رئيس مجلس الإدارة : د. خالد بن ثاني آل ثاني

Al-sharq

رئيس التحرير: جابر سالم الحرمي

الشرق

مساحة إعلانية

مساحة إعلانية

المحامي عبد الله نويمي الهاجري

إنستغرام: @9999

مساحة إعلانية

مقالات

1185

المحامي عبد الله نويمي الهاجري

هل يجوز للشخص أن يوصي بجميع أمواله لأحد أبنائه؟

26 مايو 2025 , 02:00ص

بعض الأسر في مجتمعاتنا تتداخل عواطفها مع الأحكام الشرعية في لحظات اتخاذ القرارات المصيرية، خصوصا فيما يتعلق بتدبير أمورهم المستقبلية ومآل ما يمتلكونه في الحياة بعد وفاتهم. فكثيرًا ما نسمع عن أب أو أم قررا أن يكرما أحد أولادهما على حساب البقية، إما لكونه الأقرب لهما، أو لأنه تولى رعايتهما في الكبر، أو في نظرهما هو الأحوج إلى الدعم من إخوانه. ففي هذه الحالات يقوم البعض بالتوصية قيد حياته بجزء كبير من أمواله أو كل ما يمتلكه لصالح هذا الولد، متناسيا أو متجاهلا حقوق البقية.  والسؤال القانوني الذي يطرح عندئذ، هل يحق للشخص أن يوصي بكل ماله لأحد أولاده؟ وهل تعتبر هذه الوصية صحيحة حسب ديننا الإسلامي وفي منظور المشرع القطري؟

الإجابة تبدأ من ضرورة فهم المجتمع لطبيعة الوصية، وضوابطها في القانون انطلاقا من أحكام الشريعة الإسلامية.

فالوصية تصرف إرادي من الشخص قيد حياته بتخصيص جزء فقط من ماله للغير، يستفيد منه الموصى له بعد وفاة الموصي، وهي تختلف بطبيعتها عن التركة التي تعتبر شرعا وقانونا توزيعا إلزاميا لمال المتوفى إلى الأشخاص المستحقين له. وبالتالي لا يجوز أن تكون الوصية وسيلة للتحايل على نظام التركات، وحرمان الورثة من حقهم الشرعي.

وقد نظم المشرع القطري أحكام الوصية في الباب الثاني ضمن الكتاب الرابع من قانون الأسرة، وأكد في المادة 209 منه على مبدأ أساسي يمنع الشخص أن يوصي بماله لأحد من ورثته إلا إذا أجاز ذلك باقي الورثة. فإذا أوصى رجل بقدر من ممتلكاته لأحد أولاده الذي يعتبر وارثا شرعيا فإن الوصية باطلة، ما لم يجزها الورثة الآخرون إجماعا بينهم. أما إذا وافق البعض منهم يتم تنفيذ الوصية في حدود حصص الورثة الموافقين فقط.

ويختلف الأمر إذا تعلق بالوصية للغير، في هذه الحالة يكون سوء النية غير مفترض من الموصي بشأن حرمان أحد الورثة من حقه، فالقانون هنا يسمح للشخص أن يخصص الثلث من ماله لأحد من الأغيار، ولا تكون هنالك حاجة لموافقة الورثة. ويسمى ذلك في فقه الشريعة الإسلامية «حد الوصية الجائزة». فإذا كانت مثلا تركة المتوفى تبلغ 9 ملايين ريال قطري، وكانت وصيته تخصيص مبلغ 3 ملايين ريال قطري لشخص أجنبي، يصبح هذا المبلغ مستحقا له بمجرد حدوث الوفاة، وقبل توزيع التركة دون أن يحق لأحد من الورثة الاعتراض على ذلك، بشرط استيفاء الوصية للشروط الشكلية والموضوعية المطلوبة.

لكن إن زادت عن ثلث التركة، فإن تنفيذها متوقف على إجازة الورثة وذلك حسب المادة 209 من قانون الأسرة، وعلى سبيل المثال إذا كتب رجل قيد حياته وصية لأقرب أصدقائه بنسبة 40% من تركته، فإنها لا تصبح جائزة إلا بعد موافقة الورثة الراشدين، وإذا رفضوا إجازتها تنفذ في حدود الثلث فقط.

وبالاطلاع على هذه القيود الواردة على أحكام الوصية، قد يرى البعض أنها تحد من إرادة الشخص في توزيع ماله إلى ما بعد وفاته. وقد يكون الأمر فعلا كذلك، لكن المشرع لم يتبن هذا المبدأ عبثا، بل استند في ذلك إلى مقاصد الشريعة في الحفاظ على استقرار علاقات الأسر بعد وفاة أحد أفرادها، وتجنب العديد من النزاعات العائلية التي قد تهدد وحدة المجتمع، فلو تم فتح باب الوصية على مصراعيه، فسوف يتم السماح لسلوكيات شاذة أن تنخر مجتمعاتنا مثل الطمع واستحواذ أحد أفراد الأسرة على التركة وهضم حقوق إخوته، أمه، أرملة والده، وغالبا ما سيؤدي ذلك إلى خصومات قضائية وعداوات تدوم لسنوات عديدة. لذلك، فالقانون المنظم للوصية جاء ليكرس أحكام الدين الإسلامي ويحمي العلاقات الأسرة حتى بعد وفاة المعيل.

لذلك ودرءا لكل لبس قد يحدث عند توزيع التركات، وكان الشخص قيد حياته يرغب في تخصيص جزء من ماله لأحد ما، ينبغي عليه أن يكتب وصيته بحسب الإجراءات الشكلية والموضوعية اللازمة، حيث يجب بداية تحديد الشخص المستفيد بدقة، واستيعاب صفته القانونية إن كان وارثا أم لا، والحرص على ألا تتجاوز الوصية في جميع الأحوال ثلث التركة، مع تجنب الوصية للوارث إذا كان الموصي يعلم قيد حياته أن باقي الورثة غير موافقين، وأن في ذلك فتحا لباب العداوات بين أفراد أسرته. وضمانا لتوافر هذه الشروط في الوصية، يفضل أثناء كتابتها الاستعانة بمحام مختص في صياغة العقود، لإفراغها في القالب الشكلي المتطلب وتسجيلها بالطرق المقررة قانونا إذا استدعى الأمر ذلك.

وعموما، الوصية شرعا وقانونا ليست بابا مفتوحا للتصرف المطلق في المال ما بعد الوفاة، بل هي أمانة يجب أن تمارس بوعي ومسؤولية، ولا يجوز أن تصبح أداة للتمييز أو تصفية الحسابات العائلية، لأن مال التركة قد يصرف ويتلاشى، لكن العلاقات الأسرية أقوى وأولى بالحماية.

مساحة إعلانية