رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
من الواضح أننا نعيش فترة التحولات على المستوى العالمي والإقليمي. مثلما رأينا التحولات في المنطقة العربية في العقد الأخير، نراها حالياً في منطقة القوقاز المعروفة بأهميتها الجيوإستراتيجية، بالنسبة للشرق والغرب، وللجنوب والشمال، هذه المنطقة كانت حاسمة في الحربين العالميتين، الأولى والثانية. العالم التركي المعروفة باسم تركستان القديم في آسيا الوسطى منطقة مهمة أيضا بإرثها التاريخي. هذه المنطقة كانت لؤلؤة العالم الإسلامي بمراكزها العلمية والتجارية، التي كانت توازي الأندلس. بعدما دمر المغول آسيا الوسطى في القرون الوسطى، عاشت هذه المنطقة ذروة قوتها العسكرية في عهد الدولة التيمورية التي وصلت إلى الأناضول وإلى بلاد الشام في القرن الخامس عشر.
احتضنت آسيا الوسطى العديد من الدول والحضارات المتعاقبة في التاريخ، وأبرزها دولة المغول والدولة التيمورية. آسيا الوسطى ضعفت بعد انهيار الدولة التيمورية وبرزت دول متعددة في مكانها. هذه المنطقة التركية سقطت في يد الحكم الروسي القيصري في القرنين الثامن والتاسع عشر. بعد الثورة البلشفية حاولت الشعوب التركية في آسيا الوسطى أن تنال استقلالها بعد الحرب العالمية الأولى لكنهم قُمعوا بقسوة. ثم تمكنوا من تحقيق استقلالهم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبرزت دول أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان.
معظم دول آسيا الوسطى هي غنية بالنفط والغاز، لكن بدرجة أقل من الدول العربية النفطية. على سبيل المثال، كازاخستان معروفة بالأراضي الشاسعة الخصبة إضافة إلى النفط والغاز، والدول الأخرى في هذه المنطقة لها خصوصيات مختلفة، أهمها موقعهم الجغرافي بين قوتين عالميتين، الصين وروسيا، فضلاً عن وقوع دول آسيا الوسطى على الممرين الشمالي والأوسط لطريق الحرير الصيني (مبادرة الطريق والحزام). هذه المنطقة أصبحت مهمة أكثر بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وبعد تصاعد هواجس الصراع المرتقب بين الصين والولايات المتحدة، لذلك زاد اهتمام هذين الطرفين بآسيا الوسطى. تركيا من جهتها لها علاقات متميزة وروابط قوية مع دول آسيا الوسطى التركية، خاصة الثقافية والسياسية والاجتماعية، فشعوبهم تتحدث باللهجات التركية.
هنالك أربعة عوامل متداخلة، عززت من مكانة دول آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة. الأول، الضغط الأمريكي على الصين أدى إلى ازدياد الاهتمام الأمريكي بهذه المنطقة. شهدنا ذلك أثناء جائحة كورونا وفي عهد دونالد ترامب. العامل الثاني، حدث في نفس وقت العامل الأول تقريباً، وهو انتصار أذربيجان وتمكنها بدعم من تركيا من استعادة أراضيها في إقليم قرة باغ من سيطرة الأرمن، مما رفع معنويات شعوب آسيا الوسطى وزاد من ثقتها بنفسها، وخلخلت النفوذ الروسي التقليدي في هذه المنطقة، ولو جزئيا. العامل الثالث هي الحرب في أوكرانيا، فهي أيضا تؤدي إلى تآكل نفوذ روسيا في المنطقة، وإشغال الروس عن التطورات في آسيا الوسطى. آخر مثال على ذلك، عندما أكملت أذربيجان إستعادة أراضيها في قرة باغ إبان حرب العام 2020، سارعت روسيا إلى ترسيخ موطأ قدمها في القوقاز، بذريعة التوسط بين طرفي الصراع أذربيجان وأرمينيا ونشر قوات سلام روسية في منطقة الصراع، لكن مسارات الحرب في أوكرانيا والانتصار الأذربيجاني الأخير باستعادة ما تبقى من إقليم قرة باغ الأذربيجاني من سيطرة الأرمن ألغت ذلك المخطط الروسي. العامل الرابع، سعي الغرب لتأمين مصادر لموارد الطاقة بديلة عن موارد الطاقة الروسية، عزز كذلك من مكانة الدول التركية النفطية في آسيا الوسطى، مثل الدول العربية النفطية.
في ظل هذه التطورات، أصبح التعاون بين الدول العربية ودول آسيا الوسطى التركية مهما جداً، في المجالات الأمنية والطاقوية والسياسية. من جانب آخر، يمكن للدول الدول العربية، خاصة الخليجية، أن توازن الضغوطات الإيرانية من الشرق والشمال، من خلال علاقاتها بدول آسيا الوسطى. الدول العربية بدأت تهتم بجدية أكبر بآسيا الوسطى، قمة جامعة الدول العربية في عام 2022 في الجزائر استضافت الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وعقدت القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى في مدینة جدة بالمملكة العربية السعودیة في تموز الماضي من العام الحالي. البیان الختامي لقمة جدة أكد على «أهمیة تعزیز العلاقات السیاسیة والإستراتیجیة بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، إضافة الى التعاون التجاري والاقتصادي وتشجيع الاستثمار المشترك»، وأشار البيان إلى ضرورة تطوير طرق النقل بين المنطقتين وبناء الشبكات التجارية واللوجستية.
حروب الممرات التجارية واللوجستية تحظى بأهمية كبيرة في الآونة الأخيرة، ومن المتوقع أن الروابط التاريخية والمعنوية بين الشعوب ستسهم بشكل كبير في تشكيل العالم الجديد. إذن، العلاقات بين الدول العربية والدول التركية في آسيا الوسطى تكتسب أهمية إستراتيجية في العالم المتغير.
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في عالم اليوم المتسارع، أصبحت المعرفة المالية ليست مجرد مهارة إضافية، بل ضرورة تمس حياة كل فرد وإذا كان العالم بأسره يتجه نحو تنويع اقتصادي يخفف من الاعتماد على مصدر واحد للدخل، فإن قطر – بما تمتلكه من رؤية استراتيجية – تدرك أن الاستدامة الاقتصادية تبدأ من المدارس القطرية ومن وعي الطلاب القطريين. هنا، يتحول التعليم من أداة محلية إلى بوابة عالمية، ويصبح الوعي المالي وسيلة لإلغاء الحدود الفكرية وبناء أجيال قادرة على محاكاة العالم لا الاكتفاء بالمحلية. التعليم المالي كاستثمار في الاستدامة الاقتصادية القطرية: عندما يتعلم الطالب القطري إدارة أمواله، فهو لا يضمن استقراره الشخصي فقط، بل يساهم في تعزيز الاقتصاد الوطني. فالوعي المالي يساهم في تقليل الديون وزيادة الادخار والاستثمار. لذا فإن إدماج هذا التعليم يجعل من الطالب القطري مواطنا عالمي التفكير، مشاركا في الاقتصاد العالمي وقادرا على دعم قطر لتنويع الاقتصاد. كيف يمكن دمج الثقافة المالية في المناهج القطرية؟ لكي لا يبقى الوعي المالي مجرد شعار، يجب أن يكون إدماجه في التعليم واقعًا ملموسًا ومحاكيًا للعالمية ومن المقترحات: للمدارس القطرية: • حصص مبسطة تدرّب الطلاب على إدارة المصروف الشخصي والميزانية الصغيرة. • محاكاة «المتجر الافتراضي القطري» أو «المحفظة الاستثمارية المدرسية». للجامعات القطرية: • مقررات إلزامية في «الإدارة المالية الشخصية» و»مبادئ الاستثمار». • منصات محاكاة للتداول بالأسهم والعملات الافتراضية، تجعل الطالب يعيش تجربة عالمية من داخل قاعة قطرية. • مسابقات ريادة الأعمال التي تدمج بين الفكر الاقتصادي والابتكار، وتبني «وعيًا قطريًا عالميًا» في آن واحد. من التجارب الدولية الملهمة: - تجربة الولايات المتحدة الأمريكية: تطبيق إلزامي للتعليم المالي في بعض الولايات أدى إلى انخفاض الديون الطلابية بنسبة 15%. تجربة سنغافورة: دمجت الوعي المالي منذ الابتدائية عبر مناهج عملية تحاكي الأسواق المصغرة - تجربة المملكة المتحدة: إدراج التربية المالية إلزاميًا في الثانوية منذ 2014، ورفع مستوى إدارة الميزانيات الشخصية للطلاب بنسبة 60%. تجربة استراليا من خلال مبادرة (MONEY SMART) حسنت وعي الطلاب المالي بنسبة 35%. هذه النماذج تبيّن أن قطر قادرة على أن تكون رائدة عربيًا إذا نقلت التجارب العالمية إلى المدارس القطرية وصياغتها بما يناسب الوعي القطري المرتبط بهوية عالمية. ختاما.. المعرفة المالية في المناهج القطرية ليست مجرد خطوة تعليمية، بل خيار استراتيجي يفتح أبواب الاستدامة الاقتصادية ويصنع وعيًا مجتمعيًا يتجاوز حدود الجغرافيا، قطر اليوم تملك فرصة لتقود المنطقة في هذا المجال عبر تعليم مالي حديث، يحاكي التجارب العالمية، ويجعل من الطالب القطري أنموذجًا لمواطن عالمي التفكير، محلي الجذور، عالمي الأفق فالعالمية تبدأ من إلغاء الحدود الفكرية، ومن إدراك أن التعليم ليس فقط للحاضر، بل لصناعة مستقبل اقتصادي مستدام.
2226
| 22 سبتمبر 2025
في قاعة الأمم المتحدة كان خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفظه الله مشهدا سياسيا قلب المعادلات، الكلمة التي ألقاها سموه لم تكن خطابًا بروتوكوليًا يضاف إلى أرشيف الأمم المتحدة المكدّس، بل كانت كمن يفتح نافذة في قاعة خانقة. قطر لم تطرح نفسها كقوة تبحث عن مكان على الخريطة؛ بل كصوت يذكّر العالم أن الصِغَر في المساحة لا يعني الصِغَر في التأثير. في لحظة، تحوّل المنبر الأممي من مجرد منصة للوعود المكررة والخطابات المعلبة إلى ساحة مواجهة ناعمة: كلمات صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وضعتهم في قفص الاتهام دون أن تمنحهم شرف ذكر أسمائهم. يزورون بلادنا ويخططون لقصفها، يفاوضون وفودًا ويخططون لاغتيال أعضائها.. اللغة العربية تعرف قوة الضمير، خصوصًا الضمير المستتر الذي لا يُذكر لفظًا لكنه يُفهم معنى. في خطاب الأمير الضمير هنا مستتر كالذي يختبئ خلف الأحداث، يحرّكها في الخفاء، لكنه لا يجرؤ على الظهور علنًا. استخدام هذا الأسلوب لم يكن محض صدفة لغوية، بل ذكاء سياسي وبلاغي رفيع ؛ إذ جعل كل مستمع يربط الجملة مباشرة بالفاعل الحقيقي في ذهنه من دون أن يحتاج إلى تسميته. ذكاء سياسي ولغوي في آن واحد».... هذا الاستخدام ليس صدفة لغوية، بل استراتيجية بلاغية. في الخطاب السياسي، التسمية المباشرة قد تفتح باب الردّ والجدل، بينما ضمير الغائب يُربك الخصم أكثر لأنه يجعله يتساءل: هل يقصدني وحدي؟ أم يقصد غيري معي؟ إنّه كالسهم الذي ينطلق في القاعة فيصيب أكثر من صدر. محكمة علنية بلا أسماء: لقد حول الأمير خطابًا قصيرًا إلى محكمة علنية بلا أسماء، لكنها محكمة يعرف الجميع من هم المتهمون فيها. وهنا تتجلى العبارة الأبلغ، أن الضمير المستتر في النص كان أبلغ حضورًا من أي تصريح مباشر. العالم في مرآة قطر: في النهاية، لم يكن ضمير المستتر في خطاب صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله - مجرد أداة لغوية؛ بل كان سلاحًا سياسيًا صامتًا، أشد وقعًا من الضجيج. لقد أجبر العالم على أن يرى نفسه في مرآة قطر. وما بين الغياب والحضور، تجلت الحقيقة أن القيمة تُقاس بجرأة الموقف لا باتساع الأرض، وأن الكلمة حين تُصاغ بذكاء قادرة على أن تهز أركان السياسات الدولية كما تعجز عنها جيوش كاملة. فالمخاطَب يكتشف أن المرآة وُضعت أمامه من دون أن يُذكر اسمه. تلك هي براعة السياسة: أن تُدين خصمك من دون أن تمنحه شرف الذكر.
1605
| 25 سبتمبر 2025
في قلب الدمار، حيث تختلط أصوات الأطفال بصفير القذائف، يعلو صوت الإنسانية من غزة ليقول: “نحن هنا… ما زلنا نحلم”، إنها معاناة تُدوّنها الجدران المهدمة والبيوت التي غابت عنها الضحكات، لكن بقي فيها صدى الأمل. أهل غزة يواجهون الألم بالثبات، والدمار بالصبر، والفقدان بالإيمان بأن الغد سيكون أفضل. ورغم أن المعاناة تحاصرهم من كل جانب، فإنهم يرسلون أصواتهم إلى العالم ليُذكّرونا أن الإنسانية لا تعرف حدودًا، وأن الظلم لا يمكن أن يخمد شعلة الحياة. إن بناء الأوطان لا يكون بالقوة وحدها، بل بالعلم والمعرفة، وبالأمل الذي يُنير دروب المظلومين، فكما يقف أبناء غزة اليوم متحدّين رغم قسوة الظروف، فإن غدهم سيُصنع بالعلم الذي يفتح الأبواب، وبالأمل الذي يزرع في قلوبهم شجرة حياة جديدة. وبالأمل والعلم… تُبنى الأوطان ويُصنع غد أفضل، لتبقى غزة رمزًا للصمود، ورسالة أملٍ تتجاوز الألم. “صوت بين الركام” في أحد أزقة غزة الضيقة، جلست ليان الطفلة ذات التسعة أعوام بين أنقاض بيتها المهدّم. كانت تمسك بكتابٍ نجح والدها في إخراجه من تحت الركام، وقال لها وهو يربت على كتفها: “البيوت تُبنى من جديد يا ليان، لكن العقول لا تُهدم… والعلم هو ما سيبني غدك وغد وطنك.” نظرت ليان إلى السماء الملبّدة بالدخان، ثم ابتسمت رغم دمعة علقت بعينيها: “سأدرس يا أبي… حتى لو قرأت على ضوء شمعة، وحتى لو جلست بين الحجارة». مرّت ساعات، وكان الليل ثقيلاً، لكن صوت ليان وهي تقرأ دروسها وسط الخراب كان يعلو على صمت الدمار. سمعها الجيران وقال أحدهم: “انظروا… حتى بين الركام، يولد الأمل». وهكذا، في قلب غزة الجريحة، تعلّمنا أن الأوطان لا تُبنى فقط بالحجارة، بل بالأمل الذي يسكن القلوب، وبالعلم الذي يصنع الغد الأفضل. تلك قصة خيالية، أما القصة الحقيقية فهي للمعلمة إسراء أبو مصطفى فصل بديل على أنقاض بيتها • بعد أن دمّر القصف منزل المعلمة إسراء أبو مصطفى في خان يونس، قررت ألا تسمح للدمار أن يُبيد تعليم الأطفال. • قامت بتأسيس فصل دراسي مؤقت، تحت خيمة، على ركام بيتها، تجمع فيه الأطفال من الروضة إلى الصف السادس. • الطلاب يأتون ليلاً ونهارًا رغم الدمار من حولهم، ليحافظوا على روتينهم الدراسي وشعورهم بأن الحياة تستمر، وأنّ التعليم ليس رفاهية بل حقّ يجب أن يُمارَس. كلمة ختامية حين يتكسّر الحجر وتنهار الجدران، يبقى العلم هو الجدار الأخير الذي يحمي الإنسان من السقوط. في غزة، بين الركام والدخان، لا تُطفأ شمعة الأمل، ولا ينطفئ صوت المعرفة. ليان الصغيرة التي تقرأ على ضوء شمعة، والمعلمة إسراء التي حوّلت أنقاض بيتها إلى فصل دراسي، هما صورتان ناصعتان لوطنٍ ينهض رغم الجراح. إن الرسالة التي يبعثها أبناء غزة إلى العالم واضحة: قد يدمّر العدوان البيوت، لكنه لا يستطيع أن يدمّر العقول. وقد يسلبون الأرض، لكنهم لن يسلبوا الحلم. فالعلم هو السلاح الأقوى، والأمل هو الزاد الأبقى. ومع كل طفل يفتح كتابًا، وكل معلم يصرّ على التعليم، تُزرع بذرة لغدٍ أفضل، تُبنى به الأوطان وتنتصر به الحياة أخيرا.. “قد تهدم القنابل البيوت، لكنها لا تهدم العقول. في غزة، يولد الأمل من بين الركام، ويصنع العلم غدًا لا يُهزم.
834
| 23 سبتمبر 2025