رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
في حديث ضحى مع والدتي العزيزة كانت تخبرني عن بعض قصص النساء في زمنها وكيف كانت الحياة في تلك الفترة الزمنية وبالرغم من أنها ليست بذاك البعد ولكن لو قارناها بما نعيشها الآن سنجدها شديدة البعد في الأسلوب والمعيشة وقد تظن لوهلة أنها حدثت منذ قرون عديدة إلا أنها حدثت قبل ما لا يزيد على ربع قرن من الزمان، وقد يعود سبب هذا التباين الكبير للطفرة الاجتماعية التي حدثت ومكنت النساء من التمتع بحريات ومسلمات مكتسبة لهن ولكن الطفرة الذكورية في ذاك الزمان كانت بطبيعتها قمعية ديكتاتورية لم تسمح لهن بالتمتع بحرية قرارات في الملبس أو المأكل بل يتجاوز الأمر إلى أنهن لم يكن لهن رأي في نوع الزوج أو الزواج المقبلات عليه. فقد كانت الزيجات عبارة عن تبادل اجتماعي بحت، زوجني أختك لأزوجك قريبتي، أعطني هذا لأعطيك ذاك حيث تم تسليع المرأة في زمننا السابق مما أدى إلى تتابع تلك البرمجية الذكورية على زمننا الحالي، وتناسوا وصية الرسول بالرفق بالنساء مما يدل على عظمتها في ديننا الحنيف وأهميتها في بناء المجتمع، ولكن للأسف الشديد لقد تم توارث العادات والتقاليد الرجعية فقط ولم نتوارث تعامل الرسول مع نسائه.
ومن القصص التي روتها لي قصة لفتاة زوَّجَها أخوها من شخص ذي مكانة اجتماعية مرموقة إلا أنه كان كبيرًا في السن، وكان الزواج لا يعد إلا أن يكون صفقة تبادلية للأسف ففي المقابل وعده كبير السن أن يزوجه أخته الجميلة، ولكن ليس الآن بل بعد عام يستطيع من خلاله الأخ جمع المال الكافي مهراً، وبعد عام من الاتفاق شاء القدر أن تحمل الفتاة وتأتي بطفل وحين أتى أخوها لزيارتها تفاجأ أن العروس الموعود بها تم تزويجها لشيخ ذي جاه ومال. غضب! وفي نفس المساء الذي أتى فيه تحدث مع أخته بأن هلم بنا نرحل ! تتطلقين من زوجك الذي لم يفِ بوعده لي، ونترك لهم طفلك لسنا بحاجة لما يربطنا بهم. ولكن الأخت التي لم يكن لها ناقة ولا جمل في الزواج أو الطلاق رفضت فهي مهما حدث ستبقى أما! أم لطفل لم يتجاوز عمره الأشهر. وقالت: "لا لن أرحل بدون طفلي ! ولن يستطيع أحد التفريق بيني وبينه إلا الموت".
مما أغضب الأخ الذي رحل بدون أخته أو زوجته المستقبلية، ولا أود أن أصف لكم حجم الخيبة والقهر اللذين شعر بهما آنذاك، وترك أخته الوحيدة في حالة حزن شديد كادت أن تقضي عليها فهي كانت بين نارين، أخيها الوحيد الذي تحب وطفلها الرضيع فلذة كبدها واتصالها الحي بهذا الوجود، تركها بدون أي اتصال في زمن لم تكن فيه الاتصالات متاحة ولا الرسائل المتعارف عليها بل التواصل يكون عبر المراسيل وهم الأشخاص الذين يتنقلون من مكان إلى مكان ويرسل معهم الناس رسالة إلى شخص معين فتُنقل له شفهياً.
إن القرار الذي اتخذته الأخت قرار صعب، وكأنها تُخير بين أن تتنازل عن يدها اليمنى أو اليسرى، وهو قرار ليس بالهين ولا السهل ويحتاج إلى تفكير لكن في ذاك الزمان لم تكن رفاهية الوقت موجودة، فالقرارات تُتخذ بلا تفكير مما يجعلها مصيرية في طبيعتها، بمعنى أن رفاهية أن أساوم هذا بذاك غير موجودة، بل يجب أن يتخذ هذا القرار وفقًا للحاجة، والحاجة الأقوى تطغى وتميل لها كفة الميزان على حساب الكثير من المشاعر.
ومن القصص التي روتها لي في نفس السياق الفتاة التي زوَّجَها أبوها في صفقة تبادلية مع رجل على أن يزوج الأخير اثنتين من بناته لأبناء هذا الرجل. وشاء القدر أن تتزوج الفتاة من الرجل الكبير وتعيش معه وتنجب منه فتاتين، وبعد أن انقضت المدة المتفق عليها بين الرجل والزوج، جاء الابنان بغية طلب يد البنتين، ولكن الزوج أخبرهما أن ابنتيه لم توافقا على الزواج، وهو أمر مستنكر وغير مقبول للرجال في ذاك المجتمع حيث إن الفتاة عندهم لا رأي لها في تفاصيل الزواج فهي للأسف تُقاد. رجع الأب والابنان إلى مدينتهم بخيبة ورغبة كبيرة في الانتقام، وجاءتهم ابنتهم بعدها كزيارة مع زوجها وطفليها. فتوقف الابنان في وجه الزوج وأخبروه بأن يطلق أختهم وأن يأخذ البنتان معه عائدًا لبلدته. لكن لحظة ! والأم ما ذنبها من هذه الصفقة كلها! ما هو الشيء الذي ارتكبته لتُجازى بهذا الجزاء، لا شيء للأسف إلا لكونها امرأة.
هنا لم يكن يوجد قرار لاتخاذه إلا قرار الصمت والصبر وياه ما أشد صعوبة هذا الأمر على أم تشاهد ابنتيها في سيارة راحلة مع أبيهما إلى مكان هي تعلم في قرارة ذاتها أنها لن تستطيع أن تزوره. فحياتها كانت مرهونة في تلك اللحظة إما الموت أو ترك الفتاتين. وكان القرار صامتاً مميتاً ولا أعلم حجم الأشياء التي ماتت فيها ذاك المساء وحجم الخراب الذي خلفه هذا الأمر في ذاتها التي لم ولن تكتمل أبدًا من بعد موقف صعب كهذا.
نحن لا نكبر بمرور السنين بل بمرور المواقف والصعاب فالتجارب تشكل ما نحن عليه الآن، فتجد أحدهم يحمل في عينيه ملامح كهل وهو في منتصف شبابه نظراً لما واجهه من صعاب في حياته جعلته بهذا الشكل. فالأخت في القصة الأولي ما زالت تقول وتعيد لم يقتلني شيء مثل ما قتلني رحيل أخي في تلك الليلة وغيابه عني كل تلك السنوات. فهذه القرارات المصيرية حين تُتخذ تأخذ منك طاقة كبيرة، بل قد تستنزفنا أحياء ونحن لا نعلم.
ومضة:
"لا تعني أرقام أعمارنا شيئاً..!
نحن نكبر ونصغر حسب الظروف..
أطفال مع من نحب...
شباب مع من ألفناهم..
شيوخ إذا ضاقت بنا الدنيا..
لذلك لا تسأل أحداً عن عمره فذلك لن يفيد..
"نحن نكبر بالظروف والسفر والرحيل والكتب"
شيئاً ما يجعل عقولنا تكبر، والآخر يجعل قلوبنا تشيب.
مكافحة الفساد مسؤولية عالمية
تعكس جائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد والتي دخلت عامها العاشر، الأهمية... اقرأ المزيد
69
| 15 ديسمبر 2025
كأس العرب من منظور علم الاجتماع
يُعَدّ علم الاجتماع، بوصفه علمًا معنيًا بدراسة الحياة الاجتماعية، مجالًا تتفرّع عنه اختصاصات حديثة، من أبرزها سوسيولوجيا الرياضة،... اقرأ المزيد
72
| 15 ديسمبر 2025
في زحمة الصحراء!
يُخطئ كثيرون في الظنّ بأن الصحراء مجرد رمال وحصى وحرارة تُنهك الجلد وتخدع الروح، كأنها مكان مُفرغ من... اقرأ المزيد
69
| 15 ديسمبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية




مساحة إعلانية
لم يكن خروج العنابي من بطولة كأس العرب مجرد خيبة رياضية عابرة، بل كانت صدمة حقيقية لجماهير كانت تنتظر ظهوراً مشرفاً يليق ببطل آسيا وبمنتخب يلعب على أرضه وبين جماهيره. ولكن ما حدث في دور المجموعات كان مؤشراً واضحاً على أزمة فنية حقيقية، أزمة بدأت مع اختيارات المدرب لوبيتيغي قبل أن تبدأ البطولة أصلاً، وتفاقمت مع كل دقيقة لعبها المنتخب بلا هوية وبلا روح وبلا حلول! من غير المفهوم إطلاقاً كيف يتجاهل مدرب العنابي أسماء خبرة صنعت حضور المنتخب في أكبر المناسبات! أين خوخي بوعلام و بيدرو؟ أين كريم بوضياف وحسن الهيدوس؟ أين بسام الراوي وأحمد سهيل؟ كيف يمكن الاستغناء عن أكثر اللاعبين قدرة على ضبط إيقاع الفريق وقراءة المباريات؟ هل يعقل أن تُستبعد هذه الركائز دفعة واحدة دون أي تفسير منطقي؟! الأغرب أن المنتخب لعب البطولة وكأنه فريق يُجرَّب لأول مرة، لا يعرف كيف يبني الهجمة، ولا يعرف كيف يدافع، ولا يعرف كيف يخرج بالكرة من مناطقه. ثلاث مباريات فقط كانت كفيلة بكشف حجم الفوضى: خمسة أهداف استقبلتها الشباك مقابل هدف يتيم سجله العنابي! هل هذا أداء منتخب يلعب على أرضه في بطولة يُفترض أن تكون مناسبة لتعزيز الثقة وإعادة بناء الهيبة؟! المؤلم أن المشكلة لم تكن في اللاعبين الشباب أنفسهم، بل في كيفية إدارتهم داخل الملعب. لوبيتيغي ظهر وكأنه غير قادر على استثمار طاقات عناصره، ولا يعرف متى يغيّر، وكيف يقرأ المباراة، ومتى يضغط، ومتى يدافع. أين أفكاره؟ أين أسلوبه؟ أين بصمته التي قيل إنها ستقود المنتخب إلى مرحلة جديدة؟! لم نرَ سوى ارتباك مستمر، وخيارات غريبة، وتبديلات بلا معنى، وخطوط مفككة لا يجمعها أي رابط فني. المنتخب بدا بلا تنظيم دفاعي على الإطلاق. تمريرات سهلة تخترق العمق، وأطراف تُترك بلا رقابة، وتمركز غائب عند كل هجمة. أما الهجوم، فقد كان حاضراً بالاسم فقط؛ لا حلول، لا جرأة، لا انتقال سريع، ولا لاعب قادر على صناعة الفارق. كيف يمكن لفريق بهذا الأداء أن ينافس؟ وكيف يمكن لجماهيره أن تثق بأنه يسير في الطريق الصحيح؟! الخروج من دور المجموعات ليس مجرد نتيجة سيئة، بل مؤشر مخيف! فهل يدرك الجهاز الفني حجم ما حدث؟ هل يستوعب لوبيتيغي أنه أضاع هوية منتخب بطل آسيا؟ وهل يتعلم من أخطاء اختياراته وإدارته؟ أم أننا سننتظر صدمة جديدة في استحقاقات أكبر؟! كلمة أخيرة: الأسئلة كثيرة، والإجابات حتى الآن غائبة، لكن من المؤكّد أن العنابي بحاجة إلى مراجعة عاجلة وحقيقية قبل أن تتكرر الخيبة مرة أخرى.
2325
| 10 ديسمبر 2025
عندما يصل شاب إلى منصب قيادي مبكرًا، فهذا لا يعني بالضرورة أنه الأفضل والأذكى والأكثر كفاءة، بل قد تكون الظروف والفرص قد أسهمت في وصوله. وهذه ليست انتقاصًا منه، بل فرصة يجب أن تُستثمر بحكمة. ومن الطبيعي أن يواجه القائد الشاب تحفظات أو مقاومة ضمنية من أصحاب الخبرة والكفاءات. وهنا يظهر أول اختبار له: هل يستفيد من هذه الخبرات أم يتجاهلها ؟ وكلما استطاع القائد الشاب احتواء الخبرات والاستفادة منها، ازداد نضجه القيادي، وتراجع أثر الفجوة العمرية، وتحوّل الفريق إلى قوة مشتركة بدل أن يكون ساحة تنافس خفي. ومن الضروري أن يدرك القائد الشاب أن أي مؤسسة يتسلّمها تمتلك تاريخًا مؤسسيًا وإرثًا طويلًا، وأن ما هو قائم اليوم هو حصيلة جهود وسياسات وقرارات صاغتها أجيال متعاقبة عملت تحت ظروف وتحديات قد لا يدرك تفاصيلها. لذلك، لا ينبغي أن يبدأ بهدم ما مضى أو السعي لإلغائه؛ فالتطوير والبناء على ما تحقق سابقًا هو النهج الأكثر نضجًا واستقرارًا وأقل كلفة. وهو وحده ما يضمن استمرارية العمل ويُجنّب المؤسسة خسائر الهدم وإعادة البناء. وإذا أراد القائد الشاب أن يرد الجميل لمن منحه الثقة، فعليه أن يعي أن خبرته العملية لا يمكن أن تضاهي خبرات من سبقه، وهذا ليس نقصًا بل فرصة للتعلّم وتجنّب الوقوع في وهم الغرور أو الاكتفاء بالذات. ومن هنا تأتي أهمية إحاطة نفسه بدائرة من أصحاب الخبرة والكفاءة والمشورة الصادقة، والابتعاد عن المتسلقين والمجاملين. فهؤلاء الخبراء هم البوصلة التي تمنعه من اتخاذ قرارات متسرّعة قد تكلّف المؤسسة الكثير، وهم في الوقت ذاته إحدى ركائز نجاحه الحقيقي ونضجه القيادي. وأي خطأ إداري ناتج عن حماس أو عناد قد يربك المسار الاستراتيجي للمؤسسة. لذلك، ينبغي أن يوازن بين الحماس ورشادة القرار، وأن يتجنب الارتجال والتسرع. ومن واجبات القائد اختيار فريقه من أصحاب الكفاءة (Competency) والخبرة (Experience)، فنجاحه لا يتحقق دون فريق قوي ومتجانس من حوله. أما الاجتماعات والسفرات، فالأصل أن تُعقَد معظم الاجتماعات داخل المؤسسة (On-Site Meetings) ليبقى القائد قريبًا من فريقه وواقع عمله. كما يجب الحدّ من رحلات العمل (Business Travel) إلا للضرورة؛ لأن التواجد المستمر يعزّز الانضباط، ويمنح القائد فهمًا أعمق للتحديات اليومية، ويُشعر الفريق بأن قائده معهم وليس منعزلًا عن بيئة عملهم. ويمكن للقائد الشاب قياس نجاحه من خلال مؤشرات أداء (KPIs) أهمها هل بدأت الكفاءات تفكر في المغادرة؟ هل ارتفع معدل دوران الموظفين (Turnover Rate)؟ تُمثل خسارة الكفاءات أخطر تهديد لاستمرارية المؤسسة، فهي أشد وطأة من خسارة المناقصات أو المشاريع أو أي فرصة تجارية عابرة. وكتطبيق عملي لتعزيز التناغم ونقل المعرفة بين الأجيال، يُعدّ تشكيل لجنة استشارية مشتركة بين أصحاب الخبرة الراسخة والقيادات الصاعدة آلية ذات جدوى مضاعفة. فإلى جانب ضمانها اتخاذ قرارات متوازنة ومدروسة ومنع الاندفاع أو التفرد بالرأي، فإن وجود هذه اللجنة يُغني المؤسسة عن اللجوء المتكرر للاستشارات العالمية المكلفة في كثير من الخطط والأهداف التي يمكن بلورتها داخليًا بفضل الخبرات المتراكمة. وفي النهاية، تبقى القيادة الشابة مسؤولية قبل أن تكون امتيازًا، واختبارًا قبل أن تكون لقبًا. فالنجاح لا يأتي لأن الظروف منحت القائد منصبًا مبكرًا، بل لأنه عرف كيف يحوّل تلك الظروف والفرص إلى قيمة مضافة، وكيف يبني على خبرات من سبقه، ويستثمر طاقات من حوله.
1221
| 09 ديسمبر 2025
في عالمٍ يزداد انقسامًا، وفي إقليم عربي مثقل بالتحزّبات والصراعات والاصطفافات، اختارت قطر أن تقدّم درسًا غير معلن للعالم: أن الرياضة يمكن أن تكون مرآة السياسة حين تكون السياسة نظيفة، عادلة، ومحلّ قبول الجميع واحترام عند الجميع. نجاح قطر في استضافة كأس العرب لم يكن مجرد تنظيم لبطولة رياضية، بل كان حدثًا فلسفيًا عميقًا، ونقلاً حياً ومباشراً عن واقعنا الراهن، وإعلانًا جديدًا عن شكلٍ مختلف من القوة. قوة لا تفرض نفسها بالصوت العالي، ولا تتفاخر بالانحياز، ولا تقتات على تفتيت الشعوب، بل على القبول وقبول الأطراف كلها بكل تناقضاتها، هكذا تكون عندما تصبح مساحة آمنة، وسطٌ حضاري، لا يميل، لا يخاصم، ولا يساوم على الحق. لطالما وُصفت الدوحة بأنها (وسيط سياسي ناجح ) بينما الحقيقة أكبر من ذلك بكثير. الوسيط يمكن أن يُستَخدم، يُستدعى، أو يُستغنى عنه. أما المركز فيصنع الثقل، ويعيد التوازن، ويصبح مرجعًا لا يمكن تجاوزه. ما فعلته قطر في كأس العرب كان إثباتاً لهذه الحقيقة: أن الدولة الصغيرة جغرافيًا، الكبيرة حضاريًا، تستطيع أن تجمع حولها من لا يجتمع. ولم يكن ذلك بسبب المال، ولا بسبب البنية التحتية الضخمة، بل بسبب رأس مال سياسي أخلاقي حضاري راكمته قطر عبر سنوات، رأس مال نادر في منطقتنا. لأن البطولة لم تكن مجرد ملاعب، فالملاعب يمكن لأي دولة أن تبنيها. فالروح التي ظهرت في كأس العرب روح الضيافة، الوحدة، الحياد، والانتماء لكل القضايا العادلة هي ما لا يمكن فعله وتقليده. قطر لم تنحز يومًا ضد شعب. لم تتخلّ عن قضية عادلة خوفًا أو طمعًا. لم تسمح للإعلام أو السياسة بأن يُقسّما ضميرها، لم تتورّط في الظلم لتكسب قوة، ولم تسكت عن الظلم لتكسب رضا أحد. لذلك حين قالت للعرب: حيهم إلى كأس العرب، جاؤوا لأنهم يأمنون، لأنهم يثقون، لأنهم يعلمون أن قطر لا تحمل أجندة خفية ضد أحد. في المدرجات، اختلطت اللهجات كما لم تختلط من قبل، بلا حدود عسكرية وبلا قيود أمنية، أصبح الشقيق مع الشقيق لأننا في الأصل والحقيقة أشقاء فرقتنا خيوط العنكبوت المرسومة بيننا، في الشوارع شعر العربي بأنه في بلده، فلا يخاف من رفع علم ولا راية أو شعار. نجحت قطر مرة أخرى ولكن ليس كوسيط سياسي، نجحت بأنها أعادت تعريف معنى «العروبة» و»الروح المشتركة» بطريقة لم تستطع أي دولة أخرى فعلها. لقد أثبتت أن الحياد العادل قوة. وأن القبول العام سياسة. وأن الاحترام المتبادل أكبر من أي خطاب صاخب. الرسالة كانت واضحة: الدول لا تُقاس بمساحتها، بل بقدرتها على جمع المختلفين. أن النفوذ الحقيقي لا يُشترى، بل يُبنى على ثقة الشعوب. أن الانحياز للحق لا يخلق أعداء، بل يصنع احترامًا. قطر لم تنظّم بطولة فقط، قطر قدّمت للعالم نموذج دولة تستطيع أن تكون جسرًا لا خندقًا، ومساحة لقاء لا ساحة صراع، وصوتًا جامعًا لا صوتًا تابعًا.
792
| 10 ديسمبر 2025