رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
بعد تاريخ حافل بالعداء بين (واشنطن ) و (بيونغ يانغ) امتد لأكثر من سبعين عامُا، عقد الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) والرئيس الكوري الشمالي ( كيم جونغ أون) قمة تاريخية بين البلدين في سنغافورة يوم 12/6/2018. ولقد تبلورت عدة أفكار ومخاوف من أن حربًا كونية كادت أن تنطلق من كوريا الشمالية، التي طالما استعرض رئيسها ( أون) القوة في إطلاق الصواريخ العابرة للقارات ، ما شكّل تهديدًا مباشرًا للأمن والسلم الدوليين، ووَتّر العلاقات مع جيران كوريا الشمالية.
وكان صقور البيت الأبيض قد ردَّدوا أن كوريا الشمالية يجب أن تسقط – كما هو سقوط النظام في ليبيا- بشرط أن يتم القضاء على كل السلاح النووي، إلا أن نتائج مباحثات (ترامب) و(أون) أبعَدَ هذه الرؤية ، حيث أعلن (ترامب) إثر توقيعه وثيقة مشتركة مع (أون) ، أنه " بنى علاقات خاصة جدُا مع (أون) ، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما أعلن " ما حصل كان أمرًا خياليًا، ونحن فخورون بما تحقق ، وعلاقتنا مع كل شبه الجزيرة الكورية ستتغيير جذريًا" ، كما اعتبر لقاءهُ مع (أون) بأنه " فاقَ الآمال والتوقعات". ولقد رأى الرئيس الكوري الشمالي (أون) أن " عهدًا جديدًا يبدأ بعد الاجتماع التاريخي ، والعالم سيشهد تغييرًا كبيرًا.
محللون ربطوا بين نص الاتفاق الذي تم التوصل إليه ، خصوصًا الفقرة المتعلقة بـ "نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية "، استنادًا لإعلان (بانمونجوم) الذي صدر في 27/4/2018، والذي يقضي بأن تلتزم كوريا الشمالية بالعمل من أجل نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية، وبين " تجاهل" الرئيس الكوري الشمالي الإجابة عن سؤال لمراسلي البيت الأبيضن عندما سُئِلَ ثلاث مرات فيما إذا كانت كوريا الشمالية على استعداد للتخلي عن الصواريخ النووية!؟ كما لاحظ مراقبون أن الوثيقة المشتركة لم تنص على أهمية وجود عمليات تفتيش عن السلاح النووي في كوريا الشمالية؛ رغم إشارة الرئيس الأمريكي (ترامب) إلى أن (أون) " تعهّد بالعمل على التخلص من الأسلحة النووية في القريب العاجل".
كما يرى مراقبون أن تأكيد (ترامب) استمرار فرض العقوبات على كوريا الشمالية، يبعث على القلق ، ولربما " يُجهض" الخطوات التي اعتُبرت " تاريخية" بين البلدين، بعد قطيعة دامت أكثر من سبعين عامًا.
وكانت القمة الأمريكية الكورية الشمالية قد تعرّضت لهزات مخيفة بعد إعلان (ترامب) إلغاء تلك القمة – في مايو الماضي – على خلفية ما اعتبره الغضب الهائل والعدائية الصريحة التي ظهرت في تصريحات الرئيس الكوري الشمالية، في الوقت الذي حذّر (ترامب) كوريا الشمالية من أية خطوة " طائشة" أو "متهورة" ، مُلوّحًا بأن الجيش الأمريكي على أتم الاستعداد ، إذا ما أقدمَ زعيم كوريا الشمالية على أي تصرّف "أحمق". كما قام الرئيس الأمريكي (ترامب) بالزجّ باسم اليابان كإحدى الدول المتحفّزة لوقف برنامج كوريا الشمالية النووي، وذلك عندما أعلنَ أن كوريا الجنوبية واليابان على استعداد للردّ إلى جانب الولايات المتحدة، على أية خطوة "طائشة" أو "متهورة" من جانب كوريا الشمالية.
حالات المدّ والجزر في علاقات البلدين (الولايات المتحدة) و(كوريا الشمالية) ظهرت في أكثر من مناسبة، حيث برز "امتعاض" كوري شمالي من علاقات كوريا الجنوبية مع الولايات المتحدة . ولقد حاول الرئيس (ترامب) " إغراء" كوريا الشمالية بالمشاريع الاستثمارية ، وذلك عندما طرح تسجيلًا مصوّرًا لمبانِ شاهقة، وقطارات ، وأضواء مبهرة ، مشيرًا إلى أن ذلك ما ستكون عليه كوريا الشمالية . لكن محللين يرون أن ذلك يأتي ضمن سياسية (العصا والجزرة) التي ينظر إليها الرئيس الكوري الشمالي بحذر شديد، خصوصًا وأن تاريخ هذا البلد غير مشجّع للاستثمارات الأجنبية، نظرًا لعدم رسوخ القوانين المنظمة للاستثمار، وذلك وجود حالات فساد تعشش في دوائر القرار، وعدم تسديد الحكومة لفواتير المستثمرين في أوقاتها. كما أن القبضة الحديدية للرئيس (أون) تجعل مستقبل المستثمرين في خطر من إمكانية مصادرة ممتلكاتهم بجرّة قلم. وهذا ما يؤكده حظر مجلس الأمن المشاريع المشتركة ، وصعوبة التعامل المالي مع (بيونغ يأنغ)، إضافة لذلك فإن ضعف البنى التحتية في هذا البلد يجعل مناخ الاستثمار فيه على محكٍ مؤلم.
وكبادرة رآها البعض – مجسَّ اختبار – أعلن الرئيس الأمريكي وقف التدريبات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية، لتشجيع الشطر الشمالي الالتزام بنزع سلاحه النووي.
السؤال الأهم هنا : هل سيفي الرئيس الكوري الشمالي بتعهُده بنزع أسلحته النووية؟ وهل يعني التوصل إلى اتفاق مشترك مع الولايات المتحدة، دخولَ كوريا الشمالية (نادي الحضارة)، وأن هنالك اجراءات قادمة تُخرج هذا البلد من غياهب الديكتاتورية والتخلف الاقتصادي والاجتماعي ، "نهم" عبادة السلاح النووي؟
ومن المقرر أن يتابع الطرفان مفاوضات مباشرة تجمع وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) مع مسؤول كوري شمالي رفيع المستوى.ن
وكان وزير الخارجية الأمريكي قد أعلن في بيان له أن " المحادثات بين الطرفين قد تحرّكت بسرعة أكثر مما كان مُتوقعًا".. في حين كانت ردود الأفعال والتعليقات الكورية الشمالية مقتضبة وشحيحة.
التعليق الأبرز الذي ظهر عشية توقيع الاتفاق بين الرئيس الأمريكي والرئيس الكوري الشمالي جاء من روسيا! فقد أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ( سيرغي ريابوكوف) أن " الشيطان يكمن في التفاصيل"، في تعليقه على التوصل للاتفاق المذكور، ما أعتبره العديد من المحللين " تشكيكًا" فيما تم التوصل إليه. في حين رحبّت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في سنغافورة، وقال المدير العام للوكالة ( يوكيا أمانو) "إن الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استعداد للقيام بأية أنشطة تحقق - في كوريا - الديموقراطية ، بناءً على إذن من مجلس محافظي الوكالة". في حين بدت إيرانُ أكثر تشاؤمًا من التوصل إلى الاتفاق المذكور، عندما أعلن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية ( محمد باقر نوباخت) أن " على الزعيم الكوري الشمالي ( كيم جونغ أون) أن يضع في اعتباره أن (ترامب) قد يسحب توقيعه من الصفقات التي يبرمها".. مضيفًا " نحن نواجهُ رَجلًا يلغي توقيعه في الخارج"، وتلك إشارة إلى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تم توقيعه عام 2015، وأعادَ فرض العقوبات الاقتصادية على "طهران".
يرى المتفائلون من الاتفاق أن تحريك المياه الراكدة، والتي استمرت لأكثر من سبعين عامًا ، والنص – في الاتفاق – على نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية، من شأنه المساهمة في " تليين" التعنت الكوري الشمالي، ولربما تخفيف حدة التوتر بين ( بيونغ يانغ) وجيرانها، خصوصًا كوريا الجنوبية ، والتي جمعت قمةٌ سابقة – في أبريل الماضي – رئيسي البلدين في قربة ( بان مون جوم) على الحدود بين البلدين. وكذلك لا تُخفي اليابان امتعاضها من نشاطات كوريا الشمالية النووية، وتعتبرها تعرّض الأمن والسلم الدوليين للخطر.
ولقد رحبّت دولة قطر باللقاء الذي جمع رئيس الولايات المتحدة والرئيس الكوري الشمالي، معتبرة أن اللقاء " سابقة تاريخية مُبشرة بإمكانية املضي قُدمًا في التخفيف من حدة التوتر في شبه الجزيرة الكورية" وجاء في بيان لوزارة الخارجية " أن الوصول إلى حل شامل ومرضٍ لجميع الأطراف، ومن خلال الحوار والطرق السلمية، سيُنهي عقودًا من الصراع الذي دفع ثمنه مواطنو الكوريتين"؟.
الأيام مازالت حبلى بالمفاجآت، وقد لا نستغرب أية تطورات تخالف الاتفاق المذكور.
النهايات السوداء!
تمتاز المراحل الإنسانية الضبابية والغامضة، سواء على مستوى الدول أو الأفراد، بظهور بعض الشخصيات والحركات، المدنية والمسلحة، التي... اقرأ المزيد
276
| 12 ديسمبر 2025
عام على رحيل الأسد وانتصار الشعب
كان منتدى الدوحة المنعقد يومي 6 و7 ديسمبر الجاري فرصة متاحة للرئيس أحمد الشرع حتى يستخلص العبر من... اقرأ المزيد
87
| 12 ديسمبر 2025
نسيج الإنسان في مدارس قطر
اسمي موناليزا… نعم، أعرف ماذا تفكّرون الآن! مثل اللوحة الإيطالية الشهيرة تمامًا، لكن بيننا فرق بسيط: هي تجلس... اقرأ المزيد
141
| 12 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
4356
| 05 ديسمبر 2025
-«المتنبي» حاضراً في افتتاح «كأس العرب» - «أبو الطيب» يتألق في نَظْم الشعر.. وفي تنظيم البطولات تتفوق قطر - «بطولة العرب» تجدد شراكة الجذور.. ووحدة الشعور - قطر بسواعد أبنائها وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر باستضافتها الناجحة للبطولات - قطر تراهن على الرياضة كقطاع تنموي مجزٍ ومجال حيوي محفز - الحدث العربي ليس مجرد بطولة رياضية بل يشكل حدثاً قومياً جامعاً -دمج الأناشيد الوطنية العربية في نشيد واحد يعبر عن شراكة الجذور ووحدة الشعور لم يكن «جحا»، صاحب النوادر، هو الوحيد الحاضر، حفل افتتاح بطولة «كأس العرب»، قادماً من كتب التراث العربي، وأزقة الحضارات، وأروقة التاريخ، بصفته تعويذة البطولة، وأيقونتها النادرة. كان هناك حاضر آخر، أكثر حضوراً في مجال الإبداع، وأبرز تأثيراً في مسارات الحكمة، وأشد أثرا في مجالات الفلسفة، وأوضح تأثيرا في ملفات الثقافة العربية، ودواوين الشعر والقصائد. هناك في «استاد البيت»، كان من بين الحضور، نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، مهندس الأبيات الشعرية، والقصائد الإبداعية، المبدع المتحضر، الشاعر المتفاخر، بأن «الأعمى نظر إلى أدبه، وأسمعت كلماته من به صمم»! وكيف لا يأتي، ذلك العربي الفخور بنفسه، إلى قطر العروبة، ويحضر افتتاح «كأس العرب» وهو المتباهي بعروبته، المتمكن في لغة الضاد، العارف بقواعدها، الخبير بأحكامها، المتدفق بحكمها، الضليع بأوزان الشعر، وهندسة القوافي؟ كيف لا يأتي إلى قطر، ويشارك جماهير العرب، أفراحهم ويحضر احتفالاتهم، وهو منذ أكثر من ألف عام ولا يزال، يلهم الأجيال بقصائده ويحفزهم بأشعاره؟ كيف لا يأتي وهو الذي يثير الإعجاب، باعتباره صاحب الآلة اللغوية الإبداعية، التي تفتّقت عنها ومنها، عبقريته الشعرية الفريدة؟ كيف لا يحضر فعاليات «بطولة العرب»، ذلك العربي الفصيح، الشاعر الصريح، الذي يعد أكثر العرب موهبة شعرية، وأكثرهم حنكة عربية، وأبرزهم حكمة إنسانية؟ كيف لا يحضر افتتاح «كأس العرب»، وهو الشخصية الأسطورية العربية، التي سجلت اسمها في قائمة أساطير الشعر العربي، باعتباره أكثر شعراء العرب شهرة، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق في مجال التباهي بنفسه، والتفاخر بذاته، وهو الفخر الممتد إلى جميع الأجيال، والمتواصل في نفوس الرجال؟ هناك في الاستاد «المونديالي»، جاء «المتنبي» من الماضي البعيد، قادماً من «الكوفة»، من مسافة أكثر من ألف سنة، وتحديداً من العصر العباسي لحضور افتتاح كأس العرب! ولا عجب، أن يأتي «أبو الطيب»، على ظهر حصانه، قادماً من القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي، لمشاركة العرب، في تجمعهم الرياضي، الذي تحتضنه قطر. وما من شك، في أن حرصي على استحضار شخصية «المتنبي» في مقالي، وسط أجواء «كأس العرب»، يستهدف التأكيد المؤكد، بأن هذا الحدث العربي، ليس مجرد بطولة رياضية.. بل هو يشكل، في أهدافه ويختصر في مضامينه، حدثاً قومياً جامعاً، يحتفل بالهوية العربية المشتركة، ويحتفي بالجذور القومية الجامعة لكل العرب. وكان ذلك واضحاً، وظاهراً، في حرص قطر، على دمج الأناشيد الوطنية للدول العربية، خلال حفل الافتتاح، ومزجها في قالب واحد، وصهرها في نشيد واحد، يعبر عن شراكة الجذور، ووحدة الشعور، مما أضاف بعداً قومياً قوياً، على أجواء البطولة. ووسط هذه الأجواء الحماسية، والمشاعر القومية، أعاد «المتنبي» خلال حضوره الافتراضي، حفل افتتاح كأس العرب، إنشاد مطلع قصيدته الشهيرة التي يقول فيها: «على قدر أهل العزم تأتي العزائم» «وتأتي على قدر الكرام المكارم» والمعنى المقصود، أن الإنجازات العظيمة، لا تتحقق إلا بسواعد أصحاب العزيمة الصلبة، والإرادة القوية، والإدارة الناجحة. معبراً عن إعجابه بروعة حفل الافتتاح، وانبهاره، بما شاهده في عاصمة الرياضة. مشيداً بروعة ودقة التنظيم القطري، مشيراً إلى أن هذا النجاح الإداري، يجعل كل بطولة تستضيفها قطر، تشكل إنجازاً حضارياً، وتبرز نجاحاً تنظيمياً، يصعب تكراره في دولة أخرى. وهكذا هي قطر، بسواعد أبنائها، وعزيمة رجالها، وحنكة قادتها تحقق الإنجاز تلو الآخر، خلال استضافتها الناجحة للبطولات الرياضية، وتنظيمها المبهر للفعاليات التنافسية، والأحداث العالمية. وخلال السنوات الماضية، تبلورت في قطر، مرتكزات استراتيجية ثابتة، وتشكلت قناعات راسخة، وهي الرهان على الرياضة، كقطاع تنموي منتج ومجزٍ، ومجال حيوي محفز، قادر على تفعيل وجرّ القطاعات الأخرى، للحاق بركبه، والسير على منواله. وتشغيل المجالات الأخرى، وتحريك التخصصات الأخرى، مثل السياحة، والاقتصاد، والإعلام والدعاية، والترويج للبلاد، على المستوى العالمي، بأرقى حسابات المعيار العالمي. ويكفي تدشينها «استاد البيت»، ليحتضن افتتاح «كأس العرب»، الذي سبق له احتضان «كأس العالم»، وهو ليس مجرد ملعب، بل رمز تراثي، يجسد في تفاصيله الهندسية، معنى أعمق، ورمزا أعرق، حيث يحمل في مدرجاته عبق التراث القطري، وعمل الإرث العربي. وفي سياق كل هذا، تنساب في داخلك، عندما تكون حاضراً في ملاعب «كأس العرب»، نفحات من الروح العربية، التي نعيشها هذه الأيام، ونشهدها في هذه الساعات، ونشاهدها خلال هذه اللحظات وهي تغطي المشهد القطري، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه. وما من شك، في أن تكرار نجاحات قطر، في احتضان البطولات الرياضية الكبرى، ومن بينها بطولة «كأس العرب»، بهذا التميز التنظيمي، وهذا الامتياز الإداري، يشكل علامة فارقة في التنظيم الرياضي. .. ويؤكد نجاح قطر، في ترسيخ مكانتها على الساحة الرياضية، بصفتها عاصمة الرياضة العربية، والقارية، والعالمية. ويعكس قدرتها على تحقيق التقارب، بين الجماهير العربية، وتوثيق الروابط الأخوية بين المشجعين، وتوطيد العلاقات الإنسانية، في أوساط المتابعين! ولعل ما يميز قطر، في مجال التنظيم الرياضي، حرصها على إضافة البعد الثقافي والحضاري، والتاريخي والتراثي والإنساني، في البطولات التي تستضيفها، لتؤكد بذلك أن الرياضة، في المنظور القطري، لا تقتصر على الفوز والخسارة، وإنما تحمل بطولاتها، مجموعة من القيم الجميلة، وحزمة من الأهداف الجليلة. ولهذا، فإن البطولات التي تستضيفها قطر، لها تأثير جماهيري، يشبه السحر، وهذا هو السر، الذي يجعلها الأفضل والأرقى والأبدع، والأروع، وليس في روعتها أحد. ومثلما في الشعر، يتصدر «المتنبي» ولا يضاهيه في الفخر شاعر، فإن في تنظيم البطولات تأتي قطر، ولا تضاهيها دولة أخرى، في حسن التنظيم، وروعة الاستضافة. ولا أكتب هذا مديحاً، ولكن أدوّنه صريحاً، وأقوله فصيحاً. وليس من قبيل المبالغة، ولكن في صميم البلاغة، القول إنه مثلما يشكل الإبداع الشعري في قصائد «المتنبي» لوحات إبداعية، تشكل قطر، في البطولات الرياضية التي تستضيفها، إبداعات حضارية. ولكل هذا الإبداع في التنظيم، والروعة في الاستضافة، والحفاوة في استقبال ضيوف «كأس العرب».. يحق لدولتنا قطر، أن تنشد، على طريقة «المتنبي»: «أنا الذي حضر العربي إلى ملعبي» «وأسعدت بطولاتي من يشجع كرة القدمِ» وقبل أن أرسم نقطة الختام، أستطيع القول ـ بثقة ـ إن هناك ثلاثة، لا ينتهي الحديث عنهم في مختلف الأوساط، في كل الأزمنة وجميع الأمكنة. أولهم قصائد «أبو الطيب»، والثاني كرة القدم باعتبارها اللعبة الشعبية العالمية الأولى، أمــــا ثالثهم فهي التجمعات الحاشدة، والبطولات الناجحة، التي تستضيفها - بكل فخر- «بلدي» قطر.
2304
| 07 ديسمبر 2025
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2250
| 10 ديسمبر 2025