أو صعب التطبيق، بل هو إجراء ممكن وواقعي أثبت نجاحه في بيئات مشابهة. المطلوب هو أن تشمل مكافأة السنوات الزائدة جميع من تجاوز ثلاثين عاماً خدمة، سواء تقاعد قبل 2023 أو بعده. فذلك هو التطبيق الأمثل لروح القانون، والتجسيد الحقيقي للعدل، والضمانة لردّ الاعتبار لمن حُرموا من حقهم رغم استحقاقهم. إن مكافأة السنوات الزائدة ليست ترفاً ولا منحة عابرة، بل هي استحقاق مشروع وواجب وطني في حق كل من خدم الدولة أكثر من ثلاثة عقود. تجاهل هذا الاستحقاق يفتح باب التمييز ويضعف الثقة في التشريع، بينما إنصاف المتقاعدين يرسخ مبادئ العدالة ويؤكد أن الدولة لا تنسى أبناءها الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية البناء والتطوير. وليطمئن كل متقاعد أن عطاءه محفوظ في سجل الوفاء الوطني، وأن سنوات الخدمة الزائدة لن تضيع هدراً، بل ستُكافأ بالعدل والإنصاف.
3441
| 12 أكتوبر 2025