رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كن بسيطاً، فإن البساطة بذاتها جمال، البساطة منتهى التأنق، البساطة هي في الواقع وفي كثير من الأحيان علامة على الحقيقة، ومعيار للجمال، الصدق، والإخلاص، البساطة والتواضع، والكرم، وغياب الغرور، والقدرة على خدمة الآخرين وهي صفات في متناول كل نفس وهي الأسس الحقيقية لحياتنا الروحية، انزل برغباتك إلى مستوى دخلك الحالي، وارتفع بها فقط عندما يسمح لك بذلك دخلك المرتفع، ينبغي أن نبسّط كل شيءٍ بقدر الإمكان، ولكن دون أن نفرط في تبسيطه. اجعل البساطة هي التي تحكم، لقد اقتنعت أكثر من أي وقت مضى بحقيقة أن السيف لم يكن هو من فاز بالمكانة للإسلام في تلك الأيّام، بل كانت البساطة والاحترام الدقيق للعهود، سجادة خضراء من العشب أو إبر الصنوبر الإسفنجية أحب إلي من سجادة فارسية فخمة، البساطة أم الفضائل، الإبداع تسوده البساطة، الحقيقة لا تقول أبداً ما لديها ولا تكشف عمّا لديها من لطافة الروح إلا في جو من البساطة، معظم الناس لا يرون أنفسهم مبدعين وذلك لأنهم يربطون الإبداع بالتعقيد ولكن الإبداع هو البساطة، البساطة أصعب بكثير من التصنع لذا أنا أحترم البسطاء.
جمال الحياة من البساطة
كن بسيطاً وتخفّف من ثقل كل شيءٍ لا يعنيك، اسمح للبهجة أن تغمرك في كل لحظاتك، وحدك تعرف ما يسعدك ويفرحك لا تتنازل عن ذلك، كن على إيقاع الفرح، وتذكر أن الفرح بسيط وحقيقي عندما تكون على طبيعتك، ولكنّك لن تشعر به إن كنت تتظاهر به الفرح فطرة ونقاء، قدرتك على الصمت الجميل، تعني أنّك رائعٌ في إدارة ذاتك، منشغل بصناعة عالمك، تعي ما يدور داخلك وخارجك، بسيطٌ في كل تفاصيلك، بين الجمال والبساطة علاقة أزلية، فكلما زادت البساطة زاد جمال الحياة.. والبساطة هي طبيعية وتلقائية ونقية، كل ما في الحكاية أن أرواحنا اشتاقت للبساطة، كاشتياق المغترب لموطنه، تلك البساطة التي ينطق بها كلّ شيء، البساطة هي الفرح الغائب، أعيدوا إحياءها لتعود أفراحها … لا نحتاج كلّ هذا التصنيع والتحديث لكلّ شيء؟ لنكن على ثقة بأنّ البساطة وترك العادات المظهرية والشكليات هي بداية ظهور الوجوه المدهشة والجميلة حقاً للأشياء. الإيقاع الذي لا يسعدك يذكّرك بأن تعود لبساطتك، التعقيدات والانقباضات هي وحدها التي تبعدك عن ذبذبات السرور والراحة والجمال.
فوائد البساطة
من فوائد البساطة هي خلق مساحة للهدوء والسلام، اذ يمكننا بكل بساطة التخلص من الأشياء الزائدة التي تملأ غرفتك وخلق مساحة للهدوء والسلام والتأمل، كما أن البساطة في الحياة تعطيك الكثير من الحرية لأن تراكم الأشياء حولك في كل مكان يخلق الشعور بالاختناق والقيد والاكتئاب، ولو جربت ذات مرة أن تتخلص من الأشياء غير الضرورية من حولك مثل التحرر من الجشع والديون والهوس والإرهاق، كما ان البساطة تمنحك الفرصة للتركيز على الصحة والهوايات، حيث أن عجلة الحياة الدائرة بلا رحمة لم تجعل لنا وقتاً للاهتمام بهذه الأمور على الرغم من أهميتها القصوى، وذلك بالذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية أو ممارسة اليوجا أو قراءة كتاب جيد أو السفر أو قضاء وقت ممتع مع الأطفال، افعل كل ما تحبه ولا تذهب إلى التسوق للحصول على مزيد من الأشياء وإهدار المال في أشياء غير ضرورية، كما ان البساطة تساعدك على التركيز أقل على الممتلكات المادية لأن كل الأشياء التي نحيط أنفسنا بها هي مجرد إلهاء، نحن نملأ الفراغ بأشياء مادية، لأنه لا يمكن للمال شراء السعادة لكن يمكنه شراء الراحة، وعند امتلاكك للمال تفكر في كيفية استغلال هذا المال من أجل التمتع بهذه الحياة البسيطة، والبساطة تمنحك المزيد من راحة البال لأنه من خلال تبسيط حياتك، وانتهاج أسلوب حياة البساطة يمكنك أن تفقد ارتباطك بأشياء اقتنيتها وفي النهاية تخلق عقلاً هادئاً ومسالماً، فكلما قلت الأشياء التي يجب أن تقلق بشأنها، زادت سلامتك، والأمر بهذه البساطة، والبساطة هي سر السعادة بالتخلص من الفوضى في حياتك، تأتي السعادة بشكل طبيعي لأنك تنجذب نحو الأشياء الأكثر أهمية، وترى بوضوح الوعود الكاذبة في كل الفوضى، إنها مثل درع مكسور ضد جوهر الحياة الحقيقي وستجد أيضاً أنك اكتسبت مزيدا من السعادة، والبساطة بكل بساطة تمنحك المزيد من الثقة لأن أسلوب الحياة البسيط بالكامل الفردية والاعتماد على الذات يعزز ثقتك في سعيك وراء السعادة.
البساطة من التواضع
التواضع يجعل الناس يتصرفون بتلقائية وعفوية دون تجمل أو ذرة من كبر، ولذلك ثماره كبيرة على صاحبة وعلى من حوله؛ ودوماً يعطّر البيئة المحيطة بنسائم إيجابية لمن حوله، ومن شعر أن نفسه تحمل ذرة من الكبر عليه أن يبادر لتشذيب سلوكياته ليتواضع، وأنا شخصياً أنصح بزيارة المستشفيات وخصوصاً غرف الطوارئ واﻹنعاش ومرضى السكري ومبتوري اﻷعضاء ليعرف المتكبرون نهاية اﻹنسان والعذاب وقدرة الله تعالى، والمفروض أن اﻹنسان إذا زاد علمه وكثرت أمواله وإرتفع مقداره يتواضع أكثر ليشكر النعمة الربانية التي حصل عليها كي تدوم ﻷن بالشكر تدوم النعم، فكل الناس سواسية والعطاء والرزق ربانياً لا بشطارة العبد، كما ان التواضع من مكارم اﻷخلاق التي تؤدي لردود فعل إيجابية ويذيب كثير من أمراض القلب كالحقد والحسد، فيجعل الفقير يغبط الغني على ماله، ويجعل المريض يغبط صحيح الجسم على صحته، ويجعل المرؤوس يحترم رئيسه، ولهذا فكلما زاد اﻹنسان علماً زاد تواضعاً، وما يكبر أجلكم الله تعالى إلا الفارغون، المسؤول المتواضع يحظى بمحبة مرؤوسيه، فتراه يجلس معهم ويشعرهم بأهميتهم، ويتناول اﻷطعمة والشراب معهم، ويبادر لحل مشاكلهم ويسمع لهم فيدخل قلوبهم من أوسع أبوابها، وكنتيجة لتواضعة يغبطونه لا يحسدونه، المطلوب أن يدرك كل الناس أن التواضع سمة محمودة وتنعكس باﻹيجاب على صاحبها وعلى المجتمع برمته، والكبر والغرور مرض يقتل صاحبه ويخلق له كره الناس أو على اﻷقل إمتعاضهم وعدم رضاهم، بصراحة: التواضع لله والكِبَر والغرور مرض، والتواضع والبساطة ثقة بالنفس وشكر للنعمة، بيد أن الغرور جحود يقتل صاحبه، ولن يدخل الجنة من كان عنده ذرة من كبر. فلنبادر لنكون زاهدين ولنتواضع لله ليرفع قدرنا.
كسرة أخيرة
يقال أن ما يبدو لنا اليوم مستحيلاً.. سيصبح غدا غاية في البساطة والتناسق، وللسعادة رافدان أزليان: البساطة والطيبة، ولنا في رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحياة أسوة حسنة على الرغم من مسؤولياته كرسول، معلم، رجل دولة، وقد اعتاد محمد، صلى الله عليه وسلم،ان يحلب معزته بيديه الشريفتين، يصلح ملابسه، يرمم حذاءه، يساعد فى أعمال المنزل و يزور الفقراء والمرضى، ولقد ساعد أيضا صلى الله عليه وسلم صحابته في حفر الخندق بنقل الرمل معهم... كانت حياته نموذجا مثاليا للبساطة و التواضع، وأحبه الصحابة، واحترموه، ووثقوا فيه الى اقصى حد. وعلى الرغم من ذلك كله استمر في التأكيد على أن العبادة يجب ان تكون لله وحده و ليس له شخصيا، وقال انس رضي الله عنه، احد صحابة الرسول، انه لم يكن هناك انسان أحبوه أكثر من النبي، صلى الله عليه و سلم، وبالرغم من ذلك لم يسمح لهم بالوقوف له عند دخوله عليهم كما يفعل الناس مع عظماء القوم، كم أنت بسيط ومتواضع يا رسول الله عليه افضل الصلاة والسلام.
الكاتبة الصحفية والخبيرة التربوية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8799
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4035
| 13 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2388
| 07 أكتوبر 2025