رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني
رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
كما أسلفنا في المقالات السابقة عن قطاع التأمين فإن المشرع أو من يمثل سلطة التشريع في أي مجتمع تعمل على توفير مظلة إجتماعية تحمي مواطنيها وتمد يد الدعم والعون لهم في بعض الجوانب التي تنشأ فيها مسئوليات وترى السلطة التشريعية ضرورة تدخل الدولة في دعم مواطنيها في تحمل تلك المسئوليات دعماً لتماسك المجتمع وتفادياً لأي سلبيات قد تنجم من عدم القدرة على الوفاء بتلك المسئوليات ومن تلك الجوانب الهامة إضافة إلى المسئوليات القانونية الناشئة أو التي تنجم عن حوادث السيارات التي أوضحناها تفصيلاً في المقالات السابقة نرى أن تدخل الدولة وجهات التشريع في الإلتزام بتوفير الخدمة الطبية والصحية لمواطنيها يؤدي خدمة ودعماً كبيراً للمجتمع وكأي من المجتمعات المتقدمة التي تجعل تلك الخدمة إجبارية لمواطنيها نرى أن دولتنا الحبيبة لا تألو جهداً في سبيل رفاهية مواطنيها ودعمهم في شتى مجالات الخدمة الطبية و الصحية ولذلك إختارت الدولة كنتيجة للدراسات الطويلة والتجارب المطبقة في الدول المجاورة والأقليم أن تؤسس شركة تأمين صحي تقدم الخدمات الطبية لمواطنيها في المرحلة الأولى ثم تبسط حدود تلك الشبكة لتغطي المقيمين والعاملين لديها في المرحلة اللاحقه ومن هنا ولكي نستطيع تكوين فكره كاملة عن المشكلة ونتدارس معاً وسائل وطرق حلها وتفادي سلبياتها إن وجدت علينا أن نتطرق أولاً إلى التعرف على مفهوم التأمين الطبي أو الصحي وعناصره وهو ماسنقوم بعرضه في دراستنا تلك.
مفهوم التأمين الطبي أو الصحي وأهميته :-
عقد التأمين الصحي عبارة عن إتفاقية بين طرفين يتحمل الطرف الأول والذي يمثله شركات التأمين جميع النفقات المترتبة على الخدمات العلاجية المقدمة للطرف الثاني وهو المؤمن له سواء كان ذلك فرداً أو جماعة تنضوي تحت شكل شركة أو هيئة أو مؤسسة مقابل مبلغ محدد سلفاً وهو القسط أو الإشتراك السنوي يتم سداده جملة واحدة أو على هيئة أقساط ويشترك في تطبيق آليات هذا الإتفاق منظومة أخرى تتكون من مقدم الخدمة وهي المستشفيات والمراكز الطبية المختلفة والمنسق الذي يعد الطرف الثالث في العملية بين شركة التأمين ومقدم الخدمة أي شركات إدارة النفقات الطبية وهي التي تتابع الحالات الطبية المحولة من شركات التأمين إلى مقدمي الخدمة نيابة عن شركات التأمين وهم يتميزون بالمهنية الطبية في متابعة تلك الحالات وتحديد أهميتها وتكلفتها لتكون المسئولية المشتركة بين الأطراف معتدلة ومحايدة وبلا مبالغة في تحديد الأتعاب والمصاريف الطبية الضرورية لتلك الحالات مما يؤدي إلى تخفيف الأعباء والتكاليف المترتبة عند معالجة الحالات المرضية الطارئة أو العادية التي يتعرض لها المؤمن له مجسدة بذلك نظاماً إجتماعياً فريداً قائماً على التعاون والتكافل بين الأفراد والمؤسسات لتحمل ما يعجز عن تحملة أحدهم بمفرده.
وتاريخياً نجد أنه في عام 1883 كان أول قانون وطني إجباري للتأمين الصحي والذي تم إقراره في ألمانيا ثم بدأت الفكرة في الإنتشار خلال القرن العشرين حول العالم وحالياً نجد أن هناك أكثر من 60 دولة تملك أنماطاً مختلفه من البرامج الحكومية الصحية الإجبارية والبعض يسند للقطاع الخاص في صناعه التأمين مهمة تنفيذ تلك البرامج الإجبارية للتأمين الصحي وتكتفي الدوله بالإشراف والمتابعه.
وقد إزدادت أهمية التأمين الصحي مع تزايد كلفة الرعاية الصحية وخصوصاً مع تزايد الضغوط الإقتصادية على المجتمعات وعلى الأفراد على حد سواء مما حدا بأكثرية الدول بالعالم كما أوضحنا إلى تطبيق نظام التأمين الصحي في بلدانها وذلك عندما أصبح من غير الممكن عملياً توفير الخدمات العلاجية المجانية الدائمة والتي تتحملها ميزانية الدولة مع التزايد المضطرد في عدد السكان المستفيدين من تلك الخدمات في تلك المجتمعات المختلفة مما إستلزم ضروره إيجاد آلية تضمن الحصول على الخدمه مع محدودية القدره وبالتالي كان لابد من مواجهة الأعباء المتزايده بالتعاون بين الحكومة وأرباب العمل والموظفين أو العاملين في تلك الهيئات و المؤسسات وكما اوضحنا في شرحنا لتأمين السيارات ومعدلات الخسائر المحققة والتي أوجدت ضرورة تدخل المشرع نرى أيضاً أن معدلات الخسائر في التأمين الطبي تتجاوز المائه في المائة في معظم البلدان بعد إضافة المصاريف الإدارية وتكلفة الطرف الثالث الذي يتولى التنسيق مع مقدمي الخدمات الطبية ومن هنا كانت الضرورة لتعاون الأطراف المذكوره آنفاً أي الحكومات وسلطات التشريع بها وأرباب العمل والموظفين والعاملين المستفيدين من تلك الخدمة.
وقد يتساءل البعض ولهم كل الحق عن الأسباب الكامنة وراء إرتفاع معدل الخسائر في التأمين الطبي أو الصحي لشركات التأمين وماهو الدور إذاً الذي تقوم به شركات إداره النفقات الطبيه TPAإذا لم تقم بدورها في لجم الإرتفاع الغير منطقي في كلفة الرعاية الصحية لصالح مكونات العمليه الصحية المختلفه ؟!! وهنا علينا أولاً أن نحدد الأسباب الكامنة وراء ذلك بصرف النظر عن عوامل التضخم المعروفه في أي تطور إقتصادي مجتمعي وهي على سبيل المثال لاالحصر كالتالي :-
1- زيادة حجم الإستثمارات الاقتصادية في الرعاية الصحية وخصوصاً المستشفيات والمراكز الطبية الكبيرة والمتخصصة والتي بالطبع لها حساباتها الإستثمارية في معايير الربح والخسارة.
2- ظهور التقنيات الحديثة وتطور التكنولوجيا الطبية والذي بالطبع ينعكس على أجور الخدمات الصحية المختلفة من تشخيص وجراحة ومتابعه وأدويه وغيرها.
3- إجراء عمليات جراحية حديثة ذات كلفة عالية مثل عمليات القلب وزراعة الأعضاء على سبيل المثال إضافة إلى الأمراض المستعصية والمزمنة.
4- زيادة كلفة الأدوية الناتجة عن نفقات تسويق عاليه ومعدل أرباح مرتفع إضافة إلى قوانين الحماية والإحتكار للأدوية الجديده وكل هذا على حساب الفاتورة الطبية.
5- زيادة الوعي الصحي وبالتالي زيادة الإهتمام بالحصول على الرعاية الصحية الدائمة والمتواصلة.
6- زيادة معدلات الأعمار وماينشأ عن ذلك من زيادة في الإنفاق على الأمراض المزمنة وأمراض الشيخوخة حيث أن المسنين (فوق 65 سنه) غالباً مايستهلكون خدمات صحية تصل إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف غير المسنين إذاً على ضوء تلك الأسباب هل تستطيع شركات إدارة النفقات الطبيه TAP التأثير في تحجيم هذا الإرتفاع المضطرد في سعر الخدمه الطبيه ؟! نستطيع أن نقول أن لها دوراً كبيراً في العمل بحياديه ومهنيه في محاولة تخفيض كلفة النفقات الطبيه المقدمة من مقدمي الخدمه من خلال الأدوار الموكله إليها والتي تمارسها في تطبيق الآليات المختلفه والمتوفره لها في الآتي :-
1- العمل على الحد من سوء إستخدام التأمين الصحي من قبل مقدمي الخدمة (المستشفيات والمراكز الطبية) والتي تنتج عن اللجوء لوسائل التشخيص بدلاً من المهاره الطبيه المتراكمة، إستخدام عدة وسائل في التشخيص مجتمعه دون داع، المغالاه في الأجور والأسعار ،التعمد بإطالة أمد المعالجة ، معالجة حالات خارجة عن الإختصاص، إدخال حالات للمستشفى دون مبرر طبي ،القيام بعمليات جراحيه دون مبرر طبي أو علمي ، وصف الأدويه الأكثر كلفة دون ضرورة طبية تقتضي ذلك ، تعمد كتابة أدوية لاعلاقة لها بالتشخيص ولكن فقط أدوية ومستحضرات لشركات محددة لمصالح متبادلة إضافة إلى المبالغة في كميات تلك الأدوية.
2- الاختيار السليم للجهات الطبية المعتمدة ضمن معايير علمية موضوعية بعيداً عن أي إعتبارات شخصية أو الخضوع للمصالح المتبادلة والإرتقاء الفني بهذه الجهات.
3- العمل على إيجاد الكوادر العلمية و الفنية المتخصصة والمدربة للتعامل وبحرفية عالية وقادرة على التكيف مع المستجدات والمتغيرات الطبيه والتقنية.
4- الحرص على تطبيق آليات صحيحة في تقديم الخدمات الصحية بما في ذلك مراقبة إدخال المرضى إلى المستشفيات والحد من وصول المرضى إلى الإختصاصين الفرعيين دون إحالة طبية ضرورية.
5- إستخدام التقنيات الحديثة في إدارة النقفات الطبية عبر الرقابة الآلية ووفق الشروط التعاقدية المتنوعة ومنع أي تجاوزات بحيث يتم الإطلاع على المطالبات قبل حدوثها لإخضاعها لشروط التعاقد وإتخاذ القرار آلياً بإستخدام آلية الإتصال المناسبة.
6- تطبيق شروط عقود التأمين الموقعة بين المستفيدين وشركات التأمين بشكل دقيق ومحايد ومراعاة شروط العقد من تحميل المريض نسبة من الكلفة لرفع مستوى الوعي التأميني لديه بالمشاركة في تحمل المسؤلية وأيضاً متابعة الإلتزام بحدود وسقف المنافع (أجور - وصفات - خدمات) لإحداث رقابة ذاتية (ومراقبة ذلك آلياً).
7- العمل بأقصى جهد ممكن لترشيد الإنفاق على الخدمات الصحية تحقيقاً لمبدأ تقديم أقصى درجة من الكفاية بأقل كلفة ممكنة ضماناً لإستمرارية تقديم تلك الخدمات.
تواصل دولة قطر مع شركائها وأصدقائها، في إطار الوساطة المشتركة، العمل من أجل ضمان التنفيذ الكامل لبنود اتفاق... اقرأ المزيد
114
| 13 أكتوبر 2025
مع تسارع التحولات التكنولوجية، برز الذكاء الاصطناعي كقوة ثورية قادرة على إعادة تشكيل جوانب متعددة من الحياة، لا... اقرأ المزيد
132
| 13 أكتوبر 2025
مع أننا نتقدّم في العمر كل يوم قليلاً، إلا أن أحداً منا لا يرغب في الشيخوخة. فالإنسان بطبيعته... اقرأ المزيد
249
| 13 أكتوبر 2025
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
مساحة إعلانية
حين ننظر إلى المتقاعدين في قطر، لا نراهم خارج إطار العطاء، بل نراهم ذاكرة الوطن الحية، وامتداد مسيرة بنائه منذ عقود. هم الجيل الذي زرع، وأسّس، وساهم في تشكيل الملامح الأولى لمؤسسات الدولة الحديثة. ولأن قطر لم تكن يومًا دولة تنسى أبناءها، فقد كانت من أوائل الدول التي خصّت المتقاعدين برعاية استثنائية، وعلاوات تحفيزية، ومكافآت تليق بتاريخ عطائهم، في نهج إنساني رسخته القيادة الحكيمة منذ أعوام. لكن أبناء الوطن هؤلاء «المتقاعدون» لا يزالون ينظرون بعين الفخر والمحبة إلى كل خطوة تُتخذ اليوم، في ظل القيادة الرشيدة لحضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني – حفظه الله – فهم يرون في كل قرار جديد نبض الوطن يتجدد. ويقولون من قلوبهم: نحن أيضًا أبناؤك يا صاحب السمو، ما زلنا نعيش على عهدك، ننتظر لمستك الحانية التي تعودناها، ونثق أن كرمك لا يفرق بين من لا يزال في الميدان، ومن تقاعد بعد رحلة شرف وخدمة. وفي هذا الإطار، جاء اعتماد القانون الجديد للموارد البشرية ليؤكد من جديد أن التحفيز في قطر لا يقف عند حد، ولا يُوجّه لفئة دون أخرى. فالقانون ليس مجرد تحديث إداري أو تعديل في اللوائح، بل هو رؤية وطنية متكاملة تستهدف الإنسان قبل المنصب، والعطاء قبل العنوان الوظيفي. وقد حمل القانون في طياته علاوات متعددة، من بدل الزواج إلى بدل العمل الإضافي، وحوافز الأداء، وتشجيع التطوير المهني، في خطوة تُكرس العدالة، وتُعزز ثقافة التحفيز والاستقرار الأسري والمهني. هذا القانون يُعد امتدادًا طبيعيًا لنهج القيادة القطرية في تمكين الإنسان، سواء كان موظفًا أو متقاعدًا، فالجميع في عين الوطن سواء، وكل من خدم قطر سيبقى جزءًا من نسيجها وذاكرتها. إنه نهج يُترجم رؤية القيادة التي تؤمن بأن الوفاء ليس مجرد قيمة اجتماعية، بل سياسة دولة تُكرم العطاء وتزرع في الأجيال حب الخدمة العامة. في النهاية، يثبت هذا القانون أن قطر ماضية في تعزيز العدالة الوظيفية والتحفيز الإنساني، وأن الاستثمار في الإنسان – في كل مراحله – هو الاستثمار الأجدر والأبقى. فالموظف في مكتبه، والمتقاعد في بيته، كلاهما يسهم في كتابة الحكاية نفسها: حكاية وطن لا ينسى أبناءه.
8799
| 09 أكتوبر 2025
المشهد الغريب.. مؤتمر بلا صوت! هل تخيّلتم مؤتمرًا صحفيًا لا وجود فيه للصحافة؟ منصة أنيقة، شعارات لامعة، كاميرات معلّقة على الحائط، لكن لا قلم يكتب، ولا ميكروفون يحمل شعار صحيفة، ولا حتى سؤال واحد يوقظ الوعي! تتحدث الجهة المنظمة، تصفق لنفسها، وتغادر القاعة وكأنها أقنعت العالم بينما لم يسمعها أحد أصلًا! لماذا إذن يُسمّى «مؤتمرًا صحفيًا»؟ هل لأنهم اعتادوا أن يضعوا الكلمة فقط في الدعوة دون أن يدركوا معناها؟ أم لأن المواجهة الحقيقية مع الصحفيين باتت تزعج من تعودوا على الكلام الآمن، والتصفيق المضمون؟ أين الصحافة من المشهد؟ الصحافة الحقيقية ليست ديكورًا خلف المنصّة. الصحافة سؤالٌ، وجرأة، وضمير يسائل، لا يصفّق. فحين تغيب الأسئلة، يغيب العقل الجمعي، ويغيب معها جوهر المؤتمر ذاته. ما معنى أن تُقصى الميكروفونات ويُستبدل الحوار ببيانٍ مكتوب؟ منذ متى تحوّل «المؤتمر الصحفي» إلى إعلان تجاري مغلّف بالكلمات؟ ومنذ متى أصبحت الصورة أهم من المضمون؟ الخوف من السؤال. أزمة ثقة أم غياب وعي؟ الخوف من السؤال هو أول مظاهر الضعف في أي مؤسسة. المسؤول الذي يتهرب من الإجابة يعلن – دون أن يدري – فقره في الفكرة، وضعفه في الإقناع. في السياسة والإعلام، الشفافية لا تُمنح، بل تُختبر أمام الميكروفون، لا خلف العدسة. لماذا نخشى الصحفي؟ هل لأننا لا نملك إجابة؟ أم لأننا نخشى أن يكتشف الناس غيابها؟ الحقيقة الغائبة خلف العدسة ما يجري اليوم من «مؤتمرات بلا صحافة» هو تشويه للمفهوم ذاته. فالمؤتمر الصحفي لم يُخلق لتلميع الصورة، بل لكشف الحقيقة. هو مساحة مواجهة بين الكلمة والمسؤول، بين الفعل والتبرير. حين تتحول المنصّة إلى monologue - حديث ذاتي- تفقد الرسالة معناها. فما قيمة خطاب بلا جمهور؟ وما معنى شفافية لا تُختبر؟ في الختام.. المؤتمر بلا صحفيين، كالوطن بلا مواطنين، والصوت بلا صدى. من أراد الظهور، فليجرب الوقوف أمام سؤال صادق. ومن أراد الاحترام فليتحدث أمام من يملك الجرأة على أن يسأله: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟
4032
| 13 أكتوبر 2025
في زمن تتسابق فيه الأمم على رقمنة ذاكرتها الوطنية، يقف الأرشيف القطري أمام تحدٍّ كبيرٍ بين نار الإهمال الورقي وجدار الحوسبة المغلقة. فبين رفوف مملوءة بالوثائق القديمة، وخوادم رقمية لا يعرف طريقها الباحثون، تضيع أحيانًا ملامح تاريخنا الذي يستحق أن يُروى كما يجب وتتعثر محاولات الذكاء الاصطناعي في استيعاب هويتنا وتاريخنا بالشكل الصحيح. فلا يمكن لأي دولة أن تبني مستقبلها دون أن تحفظ ماضيها. لكن جزءًا كبيراً من الأرشيف القطري ما زال يعيش في الظل، متناثرًا بين المؤسسات، بلا تصنيف موحّد أو نظام حديث للبحث والاسترجاع. الكثير من الوثائق التاريخية المهمة محفوظة في أدراج المؤسسات، أو ضمن أنظمة إلكترونية لا يستطيع الباحث الوصول إليها بسهولة. هذا الواقع يجعل من الصعب تحويل الأرشيف إلى مصدر مفتوح للمعرفة الوطنية، ويهدد باندثار تفاصيل دقيقة من تاريخ قطر الحديث. في المقابل، تمتلك الدولة الإمكانيات والكوادر التي تؤهلها لإطلاق مشروع وطني شامل للأرشفة الذكية، يعتمد على الذكاء الاصطناعي في فهرسة الوثائق، وتحليل الصور القديمة، وربط الأحداث بالأزمنة والأماكن. فبهذه الخطوة يمكن تحويل الأرشيف إلى ذاكرة رقمية حيّة، متاحة للباحثين والجمهور والطلبة بسهولة وموثوقية. فبعض الوثائق تُحفظ بلا فهرسة دقيقة، وأخرى تُخزَّن في أنظمة مغلقة تمنع الوصول إليها إلا بإجراءاتٍ معقدة. والنتيجة: ذاكرة وطنية غنية، لكنها مقيّدة. الذكاء الاصطناعي... فرصة الإنقاذ، فالذكاء الاصطناعي فرصة نادرة لإحياء الأرشيف الوطني. فالتقنيات الحديثة اليوم قادرة على قراءة الوثائق القديمة، وتحليل النصوص، والتعرّف على الصور والمخطوطات، وربط الأحداث ببعضها زمنياً وجغرافياً. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحوّل ملايين الصفحات التاريخية إلى ذاكرة رقمية ذكية، متاحة للباحثين والطلاب والإعلاميين بضغطة زر. غير أن المشكلة لا تتوقف عند الأرشيف، بل تمتد إلى الفضاء الرقمي. فعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية التقنية، إلا أن الإنترنت لا يزال يفتقر إلى محتوى قطري كافٍ ومنظم في مجالات التاريخ والثقافة والمجتمع. وحين يحاول الذكاء الاصطناعي تحليل الواقع القطري، يجد أمامه فراغًا معرفيًا كبيرًا، لأن المعلومة ببساطة غير متاحة أو غير قابلة للقراءة الآلية. الذكاء الاصطناعي لا يخلق المعرفة من العدم، بل يتعلم منها. وعندما تكون المعلومات المحلية غائبة، تكون الصورة التي يقدمها عن قطر مشوشة وغير مكتملة، ما يقلل من فرص إبراز الهوية القطرية رقمياً أمام العالم. فراغ رقمي في عالم متخم بالمعلومات.....حين يكتب الباحث أو الصحفي أو حتى الذكاء الاصطناعي عن موضوع يتعلق بتاريخ قطر، أو بأحد رموزها الثقافية أو أحداثها القديمة، يجد أمامه فراغًا معلوماتيًا واسعًا. مثالنا الواقعي كان عند سؤالنا لإحدى منصات الذكاء الاصطناعي عن رأيه بكأس العالم قطر2022 كان رأيه سلبياً نظراً لاعتماده بشكل كبير على المعلومات والحملات الغربية المحرضة وذلك لافتقار المنصات الوطنية والعربية للمعلومات الدقيقة والصحيحة فكثير من الأرشيفات محفوظة داخل المؤسسات ولا تُتاح للعامة، والمواقع الحكومية تفتقر أحيانًا إلى أرشفة رقمية مفتوحة أو واجهات بحث متطورة، فيما تبقى المواد المحلية مشتتة بين ملفات PDF مغلقة أو صور لا يمكن تحليلها والنتيجة: كمٌّ هائل من المعرفة غير قابل للقراءة الآلية، وبالتالي خارج نطاق استفادة الذكاء الاصطناعي منها. المسؤولية الوطنية والمجتمعية تتطلب اليوم ليس فقط مشروعاً تقنياً، بل مشروعاً وطنياً شاملًا للأرشفة الذكية، تشارك فيه الوزارات والجامعات والمراكز البحثية والإعلامية. كما يجب إطلاق حملات توعوية ومجتمعية تزرع في الأجيال الجديدة فكرة أن الأرشيف ليس مجرد أوراق قديمة، بل هو هوية وطنية وسرد إنساني لا يُقدّر بثمن. فالحفاظ على الأرشيف هو حفاظ على الذاكرة، والذاكرة هي التي تصنع الوعي بالماضي والرؤية للمستقبل، يجب أن تتعاون الوزارات، والجامعات، والمراكز الثقافية والإعلامية والصحف الرسمية والمكتبات الوطنية في نشر محتواها وأرشيفها رقمياً، بلغتين على الأقل، مع الالتزام بمعايير التوثيق والشفافية. كما يمكن إطلاق حملات مجتمعية لتشجيع المواطنين على المساهمة في حفظ التاريخ المحلي، من صور ومذكرات ووثائق، ضمن منصات رقمية وطنية. قد يكون الطريق طويلاً، لكن البداية تبدأ بقرار: أن نفتح الأبواب أمام المعرفة، وأن نثق بأن التاريخ حين يُفتح للعقول، يزدهر أكثر. الأرشيف القطري لا يستحق أن يُدفن في الأنظمة المغلقة، بل أن يُعاد تقديمه للعالم كصفحات مضيئة من قصة قطر... فحين نفتح الأرشيف ونغذي الإنترنت بالمحتوى المحلي الموثق، نصنع جسرًا بين الماضي والمستقبل، ونمنح الذكاء الاصطناعي القدرة على رواية قصة قطر كما يجب أن تُروى. فالذاكرة الوطنية ليست مجرد وثائق، بل هويةٌ حيّة تُكتب كل يوم... وتُروى للأجيال القادمة.
2388
| 07 أكتوبر 2025