رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
ما أن تنطلق دعوة لمظاهرات في مصر يطفو على السطح فورا السؤال الكبير هل سيشارك الإخوان؟ أم لن يشاركوا؟ وحين تنتهي الموجة يكون السؤال لماذا لم يشارك الإخوان؟ وحين تتعرض المظاهرات للقمع يكون التعليل أن السبب هو مشاركة الإخوان، وحين تختفي المظاهرات تماما، أو تفشل حشودها يكون الرد أن غياب الإخوان هو السبب!!.
الإخوان هم الغائب الحاضر دوما عند أي حراك شعبي في مصر الآن، وهم يجدون أنفسهم دوما في موقف صعب، فالبعض يطالبهم بالمشاركة بكثافة في المظاهرات حتى يمكن حسم الأمر مبكرا، والبعض يطالبهم بالمشاركة دون إعلان لتجنب قمع النظام، والبعض يطالبهم بعدم المشاركة تماما لأنهم - من وجهة نظره - أصبحوا مكروهين شعبيا!!، ولأن مشاركتهم ستحول دون مشاركة القوى الليبرالية واليسارية!!، ناهيك أن هذه المشاركة ستوفر غطاء للأجهزة الأمنية لقمع أي حراك!!.
لم تخل صفحات التواصل الاجتماعي ولا القنوات التلفزيونية بما فيها تلك المحسوبة سياسياً على الإخوان من ترديد تلك الأسئلة، ونقلت ما وصفته بتسريبات أمنية عن غياب الإخوان، وكأن البلد لا يوجد فيها قوى أخرى غير الإخوان، فماذا يفعل الإخوان في هذا الموقف الصعب؟!.
من كوكب آخر
من يطرح أسئلة حول مشاركة الإخوان في الحراك الشعبي يشعرنا كأنه من كوكب آخر، وكأنه لم ير أو يسمع عن الحراك الذي عم مصر طولا وعرضا على مدار عدة سنوات عقب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، في الوقت الذي كان الخوف هو عنوان تلك المرحلة، تحركت مظاهرات كبيرة في مدن مصر وقراها، وتعرضت للرصاص الحي من الأمن، ومن أنصار النظام ممن كانوا يوصفون بالمواطنين الشرفاء، ولم تتوقف إلا بعد استخدام "كل القوة الغاشمة" ضدها، وعقب اعتقال معظم النشطاء الذين كانوا يقودونها، أو هجرة آخرين منهم نتيجة القمع الشديد الذي وصل إلى القتل، كانت القوى الموصوفة بالمدنية – مع استثناءات فردية - في تلك السنوات تقضي "شهر عسل" مع النظام، تبرر قمعه للمظاهرات والاعتصامات، ويرقص بعضها على أشلاء الضحايا، ويردد بعضهم "أفرم يا سيسي"، ويغنون "تسلم الأيادي"، وبعد أن انتهى السيسي من فرم القوة الصلبة استدار لمن طالبوه بالفرم ليفرمهم أيضا.
لم يتعرض فصيل وطني لمثل ما تعرض له الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من حرب إبادة، استهدفت الأنفس والأموال والمؤسسات الخ، ثم يأتي بعد ذلك من يجلس على أريكته واضعا ساقا على ساق ليسأل أين هم الإخوان؟! ولماذا شاركوا أو لم يشاركوا؟ ولماذا غابوا أو حضروا؟ وهناك من يطلب منهم حل جماعتهم لفتح الطريق أمام التغيير وقبول النظام العسكري الحاكم والتفاهم مع بقية القوى السياسية وفتح المجال السياسي، ولا يدرك هؤلاء أنهم بهذا الطلب إنما يقضون على ما تبقى من قوة حية قادرة على مواجهة الاستبداد والفساد رغم ما تمر به في الوقت الحالي، إن من يطالب بذلك إنما يريد توسيع المجال لنفسه ولحزبه أو تياره العاجز عن المنافسة في وجود كيانات كبيرة، وبدلا من أن يتحرك هؤلاء لتقوية كياناتهم وأحزابهم، لتكون قادرة على المواجهة السياسية والانتخابية فإنهم يطلبون من منافسهم إخلاء الملعب لهم.
لقد غاب الإخوان بالفعل عن الساحة الانتخابية داخل مصر فماذا كانت النتيجة بالنسبة لمن طلبوا حل الجماعة؟. النتيجة هي ما شاهدناه منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013 وحتى الآن، والذين انحازوا للانقلاب ممن انتموا يوما لثورة يناير تم تحجيمهم في أول انتخابات برلمانية، فما يسمى كتلة 25-30 حصدت 9نواب فقط، وحزب النور الذي كان القوة الثانية في برلمان الثورة بغرفتيه تقلص حضوره في مجلس النواب المنتهي إلى 12 نائبا فقط (من جملة 450 نائبا) ولم يسمح لأحد منهم بالفوز في انتخابات مجلس الشيوخ (الشورى سابقا)، كما أن انتخابات مجلس النواب المقبلة ستشهد إقصاء تاما لأحزاب الحركة المدنية وحزب النور، لتخلو قاعة المجلس لمرشحي قائمة المخابرات فقط، رغم كل ما قدمته هذه القوى من دعم للنظام.
إستراتيجية ثابتة
تسير جماعة الإخوان المسلمين وفق إستراتيجية ثابتة أعلنها المرشد العام الدكتور محمد بديع، وكررها قبل أيام قليلة نائبه إبراهيم منير وهي أن الجماعة "لا تتقدم على الشعب المصري ولا تتخلف عنه"، بما يعني أنها كانت وستكون دوما في قلب الشعب، وحين يخرج الشعب مطالبا بحقوقه فمن الطبيعي أن أفراد الإخوان هم جزء من الشعب يتألمون لما يؤلمه، ويفرحون لما يسعده، وليس مطلوبا من الجماعة أن تصدر قرارا بالنزول أو الغياب، وكما قال إبراهيم منير فإن الثورة هل عمل جمعي تشارك فيه كل فصائل الشعب المصري وفئاته وليس تنظيما لوحده.
ليس خافيا على أحد الدور الكبير الذي قامت به الجماعة وأنصارها وحلفاؤها خلال السنوات السبع الماضية، فهم الذين أبقوا جذوة المقاومة ضد نظام السيسي قائمة، وهم الذين قادوا حراكا في الداخل، وحراكا في الخارج؛ تنوع بين العمل الميداني والسياسي والحقوقي، وليس خافيا أن ما يوصف بإعلام الإخوان هو الذي فضح خيانات النظام، وفشله، وقمعه، وكان صوتا للشعب حين فرض النظام التعتيم الإعلامي عليه، وحرمه من أصوات إعلامية حرة تنقل نبضه، وهمومه، وتطلعه على ما يجري في وطنه، وهو الذي نقل كل المظاهرات التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية، وهو الذي ينقل حاليا المظاهرات في المحافظات المختلفة، وهذه أكبر خدمة لهذا الحراك الذي فرض النظام عليه تعتيما إعلاميا تاما، بل دفع أذرعه الإعلامية لتشويهه والتحريض ضده.
بعد كل ذلك يكون السؤال عن موقف الإخوان من الحراك الشعبي في غير محله على أقل تقدير، وحري بمن يسأل هذا السؤال أن يسأل نفسه أولا: هل يعرف نضالات السنوات الماضية والفواتير الكبيرة التي دفعها الإخوان وأنصارهم وحلفاؤهم؟، وكيف أنهم هم الذين أبقوا هذا النظام تحت ضغط مستمر حرم رئيسه من الإقامة في مسكن معروف، ودفعه لفرض حالة الطوارئ طيلة السنوات الماضية، وجعله يلهث خلف الدعم السياسي الدولي مقابل صفقات ضخمة من دم الشعب كبديل لفقدانه الشرعية الحقيقية في الداخل؟!.
الحراك الحالي في مصر هو حراك شعبي بامتياز، ولا ينبغي لأحد تلوينه بهذا اللون أو ذاك، حرصا على نجاحه واستمراره، ودور المناهضين للنظام في الخارج هو توفير الغطاء الإعلامي له، والتحرك حقوقياً وسياسياً لغل يد النظام عن قمعه.. وبما أنه حراك شعبي عفوي فلا أحد يستطيع أن يتنبأ بمساراته التي نأمل أن تكون في طريقها الصحيح إنقاذا للبلاد والعباد.
الجزيرة نت
قراءة أولية لسيناريوهات الفائدة
في الأسابيع التي سبقت اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الأسبوع، شهدت التوقعات تقلبات غير معتادة. فقد تأرجحت... اقرأ المزيد
84
| 07 ديسمبر 2025
الإسلام منهج إصلاح لا استبدال
يُتهم الإسلام زورًا وبهتانًا بأنه جاء ليهدم الدنيا ويبنيها من جديد، أو أنه جاء ليسبح بالبشرية عكس اتجاه... اقرأ المزيد
285
| 07 ديسمبر 2025
توم باراك والهندسة الخفية لإعادة ترتيب النفوذ - 1
في عالمٍ تتزاحم فيه القوى الدولية فوق خرائطنا، وتتداخل فيه خيوط الاقتصاد والسياسة والأمن في نسيجٍ واحد، لا... اقرأ المزيد
141
| 07 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
في الساعات المبكرة من صباح السبت، ومع أول شعاع يلامس مياه الخليج الهادئة، من المعتاد أن أقصد شاطئ الوكرة لأجد فيه ملاذا هادئا بعد صلاة الفجر. لكن ما شهده الشاطئ اليوم لم يكن منظرا مألوفا للجمال، بل كان صدمة بصرية مؤسفة، مخلفات ممتدة على طول الرمال النظيفة، تحكي قصة إهمال وتعدٍ على البيئة والمكان العام. شعرت بالإحباط الشديد عند رؤية هذا المنظر المؤسف على شاطئ الوكرة في هذا الصباح. إنه لأمر محزن حقا أن تتحول مساحة طبيعية جميلة ومكان للسكينة إلى مشهد مليء بالمخلفات. الذي يصفه الزوار بأنه «غير لائق» بكل المقاييس، يثير موجة من التساؤلات التي تتردد على ألسنة كل من يرى المشهد. أين الرقابة؟ وأين المحاسبة؟ والأهم من ذلك كله ما ذنب عامل النظافة المسكين؟ لماذا يتحمل عناء هذا المشهد المؤسف؟ صحيح أن تنظيف الشاطئ هو من عمله الرسمي، ولكن ليس هو المسؤول. والمسؤول الحقيقي هو الزائر أولا وأخيرا، ومخالفة هؤلاء هي ما تصنع هذا الواقع المؤلم. بالعكس، فقد شاهدت بنفسي جهود الجهات المختصة في المتابعة والتنظيم، كما لمست جدية وجهد عمال النظافة دون أي تقصير منهم. ولكن للأسف، بعض رواد هذا المكان هم المقصرون، وبعضهم هو من يترك خلفه هذا الكم من الإهمال. شواطئنا هي وجهتنا وواجهتنا الحضارية. إنها المتنفس الأول للعائلات، ومساحة الاستمتاع بالبيئة البحرية التي هي جزء أصيل من هويتنا. أن نرى هذه المساحات تتحول إلى مكب للنفايات بفعل فاعل، سواء كان مستخدما غير واعٍ هو أمر غير مقبول. أين الوعي البيئي لدى بعض رواد الشاطئ الذين يتجردون من أدنى حس للمسؤولية ويتركون وراءهم مخلفاتهم؟ يجب أن يكون هناك تشديد وتطبيق صارم للغرامات والعقوبات على كل من يرمي النفايات في الأماكن غير المخصصة لها، لجعل السلوك الخاطئ مكلفا ورادعا.
3840
| 05 ديسمبر 2025
بات الذكاء الاصطناعي اليوم واقعاً لا يمكن تجاهله في ميادين العمل القانوني، حيث بدأت العديد من مكاتب المحاماة في مختلف الدول تستعين بتطبيقاته. غير أن هذه الاستعانة قد تثير، في بعض الأحيان، إشكالات قانونية حول مدى الاستخدام المنضبط لهذه التقنيات، ولا سيما عند الاعتماد على مخرجاتها دون التحقق من صحتها ودقتها، وهو ما تجلى بوضوح في حكم حديث صادر عن محكمة قطر الدولية، حيث تصدت فيه المحكمة لهذه المسألة للمرة الأولى في نطاق قضائها. فقد صدر مؤخراً حكم عن الدائرة الابتدائية بالمحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال، (المعروفة رسمياً باسم محكمة قطر الدولية)، في القضية رقم: [2025] QIC (F) 57 بتاريخ 9 نوفمبر 2025، بشأن الاستخدام غير المنضبط وسوء توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي في العمل القانوني. وقد ورد في حيثيات الحكم أن أحد المترافعين أمام المحكمة، وهو محامٍ يعمل لدى أحد مكاتب المحاماة المقيدة خارج دولة قطر، كما هو واضح في الحكم، قد استند في دفاعه إلى أحكام وسوابق قضائية نسبها إلى المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال. غير أن المحكمة، وبعد أن باشرت فحص المستندات والتحقق من الوقائع، تبين لها أن تلك السوابق لا وجود لها في سجلاتها الرسمية، ولم تصدر عن أي من دوائرها، وأن ما استند إليه المترافع إنما كان من مخرجات غير دقيقة صادرة عن أحد تطبيقات الذكاء الاصطناعي المدمجة في أحد محركات البحث الإلكترونية المعروفة، والتي عرضت أحكاما وسوابق قضائية وهمية لا أصل لها في الواقع أو في القضاء.وقد بينت المحكمة في حيثيات حكمها أن السلوك الذي صدر عن المحامي، وإن بدا في ظاهره خطأ غير مقصود، إلا أنه في جوهره يرقى إلى السلوك العمدي لما انطوى عليه من تقديم معلومات غير صحيحة تمثل ازدراء للمحكمة. وقد أشارت المحكمة إلى أنه كان بوسع المحامي أن يتحقق من صحة السوابق والأحكام القضائية التي استند إليها لو أنه بذل العناية الواجبة والتزم بأدنى متطلبات التحقق المهني، لا سيما وأن جميع أحكام المحكمة متاحة ومتوفرة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي. وانتهت المحكمة إلى أن ما صدر عن المحامي يُشكل مخالفة صريحة لأحكام المادة (35.2.5) من القواعد والإجراءات المتبعة أمام المحكمة المدنية والتجارية لمركز قطر للمال لسنة 2025، والتي نصت على أن إعطاء معلومات خاطئة أو مضللة يُعد مخالفة تستوجب المساءلة والجزاء. كما أوضحت المحكمة أن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، بوجه عام، في ميدان التقاضي هو أمر مرحب به لما يوفره من نفقات على أطراف الدعوى، ويُسهم في رفع كفاءة الأداء متى تم في إطاره المنضبط وتحت رقابة بشرية واعية. إذ إن الاعتماد عليه دون تحقق أو مراجعة دقيقة قد يفضي إلى نتائج غير محمودة. وقد أشارت المحكمة إلى أنها المرة الأولى التي يُستأنس فيها أمامها بأحكام منسوبة إليها لم تصدر عنها في الأصل، غير أنها أوضحت في الوقت ذاته أنّ مثل هذه الظاهرة قد ظهرت في عدد من الدول على خلفية التوسع في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني. وفي هذا الإطار، أشارت المحكمة إلى ما قضت به محكمة بولاية نيويورك في قضية Mata v. Avianca Inc (2023)، إذ تبين أن أحد المحامين قدم مذكرات قانونية اشتملت على أحكام وسوابق مختلقة تولدت عن استخدام غير دقيق لتقنيات الذكاء الاصطناعي. كما أشارت المحكمة إلى حكم آخر صادر عن محكمة بالمملكة المتحدة في قضية Ayinde v. Haringey (2025)، والذي أكد على وجوب المراجعة البشرية الدقيقة لأي نص قانوني أو سابقة قضائية يُنتجها الذكاء الاصطناعي قبل الاستناد إليها أمام القضاء، باعتبار ذلك التزاماً مهنياً وأخلاقياً لا يجوز التهاون فيه.كما لفتت المحكمة إلى أن ظواهر مماثلة قد لوحظت في بعض القضايا المنظورة أمام المحاكم في كندا وأستراليا، ويُظهر ذلك اتساع نطاق هذه الظاهرة وضرورة إحاطتها بضوابط مهنية دقيقة تكفل صون نزاهة الممارسة القانونية واستقلالها. وقد بينت المحكمة أنها بصدد إصدار توجيه إجرائي يقضي بأن الاستناد والإشارة إلى أي قضية أو مرجع أمام المحكمة في المستقبل دون التحقق من صحته أو من مصدره يُعد مخالفة تستوجب الجزاء، وقد يمتد أثرها إلى إعلان اسم المحامي ومكتبه في قرار المحكمة. وفي تقديرنا، يُعد هذا التوجه خطوة تُعزز مبادئ الشفافية، وتُكرس الانضباط المهني، وتُسهم في ردع أي ممارسات قد تمس بنزاهة الإجراءات القضائية وسلامة العمل القانوني. وفي الختام، نرى أن حكم محكمة قطر الدولية يُشكل رسالة مفادها أن الذكاء الاصطناعي سلاح ذو حدين، فإن أُحسن توظيفه كان عوناً في البحث والتحليل والاستدلال، أما إذا أُطلق دون رقابة أو وعي مهني، فقد يُقوض نزاهة التقاضي بين الخصوم ويُعد مساساً بمكانة المحكمة ووقارها.
2664
| 30 نوفمبر 2025
فجعت محافل العلم والتعليم في بلاد الحرمين الشريفين برحيل معالي الأستاذ الدكتور الشيخ محمد بن علي العقلا، أحد أشهر من تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، والحق أنني ما رأيت أحدًا أجمعت القلوب على حبه في المدينة المنورة لتواضعه ودماثة أخلاقه، كما أجمعت على حب الفقيد الراحل، تغمده الله بواسع رحماته، وأسكنه روضات جناته، اللهم آمين. ولد الشيخ العقلا عليه الرحمة في مكة المكرمة عام 1378 في أسرة تميمية النسب، قصيمية الأصل، برز فيها عدد من الأجلاء الذين تولوا المناصب الرفيعة في المملكة العربية السعودية منذ تأسيس الدولة. وقد تولى الشيخ محمد بن علي نفسه عمادة كلية الشريعة بجامعة أم القرى، ثم تولى رئاسة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1428، فكان مكتبه عامرا بالضيوف والمراجعين مفتوحًا للجميع وجواله بالمثل، وكان دأبه الرد على الرسائل في حال لم يتمكن من إجابة الاتصالات لأشغاله الكثيرة، ويشارك في الوقت نفسه جميع الناس في مناسباتهم أفراحهم وأتراحهم. خرجنا ونحن طلاب مع فضيلته في رحلة إلى بر المدينة مع إمام الحرم النبوي وقاضي المدينة العلامة الشيخ حسين بن عبد العزيز آل الشيخ وعميد كلية أصول الدين الشيخ عبد العزيز بن صالح الطويان ونائب رئيس الجامعة الشيخ أحمد كاتب وغيرهم، فكان رحمه الله آية في التواضع وهضم الذات وكسر البروتوكول حتى أذاب سائر الحواجز بين جميع المشاركين في تلك الرحلة. عرف رحمه الله بقضاء حوائج الناس مع ابتسامة لا تفارق محياه، وقد دخلت شخصيا مكتبه رحمه الله تعالى لحاجة ما، فاتصل مباشرة بالشخص المسؤول وطلب الإسراع في تخليص الأمر الخاص بي، فكان لذلك وقع طيب في نفسي وزملائي من حولي. ومن مآثره الحسان التي طالما تحدث بها طلاب الجامعة الإسلامية أن أحد طلاب الجامعة الإسلامية الأفارقة اتصل بالشيخ في منتصف الليل وطلب منه أن يتدخل لإدخال زوجته الحامل إلى المستشفى، وكانت في حال المخاض، فحضر الشيخ نفسه إليه ونقله وزوجته إلى المستشفى، وبذل جاهه في سبيل تيسير إدخال المرأة لتنال الرعاية اللازمة. شرفنا رحمه الله وأجزل مثوبته بالزيارة إلى قطر مع أهل بيته، وكانت زيارة كبيرة على القلب وتركت فينا أسنى الأثر، ودعونا فضيلته للمشاركة بمؤتمر دولي أقامته جامعة الزيتونة عندما كنت مبتعثًا من الدولة إليها لكتابة أطروحة الدكتوراه مع عضويتي بوحدة السنة والسيرة في الزيتونة، فكانت رسالته الصوتية وشكره أكبر داعم لنا، وشارك يومها من المملكة معالي وزير التعليم الأسبق والأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الوالد الشيخ عبدالله بن صالح العبيد بورقة علمية بعنوان «جهود المملكة العربية السعودية في خدمة السنة النبوية» ومعالي الوالد الشيخ قيس بن محمد آل الشيخ مبارك، العضو السابق بهيئة كبار العلماء في المملكة، وقد قرأنا عليه أثناء وجوده في تونس من كتاب الوقف في مختصر الشيخ خليل، واستفدنا من عقله وعلمه وأدبه. وخلال وجودنا بالمدينة أقيمت ندوة لصاحب السمو الملكي الأمير نواف بن فيصل بن فهد آل سعود حضرها أمير المدينة يومها الأمير المحبوب عبد العزيز بن ماجد وعلماء المدينة وكبار مسؤوليها، وحينما حضرنا جعلني بعض المرافقين للشيخ العقلا بجوار المستشارين بالديوان الملكي، كما جعلوا الشيخ جاسم بن محمد الجابر بجوار أعضاء مجلس الشورى. وفي بعض الفصول الدراسية زاملنا ابنه الدكتور عقيل ابن الشيخ محمد بن علي العقلا فكان كأبيه في الأدب ودماثة الأخلاق والسعي في تلبية حاجات زملائه. ودعانا مرة معالي الشيخ العلامة سعد بن ناصر الشثري في الحرم المكي لتناول العشاء في مجلس الوجيه القطان بمكة، وتعرفنا يومها على رئيس هيئات مكة المكرمة الشيخ فراج بن علي العقلا، الأخ الأكبر للشيخ محمد، فكان سلام الناس عليه دليلا واضحا على منزلته في قلوبهم، وقد دعانا إلى زيارة مجلسه، جزاه الله خيرا. صادق العزاء وجميل السلوان نزجيها إلى أسرة الشيخ ومحبيه وطلابه وعموم أهلنا الكرام في المملكة العربية السعودية، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، اللهم تقبله في العلماء الأتقياء الأنقياء العاملين الصالحين من أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. «إنا لله وإنا إليه راجعون».
1707
| 04 ديسمبر 2025